الدكتور-جلال عبد العزيز ناجي القباطياستشاري علوم اقتصاديةتوطئة:في إطار ديناميكية العملية النفطية وتطوراتها بحثاً وتنقيباً واستخراجاً وتكريراً وتسويقاً وبيعاً إلى المستهلك النهائي والتي تتمحور فيها العملية التسويقية السوقية عرضاً وطلباَ والتي بموجبها تتحدد وتتقلب أوضاع النفط والأسعار صعوداً وهبوطاً هو الأمر الذي سنعرج على تناوله بالتحليل والتدقيق في إطار الإطر التي سنقوم في استبيانها وتوضيح كل واحد منها تتالياً بالتتابع:أما القوى الجديدة في الدول النامية فقد كانت على عكس القوى الصناعية القوية ولدينا مثالان بارزان:1)ظاهرة السادات في مصر ونزوعه نحو التهاون بعد أن شكلت سورية ومصر القوة العسكرية الجديدة في المنطقة اعتبارتها،ووظفت ولأول مرة إمكانيات البترول العربي كسلاح في المعركة السياسية والاقتصادية وقد ركزت الولايات المتحدة على هذه الحالة المتميزة والمؤثرة فضربت مصر من خلال محادثات الكيلو 101،ثم الفصل الأول والثاني ثم اتفاقيات كامب ديفيد واتبعتها بسياسات اقتصادية تخريبية وهي مرحلة الانفتاح الاقتصادي الذي لم يكن انفتاحاً إنتاجياً بل انفتاح استهلاكي والذي كانت له عواقب وخيمة وضارة..2)الالتفاف على الأوبك من خلال ما يلي:أ-تحريض الدول المستهلكة ضد الأوبك محملينها المصاعب الاقتصادية بسبب زيادة فاتورة البترول المستورده وزيادة التضخم وارتفاع مديونية بعض الدول والأزمة العامة في الاقتصاد الدولي مالياً ونقدياً بسبب عدم قدرة اقتصاديات الدول النفطية على الاستيعاب وتحميل الأوبك مسؤولية أزمات الإمداد البترولي التي رافقت عام 1973م و1974م واتهامها بالابتزاز.ب-تحريض الدول النامية ضد الأوبك وقد لاقى هذا التحريض أذناً صاغية لدى بعض الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية علماً أن الأوبك كانت تقدم مساعدات لهذه الدول تصل إلى نسبة مرتفعة جداً بالقياس إلى دخلها إذا ما قورنت بحجم المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة والدول الصناعية الأخرى.جـ-إفشال كل اللقاءات التي كانت تدعو إليها الأوبك والدول النامية كما تم ذلك في جولات الحوار بين الشمال والجنوب المتعمدة وقمة في المكسيك عام 1980م بين دول الشمال والجنوب ودعوة الرئيس الجزائري هواري بومدين لعقد اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة لتصحيح أسعار السلع الصناعية وأسعار المواد الخام وإيجاد قواسم مشتركة لإعادة النظر في القوانين التي تحكم العلاقات الاقتصادية والتجارة الدولية وتحميل الأوبك مسؤولية كل ما يحدث في العالم من أزمات..د-إدخال الشركات من جديد في لعبة التسويق وإعطاؤها وضع الزبون الأفضل رعاية إلى الدرجة التي إبتدأت معظم الشركات العملاقة ممارسة الاتجار بالبترول والسمسرة عليه بل والمضاربة في أسواق الصفقات من أجل إحداث خلل ما في مصالح الدول الأعضاء في الأوبك.هـ-إعادة ممارسة نوع من نصب الفخاخ للدول الأعضاء في الأوبك من خلال الاستفادة من وقع الأزمات كما في حالة إيران قبل ثورة الخميني في 1978م وتدني مستويات الإنتاج الإيراني..