إعداد / محمد فؤادمرَّت البشرية بمراحل متعددة سيطرت فيها أساليب الطب المختلفة واستخدمت العقاقير العديدة للسيطرة على الأمراض بدءًا من الأعشاب الطبية ونهاية بالمستخلصات الكيميائية المعقدة التي لم تعد أضرارها الجانبية تخفى على أحد، وقد كان العلاج بالأعشاب قديماً يحل محل صيدليات اليوم، ولكن هل حقاً أغنت صيدليات اليوم عن اللجوء إلى الأعشاب الطبية وهل صيدليات اليوم قادرة على شفائنا تماماً؟، مع أنّ الشفاء يأتي من الله سبحانه وتعالى، ولكنها بعون الله عامل مساعد لا غير وبواسطة المستحضرات الكيميائية إذا وقع أحدنا فريسة للمرض؟ وما هي نسبة الأمان في عملية استخدام الأدوية الكيميائية الحديثة تلك؟لذلك فقد كان من المتوقع أن يتراجع المرض أمام الثورة الصناعية والتكنولوجية الكاسحة التي شهدها وسيشهدها العالم في الخمسين سنة الأخيرة، ولكن العكس تماماً هو الذي حدث فقد عرف الإنسان الحديث أمراضاً فتاكة لم تكن معروفة أو منتشرة من قبل، والإحصائيات التي تمت عام 1997م في الولايات المتحدة وحتى يومنا هذا أظهرت أنّه يتم إفراط ما يقارب 12 مليوناً أمريكياً في تناول العقاقير التي وصفها لهم الأطباء لعلاج حالات القلق مما تسبب سلباً في عملية دخولهم في دوامة الإدمان لغالبيتهم إزاء هذه الأدوية، وثم العمل على حجز أكثرة من ثلاثة ملايين أمريكي في مراكز الشرطة من مناطق مختلفة وبالمستشفيات الأضرار التي يسببها سوء استخدام تعاطي الأدوية الكيميائية الموصوفة للمرضى، هو السبب الرابع للوفاة بعد أمراض القلب والسرطان والجلطة الدماغية.إذاً بعد هذا كله ستظل النباتات والأعشاب الطبية رحمة كبرى لو ما قورنت بالأدوية الكيميائية التي تشبه إلى حدٍ كبيرٍ سلاح ذو حدين يقطع هنا ويخرب هناك، فالأدوية الكيميائية تتكشف جوانبها السلبية المظلمة يوماً بعد يوم.عزيزي القارئ تعرَّف الإنسان على النباتات الطبية من خلال التجربة والبراهين، واهتدى إلى علاج أمراضه بواسطتها عن طريق التجرِبة أيضاً، واستخدمتها شعوب وأمم على مدى تاريخ الإنسان منذ القدم وحتى المعاصرة، فطب الأعشاب هو أقدم العلاجات التي عرفها الإنسان، وقد استخدم أكثر من 80 % من سكان الأرض الأعشاب في معالجة أمراضهم، ولا تزال الأعشاب الطبيعية هي العلاج الأساسي لكثير من الشعوب حتى وقتنا الحاضر كالصين والهند.فأصبح التداوي بالأعشاب هو مستقبل العالم العلاجي، وهو الدواء الناجع المأمون لا مراض الإنسان والحيوان أيضاً في كل زمان ومكان، فالنباتات هي زرع الله الشافي وقد استخدمتها الحضارات البشرية جمعاء عبر التاريخ.فإذا تحدثنا عن الحضارات فمن أشهرها الحضارة الفرعونية في مصر القديمة، حيث أهتم الفراعنة بالأعشاب وهذا ما يوجد في بردياتهم منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، فنجدهم وقد استخدموا الثوم والبصل والعرعر لمعالجة كثيرٍ من الأمراض وينطبق ذلك أيضاً على نباتات أخرى مثل (القنب) في عصر رمسيس الثالث واستخدمت بشكل كبير لعلاج مشكلات العين بينما استعملت خلاصات الخشخاش لتهدئة الأطفال الباكين.. وإضافة إلى وصفات علاجية تستخدم للعديد من الأمراض في العديد من البرديات التي كشف عنها النقاب أثناء الحفريات مؤخراً.وهذا لا ينطبق على الفراعنة فقط، فقد عرف التطبيب بالأعشاب حضارات وأمم أخرى وعريقة مثل حضارة سبأ وحمير وحضارتي الصين والهند، حيث كانت تختلف وتتباين كل واحدة عن الأخرى بنوع النبات وكيفية استخدام البيئة الطبيعية التي عاشت وتعيش فيها حتى الآن.