عندما يصبح الغذاء سبباً للداء
تحقيق : أثمار هاشم- تصوير : علي الدربالغذاء ضرورة مهمة لحياة الإنسان (كالإنسان والهواء)، التي لا يمكن للإنسان أن يعيش بغنى عنهما، فهو وإن كان يسد جوع البطون الخاوية، فإنّه في ذات الوقت يمد الجسم بالطاقة اللازمة التي تمكنه من البقاء على قيد الحياة وأداء وظائفه الطبيعية، ولكن حينما يصبح الغذاء الذي يتناوله مصدر شك بسبب تغير مذاقه أو حجمه، حينها يستدعي بنا الأمر التوقف عند هذه الأشياء لمعرفة أسباب التغيير فيها والنتائج المترتبة عليها.[c1]أداة خطيرة[/c]هناك تغيير واضح وملموس في حجم ومذاق الخضار والفواكه التي نتناولها، وجميعنا ندرك أنّ السبب في ذلك يعود إلى الاستخدام المبالغ فيه للمبيدات الزراعية التي يتم رشها على المحاصيل دون أن تكون هناك رقابة من قبل الجهات المختصة في هذا الشأن وحول ذلك علق المواطن عبدالوهاب سعيد قائلاً :باعتقادي أنّ هذا أمر خطير خصوصاً وأننا نسمع عن تزايد الأمراض السرطانية بسبب هذه الأغذية التي نتناولها، لكننا نلاحظ أيضاً أنّ الخضراوات والفواكه المستوردة هي الأخرى قد تغيَّر طعمها، فعلى الرغم من مظهرها الخارجي الجذَّاب والشهي، إلا أننا بمجرد تناولها نكتشف فساد محتواها الداخلي بسبب المبيدات.واختتم حديثه قائلاً : لقد تحوّلت المبيدات الزراعية إلى أداة خطيرة بيد المزارعين الذين يستخدمونها دون وعي بالعواقب التي تنعكس على صحة وحياة المواطنين مهتمين فقط بتسويق منتجاتهم الزراعية إلى الأسواق، كيفما كانت بغرض الحصول على الربح واعتقد هنا يأتي دور الجهات المختصة في الدولة للتعامل مع هذه المشكلة بعزم.[c1]سوق مفتوحة[/c]الأخت / أم مراد محمد قالت :لقد أصبحت اليمن سوقاً مفتوحةً تأتيها الخضار والفواكه من أماكن عدة، وبالتالي نتوقع أن تكون مرشوشة بالمبيدات خصوصاً إذا ما لاحظنا ضخامة بعض أحجام الخضراوات والفواكه بشكل ملفت للنظر ومختلف عما كان عليه سابقاً.ونحن كمستهلكين نجد صعوبة في حماية أنفسنا والمحافظة على صحتنا من المنتوجات المعروضة في الأسواق، لأننا نشعر أننا نقف أمام خيارين ((أما أن نأكل ما هو موجود أو نموت جوعاً، لدى نضطر لأكل الموجود)).وفي هذا الصدد أود القول إنّ على الدولة دوراً كبيراً في المحافظة على صحة المواطنين عن طريق التأكد من سلامة الخضار والفواكه المعروضة بالأسواق واستخدام كميات مناسبة من المبيدات في رشها.[c1]أشعر بالقلق[/c]وللطب رأي على لسان المواطنة (مها) التي تعمل طبيبة في إحدى المستشفيات الحكومية قالت :قبل أن أكون طبيبة فأنا أم وتصادفنا في المستشفى كثير من الحالات المرضية ومنها السرطانات التي أصبحنا جميعاً نعرف مسبباتها وبصراحةٍ فأنا رؤيتي لتلك الأمراض تجعلني أشعر بالقلق على أفراد أسرتي خشية إصابتهم بتلك الأمراض الخبيثة، الأمر الذي دفعني إلى منع دخول بعض أنواع الخضار والفواكه، وكأنّه تطبيق لمبدأ (كل ما هو ممنوع مرغوب)، ومهما حاولت أن أشرح لهم، فإنّهم يصرون على رأيهم، فهم أولاً وأخيراً أطفال لا يدركون مصلحتهم من ناحية أخرى هل من المنطقي أن نمنع عن الأكل؟ لدى أجد نفسي أضطر في أحايين كثيرة إلى كسر القواعد التي وضعتها وتناول ما كنت أضعه تحت بند الممنوعات مع حرصي على التقليل منها، وغسله جيداً وهنا أجدها فرصة لأقول لأصحاب المزارع ((أنتم أكثر منّا تضرراً بسبب الاستخدام المفرط بالمبيدات الزراعية لتعاملكم المباشر معها فاتقوا الله فينا وفي أنفسكم)).[c1]وضع رديء [/c]الأخ / محمد منصور كان رأيه في موضوعنا التالي :بصراحةٍ نحن نعيش في وضع رديء جداً، فغذاء الإنسان شيء ضروري، ومن دونه لا يستطيع العيش، ولكن ما يحدث عندنا أنّ غذاءنا أصبح مصدراً لانتشار الأمراض بيننا فجميع الخضراوات والفواكه التي أصبحنا نتناولها اليوم مذاقها غير طيب للغاية، حتى أننا نتذوق طعم المبيدات في كثيرٍ منها، وهنا أتساءل أين الدولة من هذا الذي يحدث؟ لماذا السكوت على أولئك المتلاعبين بأرواح الناس؟ ولماذا لا تتم محاسبتهم والتصدي لهم؟ أليسوا هم أيضاً ضحايا مثلنا من الاستخدام المبالغ فيه للمبيدات الزراعية.وأضاف قائلاً : لو كانت مشكلتنا مع الكماليات لأمكننا الاستغناء عنها، ولكن مشكلتنا الحقيقية هي في أقواتنا وفي أسباب عيشنا.[c1]التعامل بالمبيدات[/c]ولأنّ تحقيقنا هذا يرتبط ارتباطاً مباشراً بوزارة الزراعة، فلقد توجهنا إلى هناك والتقينا المهندس / بدران محمد صالح ـ مدير إدارة وقاية النبات ـ عدن وسألناه عن المبيدات الزراعية وكيف يتم بيعها والتعامل معها أجاب بالقول :هناك محلات متخصصة في بيع المبيدات واستناداً للقانون رقم (25) لعام 1999م، ولائحته التنظيمية رقم (10) لعام 2002م، فإنّ على أي مواطن قبل أن يفتح محله لبيع المبيدات أن يأتي إلى مكتب الزراعة في المحافظة التي هو فيها وتقوم إدارة الوقاية، بعد ذلك بمعاينة موقع المحل من حيث سلامته، وبعده عن المدينة أو المواقع السكنية ويفترض بمقدم طلب المحل أن يكون خريجاً من كلية الزراعة قسم وقاية أو شعبة عامة وعمل في مجال الوقاية لمدة تتراوح بين (3 ـ 5) سنوات، وما أن يتم حصوله على الترخيص بمزاولة المهنة تبدأ إدارة الوقاية بالإشراف على والنزول الدوري لتلك المحلات لتفقد ما إذا كانت هناك مبيدات تالفة أو مهربة أو تلك التي تمّ تغيير الملصق من عليها وتبدأ بتطبيق القانون الذي يكون ما بين مصادرة المبيدات أو إحالة القضية للمحكمة .[c1]قوانين تداول المبيدات[/c]وفيما يتعلق بمنع تداول بعض المبيدات أوضح قائلاً :في السابق كانت هناك مجموعة كبيرة جداً من المبيدات، ولكن بعد صدور القانون رقم (25) لعام 1999م الخاص بتداول المبيدات بدأ تنظيم هذه العملية ولا زال هذا التنظيم جارياً، ففي عام 2007م أصدر الأخ وزير الزراعة والري قراراً بمنع تداول بعض من المبيدات، التي وصلت لما يقارب (345) مبيداً منع تداولها (مبيدات حشرية، مبيدات أمراض، مبيدات أعشاب)، وهذا العدد من المبيدات الذي تمّ منعه هي أسماء عامة، يمكن أن تنشق عنها مجموعة مبيدات بأسماء تجارية حيث قسمت هذه المبيدات إلى قسمين: القسم الأول ممنوع تداولها منعاً باتاً وعددها (195) مبيداً.