ماذا ينتظر اليمن بعد مخاطر ( القاعدة ) والخطاب الانفصالي ؟؟
استعرضت في الحلقة السابقة من هذا المقال نصوصاً تكفيرية خطيرة وردت في كتاب مرخص بإيداع رسمي لأحد مشايخ السلفية في اليمن وهو كتاب ( تحذير الدارس من مخالفات المدارس ) وطالبت بمحاسبة كل من له علاقة بالترخيص لهذا الكتاب وفي مقدمتهم معالي وزير الثقافة ورئيس الهيئة العامة للكتاب،إذ يدل صدور الكتاب بالشكل الذي خرج به ومع ترخيص رسمي ورقم إيداع على السبات العميق الذي تعيشه الوزارة والهيئة المعنية . وكنت قد استغربت جرجرة العشرات من زملاء المهنة من الصحفيين والكتاب من مختلف محافظات الجمهورية إلى العاصمة صنعاء للمثول أمام محكمة الصحافة وتعرض الكثير منهم للمحاكمة والتوقيف بتهمة التعدي على الثوابت الوطنية في قضايا نشر ، بينما السلفيون يتعدون بكل وقاحة وإسفاف على هذه الثوابت في كتبهم ومنشوراتهم ومطبوعاتهم وينكرون الثوابت الوطنية وينشرون سمومهم علناً في المجتمع بكل حرية ، وفوق هذا وذاك يتمتعون بحماية رسمية ، وتباع كتبهم في معارض تنظمها الدولة . وتناولت في مقالي عدداً من النصوص التي وردت في كتاب ( تحذير الدارس من مخالفات المدارس ) الذي ألفه الداعية السلفي أبو أمامة عبدالله الجحدري ، وقدم لهذا الكتاب وزكاه شيخ الدعوة السلفية ومدير معهد دار الحديث في محافظة صعدة يحيى بن علي الحجوري ، ومنها أن الكتاب يسخر من الوطنية ويعتبرها كفراً ويعتبر العلم الوطني مجرد خرقة لا تستحق التعظيم ويسفه النشيد الوطني والوحدة اليمنية ويصف شعار الجمهورية اليمنية بأنه معصية ويعتبر وضع هذا الشعار على العملات الورقية والورق والمعاملات الرسمية فعلاً محرماً وينتقص من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وينتقد تدريس تاريخ الثورة اليمنية في المدارس والمناهج الوطنية بل ويعتبر الوحدة اليمنية كفراً بحسب ما جاء في نصوص الكتاب التي تم استعراضها مع رقم الصفحة التي وردت فيها .
وكنت قد أوضحت أن الفكر السلفي خطر حقيقي على اليمن لا يمكن أن نحارب به تيار القاعدة أو الحوثي أو الانفصال ، كما لا يمكن المراهنة على الورقة السلفية لتصفية الحسابات مع الشيعة الزيدية أو الاسماعيلية أو الحراك الجنوبي ، فالسلفيون لا يؤمنون بالوطن اصلاً حتى يؤمنوا بوحدته ولا يؤمنون بالدستور والقانون والنظام الجمهوري حتى يدافعوا عنه من الحوثيين والإماميين بل إن من بين الاقتباسات التي استعرضناها عبارات تدافع عن الإمام أحمد وتذم الثورة التي قامت عليه ، فلماذا بعد هذا كله تستمر الجهات الرسمية في دعم نشر هذا الفكر الخطير على اليمن ووحدته وأمنه واستقراره وتدعم كتبه ومنشوراته وتسوقها وهي تحتوي على هذا الكلام الإجرامي بحق تاريخنا ومنجزاتنا ورموزنا وهويتنا .وسأواصل في هذه الحلقة استعراض بقية ما جاء في الكتاب الخطير الذي لا أدري على أي أساس رخصت له وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب ومنحته رقم إيداع رسمي في دار الكتب ، ولا أدري هل اطلع عليه المعنيون بإجازة كتب النشر في وزارة الثقافة وهيئة الكتاب أم أن هناك خللاً كبيراً ينبغي تداركه في هاتين الهيئتين قبل أن يأتي بنتائج لا تحمد عقباها .
