تفاءلوا كـ(ركاب التيتانيك)
عزيزة المانعيرى البعض أن روح التفاؤل ضرورية للإنسان إن أراد بقاءً في هذه الحياة، فالتفاؤل هو ما يحفز الناس للعمل والإنتاج ويبث فيهم القوة والنشاط، لكن الحياة في بعض الأحيان تدفع بالناس رغما عنهم إلى التشاؤم نتيجة تكرر وقوع الإحباط والتعرض لخيبات الأمل، فالحياة من طبيعتها أن لا تكون فيها معادلات صحيحة بمعنى أن ليس كل فرد يحصد ثمرة ما يزرع ويجني نتاج ما يعمل، فالحياة لا توفر الفرص المتكافئة للجميع، وقد يغلب فيها القوي الضعيف، وربما عمّ الظلام أرجاءها فخبت معه ومضة التفاؤل في النفوس.كتب إليّ أحد القراء مستغربا ممن يدعو إلى التفاؤل دون أن يمهد له ببناء أرضية مناسبة تسمح له بالنمو والتكاثر، فهو يقول إن المجتمعات الذكية وحدها هي التي تقر أن التفاؤل لا ينمو سوى في التربة الخصبة التي يستطيع فيها الناس أن يعملوا وأن يحصدوا ثمار ما يعملون، أما غيرها من المجتمعات فإنها قد تعمل عكس ذلك فيتجسد فيها الفصل بين العمل والثمرة لتنعدم العلاقة بين الاثنين إلى حد أن تجد من يعمل لا يحصد شيئا ويأتي الحصاد لمن لا عمل له، في مثل هذه المجتمعات «يتوقع من الناس أن يكونوا كركاب السفينة تايتنك الذين كانوا يرقصون على أنغام الموسيقى ويتبادلون القبلات والحب بينما السفينة متجهة بهم نحو الموت».هذا المثال الساخر الذي يورده هذا القارئ ليشبه به أفراد المجتمع الذين لا يوجد في مجتمعهم ما يستحق التفاؤل من أجله، هو خير مثال على جمال التفاؤل في الحياة حتى وإن انتهى بأصحابه إلى لا شيء، فركاب التايتنك قضوا الساعات الأخيرة من حياتهم في سعادة ومرح، ولو علموا المصير الذي كانت تقودهم إليه سفينتهم لقضوا تلك الساعات في نواح وحزن، إن المصير المحتوم واقع لا يغيره تفاؤل أو تشاؤم، المشاعر وحدها هي التي تتأثر فيسعد الإنسان بمشاعر التفاؤل ويشقى بغيرها، ربما حقا، يكون التفاؤل نوعا من خداع النفس لكنه خداع جميل يعينك على قضاء الزمن في رضا، ربما ما كان يتحقق لك مثله لو أنك علمت الحقيقة.وما أظنه هو أن البعض من الناس يخلطون بين التفاؤل والوعود الكاذبة، التفاؤل يعني أن تظن خيرا ثم تسير في طريقك تبذل جهدك لتتغلب على الصعوبات وتحقق لنفسك الطموحات التي تداعب خيالك، أما الوعود الكاذبة فهي ترسم لك توقعات محددة (وهمية) تهدف إلى أن تدفعك لبلوغها فهي أشبه بالجزرة المشهورة التي يلوح بها لكن يستحيل بلوغها.[c1]*عن / صحيفة ( عكاظ ) السعودية[/c]