القسم الثاني ويسمى مبيدات ((مقيدة بشدة)) بمعنى أنّه يمنع تداولها، ولكن إن كانت هناك ضرورة لاستخدامها، فإنّه يتم استيرادها واستخدامها تحت إشراف الإدارة العامة لوقاية النبات أو فروعها في المحافظات أي أنّ هناك مرونةً بعض الشيء، في استخدامها، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وهذه عددها (154) مبيداً وفي عام 2007م صدر القرار الوزاري رقم 026) بتداول (89) مبيداً.وأضاف قائلاً : إنّ صدور قرار منع تداول المبيدات لم يأتِ من فراغٍ، ولكن لكونها مبيدات محرّمة ويُمنع استخدامها من قبل المنظمات الدولية سواء أكانت منظمة الصحة العالمية أو منظمة الزراعة، وذلك نظراً لأنّها تتسبب في الإصابة بالأمراض السرطانية أو لقدمها وعدم نفعها.[c1]الرش بمقادير[/c]وفيما إذا كانت هناك مقادير معيّنة من المبيدات يجب استخدامها عند رش المحاصيل الزراعية قال :هناك مقادير من المبيدات يجب أن يتم استخدامها عند رش المحاصيل التي بدورها تخضع لعددٍ من المقاييس، منها مساحة الأرض الزراعية، حجم النبات فمثلاً نبات القطن في بدء نموه لا يحتاج إلى أكثر من خزان لرش النبات، ولكن بعد أن ينمو ويصبح طوله ما يقارب مترين، فإنّه سيحتاج إلى كمية مبيد أكثر، ولكن ما يحدث الآن أنّ هناك عشوائية في رش المحاصيل فيقوم المزارعون بتحديد كمية المبيد لكل لتر ماء، ويرش به المحصول بكميات كبيرة واسترسل في حديث قائلاً :لقد أصبحت المسألة اقتصادية من وجهة نظر المزارعين، لأنّ رش المحاصيل بالمبيدات بغرض إنضاجها سريعاً والحصول على عائدٍ ماديٍ هو ما يفكر به المزارعون متجاهلين حقيقة مهمة، وهي أنّ الأرض بقدر ما تبذل فيها من مجهود بقدر ما تعطيك.[c1]السرطان[/c]ولأنّ الاستخدام المفرط للمبيدات الزراعية يسبب أمراضاً تهدد حياة الفرد التقينا الدكتور / جمال عبدالحميد ـ أستاذ مشارك في جامعة عدن ـ رئيس وحدة الأمل للأورام السرطانية الذي بدأ حديثه معنا قائلاً :السرطان هو تكاثر غير طبيعي لخلايا غير طبيعية في أي عضوٍ كثدي المرأة، الجهاز الهضمي، الغدد الليمفاوية أي أنّه يمكن أن يحدث في نسيج أي عضو من أعضاء الجسم.