محمد عبده زيد.. رائد من رواد توحيد الرياضة اليمنية
كتب/حسن عياشمع إشراقة الذكرى لميلاد الوطن اليمني الجديد تطالعنا صور شتى لمجمل الأوضاع التي كانت سائدة قبل ذلك التأريخ المشهود .. وفي الوقت عينه تجول بنا الخواطر والذكريات لنرسم ملامح الرجال الذين كانت لهم أبرز الإسهامات في إعطاء ذلك اليوم صبغته العظيمة فتأبى الضمائر إلاَّ أن يكون لذكراهم الموضع الرئيسي في كل ما نكتب ونقول.وحين نفتح كتاب الذكريات الوحدوية بصفحاته المشرقة عند محطة الذكرى الثامنة عشرة ليوم الوحدة تفوح من دفتيه روائح التضحيات وشذى المواقف والبطولات التي شكلت بتراكماتها جسراً تقاطرت من خلاله الأحداث لتفضي إلى ما أفضت إليه في اليوم الأغر “22 مايو 1990م” الذي جاء ليكون الأصل والفصل في حكاية بدأت وهيهات أن تنتهي.اليوم وفي ظلال الذكرى الثامنة عشرة للمولود الذي استمدت منه اليمن قوتها ودعائم كينونتها تأخذنا الذكريات لنقلب في صفحات الخلود لأولئك الذين قامت على أكتافهم مداميك البداية وعلا بفضل جهودهم البناء وترسخت بأعمالهم مفاهيم الوحدة والعمل الوطني المشترك.ومن هؤلاء الافذاذ كان لنا نحن ـ معشر الرياضيين ـ هامات وقامات رضعت من ثدي الولاء وتربت في كنف الوفاء لتهدي الوطن رحيق العطاء .. عملاً بلا حدود .. وملاحم صاغتها في ميادين البذل عاماً وإثر عام حتى توفى بعضها الموت ومازال بعضها الآخر يحرث أرض الوطن بمعاول تفولذت على محك الصدق والإيثار.من هؤلاء من تشرفت بقبول مهمة الكتابة عنه في ثنايا هذا العدد التذكاري الخاص .. ومن أشعر مسبقاً بتقصيري نحوه مهما بلغت بي المعاني ومهما ارتقى بي الإدراك لحقيقة الأدوار التي لعبها رياضياً .. ووطنياً قبل ذلك.أنه المناضل الوطني والقيادي العمالي والرياضي البارز محمد عبده زيد حسن.بطل خبرته ميادين الحراك الوطني إبان حرب التحرير .. نبراس اهتدت بنوره جماعات العمال في أيامها الزاهية وزمنها التحرري المجيد .. ثم رياضياً ولد من رحم الممارسة العفوية ليصنع لذاته وللمناصب التي تقلدها وللرياضة والرياضيين عموماً مجداً لا ولم ولن ينسى .. ولايمكن أن تطاله المقارنات باعتباره المجد الذي ليس له مثيل.ذلك هو “الزيد” الذي حدثني عنه رفاق المراحل الزمنية المختلفة وشركاء الجهد الوطني ـ النقابي ـ الرياضي الواحد .. وذلك هو “الزيد” الذي قبل ـ صدقاً ـ أنه نسخة واحدة من كتاب خُطت تفاصيله بعرق العمل ودم النضال وصُنع غلافه من حكمة قلما يجود بها الزمان.لقد كان محمد عبده زيد المعروف تحبباً بـ “الزيد” واحداً من الرجال الذين يحق للرياضة في اليمن أن ترفع بهم ومعهم الجباه والهامات بعد أن منحوها ـ الرياضة ـ السمعة الحسنة والأثر الجميل وتركوها في كل محفل ذكرى طيبة .. سواء كان ذلك داخلياً حيث أسهم في تأسيس وقيادة عدد من كياناتها .. أو على الصعيد الخارجي من خلال الصورة الزاهية التي كان يحرص على تقديمها للأشقاء والأصدقاء في المحافل التي كُتب له أن يكون فيها ممثلاً لبلده.