وكذلك في أعقاب الثورة ونشوب الحرب الإيرانية العراقية الأمر الذي قلص المستوردات الإيرانية والعراقية إلى مستويات متواضعة جداً واقلق الدول المستهلكة وخوفها على الإمداد وقد أتاح هذا وضعاً متميزاً للشركات وللدول الصناعية كي تجد الوقت المناسب من أجل رفع وتيرة الإنتاج في بعض الدول لتصل إلى مستويات خيالة تحت شعار المحافظة على الإمداد البترولي من واقع المسؤولية الملقاة على عاتقهم وقد أصابت الدول الصناعية عصفورين بحجر واحد تمثلا فيما يلي:-1- زيادة أسعار البترول إلى أرقام فلكية حيث بلغت الأسعار الرسمية حينها لزيت الإنارة نحو 34 دولاراً لكل برميل من كثافة 36,34 وارتفاع أسعار الصفقات والمضاربات في روتردام وجنوبي الولايات المتحدة وسنغافورة لتصل إلى نحو 45 دولاراً لكل برميل وترتب عليها ما يلي:-1- ترتيب على زيادة الأسعار هذه زيادة الإنتاج وزيادة حجم العرض من البترول بحيث لم تحل سنة 1981م إلا والسوق البترولي يشكو من تخمة في العرض تصل إلى نحو 4 ملايين برميل يومياً.2- ترتب أيضاً على زيادة الأسعار الاغراق في زيادة الإنتاج وزيادة التصدير وقد وجدت الدول الصناعية فرصتها الذهبية لزيادة المخزونات الاستراتيجية إلى أرقام فلكية أيضاً بحيث أصبح هذا المخزون يكفي لمدة 120يوماً لكل الدول الصناعية – أمريكا وأوربا واليابان وربما أكثر.3- ترتب أيضاً على زيادة الأسعار والاندفاع فيها أن تبدأ بريطانيا بالإنتاج الواسع من بحر الشمال بعد أن كانت إنتاجه تحول دون أن يصبح نفطها المنتج اقتصادياً وأن تتوجه الشركات البترولية الكبرى الأمريكية والأوروبية لإعادة الاستثمار في البحث والتنقيب من جديد بشكل واسع ومدروس والعودة إلى طرق الإنتاج المعزز كما في الحقول والآبار الحديثة.والإنتاج داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها والتوسع في استكشاف مناطق جديدة عالية التكاليف كما في نفط وغاز الاسكا وبناء الأنابيب والتوسع في بناء الناقلات بسبب الأرباح التي تحققها هذه الوسائل..كل ذلك وفر فرصاً ذهبية من نوع متميز للدول الصناعية كي تضع يدها من جديد على المفاتيح التي تتيح لها تركيع الأوبك من خلال ممارسة ضغط متميز على أسعار البترول وحاجة هذه الدول البترولية للعائدات بعد أن نجحت سياسات إعادة تدوير البترو دولار وزيادة إنفاق هذه الدول عن طريق البيوت الاستشارية التي اعتمدت كمستشارين في دراسة المشاريع وجدواها وتزيين هذه المشاريع ودراسة تكاليفها والعائد المحقق من هذه المشاريع بشكل يغري من يملكون الدولارات من عائدات البترول ولو درسنا تكاليف المشاريع المقامة في هذه الدول مع مثيلاتها في الدول الصناعية ذاتها لوجدنا أنها أقل بكثير مما كلفته هذه المشاريع في البلدان النامية لذا فإن تكاليف التنمية الكبيرة في الدول انعكس هو الآخر بشكل كبير على أسعار المواد المصنعة ونصف المصنعة المستوردة لعموم الدول النامية.إن المستفيد الأكبر من تزايد أسعار البترول المخصص للتوسع في التنمية في الدول النفطية كان يصب في الدول الصناعية على شكل اثمان للسلع المستوردة والجزء الأعظم من عائدات البترول أيضاً يوظف أما بشكل سائل في البنوك وشراء الأسهم والسندات لدى الولايات المتحدة وأوروبا أو على شكل شراء العقارات ومظاهر الأبهة المشهورة والتي انتشرت خلال تلك السنوات..