مدرسة لطفي جعفر أمان استندت في النص الغنائي إلى مرتكزين هما : الصورة الشعرية واللغة المتوسطة
مصطفى خضر من سلالة الشعراء الغنائيين الذين رفدوا الاغنية اليمنية الحديثة بينابيع اشعارهم الغنائية السلسة والعذبة. الشاعر مصطفى جاء بعد مرحلة التأسيس للشعر الغنائي الحديث الذي بدأه الشاعر مصطفى محمد عبدة غانم وتأصلت جذوره الشعرية بقوة على يد لطفي جعفر امان بصورة ناضجة من تجسيد الصورة الشعرية, والارتقاء بالكلمة الغنائية, وهي من واقع اللهجة المحلية, التي كانت في الغالب من اللهجة المحلية العدنية, وبذلك تضافر هذان العاملان للارتقاء بالنص الغنائي من مرحلة التبذل اللفظي والجفاف التصويري الشاعري, وهي مدرسة كان للشاعر لطفي امان فضل تأصيلها في شكل ارتقى ليس بالنص الغنائي فحسب وانما بالاغنية اليمنية عموما, ولاننكر في هذا الاطار فضل العديد من الشعراء الاجلاء الذين ساهموا في خدمة النص الغنائي امثال احمد الجابري ومحمد علي لقمان وغيرهم.والحديث عن هذا الموضوع يتسع ويحتاج الى دراسة اخرى ولكن ما يهمنا ان الشاعر جاء الى الساحة الغنائية من بوابة الشعر الغنائي, والساحة مملوءة بهذا الزخم الذي كان يملؤه هؤلاء ويردد صداه الغنائي رواد الغناء اليمني الحديث والمعاصر من محمد مرشد ناجي واحمد قاسم ومحمد سعد عبدالله واسكندر ثابت.نجيب مقبلوفي الضفة المقابلة للغناء العدني كانت ضفة الغناء اللحجي ترفد الساحة بأعذب الكلمات التي كان يصوغها القمندان الرائد, وعبدالله هادي سبيت وصالح نصيب ومسرور مبروك ويصوغها الحانا فضل محمد اللحجي وابناء مدرسة محمد صالح حمدون وعبدالكريم توفيق وحسن عطا. وكان لهذه المدرسة ميزتها التي صاغت الكلمة واللحن من وحي الطبيعة ومن افواه الناس ورقصات المزارعين والتأثر بالغناء الحديث, فكانت مدرسة بحالها ساهمت في صناعة وتوسيع رقعة الغناء الحديث ورسخت اقدامه وطورت ادواته.بين هاتين الضفتين الغناء العدني والغناء اللحجي نمت وترعرعت موهبة الشاعر مصطفى خضر, وكان يستقي من قوة موهبته الشعرية افضل ما في هاتين المدرستين الغنائيتين من الشعر الغنائي.وان كنت اميل الى ان الشاعر مصطفى الخضر في نصوصه الشعرية وفي لغته الشعرية(لهجته) المستمدمة اكثر تأثرا بالمدرسة اللحجية وتوسعا في استخداماته بحيث يبدو للمستمع والقارئ لاشعاره الغنائية انه جمع بين اللهجتين العدنية واللحجية, وكان اميل الى استخدام اللهجة اللحجية.ومما يعزز هذا الرأي ان الشاعر في اول لقاء له بالمثقفين والغنائيين لدى اول زيارة له لليمن ولمدينة عدن التي تركها مكرها عام 1967م اشار الى هذه النقطة, واكد انه كان يبحث عن لهجة في اشتغاله الشعري الغنائي, هذه اللهجة تشبه اللهجة المصرية التي استطاع كل العرب استيعابها لما تتمتع به من سلاسة في النطق وسهولة المعنى, ومجالها في الغناء والموسيقى, فكان مراده موجود في اللهجة اللحجية التي كانت تتمتع بهذا القدر من السلاسة والعذوبة (والكلام للشاعر مصطفى خضر) وامكانية الفهم لدى جميع ابناء اليمن.