فإذا اتجهنا للعصر الحديث فقد بيّنت دراسة حديثة أعدها خبراء من منظمة الصحة العالمية حول طب الأعشاب والتداوي به، بأنّ اللجوء لهذه النباتات والأعشاب الطبية في العلاج سيوفر بدائل رخيصة الثمن لأدوية مصنّعة باهظة الثمن تكلف ميزانيات مهولة لشركات تصنيع الأدوية ولمنظمة الصحة العالمية، ما يتعسر على المواطن شراء الدواء الذي يحتاجه وبالأخص ذوي الأجور المنخفضة والمتدنية والطبقة الفقيرة ومن بينها اليمن التي تعاني قصوراً بهذا الجانب المهم والضروري لخدمة المواطن بغض النظر عن ارتفاع أسعار الأدوية المخصصة للمصابين بالأمراض المزمنة والعضال أجاركم المولى عز وجل منها.حيث يمكن الآن إجراء عملية دمج الأعشاب التي يستخدمها الإنسان للعلاج الطبيعي، بالإضافة إلى المواد الدوائية المصنعة كيماوياً ليتسنى الاستفادة من الجوانب الإيجابية من كلا النوعين من العلاج.وبذلك يساعد على توفير أدوية مأمونة رخيصة الثمن تفيد في مقاومة وعلاج كثير من الأمراض المزمنة، كما هي الحال في النموذج الصيني والهندي ولذلك عقدت كثير من المؤتمرات العالمية وكان من أهمها مؤتمر (ماستر يخت) بهولندا الذي كان تحت رعاية منظمة الصحة العالمية وحضره ممثلون لأكثر من مائة دولة حيث خرج المؤتمر بعددٍ من التوصيات والقرارات ممثلة بوضع دستور عالمي مشترك بين الدول المشاركة بخصوص التعامل باستخدام النباتات والأعشاب العلاجية ونوع المواصفات، بالإضافة إلى إنشاء المعاهد والكليات والمختبرات المجهزة بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الرقمية الحديثة والمهيأة لعملية التحليل المخبري وكيفية التعامل مع توعية الأعشاب الطبية الموجودة في البيئة الطبيعية لأي بلد كان وبالأخص النباتات البرية.. والعمل على وضع مقرر وأصبح بين التعليم الصيدلي والطبي وطب الأعشاب بما يسمى (الطب البديل)، أو الوصفات الشعبية القديمة والدارسين في هذا المجال الهادف والإنساني لرعاية وخدمة البشرية جمعاء.. فاليابان والصين والهند وهم من أكبر الدول الصناعية في العالم وبالأخص بمجال الأدوية والعقاقير اتبعوا هذا النظام بعملية الدمج بين الطب الحديث المعاصر والتطبيب بالإعشاب الذي يعود تاريخه إلى قدم الإنسان على البسيطة.وتدل الإحصائيات الحديثة على أنّ (25 %) من كل الوصفات العلاجية في الولايات المتحدة تحتوي على مواد فعالة ذات أصل نباتي، وفي سنة (2006م) بلغت آخرها لصناعة طب الأعشاب في أمركا وحدها ثلاثة ملايين دولار.وحديثاً أصبح الاتجاه إلى التداوي بالأعشاب الطبية صيحة تطلقها المعاهد العلمية العالمية في البلاد المتقدمة هرباً من الآثار السُّمية المدمرة للكيميائيات الدوائية، فنجد في بلاد الشرق ممثلة بالدول الرئيسة مثل الصين والهند، وهما على رأس الدول الشرقية اللتان أهتمتا وما زالتا تهتمان بطب الأعشاب حيث تتواجد بهما كليات ومعاهد تدرس وتخرج أطباء وصيادلة على أرفع المستويات العلمية في مجال (الطلب البديل)، وتليهم ألمانيا وهي أكثر الدول الأوروبية اهتماماً بالأعشاب الطبية ويوجد بها أكثر من (3500) دواء عشبي يصرف للمرضى من الصيدليات وتليها فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية التي يوجد بها أكثر من (2000) فصيلة عشبية، وتليها المرتبة الثالثة كندا وأستراليا وكل هذه البلاد بها كليات ومعاهد تدرس هذا العلم، بالإضافة إلى الاتحادات والهيئات على أرقى المستويات لتنظيم مهنة التداوي باستخدام الأعشاب طبياً.