إذاً نستطيع القول إن الخطة المحكمة التي أقيمت غداة تصحيح أسعار البترول في نهاية 1973م 1974م والارتفاع بالأسعار عام 1976م1980-م كان الكاسب الأكبر منه الدول الصناعية والشركات بدءاً من شركات المقاولات إلى البيوت الاستشارية إلى شركات البترول بكافة أقسامها المعروفة أي الشركات المنتجة للعطور،والزهور والأغذية وحينما وجدت الدول الصناعية أنها أصبحت في وضع يمكنها من توجيه ضربة قاصمة للأوبك وجهت لها هذه الضربة المدروسة ابتداء من مارس 1983م حينما عقد مؤتمر لندن لوزراء الأوبك والذي أدخل لأول مرة نظام المحاصصة الذي كان بمثابة التزام متأخر لكل دولة بكمية محددة من إنتاج البترول طبقاً لسوق بدت ضعيفة متخمة وغير قادرة على الاستيعاب النفط المعروض بغزارة.أيضاً جرى تخفيض الأسعار لأول مرة وكان هناك رأيان رأي الأكثرية التي قبلت بهذه القرارات ورأي الاقلية التي لم تقبل بها ثم كرت بها السبحة من التراجعات التي أوصلت الأوبك إلى ماهي عليه.والأسباب لهذه التراجعات تكمن في الضغط المنظم والمدروس على أسعار البترول من قبل الدول الصناعية ولديها من الأسباب ما يدعوها لممارسة ذلك ابتداء من المعطيات الآتية: 1ـ احتدم الصراع بين دول الأوبك نفسها من خلال ضغط الإنفاق الهائل الذي اعتادت عليه خلال فترة الطفرة والتوسع في هذا الإنفاق سنه بعد أخرى بحيث أصبحت معظم دول الأوبك أن لم تكن كلها تمارس طرقاً جديدة في تسويق نفطها أما بالمقايضة أو بإعطاء حسومات على الأسعار أو بزيادة الإنتاج على الحصة المقررة لهذا أعطى الدول والشركات الصناعية ميزة نوعية في ممارسة الضغط على سوق نفطية بدت ضعيفة فيها عرض زائد وطلب قليل.2ـ نجاح الدول الصناعية خلال السنوات الأخيرة في ضبط مسألة ترشيد الطاقة وخاصة البترول ومنتجاته بحيث أتيح لهذه الدول إيجاد بدائل للنفط من الطاقات الجديدة والمتجددة..حيث أنخفضت بذلك نسبة البترول من إجمالي الطاقة ككل.3ـ إن ارتفاع الأسعار بالشكل الذي كان سائداً في أعوام (1976ـ 1980ـ 1981م) أتاح لدول مثل بريطانيا والولايات المتحدة زيادة إنتاج نفط بحر الشمال ونفط الآسكا والإنتاج المعزز من الحقول القديمة المهجورة كما أن التخزين في ظل الوفرة التي أتيحت آنذاك قد وضع نفط الأوبك الجديد في وضع حرج جداً إذ انخفض الطلب من 31،5 مليون برميل في اليوم إلى نحو 16 مليون برميل يوميا عام 1986م وأقل من ذلك خلال 1987م وحتى 1988م ،لذا فقد بدأت العملية تبدو كأنها مزدحمة الهدف فهي موجهة ضد الأوبك التي بدأت تحتاج لتسويق نفطها وقبض عائدات أكبر لتغطية العجوزات التي بدأت تظهر في ميزانيات هذه الدول وتتسع سنة بعد أخرى ،الأمر الذي حول معظم دول الأوبك إلى دول مدينة بعد أن كانت دائنة وظهرت أزمات كثيرة على مستوى خطط التنمية وحتى خطط الصيانة للمشاريع العملاقة التي اقيمت خلال فترة الطفرة ولايستغرب أيضاً إذا ما قلنا بإتساع حجم البطالة وإرتفاع أسعار السلع وإفتقار الإستقرار الإقتصادي الذي كان سائداً قبل ذلك أما الأثر فقد انعكس أيضاً على الدول النامية ذات الصادرات النفطية والتي كانت تعتمد بشكل أو بآخر على عائدات مستقرة تدخل كجزء لابأس به من المساهمة في ميزانيتها السنوية ففي الوقت الذي أرادت فيه هذه الدول أن تخفف من أزماتها المتتالية جاءتها نكسة قوية تمثلت في تدهور أسعار نفطها وبالتالي تناقص عائداتها وهذا قد أضاف بعداً جديداً لحالة الإفتقار التي تعيشها البلدان المنتجة والمصدرة للبترول خارج أوبك على الرغم من تعاطي هذه الدول مع أوبك ورغبتها في قيام جبهة نفطية موحدة معها من أجل المحافظة على أسعار متماسكة للبترول.