ويؤكد الشاعر توجهه لهذه اللهجة المحلية في اكثر اغانيه رغم ان توجهه الاساس للهجة العدنية الا ان الشاعر كان يحاول جاهدا ان يعمم من خلال نصوصه الشعرية هذا الافتراض او النظرية التي تبناها, ولم يلتقطها غيره من الشعراء في عدن والمدن الاخرىإلا شعراء الاغنية اللحجية الذين كانوا ينهجون هذا المنهاج طواعية وليس تفكيرا نظريا كما قال الشاعر الخضر بعد اكثر من ربع قرن من اوج اشتغاله بالنص الغنائي.ورغم ان الشاعر كان يطعم اغانيه بهذه اللهجة المحببة التي يفترض ان تكون البديل الاوسع للهجة العامية في الغناء اليمني بمختلف الوانه وفي كل البقاع, الا انه في المقابل لم يكن متعصبا او ميالا لفرض اللون اللحجي في الغناء, وانما لاستخدام اللهجة اللحجية بعيدا عن رديفها اللحن اللحجي المعروف ودليلنا على ذلك ان الشاعر كان يرمى بقصائده للفنانين امثال احمد قاسم ومحمد عبده زيدي وغيرهما, وكانا يقومان بتلحينها بأحدث الالحان واكثرها الحان تنتمي الى المدرسة الحديثة التي بقدر ما ابتعدت عما سمي الغناء العدني الى رحاب اوسع, تحت ظلال او مفهوم جديد – نسميه – الاغنية اليمنية المعاصرة التي خرج من معطف الغناء العدني الى رحاب اوسع بفعل قوة المشروع الغنائي الذي تجاوز المفهوم الضيق للمحلية العدنية الى الغناء الاوسع انتماء والاكثر تطورا, واشتغالات موسيقية تجديدية حمل لواءها رواد الغناء اليمني في مدينة عدن امثال محمد مرشد ناجي واحمد قاسم ومحمد سعد عبدالله واسكندر ثابت وغيرهم ليلتقي مع المشروع المتنوع والمتفرد والمجدد في مناطق لحج وتعز وصنعاء والمكلا وغيرها ومثل في الاخير مشروعا نسميه الغناء اليمني المعاصر في فترة الستينات وصارت امتداداته الى ما بعد ذلك, وهذا مجال يمكن ان نتوسع في الحديث عنه في دراسة منفصلة.اذن الشاعر مصطفى خضر هو ابن هذه المرحلة ولهذا المشروع الغنائي الحديث في اليمن, واذا كان مجيئه الى الساحة بعد بروز نجوم الفن الكبار امثال احمد سالم بامدهف واحمد قاسم ومحمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله, وفي الشعر بعد الاساتذة الشعراء محمد عبده غانم ولطفي جعفر امان, فانه كان بهذه الولادة لصيقا بالجيل التالي لجيل الرواد المرشدي واحمد قاسم ومحمد سعد, وبهذا المعنى يمكن تفسير الثنائية التي جمعته بمحمد عبده زيدي.واللافت في الامر ومن خلال ملاحظتي لعدد من الاغاني التي لحنها الفنانون الرواد المجايلون ان عددا منها حملت اشتغالا موسيقيا, هي ابعد عن التلحين النمطي, وفيها قدر من الاشتغال الموسيقي لايمكنني وانا القليل الحيلة في المجال الموسيقي ان اشرحه بأبعد من هذه الكلمات, بأن هذه الاغاني تمتعت بعدد من الاحتراف والتنوع والتجديد الموسيقي, وتمتعها بمساحة موسيقية متفردة ليست متكئة على النص الغنائي والكنها متجاوزة له, وتتمتع باستقلالية خاصة, وهي ملاحظة استرعت الانتباه .. وتركت لدي العديد من الاسئلة:- لماذا اشترك كل هؤلاء الفنانون في تقديم هذا الشكل الموسيقي لنصوص الشاعر؟.- هل في النص سحريته التي جذبت هذا الاشتغال؟ وغيرها من الاسئلة ويمكن تحديد هذه الاغاني كما يلي:1 – هب الصفا / ابتدينا لاحمد قاسم2 – باراعيلك / السعادة لمحمد عبده زيدي.