ولعل العنصر الأهم الذي كان يرجح كفة النجاح لدى الزيد في كل المحافل وعلى مختلف الأصعدة هو “الصدق” الذي طالما امتاز به “أبو رضا” واختاره ليكون “المفتاح” الذي طوّع من خلاله الصعب وألان به المستحيل واستوطن بواسطته القلوب .. فكان الاستثناء الجميل وموضع الإجماع الذي لا تجد له معارضاً قط.إننا وفي مثل هذا اليوم الذي نقرأ فيه سفر التاريخ الوطني والوحدوي لنستلهم العبر ونلتقط الدروس نجد أنفسنا أمام أحد أصحاب السير الثرية من خلال محمد عبده زيد حسن الذي ولد في العام 1942م ليقطع رحلة طويلة مع الكفاح بدأها في ميدان التضحية رفقة أقرانه الذين ما كان لهم أن يهنأوا بلذة العيش وعلى الأرض غاصب محتل يعيث فيها فساداً ويسوم أهلها سوء العذاب.وبالتزامن مع العمل التحرري والوطني الذي تقاسم شغفه مع طابور طويل من المناضلين كان الزيد حاضراً في ساحة الرياضة والعمل الشبابي الذي لم يكن يوماً في معزل عن صنوه الوطني .. وعلى الجبهتين كان الرجل الذي لاينسى علامة فارقة وبطلاً لايشق له غبار.من ميدان النضال وأروقة العمل النقابي كان محمد عبده زيد يخطط لمناشط الرياضة ومن ملاعب الرياضة كان يرسم مع بقية الرفاق آفاق العمل الوطني والتحرري ضد المستعمر.ولأن الرياضة هي جزء لايتجزأ من صور العمل الوطني في ذلك الحين بالذات فإن الزيد لم يجد الصعوبة في اختزال طريق النجاح على الجبهتين وأفلح مذاك في أن يختط لنفسه مسلكاً فريداً أصبح بفضله محط الثقة والإعجاب .. والملاحقة كذلك.[c1]مشوار رياضي حافل[/c] من محيطه الصغير في محافظة عدن بدأ محمد عبده زيد مشواره الرياضي لاعباً في صفوف «الأحرار» و»الانتصار» قبل أن يتسلم قيادة النادي الثاني بفضل القدرات التي أظهرها وعطفاً على الصفات التي أبان عنها وجعلت منه خياراً لاحياد عنه بنظر الجميع.وحين برزت فكرة الدمج بين «الإنتصار» و»الجزيرة» تحت مظلة نادي الجزيرة اختير لشغل مركز الأمانة العامة حتى خرج من النادي ليتبوأ موقعه كأمين عام لاتحاد الكرة في ما كان يسمى بالشطر الجنوبي حينها قبل أن يتم انتخابه رئيساً للاتحاد في العام 1975م.وباعتبار أن القدرات القيادية للزيد في حالة تطور مستمر فقد تجاوز القيادة «الكروية» للاتحاد إلى الإطار الأكبر والأعلى حيث أصبح مسؤولاً للعلاقات الداخلية للجنة التنفيذية للمجلس الأعلى للشباب والرياضة وهو المجلس الذي كان يمثل قمة الهرم الرياضي في عدن والمحافظات الجنوبية، وانتخب فيما بعد سكرتيراً للمجلس المركزي للمجلس الأعلى للشباب والرياضة في المؤتمر «الثالث» الذي أقيم في مارس من العام 79، وبعدها مباشرة عيّن نائباً لرئيس المجلس بصفة التفرغ الدائم لقيادة المجلس.ذلك كان المشوار بصيغة الاختصار للاعب والقيادي في النادي وأمين السر والرئيس لاتحاد كرة القدم ثم مسؤول العلاقات الداخلية في قيادة المجلس الأعلى للرياضة والسكرتير للمجلس ذاته ثم نائب الرئيس المفوض.مراتب متدرجة ومختلفة لرجل واحد تؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن صاحبها والمحور فيها ليس شخصاً عادياً وتعطي الإنطباع الحسن عن مؤهلات الرجل ومواصفاته القيادية.