متابعة/فاطمة رشاد ناشر“ابنكما مصاب بالالتهاب الرئوي” هكذا قال الطبيب لوالدي الطفل رشيد ابن الرابعة عشرة والتي قادته الظروف المادية الصعبة إلى العمل وترك المدرسة نهائياً ويتجه إلى ورشة للمواد الكيمائية ؛تشكيلة كبيرة من المواد القاتلة فرضت نفسها عليه ليستنشقها كل يوم دون أن يدرك ما سيحدث له مستقبلاً.يقول رشيد: “أنا أعمل منذ أن كان عمري تسع سنوات وهاأنا اليوم أبلغ الرابعة عشرة لم أتذمر من عملي وكنت منذ أن أخبرني الطبيب بمرضي أتمنى أن أترك العمل وكنت لا أستطيع تركه بسبب الاحتياج المادي خاصة وأننا نعيش ظروفا اقتصادية صعبة فأنا أعمل في الورشة من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الثامنة مساء دون انقطاع أتعب كثيراً في العمل لأن المواد تخنقني ولكني أحاول أن أتحمل“.دراسة أجراها الدكتور خالد راجح الشيخ بعنوان “عمل الأطفال في اليمن” حيث قال فيها: “ إن المخاطر التي يتعرض لها الأطفال في الصناعات والمهن الخطيرة في المناجم ومصانع إنتاج للأساور الزجاجية وللألعاب النارية والكبريت والصيد في أعماق البحار والزراعة عالية الاستخدام للأسمدة والمبيدات الحشرية والعاملين في صناعة الاسبستو والحرير الصخري هي الأعمال التي يزاولها الأطفال بكثرة في اليمن يتجرع الأطفال مرارة الأمراض والإصابات الناجمة عنها الوان العذاب “وخير برهان كان في ورشة بنشر السيارات للأخ/ محمد صالح / والتي كانت قاتمة اللون يسودها السواد والازدحام من الآلات والمعدات الثقيلة والخفيفة تحدث قائلاً:” ثلاثة أطفال يعملون معي أعمارهم تتفاوت من الثلاثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة أفضل عمل الأطفال لأنهم يعملون بجد واجتهاد ولايتمللون أبدا وخاصة وأنهم يأتون لأجل أن يكسبوا حرفة “.في ورشة محمد صالح كان الطفل محمد احمد يجلس في زاوية منعزلة عن الجميع تبدو عليه علامة الشحوب لعله يتذكر أحلاما تركها قبل عام منذ أن غادر كرسي الدراسة ليأتي إلى هذه الورشة ويحمل الثقيل والأثقل ويستنشق المواد الكيميائية بكل أنواعها ... لقد راح يرسم أحلامه على جدران الورشة المظلمة كان في تلك اللحظة بيده آلة كبيرة يقوم بتنظيفها فصوته الغارق في أعماقه لم يسمع منه إلا همس حائر كما بدا لنا حيث قال :”لقد ذهبت إلى العيادة مرتين فقط أصبت بصداع شديد بسبب استنشاقي للمواد الكيميائية والزيوت الحارقة لمكائن السيارات، تكفل صاحب العمل بعلاجي فما ترونه على جسدي من خدوش وجروح طفيفة هي بسبب العمل فرغم ما أدركه من مخاطر في عملي جراء هذه المعدات الثقيلة في الورشة إلا أنني مجبر على العمل رغم المخاطر التي أتعرض لها أتمنى أن أجد عملا أفضل من هذا وأعود إلى المدرسة “ .الدكتورة /منى المضواحي /مسؤولة برامج الصحة العالمية في اليمن تحدثت قائلة :”الأطفال في الشارع معرضون دائما للإصابة وللحوادث والاعتداءات لأنهم لايخضعون للرقابة الصحية ولا تشملهم أية برامج للتحصين والتغذية فهم دائماً بعيدون عن النظام الصحي وبالتالي هناك عواقب وخيمة في بقائهم في الشارع وتأخرهم إلى منتصف الليل في مكان مزاولة عملهم قد يضرهم كثيرا “. الدكتورة منى المضواحي وإن بدأت راثية لحال أطفال اليمن العاملين فإنها لاتستنكر الوضع الصحي السيئ لهم ابداً،فتحت الأمطار يعمل الطفل محمد محفوظ في مسح السيارات أربع سنوات كانت لحظة فراقه لتلك المدرسة التي احتضنت حلمه ؛يصف محمد معاناته قائلاً:” أصبت أكثر من مرة في ساقي بسبب السيارات المسرعة وذهبت إلى المستشفى أكثر من ألف مرة بسبب الأمراض التي تصيبني بسبب نزلات البرد فأنا أصاب دائما ببطني بسبب الطعام الذي أتناوله خاصة أني ابقى لفترة لا أكل أبداً “.نفسياً يعاني الأطفال العاملون في اليمن من الكثير من العقد النفسية التي تصيبهم جراء عملهم فهاهي الأخصائية في النفس د/نور محمد والتي التقت أكثر من طفل عامل حيث تقول:” لقد التقيت بطفل كان يعمل في إحدى ورش النجارة رايته شاحب الوجه سألته كيف فقد إصبعه بعدما لاحظت إحدى أصابعه ناقصة اخبرني بأنه فقدها عندما حاول قطع لوح خشبي حاولت مساعدته لكي أعيد له الثقة بنفسه وبعد جلسات معه استطعت أن أعيد له ثقته بنفسه وكذلك ثم مساعدته لكي يعود إلى المدرسة”.