وغيرها من الاغاني التي يمكن ان يغوص في تعدادها وتبيان جماليتها الموسيقية متخصصون موسيقيون, ولكننا كمتذوقين للغناء نستطيع ملاحظته بالنظرة, ونترك لهؤلاء الموسيقيين المتخصصين شرح هذه النقطة.[c1]تجربة خاصة[/c]والحري بنا لتقييم تجربة الشاعر مصطفى خضر – وكنا قد استعرضنا المدرسة الشعرية الحديثة في النص الشعري التي اصّلها لطفي جعفر امان معتمدا على:1 – الصورة الشعرية التي تعتمد على الصورة الفنية.2 – اللفظ الشعري الراقي الذي اعتمد على المزج بين اللهجة واللغة الوسطى بنا ان نقول ونحن نقيم تجربة الشاعر مصطفى انه رغم نجاحه في تجربة النص الغنائي, انه يبعد عن هذه المدرسة من حيث :1 – ان الشاعر لم يعتمد في نصوصه كثيرا على الصورة الشعرية التي كان لطفي يصنعها من وحي تجربته الشعرية في اللغة الفصحى, ويحاول ان يكرسها من خلال النص الغنائي المكتوب باللهجة (مثل الصورة – مرود السحر – صدفة التقينا) وغيرها من الصور الشعرية, ولكن الشاعر مصطفى ينتمي الى مدرسة اخرى تعتمد على المناجاة والمخاطبة والتأوه, والتحادث مع الآخر وهو اسلوب استطاع ان يمسك به في حين الذين من بعده لم يستطيعوا ان يجيدوا استخدامه فسقطوا في نص التأوه الساذج والمخاطبة والمناجاة المجانية والكلام الذي هو ليس بالبسيط وانما بالنمطي فكثرت في اغانيهم كلمات الهجر والبعد والتأوه.وهذا اللون سائد في الغناء ليس اليمني بل والعربي, ومدرسة لطفي جعفر مازالت تنتظر من يجسدها ويعيد اليها الروح لانها عافية الشعر الغنائي الذي رأيناه في نصوص الرحبانيات وفي قليل من الاغاني التجسيدية والتعبيرية العربية واليمنية.وثانيا : ان الشاعر رغم انتمائه لهذا الشكل في النص الغنائي واجاد فيه فيما لم يجد فيه شعراء آخرون من بعده وسقطوا في النمطية باستخدام اللفظة والمعنى, فانه ايضا انتمى لمدرسة استخدام اللهجة بكل تجلياتها وجماليتها, وابتعد عن اشتغالات شعراء الفصحى الذين كتبوا النص الغنائي بمحاولة شق الطريق الثالث في اللغة وهي اللغة الوسطى من حيث رفع سقف لفظة اللهجة وخفض سقف الكلمة الفصحى لتلتقي في منطقة وسطى هي تجسيد لالفاظ الفصحى وانما بنطق اللهجة فكانت اختيارات الشاعى اللفظية تنتمي في مجملها الى كلمات اللهجة, وهو ما مارسه باقتدار واجاد فيه فيما الآخرون من بعده سقطوا في الكلام الفج ولم يفهموا كيف استخدم الشاعر الخضر اللفظة التي تنتمي الى اللهجة والى معاملة يومية تقوم بها في الخلف باسم الآخر الذي نعزه ونحبه (ورأسك) فكان استخدامه اقتدارا وتجربة تستحق الوقوف عندها, بينما شعراء الاغنية الذين استخدموا اللهجة بصورة فجة كانوا اقرب الى الكلام الفج والنمطي.ومن هنا تتجلى تجربة الشاعر الخضر في امساكه بالخيط الرفيع الذي يجمع اللفظة استبدالا للصورة, ويجسد كلمات اللهجة في اجمل تجلياتها وليس في اردأ احوالها.وهو الخيط الذي نتمنى من الشعراء في الساحة الغنائية, والاشتغال الشعري في النص الغنائي ان يعوا مراميه وابعاده واشكال استخدامه وفائدته للشعر الغنائي وللغناء.