في الصفحة رقم ( 222 ) يقول مؤلف هذا الكتاب المهووس : ((للنظام الديمقراطي مساوئ كثيرة منها أن هذا النظام حكم الشعب نفسه بنفسه وهو كفر وشرك بالله لأنه تأليه للأغلبية وإشراك بالله واتهام للشريعة بالنقص )) ، ثم يقول في صفحة ( 224 ) : (( ومن مساوئ الديمقراطية كل ما تضمنته من انتخابات ينعقد عليها الولاء والبراء لغير الله ، واختلاط ، وتصوير ذوات أرواح ، وإسراف في الأموال ووضعها في غير موضعها وهو من التخوض في مال الله بغير حق وقد نهينا عنه ، والديمقراطية كلها مساوئ )) . فالسلفيون هنا يكفرون الانتخابات ويكفرون الديمقراطية لأن فيها تصويراً لذوات أرواح والمقصود بها هنا الرموز الانتخابية وصور المرشحين، بل يعتبرون الديمقراطية كفراً وشركاً بالله. ولا يكتفي الفكر السلفي بهذا القدر بل إنه ينفي إسلامية النظام اليمني ؛ فعند مناقشته في الصفحة رقم (227 ) لكتاب التربية الوطنية للصف الخامس جاء فيه: (( قالوا في ص 75 - يقصد كتاب التربية الوطنية - إن الديمقراطية في اليمن نظام اسلامي يلتزم مبادئ الشريعة الإسلامية والحريات الشخصية فيها مقيدة بأوامر الله ونواهيه ، وهذا من تقليب الحقائق ، والكذب على الله تعالى )) . وحتى يظهر لنا مؤلف هذا الكتاب الكثير من ذكائه فقد قام بوضع سؤال واستفهام في الصفحة رقم ( 257 ) وهو : (( هل الإسلام مصدر التشريعات أم أنها الديمقراطية والاشتراكية))، ثم أجاب في الصفحة نفسها عن تساؤله الذكي هذا بقوله : (( الواقع هو الذي يبين لك الحقيقة ومن ذلك الواقع - وهنا ذكر عدة نقاط أذكر بعضها هنا - : انتشار بيع الدخان والقات والتبغ ، السماح للإعلام بنشر الأغاني والأفلام ، الامر بحلق اللحى في المعسكرات)).. ثم واصل هذيانه في الصفحة التالية ( 258) قائلاً : (( ومن ذلك الواقع الذي يبين لنا هل الحكم للإسلام أم للديمقراطية والاشتراكية السماح للحزبيات بإقامة كيانها والإسلام ينهى عن ذلك ، ومن ذلك إلزام الناس بالتصوير لأجل الهوية ونحوها والإسلام ينهى عن تصوير ذوات الأرواح )) . ترى أين الهيئة الوطنية للتوعية وأين الهيئة العامة للكتاب وأين إدارات المصنفات الفكرية من هذا الهراء الخطير الذي يعتبر تصوير الفرد لأجل بطاقة الهوية الوطنية وكذا حلق اللحى في المعسكرات عملاً محرماً ينفي إسلامية النظام القائم ؟؟ . لكن الطامة الكبرى هي ما ستقرؤه في الصفحة ( 286 ) حيث يقول المؤلف السلفي : (( من المحال الالتزام بالإسلام وبالنظام الجمهوري أو الديمقراطي معاً فهما نقيضان فالديمقراطية كفر ، وأما الذي يؤمن بالطاغوت فلا يمكن أن يسلم حتى يكفر بالطاغوت أولاً )) ، إذن فالسلفيون يخيرون الحاكم بين الإسلام وبين النظام الجمهوري ، وهم يرون أنه إما أن يكون مسلماً أو يكون ديمقراطياً جمهورياً ، ترى ما هو النظام الذي يريد السلفيون إقامته هل هو نظام حكم الفرد وقمع المخالف وإحضار الرؤوس على الأطباق إلى ولي الأمر ؟؟ ، أم أنهم يريدون إعادة حكم الإمامة الظالم لا سيما وقد تقدم شرح دفاعهم عنه وعن نظامه ، وفي هذه الحالة كيف لنا أن نفهم تعاطف بعض مراكز القوى في الدولة معهم؟ وكيف لنا أن نفهم نظرة البعض إلى السلفيين على أنهم الشوكة التي يمكن أن يكافح بها التمرد الحوثي او الحراك الجنوبي ، ألا يمثل السلفيون بمثل هذه الأفكار فئة ضالة تشكل خطراً على الوطن وأمنه واستقراره ووحدته وسلمه الاجتماعي علماً بانه لا فرق بين أيديولوجية السلفيين وأيديولوجية القاعدة ؟؟!! . ثم يواصل هذا الكتاب السلفي المرخص رسمياً من وزارة الثقافة مهاجمته لمنجزات الثورة اليمنية فيسخر من الاهتمام بالزراعة ويقول إن (( من ذلكم الاهتمام إنشاء ما يسمى ببنك التسليف التعاوني الزراعي الذي يمد المزارعين بالقروض الربوية )) . ( ص 287 ) . ثم يواصل هذا الكتاب السلفي تدميره لكل مقومات الاقتصاد الوطني فيتناول السياحة بفكر بدوي صحراوي أبله فيقول في الصفحة رقم ( 289 ) : (( يعنى بالسياحة التي تنعش الاقتصاد سياحة أصحاب الدولار واليورو ، سياحة الكفار بالمرتبة الأولى لذا هيؤوا لها الفنادق التي لا مقطوع فيها ولا ممنوع )) ، هذه هي نظرة المنهج السلفي للسياحة ، لكن المستهدف من هذا ليس السياحة وإنما الاقتصاد الوطني ككل بدليل أن المؤلف يحرم حتى استثمار الآثار القديمة للسياحة وهي التي لا يوجد فيها فنادق ولا مقطوع أو ممنوع ولا هم يحزنون ، فيقول في صفحة رقم ( 292 ) : (( لا يجوز الاحتفاظ بالآثار القديمة ؛ لأن هذا يؤول إلى الشرك ، ولو فيما بعد ، والدين جاء بسد الطرق المفضية إلى الشرك )) . ولا يتوقف هذا الكتاب عند مهاجمة الشعار والنشيد الوطني وثورتي سبتمبر وأكتوبر والنظام الجمهوري وقدح وذم محمد محمود الزبيري وأروى بنت أحمد الصليحي وتلميع حكم الإمامين يحيى وأحمد حميد الدين ، بل أن الكتاب يعتبر مفردات الدستور والشعب والمواطنين (( من الألفاظ الدخيلة على المسلمين )) ، ثم يقول في الصفحة رقم ( 302 ) : ((واعلموا أن هذه الحزبيات والجمعيات والتفرقات والانتخابات محرمة لأنها تفضي إلى محرمات )) . ترى هل يصدق احد أن هذا المنهج السلفي الذي يحاول اليوم بعض رجال السلطة تقديمه على أنه منهج وسطي ومعتدل يحرم الرياضة التي لا تعين على الحروب ، حيث يقول في صفحة ( 337 ) : (( هذه الرياضات كم جنت على الأمة الاسلامية من أضرار وليست هي من الرياضات التي تعين على الحروب )) . إن ما ورد في هذا الكتاب الخطير الذي رخصت له وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب يشيب له رأس الوليد ولم أستعرض هنا إلا النزر اليسير منه لأوضح الخطر الحقيقي للمنهج السلفي الذي تحاول بعض قوى السلطة اليوم المراهنة عليه في محاربة التمرد الحوثي والحراك الجنوبي ، كما أن السماح بترخيص مثل هذا الكتاب ينبغي ألا يمر مرور الكرام وينبغي محاسبة المسؤولين عن ذلك حتى لا نرى يوماً كتب أسامة بن لادن وأيمن الظاهري بترخيص حكومي وبرقم إيداع رسمي . والله من وراء القصد
غلاف الكتاب
![](https://14october.com/uploads/content/1007/7SWPSDZT-HW4EQW/tn[1].jpg)