نادرة عبدالقدوس:ابتداءرداً على سؤال مذيعة برنامج "النجوم الصغار" الذي كان يبث يومياً من القناة الثانية (تلفزيون عدن) طوال شهر رمضان المبارك المنصرم والذي وجهته إلي أثناء استضافتي في احدى حلقاته عما اذا كانت لدي أية نصيحة للأطفال؟ قلت القراءة والقراءة.. فالكتاب وإن كان لظهور التلفزيون ووسائل الاعلام الحديثة المتطورة دور في صرف الناس عنه سيظل يحمل القدسية التي تحيط به والتي تضعه في موقع متميز بين وسائل الثقافة والإعلام.وكما يقول الخبير الإعلامي المصري سعد لبيب "ان الكتاب مازال هو وعاء المعرفة التي تتميز بالثبات، وإمكان العودة اليه وقراءته من جديد كله أو بعضه، وهو الوسيلة التي تطلق العنان للخيال والتأمل، وإعادة النظر في الافكار والأشياء."فالكتاب وان ظل قروناً من الزمن جليس وسمير الإنسان باعتباره الارخص كلفة والأيسر اقتناء والأسرع إلىنقل المعارف، إلا أن ما حدث ويحدث من تطور في صناعة الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة يجعلنا نرفع الراية البيضاء والتسليم بأهمية وجود تقنيات المعرفة الأخرى ومنافستها للكتاب.. وقد ظهرت السينما كأول وسيلة إعلامية ثقافية للتواصل الإنساني ونقل المعارف والفنون .. وذلك مع بداية القرن التاسع عشر.. ثم ظهرت الإذاعة المسموعة أو الصوتية وتوالت صناعة الاسطوانات والأشرطة التي نجحت في نشر الابداع الأدبي والموسيقي والغنائي .. بعدها ظهر التلفزيون الذي أحدث ثورة حقيقية في عصرنا الحديث، فبالإضافة إلى كونه أضحى منافساً حقيقياً بدون منازع للسينما بتميزه عليها في وضوح الصوت والصورة والألوان وفي حجمه الصغير وإمكانية اقتنائه بيسر ليضاف إلى الأثاث المنزلية .. وبات التلفزيون هذا الصندوق السحري الصغير الحاكي الممتع في البيت الذي يجتمع أمام شاشته الفضية كل أفراد الأسرة.وتعددت البرامج التلفزيونية وأخذت تقدم مختلف ألوان المعرفة من خلال البرامج التخصصية المختلفة.. وظهر كذلك الغث والسمين من البرامج.. خاصة في السنوات الأخيرة مع ظهور الفضائيات فأصبح كل من يملك المال يملك حرية العبث بعقول البشر.وكان الطفل الضحية الأولى التي تقع فريسة التلفزيون فالطفل بطبيعة تكوينه السيكولوجي والبيولوجي يجد في التلفزيون ما يشبع فضوله وتلبية حاجته الى المتعة والترفيه وقضاء الوقت في مشاهدة الصور المتحركة أمامه أكانت لبشر أم لرسوم متحركة إضافة إلى الموسيقى والألوان .. كل ذلك يشد الطفل أكثر مما تشده اللغة المستخدمة في هذه البرامج.. لذا فان الخطورة تكمن في التلفزيون أكثر من أية وسيلة إعلامية أخرى.. ويكفي ما نرى هذه الأيام "هوس" الأطفال بالأغاني العربية الايقاعية المستنسخة عن الأغاني الغربية القريبة الى ايقاع أغاني "الزار" ويرددونها دون ان يفهموا معانيها ونجد هذه المشهديات المحزنة والمخزية في آن في حفلات الأعراس التي هي الأخرى شدت عن القاعدة التقليدية في زفة العرايس بحيث أصبحت الزفة خليجية أو مصرية ولنعد إلى موضوعنا .. أن التلفزيون اليوم بات المؤثر المباشر في شخصية الطفل ونمائها .. هذا اذا أضفنا إليه الكمبيوتر والتكنولوجيا المرئية الأخرى.وهنا يكمن دور الأسرة في تحديد مواعيد المشاهدة التلفزيونية لطفلها أو لأطفالها.. حيث انه ثبت ان الطفل يشاهد التلفزيون ما بين 4 ــ 5 ساعات يومياً .. وأنه يمضي خمسة آلاف ساعة أمام التلفزيون قبل التحاقه بالحضانة واثني وعشرين ألف ساعة عندما يصل إلى سن الثامنة عشر يقابلها إحدى عشر ألف ساعة يقضيها في المدرسة خلال سنوات الدراسة هذا بخلاف ساعات العاب الفيديو ومشاهدة الافلام والجلوس أمام الكمبيوتر كما جاء ذلك في بعض الاحصائيات ويؤكد المتخصصون في شؤون الطفل على ان تكون عدد الساعات المسموح بها للطفل مشاهدة التلفزيون لا تتجاوز الساعتين يومياً.. فالمبالغة في الجلوس أمام التلفزيون يعني عدم استخدام أجهزة الجسم الحيوية .. وتشير في هذا الصدد نتائج أجريت على أطفال المدارس ان 50 من الأطفال لا يمارسون التدريبات اللازمة لصحة القلب والرئتين .. وأن الأطفال الذين يقضون أكثر من ساعتين يومياً أمام التلفزيون معرضون لارتفاع الكوليسترول عندما يصبحون راشدين.