ولعلى لا أذيع سراً إذا قلت إن أسعار البترول لايمكن لها أن تصل إلى هذا المستوى من التدني لولا ضلوع بعض دول الأوبك في إتفاق غير معلن مع الدول الصناعية هدفه القريب أن تحظى برعاية خاصة في التسويق ولو على حساب نفوط الدول النامية ،وهي بحق نظرة ضيقة الأفق سقيمة النتائج وغير فعالة.كذلك من خلال مراقبتي لتذبذب أسعار البترول صعوداً إلى حد معين لم يتجاوز 18 دولاراً في صيف 1986م و1987م وشهر سبتمبروأكتوبر 1988م ثم انخفاضه خلال أسبوع إلى (14ـ 15) دولاراً..إن ذلك في تحليلي يعطينا مؤشراً واضحاً بأن الدول الصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ترغب بأن تجعل نفوط الدول النامية غير قادرة على الإستقرار في أسعارها من خلال الضغط المتواصل على أسعار البترول وان رفع أسعار صيغها إلى مستوى 7ـ9 دولارات للبرميل فإنه أضحى أمراً يدخل في باب التحدي والمواجهة لأنه في الوقت الذي شكل تهديداً واضحاً للإنتاج الحدي من البترول لدى دول كثيرة فإنه في الوقت ذاته ألحق ضرراً كبيراً بنفوط الأوبك والدول النامية الأمر الذي يجعل من السؤال ما العمل؟ أمراً ينطوي على ضرورة ملحة لابد من ألإجابة عنه...وللإجابة عن هذا التساؤل وفقاً لأبسط مقاييس التحليل في نظري ..سيقودنا التحليل إلى جواب وحيد أعتقد بأن الأوبك لابد لها أن تعرفه وهو إعادة التضامن بين صفوف أعضائها إنتاجاً وتسعيراً والتعاون في هذا المجال مع الدول النامية الأخرى المنتجة للبترول التي تسوق الآن نحو 28 مليون برميل يومياً..وذلك من أجل أن يتحقق من خلال هذا التعاون أمران مهمان هما:ـ1ـ ضبط مسألة العرض من البترول وبالتالي ضبط الإنتاج وفقاً للطلب دون الانزلاق نحو إغراءات تقدمها هذه الجهة أو تلك بقصد تعميق الخلاف بين دول الأوبك.2ـالضغط على أسعار النفط سيكون عديم الفائدة إذا تمسكت الأوبك بقرارات ملزمة تتضمن مسألتي محاصصة غير مرنة ومدروسة لكل دولة وأسعار لاتعكس ولاتتناغم مع أسعار السلع المصنعة ونصف المصنعة وكذلك نسب التضخم وإنخفاض قيم العملات وخاصة الدولار.إذا كان مؤتمر أوبك في إحدى فترات إنعقاده قد حددإنتاج الأوبك بنحو 28،5 مليون برميل يومياً والحد المقبول للسعر بـ18 دولاراً للبرميل بعد أن حل الخلاف حول حصة كل من إيران والعراق على حساب حصص الدول الأخرى الأعضاء في الأوبك ..فإنهم تناسوا أن أشهر الشتاء في الدول الصناعية سوف تحدد حجم الطلب زيادة الطلب أو نقصانه ،وكذلك مدى جدية إلتزام الأوبك كدول بهذا المستوى من الإنتاج... وهذا الأمر يدل على أنه يوجد خلل ما داخل الأوبك نفسها وعليها أن تسارع في معالجته اولاً حتى تستقيم اوضاعها ومن ثم تستقيم بها اوضاع اسواق النفط بحثاً وتنقيباً واستخراجاً ومن ثم تسعيراً وتسويقاً وتوزيعاً للمستهلك النهائي :ـمالم فإن هذا القرنستصبح فيه وسائل الطاقة البديلة عن النفط متوفرة ...حينها فلن يكون امام ملوك وأمراء النفط ومالكيه الااستخدامه للوضوء ..ليس إلا...
رؤية في أزمة النفط العالمي
أخبار متعلقة