بدلا من سحب قواته من العراق، قرر الرئيس الأميركي جورج بوش زيادة العدد بنحو ثلاثين ألف جندي على أمل أن يحسن الوضع هناك. وبدلا من الاستماع إلى النصيحة القائلة بأن يتقارب مع إيران وسورية، فإنه ينوي التضييق على البلدين بالحجر المالي والملاحقة السياسية، مع شيء من التنازل باستحداث تغييرات في الوجوه المكلفة إدارة الأزمة العراقية من مسؤوليه العسكريين والمدنيين.وهذه لغة يقول فيها الرئيس انه ليس مجبرا للاستماع أو الاستجابة إلى الكونغرس الذي عبر عنه تقرير بيكر هاملتون وطالب بجدول للانسحاب. من خلالها يقول إنه يملك رؤيته التي يفترض أن يكشف عن المزيد منها اليوم، ويتوقع أن تعتمد كثيرا على تغيير الوجوه، مع شيء من المرونة في التعامل مع الخصوم العراقيين البعثيين.إلا أن أحدا لم يوافقه ويقول إنها فكرة حسنة أن يزيد العدد، لأن الرقم أقل من أن يغير كثيرا من الوضع على الأرض، ولن يحسن من قدرة القوات الأميركية على مواجهة خصومها من متطرفي ومسلحي السنة والشيعة. فزيادة ثلاثين ألف جندي تعني ميدانيا سبعة آلاف فقط سيعملون في وقت واحد، إذا اخذ في الاعتبار الفترات والإجازات. ومن هنا فالمؤكد أنها لن تحقق لبوش كثيرا، بل ستضيف إليه المزيد من النقد مع تزايد الخسائر.والمعضلة التي تواجه الجانب الأميركي، سواء للذين مع أو ضد الوجود العسكري المباشر على الأرض العراقية، تتمثل في أن الانسحاب سيعني تزايد المخاطر التي تمس المصالح الأميركية لا إدارة الأزمة العراقية فقط. الانسحاب سيعني الهزيمة وسيعزز من رغبة الخصوم على التوسع مثل بناء إيران سلاحها النووي وستضاعف القاعدة من نشاطها في العراق والمنطقة. الخيارات محدودة وكلها تدل على عودة الجيش والقتال على اعتبار أن هذين الخطرين يمسان مباشرة الأمن الأميركي. ولا يهم ما يقال الآن لأن بعض الذين يطالبون بوش بالانسحاب هم من حمل الرئيس السابق بيل كلينتون مسؤولية أحداث الحادي عشر من سبتمبر بدعوى انه تقاعس ولم يطارد القاعدة عندما بدأت نشاطها وباتت خطرا حقيقيا.أما الرأي العام الأميركي المتململ من الفشل في العراق، غالبا سيغير موقفه لو رأى النفط يخضع لتهديد إيران أو نجاح القاعدة في تنفيذ عمليات ضخمة. هذان سببان كافيان لإثارة السخط الداخلي وإعادة القوات إلى المنطقة. وحتى تقرير بيكر هاملتون نفسه، الذي طالب بالانسحاب، فيه الكثير من المطالب بتعزيز القوة بشكل عام، وعدم التهاون أمام الإرهاب بما في ذلك في أفغانستان، وهذا تناقض لا يستوي مع دعوة التقرير بالانسحاب والمهادنة.حين يصر بوش على زيادة قواته في العراق، فانه يخاطر فعليا بنتيجة أكيدة، وهي انه لن يفلح في تحقيق نصر هناك، ولن يقلل من خسائر قواته البشرية، وسيجني المزيد من النقد والتقريع داخليا، وسيفرض عليه الانسحاب، أو تقليص قواته إلى الحد الذي يجعلها مشلولة تماما.ـــــــــــــــــــــــ[c1]نقلاً عن جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية
أخبار متعلقة