وهناك أصول وقواعد للتداوي بها حيث أن نجاح العلاج يعتمد أساساً على دقة التشخيص للحالة المرضية لدى المصاب بالمرض، أما الدواء فيجب أن تحدد أنواع الأعشاب المستخدمة وكميتها وجرعتها ووقت استخدامها بدقة من قبل الطبيب المختص وعدم تداخلها وتضادها، معتمدين في ذلك على الطبيب أو اختصاصي العلاج بالأعشاب والدارس والمختص في هذا العلم الدقيق.ويجب أن تعرف عزيزي القارئ أنّ التداخل والتضاد في تأثير الأعشاب الطبية لا يعرفه إلا اختصاصي متمكن بالعلاج بها.كما يجب مراعاة الأعشاب في موسم زراعتها وفي بيئتها المناسبة بعيداً عن التلوث البيئي، بأن تكون بعيدة عن مصانع البتروكيماويات وغيرها من المصانع الملوثة للبيئة المحيطة وبدون استخدام أي نوع من الكيماويات باستخدام الزراعة الحيوية فقط ويلاحظ أنّه يوجد في البلاد الأوروبية متخصصون في زراعة النباتات الطبية نظراً لأهمية ذلك.ولا يتم حصاد النبات إلا عند اكتمال النضج ووصول المواد الفعالة في الأجزاء المختلفة من النبات إلى أقصى تركيز لها وعندما يكون الجزء المطلوب من النبتة في أوج حيويته وقد يساء إلى هذه النباتات الحيوية أثناء عملية لجمع والتخفيف والتخزين فتفقد العشبة بعض أو كل المواد الفعالة مما قد يؤثر على قدرتها العلاجية فتنتهي فتكون غير صالحة للاستخدام البشري.وهناك عدد من الأعشاب متمثلة بالأعشاب والنباتات الآمنة وهي عبارة عن عشبيات يتم استعمالها منذ قرون وليس لهما أية آثار سمية وينصح باستعمالها في معالجة المشكلات الصحية العارضة، مثل اليانسون والشمر لغازات واتنفاخات البطن المريمرة للمغص والثوم والبصل والزنجبيل لنزلات البرد والحناء لمنع تساقط الشعر.. وأخيراً يطلق على النوع الآخر بالعشبيات غير شائعة الاستخدام في بلادنا العربية وبالأخص اليمن.. وهي غير معروفة للمواطنين ولكنها معروفة لدى العطارين وفي الصيدليات التي تبيع الأدوية العشبية مثل الجنكو والجانسنج والرواند وغيرها، وهذه النباتات لا نستعمل إلا بوصفة من اختصاصي متمكن في طب الأعشاب .. والأعشاب السمية مع عشبيات تخضع لقوانين تحذيرية مفروضة على مصنعي الأدوية الكيميائية وأنّ استخدامها لا يمكن للمريض أن يستخدمها إلا بوصفة دقيقة من الطبيب المختص.أما اليوم أصبح الأطباء أكثر تفتحاً على العلاج بالأعشاب إلى حدٍ كبير، لأنّهم لاحظوا نتائجها العلاجية على مرضاهم لذلك لا يتردد كثير من الأطباء في وصف النباتات الطبية لمرضاهم، أو تحويل مرضاهم إلى اختصاصيين في العلاج بالأعشاب الطبية وهو موجود في العديد من المحافظات اليمنية لذلك يرجى الاهتمام وتطوير هذا المجال الأمن والمميز التي تكون أقل ضرراً على صحة المجتمع، والعمل على تشجيع الراغبين بالتمرس أو الخوض في هذا العلم الواسع وكيفية التعامل والتنسيق مع الأطباء والمعالجين المحليين في المدن والقرى اليمنية بطريقة سلبية، ويلاحظ عن أنّ هناك عدداً من المحترفين والمتحذلقين وأنا بنظري أنّ بعضهم مشعوذين ودجالين لا يملكون أي نوعٍ من العلم والدراية بهذا العلم الدقيق والحساس بالوقت نفسه.. فاليمن تتميز بالتنوع المُناخي والبيئي على مستوى الجمهورية اليمنية ومنها جزيرة سقطرى الغنَّية بأجود وأغرب وأندر النباتات والأعشاب فيها وخصوصاً الأعشاب الطبية التي يمكن الاستفادة منها من خلال التنسيق ومشاركة الجهات المعنية ممثلة بوزارة الصحة والبيئة لاستغلال هذا الكنز المترامي الأطراف في هذه الجزيرة والقائمين عليها وأتمنى التوفيق والسداد للجميع.
أساليب وطرق المعالجة بالأعشاب الطبية تكتسح العالم!!
أخبار متعلقة