وتؤكد د. صفاء الأعسر أستاذة علم النفس في جمهورية مصر العربية "ان ساعات مشاهدة التلفزيون يجب الا تتجاوز الساعتين حتى لا يحرم أطفالنا من النشاط الجسمي بكل ما له من قيمة.. حتى ولو كان ذلك راحة للآباء.. وتجنباً لما يترتب على حركة الطفل داخل المنزل أوخارجه من أعباء إضافية معينة، ولكنها لا تنفصل عن غيرها من المناطق فكل وظيفة يقوم بها الطفل تتطلب التكامل بين مناطق عديدة، وهذا التكامل يتم عن طريق الوصلة العصبية".كما تشير د. صفاء الأعسر إلى أهمية اللغة للطفل والتي يفتقدها أثناء مشاهدته للتلفزيون حيث تقول: "ان الساعات التي يقضيها الطفل أمام التلفزيون يكون فيها بمفرده في معظم الأوقات بعيداً عن توجيه الآباء وحواراتهم، كما أن الآباء الذين يشاهدون التلفزيون بكثرة تكون فرصتهم للحوار مع أطفالهم أقل" وتضيف: "أن المشاهدة السلبية تحرم الطفل من الحوار وهو أهم مكون في بناء لغة الطفل، فالأطفال فقي الأغلب لا يتكلمون ولا يعبرون عن أنفسهم بالرغم من أنهم يستمعون للحوار على الشاشة، وإن الطفل ينتبه للصورة أكثر من انتباهه للغة".وتورد د. الأعسر في بحثها الموسوم بـ "التلفزيون مصدر لإثراء شخصية الطفل اذا أحسن توظيفه" بعض الاحصائيات الناتجة عن بحوث مهمة بتحليل مشاهد العنف في برامج الأطفال التي تشير إلى أن الطفل في سن 12 سنة يكون قدشاهد 2000 جريمة قتل و80000 حالة اعتداء، كما تشير البحوث إلى ان معدل العنف في الكارتون أعلى من معدله في برامج الكبار ففي دراسة قامت بها هيئة علمية تم تسجيل 2000 مشهد عنف في 180 ساعة مشاهدة فبعض البرامج تتغير فيها الصورة كل ثانية وتتضمن 29 مشهد عنف في كل ساعة.وهناك دراسة أخرى أجريت على 2500 ساعة أحتلت مشاهد العنف فيها 57 وتنوه د. صفاء الأعسر إلى "أن مشاهدة الأطفال لمشاهد العنف على الشاشة والتدفق السريع للأحداث والتغير في الصورة والألوان المبهرة ترفع من افراز الإدرينالين لدى الطفل وتوقظ لديه مراكز الدفاع عن النفس أوالمحافظة علىالبقاء، وحين تنشغل هذه المراكز بالخطر الذي يجري على الشاشة يتراجع نشاط مراكز التفكير المنطقي في المخ، فصور العنف تستثير مشاهد الدفاع او الهروب وتهبط التفكير المنطقي وكلما كان العنف شديداً كان تعلق الأطفال بالمشاهدة أشد".أما د. ليلى احمد السيد كرم الدين أستاذة علم النفس في جمهورية مصر العربية تقول في بحث لها انه من الضروري عند إعداد برامج التلفزيون وتقديمها للأطفال ان تكون ملائمة لخصائص ومحددات نموهم عند مختلف البرامج.وتؤكد في بحثها على ضرورة إعداد برامج الأطفال البديلة عن البرامج القادمة من الخارج عبر الفضائيات والاطباق وشبكة الانترنت وغيرها .. وطالبت معدي برامج الأطفال المحلية بالاعتماد على الموازنة بين الأصالة والمعاصرة في إعداد جميع هذه المواد التي تحقق انتماء ابنائنا لقوميتهم وهويتهم وحملت أجهزة الإعلام وبرامج الأطفال في التلفزيون مسؤولية تحقيق الأهداف التالية للأطفال:أ ـ تثقيف الأطفال.ب ـ محو أمية الأطفال ومنع إرتداد المتسربين من التعليم.ج ـ المساعدة علىتنمية الأطفال في مختلف جوانبهم العقلية واللغوية والاجتماعية والانفعالية.دـ رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.هـ ـ المساهمة في الوقاية من الانحرافات السلوكية بشكل عام وبالذات الادمان والتطرف والاتجاه للجريمة.و ـ المساهمة في التنشئة الاجتماعية للأطفال.ختام تقول عميدة كليةالتربية في فرنسا:"ما مررت مرة أمام أبواب التلفزيون على نهر السين في باريس إلا وخطر ببالي أن اتسلل إلى هذه الأطباق الشهية لأطفالنا والتي تترهل معها عقولهم وأبدانهم وقوة ابصارهم".
|
ثقافة
التلفزيون وآثره على شخصية الطفل
أخبار متعلقة