( 14 أكتوبر ) عاشت وقائعها ..
عدسة وقلم / فضل علي مباركوبعد أن عرضنا بصورة تفصيلية حياة القرية المهجورة في يومي زيارة قبر لنبي هود عليه السلام وما يرتبط بها ويرافقها من عادات وطقوس في ظل وجود اختلاف على مشروعيتها وبروز معارضة من آخرين في مضمون هذه الزيارة التي يرون فيها مناسبة غير شرعية ولا يجوز القيام بها ، ومثلما نجد من يتشيع بالقول والعمل لهذه الزيارة وما يشبهها من زيارات بصور مختلفة ، فإن هناك فريقاً آخر يرفض هذه الزيارات ويسمون من يمارسها بـ ( القبوريين ) والسجال قائم بين الفريقين وكلٍ يتسلح بما يستطيع تطويعه وتفسيره من الكتاب والأحاديث النبوية .وفي الختام وللوقوف على آراء الفريقين ، نعرض وجهتي نظرهما ، حيث مثل الفريق الداعي إلى الزيارة العلامة سالم بن عبد الله الشاطري .وتقرأ وجهة النظر من خلال ماتظمنه كتابه ( نيل المقصود في زيارة قبر نبي الله هود ) [c1]* ما هي الأدلة الموثقة الدالة على أن قبر النبي هود عليه السلام هو في الموقع الذي يزار حتى اليوم ؟[/c]- أولاً : أدلة من القران الكريم .قال سبحانه وتعالى : " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " .، ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى بعث نبيه هود عليه السلام إلى قومه بالأحقاف والأحقاف هي حضرموت كما هو معروف ، وقد توفاه الله تعالى والراجح عندنا وعند جمهور المؤرخين أن وفاته بها ، والقاعدة أن الأصل هو بقاء ما كان على ما كان حتى يعلم خلافه ، فنتج لنا أن قبر سيدنا هود عليه السلام هو في حضرموت ، وقد دلت الدلائل الكثيرة على تعيين موضع قبره في مكانه المعروف الآن في ( شعب هود ) .ثانيا ً : كتب التفاسير وبعض كتب الحديث والتراجم والتي أشارت إلى أنه بوادي حضرموت قرب برهوت والمهرة ووصفته بصفته المعروفة الآن ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: روى الإمام ابن جرير الطبري ( ت 310 هـ ) في تفسيره ( جامع البيان عن تأويل آي القران ) في تفسير قوله تعالى ( وإلى عاد أخاهم هوداً ... ) فقال : " حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا ابن اسحاق عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي عن ابن الطفيل عامر بن وائلة قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لرجل من حضرموت : " هل رأيت كثيباً أحمراً يخالطه مدرة حمراء ذا أراك وسدر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت ، هل رأيته ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، والله إنك لتنعته نعت رجل رآه ، قال : لا ، ولكني قد حدثت عنه ، فقال الحضرمي : وما شأنه يا أمير المؤمنين ؟ قال : فيه قبر هود صلوات الله عليه " .. ، وآخرون ذهبوا ذلك المذهب منهم ابن كثير في تفسيره والإمام البغوي في تفسيره ( معالم التنزيل ) والإمام الخازن في تفسيره ( لباب التأويل ) والعلامة الشوكاني في تفسيره ( فتح القدير ) ، وغيرهم .ثالثاً : إنه اشتهر واستفاض وتواتر تواتراً معنوياً أن قبر هود عليه السلام في حضرموت في مكانه المعروف الآن .وبمثل هذه الاستضافة في النقل والتواتر المعنوي أو ما يقرب منه ثبت كرم حاتم الطائي ، وثبتت كثير من القصص والحوادث التاريخية .وقد عرفنا من المقولة التاريخية والروايات والآثار وأقوال المفسرين والمؤرخين أن قبر هود عليه السلام هو قبر معروف على مر القرون والعصور والسنين أمة وجيلاً بعد جيل إلى وقتنا هذا .