الطفل رشيد يواصل قصته قائلاً:”لم اختر مهنتي لوحدي بل الظروف القاسية التي أجبرتني على العمل رغم أني أدرك خطورة هذا العمل على صحتي إلا أنني أعمل وأحاول جاهدا أن لا اظهر ألمي أمامي للآخرين لايمر علي أسبوع إلا وأنا زائر للطبيب”.وحسب الرصد لإصابات الأطفال في اليمن من قبل المرصد اليمني فإن 6000 حالة مصابة بسبب عملهم في المجال الزراعي و658طفلاً يعاني من فقدان لبعض أعضائه وهناك 13006 يعانون من أمراض ناجمة عن ممارسة المهنة وأما عن حالات الإصابات بالصدمات الكهربائية بلغت 675؛وكما أفاد المرصد بأن 5 % تعرضوا لتسمم و8.75 تعرضوا للحروق و10 % للأمراض مهنية مختلفة و22.2 % أصيبوا بالتشوهات في أجسادهم .9 سنوات هي عمر “هاني “ و3اشهر عمر عمله في ورشة لبنشر السيارات يقول هاني بصوته الطفولي:”لقد ذهبت كثيرا إلى العيادة فانا امرض كثيراً ولقد أخذني صاحب الورشة إلى العيادة فهو لايعاملني ابداً بوحشية بحكم سني الصغير وكذلك لأني ادر له مالاً كثيرا خاصة واني أصلح باليوم الواحد كثيرا من السيارات ادخل تحتها وافتحها كيفما أشاء وأصلحها بكل إتقان ومع هذا فيدي الصغيرة تقطعت من المواد الكيميائية التي اعمل عليها لم أحب هذه المهنة ولا اعرف إذا ماكانت خطيرة أو لا ولكنني اعمل حتى اجني مالاً”.مراد الصلوي صاحب الورشة التي يعمل بها هاني يقول:”لقد احضر هاني للعمل إلى هنا من قبل أخيه الكبير فهو يعمل من الساعة الثامنة صباحاً إلى الحادية عشرة مساء ولكي تزيد قدرته على العمل أعطيه قات حتى لايشعر بالتعب ويتناسى أن جسده يحتاج إلى الراحة لهذا هاني هو مصدر رزق جيد وأنا سعيد بعمله”. الدكتورة منى المضواحي /رغم رثائها لحالة الأطفال العاملين صحياً إلا أنها تدرك مامدى ما يشعر به الطفل من الآلام في جسده بسبب الأمراض والإصابات حيث تعدد حالات الأطفال الذين يأتون إليها للعلاج حيث قالت:”إن الأطفال الذين يأتون للعلاج يصر أهاليهم على إحضارهم لأنهم لايريدون أن يخسر أهاليهم كلفة العلاج فيضطر البعض منهم إلى إخفاء حالته الصحية المتدهورة فالحالات التي تأتي إلينا لانستطيع تحديدها إذا ما كنت عاملة أو لا فالأطفال الذين يعملون في الورش لايعرفون كيف يحمون أنفسهم لهذا هم أكثر عرضة للإصابة بالإمراض الخطيرة “.بينما الدكتورة نور محمد أخصائية في علم النفس تقول :”إن عنف أرباب العمل على الأطفال العاملين خاصة الذين يعملون في ورش اللحام والنجارة والبنشر ربما تصيب الأطفال بالعديد من الآثار النفسية وخاصة أن هناك أطفالا تعرضوا مثلا للضرب على الرأس وهذا قد يؤدي إلى التخلف الفكري والإعاقة الذهنية ومنها يصبح الطفل مضطربا في حياته ولا يستطيع أن يثق بنفسه ابداً والأطفال الذين يفقدون احد أعضائهم فإنهم يكونون أكثر انفعالية ويغضبون بسرعة حيث وان مهاراتهم تضعف ويعجزون عن إنشاء صداقات مع أقرانهم وهناك أطفال يتعرضون لعدة أمراض وإصابات ولكن لا يقولون من السبب في إصاباتهم ومن المسئول عنها “.د/أحلام السقاف /طب عام/ تقول :”لوان وزارة الصحة تتكفل بعلاج هؤلاء الأطفال العاملون مجاناً لكي يستطيع الطفل الحضور بنفسه إلى العيادة بدلا من رفضه الدائم للحضور بسبب قلة الدخل في اسر الأطفال العاملين والتي لاتستطيع أن توفر قيمة العلاج والدواء لأطفالهم أتمنى أن يحظى هذا المقترح بدعم من وزارة الصحة خاصة وان هؤلاء الأطفال العاملين وحسب معلومات فإنهم عندما يكبرون يصبحون اقصر قامة واخف وزناً وهذا ما نلاحظه نحن الدكاترة “.رشيد ..هاني ...محمد .. ووووووووووووووالخ أسماء تتكرر في سوق العمل والمجتمع يغط في نوم عميق رغم أن هناك أصواتا تسمع كل يوم وهي تنادي بمكافحة عمالة الأطفال ولكن دون أن يحرك ساكن فالعدد كل يوم يزيد.الطفل هاني يقول :”لواني أجد سريرا لأنام فهناك تنتظرني أمام باب الورشة سيارة لابد أن اذهب لإصلاحها “.ترك كل شئ ليرمي بجسده الصغير تحت السيارة ليخرج بعدها وقد امتلأت ملابسه بذلك اللون الأسود الذي قد ألفه وهو اللون الأسود لزيوت حارقة فأنامله الصغيرة ترسم حلم طفل في عمره التاسع قائلاً:” أريد أن امتلك ورشة خاصة بي ليعمل كل الأطفال فيها” .
|
اتجاهات
عمالة الأطفال تقتل أجساد فلذات أكبادنا بلا رحمة
أخبار متعلقة