[c1]حضور خارجي بارز [/c]ومع تنامي خبراته وتطور مداركه أصبح «الزيد» الخيار الأول في كثير من الحالات التي كانت تتطلب توافر كل متطلبات النجاح في المهام الخارجية سواءً في قيادة البعثات الرياضية التي كانت تغادر الوطن بحثاً عن الغايات التنافسية المتعارف عليها، أو في تمثيل اليمن في المؤتمرات واللقاءات القارية والدولية.وحتى أكون منصفاً لصاحب هذه القامة السامقة فإن أول ما يمكنني قوله هنا هو أن شخصية «أبو رضا» كانت تحوي من الطباع الإنسانية والخصال القيادية ما يغنى عن بضعة أشخاص باعتبار أن «كل شيء» كان حاضراً لديه بحسب شهادات عدد من الزملاء الذين عايشوه وتقاسموا معه المهام الإشرافية في الداخل والخارج.ومن منطلق حنكته التي ما كان لأحد أن يغفل ذكرها فقد اختير للعب الدور الرئيسي في أكثر من محفل خارجي كبير فمثل ما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية أو المجلس الأعلى للشباب والرياضة تحديداً في اللجنة الفنية لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب بالجامعة العربية 79 ـ 90م، كما ترأس عدد من الوفود الإدارية في أكثر الرحلات الخارجية أهمية والتي من أكثرها خلوداً في الذاكرة رئاسته للوفد الذي سافر إلى «بادن بادن» في المانيا الاتحادية ـ حينها ـ ليعود إلى أرض الوطن وفي يديه ورقة الانضمام الرسمي إلى أعلى هيئة رياضية أولمبية على مستوى العالم «اللجنة الأولمبية الدولية» بعد أن تم إقرار العضوية لما كان يسمى باليمن الجنوبي في الأسرة الدولية.[c1]الدور الوحدوي[/c] خلال سنوات ما قبل الوحدة المباركة كان الفقيد محمد عبده زيد في طليعة القيادات الرياضية والشبابية التي تجسدت من خلالها وعبر توجهاتها وأنشطتها روح الوحدة التي كانت تنبثق من أهمية المنجز المنتظر وحتمية تحقيقه فعمل مع أخوانه في عدن وفي صنعاء على ترجمة تلك التوجهات من خلال التنسيق في المواقف أولاً في عدد من المؤتمرات والملتقيات الخارجية، كما كان له الدور المشهود مع آخرين من قيادة العمل الرياضي في صنعاء وعدن في إطلاق أهم بشارات الوحدة في المجال الرياضي ممثلة بعدد من المسابقات الرياضية والكروية التي جمعت الشباب اليمني على امتداد الجغرافيا الطبيعية لوطنهم الكبير على غرار بطولات كأس اليمن للأندية والمحافظات خلال حقبة الثمانينات من القرن الماضي وهي البطولة التي اعتبرت من أهم الأعمال التي قام بها القطاع الرياضي في الجهد الوحدوي خلال تلك السنوات التي سبقت الميلاد الرسمي للجمهورية اليمنية بقرابة العقد من الزمان.وقبل أشهر قليلة من إعلان الميلاد العظيم أسهم الزيد ـ كعادته ـ في إحدى أهم الخطوات الوحدوية في قطاع الشباب والرياضة والعمل الأولمبي حيث أفضت جهوده وجهود من واكبوا ذلك التأريخ عن توحيد العمل الأولمبي تحت مظلة وطنية واحدة هي اللجنة الاولمبية اليمنية التي ضمت اللجنتين الاولمبيتين في كل من صنعاء وعدن ليضاف هذا العمل الوطني السامي إلى مآثر الفقيد، ويكون مع مختلف الأعمال الوحدوية التي سبقته والتي جاءت عقبه قبس من نور هذا الرجل واشعاعاته التي غمرت المحيط اليمني وذاع صيتها ليبلغ الحدود الأخرى وصولاً إلى كل البلدان التي كانت تسعى لإيجاد مصوغات الوحدة على انقاض التشرذم والفرقة.