رابعاً : النقول التاريخية الكثيرة التي أكدت على وجود قبر هود عليه السلام في حضرموت فكثير منها أكد على وجوده في مكانه المعروف الآن [c1]* إذاً ؟ ما حكم زيارة القبور وما دليلكم على ذلك ؟[/c]حكمها سنة والدليل عليها عدد من الأحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : " قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه ، فزوروها فإنها تذكر بالآخرة " ، وحديث " زوروا القبور فإنها تذكر الموت " . [c1]* وما معنى حديث " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... " ؟[/c]- معنى شد الرحل أن يجهز الإنسان نفسه وراحلته فيرحل لسفر قصير أو طويل لأي أمر من الأمور ، والحديث لا يمنع زيارة القبور بل يشير إلى أفضلية المساجد الثلاثة على غيرها كما قاله جمهور العلماء ، ومعناه لا تشد الرحال إلى مسجد لفضيلته إلا إلى الثلاثة المساجد ، وإلا لزم ألا تشد الرحال إلى عرفات ومنى وزيارة الأرحام والجهاد وطلب العلم والمعيشة ، وهذا لا يقول به أحداً البتة .[c1]* يرى البعض من العامة ان هناك حديث ( الضحكة في الطريق إلى شعب هود بتسبيحة ) ؟[/c]- هذا ليس بحديث وإنما هو قول ينسب لبعض العلماء الصالحين ومعناه أن الكلمة الطيبة والابتسامة والضحكة عند لقاء الإخوان في الزيارة أثناء السفر لها من المعروف والصدقة التي يثوب عليها فاعلها ، ويتأكد ذلك في السفر ونحوه ترويحاً للإخوان وإذهاباً لعناء السفر عنهم كما هو الحال في الزيارة ، ودليله ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الكلمة الطيبة صدقة " ، وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو ان تلقى أخاك بوجهٍ طلق " .[c1]* وما مدى صحة ما روي عن بعضهم أنه قال ( نهر هود من أنهر الجنة ) ؟[/c]- وليس هذا بحديث أيضاً ، وإنا يروى أنه هاتف من السماء سمعه العالم الصالح محمد بن علي مولى الدويلة ( ت 950 هـ ) ، لما أراد أن يبني بيتاً في ( يبحر ) – منطقة بحضرموت – يقول له : " انحدر وابن حذاة العين حيث ينبع نهر هود فإنه انهر من أمنهر الجنة " والنهر المذكور هو النهر الذي جاء ذكره في كتب التاريخ القديمة والتي كتبت عن عاد ونبي الله هود عليه السلام وسمت ذلك النهر بنهر ( الحفيف ) ، قال وهب عن ابن عباس " إن هوداً النبي أرى عاداً الآيتين الجنة والنار ، فأما النار فرأوها في وادي برهوت وأراهم الجنة بنهر الحفيف " .[c1] * تنكرون أن ما يتم في الزيارة من طقوس هو حج مصغر مع أن ما يتم يعطي دلالة على وجود تشابه كبير من ذلك إن الزوار يرجمون ما يسمى بالمحذقة وهي صخرة تقع على الطريق إلى القبر ويرجمون أيضاً ما يسمى بقبر الكافر ؟[/c]- أولاً بالنسبة لرجم ما يسمى بالمحذقة فيجاب عن هذه الشبهة من وجهين :الوجه الأول : إن هذه العادة قد انقرضت وانقطعت تقريباً خاص بعد مجيئ السيارات وصارت منحصرة في الذاهبين إلى الزيارة على ظهور الإبل وهم قلة .الوجه الثاني إنه على فرض وقوع هذه العادة فإنها لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية ، وقد كان سبب رمي الناس لها ما انتشر على ألسنة الناس من مصادر موثوق بها عن الرجال إن الإمام عمر المحضار بن عبد الرحمن الذي كان حريصاً على الزيارة دائماً ، اعترضه في إحدى زياراته تحت تلك الصخرة الشيطان في صورة رجل مسن وقال له : يا فلان أين تذهب ؟ فرماه بالحجر فغاص في الأرض فعرف أنه الشيطان ثم تكرر معه ذلك ثلاث مرات وفي كل مرة يرميه ، فصار الرجل كلما مر بتلك الصخرة يرميها فتبعه بعض الناس على ذلك إلى وقت قريب ، ورمي الأماكن التي تدنست بالشيطان موجود في الشريعة الإسلامية .