وليست هناك أسباب معينة للإصابة بتلك الأمراض وقد لاحظنا من خلال عملنا أنّ أكثر الأمراض السرطانية انتشاراً في اليمن هي سرطانات الجهاز الهضمي، الغدد الليمفاوية والثدي وإذا ما تطرقنا لسرطان الجهاز الهضمي لوجدنا أنّ له مسببات عدة منها الإصابات الفيروسية، والمواد التي يتناولها الإنسان كالغذاء أو التي يمضغها كالقات فالاستخدام المفرط للمبيدات بغرض إسراع إنضاج الفواكه أو القات قد يكون من مسببات هذا المرض، إضافة إلى استيراد المواد الغذائية من مصادر غير معروفة حول فحصها، خصوصاً وأنّ هناك دراسات تشير إلى أنّ المواد الغذائية التي تستورد من دول تستخدم مواد كيماوية دون إشراف وزارة الزراعة أو الصحة يمكن أن يكون مسؤول عن ارتفاع الإصابة بالأمراض السرطانية، كذلك من ضمن أسباب سرطانات الجهاز الهضمي، في اليمن مضغ الشمة والزردة والتدخين والكحول إلى جانب ذلك، فإنّ هناك أبحاثاً تشير إلى أنّ الخزن غير الصحيح لبعض أنواع الحبوب (كالدخن) في المناطق الريفية يؤدي إلى تكوُّن عفن (الأفلاتوكسين) المسبب لبعض سرطانات الجهاز الهضمي ناهيك عن استخدام المواد البلاستيكية للأغذية الساخنة والزيوت المسرطنة المستخدمة في تحضير الوجبات السريعة والبطاطس المقلية.[c1]تناول الخضار والفواكه بعقلانية[/c]وينصح د . جمال عبدالحميد المواطنين بتناول الخضار والفواكه، لأنّها تقلل من الإصابة بالأمراض السرطانية شريطة أن يكون تناولها بعقلانية كذلك على المواطنين غسل الخضار والفواكه بصورة جيدة قبل تناولها واستخدام بعض المواد غير الضارة مثل الملح للتقليل من لمواد الكيميائية الموجودة على سطح الفاكهة مختتماً حديثه بأنّ الحفاظ على صحة الإنسان من مسؤولية الحكومة، وعلى الحكومة الإشراف في ترشيد استخدام المبيدات والمواد الكيماوية التي تستخدم في تسريع إنضاج الخضار والفواكه لتجنيب الناس الإصابة بالأمراض السرطانية.[c1]التلوث بالمبيدات الحشرية[/c]تعرف المبيدات الحشرية بأنّها عبارة عن مركبات عضوية كيميائية تستخدم بهدف قتل الآفات التي تصيب النباتات والمحاصيل الزراعية ويؤدي الاستخدام المفرط لهذه المبيدات دون أخذ الاحتياطات اللازمة إلى حدوث آثار جانبية على الإنسان والحيوان والنبات والتربة على حدٍ سواء.وقد تسبب استخدام المبيدات الحشرية السامة على نطاقٍ واسعٍ في فساد الغذاء وتحوله إلى سببٍ للعلل والأمراض بدلاً من أن يكون مصدراً للطاقة والصحة وأصبح الناس يتناولون طعاماً من دون مذاق، كذلك سببت المبيدات الحشرية فساداً للتربة وقتل البكتيريا المفيدة بها، حيث تمتص النباتات هذه المبيدات مع الماء وتتمركز في جميع أجزائها وثمارها فتصبح ثماراً سامة، لمن يتناولها كان إنساناً أو حيواناً في الوقت الذي تمتص به الحشرات الضارة بالمناعة ضد هذه الكيماويات، إضافة إلى ذلك فإنّ استخدام الأسمدة الكيميائية للأراضي الزراعية يسهم في حدوث التلوث الكيميائي للغذاء، كذلك فإنّه عندما يتم نقل الفواكه والخضراوات من بلدٍ إلى آخر بغرض تصديرها يتم رشها ببعض المواد الكيميائية للمحافظة عليها من التعفن حيث تستمر آثار هذه المواد الكيماوية لأسابيع أو شهور، ويصبح مفعولها تماماً، كمفعول المبيدات الحشرية والمواد المضادة للفطريات.
احد محلات بيع الفواكه
احد محلات بيع الخضار