ومثل ميلاد اللجنة الأولمبية الواحدة في العام 90م بالتزامن مع إعلان الميلاد العظيم لوطن 22 مايو من العام ذاته محطة انطلاق جديدة وصفحة أخرى فتحت لتتوالى فيها السطور والمفردات مؤرخة لحقبة أخرى تأتت لـ «الزيد» في حياته بعد ما سبق وتحدثنا عنه بإيجاز من كفاح وعمل نقابي ونشاط رياضي بدأ في الميدان وتواصل في قيادة النادي ثم ارتقى للاتحاد ليصل إلى موضع المسؤولية المباشرة في أعلى هيئة رياضية في عدن والمحافظات الجنوبية.بعد الوحدة مباشرة وبعد أن لعب الدور المحوري في كثير من أعمال التنسيق التي قادت إلى دمج الكيانات الشطرية السابقة وتوحيدها تحت راية الوطن الواحد تشرفت وزارة الشباب والرياضة بجلوسه على كرسي الوكيل فيها إضافة إلى تحمله مهام المفوض العام للكشافة وعضويته في المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية ليضفي على كل هذه المواقع روحه الوطنية ويمدها من رحيق التراكمات لخبرته التي امتدت لسنوات غير قليلة.وخلال سنوات تبوئه المسؤولية في الوزارة واللجنة التي أصبح عضواً في مجلس إدارتها منذ سبتمبر 1995م وحتى وفاته استطاع ترك الأثر الطيب على مستوى العمل وفي جانب العلاقات الإنسانية ليكون النموذج الحقيقي للقيادي المتسلح بالدراية والتجربة والمثال للإداري المحنك واسع الأفق وليؤسس بذلك مدرسة فريدة من نوعها في فن الإدارة الرياضية ليس لأنه كان الأجدر والأقدر فقط بل ولأنه إلى جانب ذلك قد نسج خيوط نجاحه خيطاً خيطاً وأجاد غزل تلك الخيوط ليجعل من متانتها سياجه الواقي من الفشل.ذلك كان بعض ما تيسر من سيرة رجل وحدوي حتى النخاع ورياضي حتى العظم أرتأينا أن نتذكرها لنتفكر في معانيها في ذكرى اليوم الذي أقيمت مداميكه على أكتافه هو وزملاؤه، وفي الذكرى ومنها يمكن لنا جميعاً أن نفهم لماذا كان «أبو رضا» ومن هم على غراره ناجحين ونتعلم من أسرار نجاحهم معاني ذلكم النجاح الذي لم يكن أبداً شأناً شخصياً ولا غاية فردية لأنه ارتبط أولاً بمعاناة الشعب والوطن في عهد المستعمر ثمن اختزل في توجهاته توق الأمة إلى الوحدة قبل أن يصبح فعلاً محموداً يعبّد الطريق للأجيال التي كتب لها أن ترضع من صدر الزمن الوحدوي حليب الطموح الذي لا حدود له.لقد قدمنا نموذجاً لواحد من الرجال الذين حملوا راية الوطن الواحد قبل أن ترفرف بألوانها في السماء، وما نحسب إلاَّ أننا وفقنا في اختيار هذا النموذج من خلال فقيد الوطن والرياضة اليمنية محمد عبده زيد الذي نؤكد أنه ترك لنا إرثاً عظيماً من التجارب ومن النجاحات والدروس، ومع «زيد» كان هناك آخرون «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر» حري بنا اليوم أن نتذكر مآثرهم وأن نتقصى أسباب نجاحهم وأسرار كل ذلك الحضور الزاهي الذي حققوه .. وحري بنا إن ننحني في حضرتهم أحياء أو أموات لنعترف بأفضالهم ونوجه إليهم العرفان والشكر بعد الله سبحانه وتعالى لانهم عبدّوا لنا الطريق وأناروا دروبنا لنصل .. ولننعم بما جاد لنا به الزمان الوحدوي.فلأبي رضا ورأفت وعفت وعدلي دعاؤنا بالرحمة ولكل من شاركه هم التحرر والبناء وحمل معه راية الوحدة ألف تحية وسلام.