[c1]* هناك صخرة تسمى الناقة يزعم كثير من الزوار إنها كانت ناقة لنبي الله هود ثم مسخت ؟[/c]- إن الزعم المشار إليه في السؤال هو وهم ما أنزل الله به من سلطان لا يقول بذلك إلا عوام الناس الذين لا يعبأ برأيهم والجواب الصحيح إن كلمة الناقة في اللغة تطلق على معاني متعددة منها : لأنثى من الإبل ، الكواكب المصطفة في السماء بهيئة ناقة , النيق : حرف من حروف الجبل ، أو الطويل من الجبال أو أرفع موضع في الجبل والمعنى الأخير هم الذي ينطبق على موضوعنا تقريباً .[c1]* وماذا عما يذهب إليه البعض بأن زيارة هود واجبة ؟[/c]- لم يقل أحد بوجوب زيارة هود بمعنى الوجوب الشرعي الذي يثاب على فعله ويعاقب على تركه ، وعلى فرض أنه نقل عن أحد ممن يعتمد عليه ، فإن معنى قوله واجبة أي متأكدة ينبغي الحرص عليها ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " وفسر العلماء ذلك بأنه متأكد كما هو مذهب جمهور الفقهاء .[c1]* ويقولون أيضاً أن ثلاث أو خمس أو سبع زيارات لهود بحج ؟[/c]- إن هذا الكلام لم يقل به أحد ممن يعتمد عليه وليس ذلك بصحيح ولا يعتقد أحد من الزائرين هذا فيما نعلم .[c1]* يلحظ مما يقوم به بعض الزائرين أعمالاً تشبه إلى حد كبير أعمال ومناسك الحج ؟[/c]- إن هذا الزعم باطل ولا أساس له من الصحة ويراد به التشنيع والتشقيب لا غير ، والجواب عنه من عدة وجوه منها : إنه لا وجه لتشبيه زيارة هود عليه السلام بمناسك الحج لا من قريب ولا من بعيد لأن الحج ركن من أركان الإسلام ، وزيارة هود ليست كذلك وأيضاً إن منسك الحج ومواقيتها لا توجد إلا في الحرمين الشريفين والزيارة ليست كذلك مطلقاً فلا تحتاج إلى نية إحرام ولا تحتاج إلى فدية ونحوها كما هو الحال في الحج والعمرة وأما زيارة هود فليس فيها شيء من ذلك مطلقاً ، كذلك لا يوجد تشبه أبداً بين مواقيت الحج الزمانية والمكانية من ناحية وبين شهر شعبان وزيارة عينات والغسل في النهر والصلاة في ( مسجد حصاة عمر ) ونحوها من عادات الزيارة من ناحية اخرى ، لا شبه أبداً بين هذه الأشياء وبين مناسك الحج أبداً ولكن سوء الفهم والمغالطة والهوى هو الذي يحمل الإنسان على مثل هذا الزعم والله اعلم . [c1]وللفريق الآخر وجهة نظره :[/c]طرف ممانعة الزيارة يتجلى في فريق واسع يرى أن زيارة وتعظيم القبور تدخل في باب الشرك ويسعون دوماً على تحذير الناس منها في حلهم وترحالهم ونقرأ هذا الرأي مع أكرم مبارك عصيان الذي أعد كتيباً على شكل مطوية عن ( زيارة النبي هود عليه السلام .. بين النهي الشرعي والكشف الصوفي ) بين فيه أخطار الزيارة وأضرارها ووجهة نظر من يمانعونها ، ويقول : " ما عصي الله عز جل بمعصية شر من الشرك ، وما قطع عز جاهه رجاء أحد من عباده في رحمته كما قطعه عمن مات مشركاً معه غيره ، وإن من أعظم الأبواب المؤدية إلى الشرك تعظيم قبور الموتى سواء أكانوا أنبياء أو صالحين ، فقد نهى عز وجل في كتابه عن تعظيم القبور ، وبين إن ذلك ذريعة إلى الشرك ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لأمته خطر تعظيم القبور في كثير من الأحاديث . ومن القبور التي حرص أهل البدع على تعظيمها قبر النبي هود عليه السلام في حضرموت .ويرى عصيان إن انتقال الزيارة من طريقة الفقهاء إلى الطريقة الصوفية ( طريقة المدد والتبرك بالمزار ) قد أضفى عليها مناسك وطقوس لم تكن موجودة في السابق ، حيث إن المقصود من الزيارة الاستمداد من أرواح الأنبياء والأئمة ، والمقصود من هذا الإمداد الشفاعة .ويبين كيف أن من هذه المناسك ما يعد شركاً ( يتهيأ بعض الزوار من آخر شهر رجب ويتم الإعلان عن الزيارة بترديد قولهم : يا هود نبي الله يا مولى النهر ، ويسمى شهر شعبان عند بعضهم بشهر هود ، ويعد اليوم الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر منه أهم مناسك الزيارة الزمانية ، وفيها الوقفة التي من ادركها فقد أدرك الزيارة ، وفيها قال بعضهم :وقفة تشبه الحج .. الأرض منها ترتج .. يدعون في ذلك الفج .. بصوت واحد : يا هود .. يعتبر اليوم العاشر عيد الزوار للشعب فينحرون الأغنام ويأكلون ألذ المأكولات ، ثم تأتي ( النفرة الأولى ) لآل سيئون ، أما آل تريم فينفرون يوم الثاني عشر ، وأما المناسك المكانية فتبدأ بالاغتسال في النهر ، ثم الركعتين عند حصاة عمر ثم السلام عند البئر المعطلة ، والصعود عند القبر والسلام عليه ، وقراءة سورة هود ، ثم الجلوس عند صخرة الناقة ، وقد يضع بعضهم قدمه على موضع قدم هود في الحجرة الملساء تبركاً .وكان بعض الزوار يمر بـ ( المحذقة ) وهي صخرة على الطريق يرجمونها ويرمونها بالحجارة الصغيرة ، وكذلك إذا مروا بما يدعونه ( قبر الكافرة ) شتموه لأنهم قالوا : اعترض طريق الزوار ، ولا يزال يعمل هذه الطقوس من يقومون بالزيارة على ظهور الجمال .على إن أكرم مبارك عصيان يستغرب ما يشاع بين العامة من فضائل لهذه الزيارة لم يأت بها الشرع من سلطان ومنها : - الضحكة في طريق هود بتسبيحة .- من زار هود ولو للفضول غفرت ذنوبه .- إن هوداً يتحمل ذنوب الزوار .- النائم في الزيارة كالقائم والمطر كالصائم .- غبار الطريق فيها كغبار المجاهد في سبيل الله .- ما درج عليه الناس والذي انتهى إلى عادة بأن تتوج الزيارة باستقبال حافل في تريم وذلك في سباق للجمال يحضره جمع من الرجال والنساء والأطفال ، وأصل ذلك إن شهاب الدين – أحد الأقطاب – لما ثفل عن الزيارة كان يجلس في ذلك المكان لاستقبال الزائرين في ( المجف ) بتريم ويقول : من بشرني أن ولد سالم بن عبد الله – يعني أبا بكر بن سالم – زار بالناس وهم سالمون ضمنت له الجنة ، وكان الزوار يتراكضون لينالوا هذه البشارة ، فانتهت البشارة إلى عادة .وقد خالف صوفية حضرموت في زيارة هود النصوص الصريحة ، والتي نذكر ثلاثة منها :1. عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، قالت : فلولا ذلك لبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ) رواه البخاري ، قال الحافظ في فتح الباري :( وكأنه علم أنه مرتحل من ذلك المرض فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى ، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من فعل فعلهم ) .2. عن أبي هريرة مرفوعاً : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى ) متفق عليه .قال الشيخ محمد الجويني : يحرم شد الرحال إلى غيرها عملاً بظاهر هذا الحديث ، وأشار القاضي حسين إلى اختياره ، وبه قال عياض وطائفة ، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة لما أقبل من الطور ، فيرى على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ، ووافقه أبو هريرة .3. عن أبي هريرة مرفوعاً : " لا تجعلوا قبري مرفوعاً " رواه أبو داود ، وقد احتج بالحديث على بن الحسين ، حين رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي فيدخل فيها فيدعو ، فقال : ألا أحدثك بحديث سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله .. الحديث .. كما احتج به ابن عمه حسن بن الحسن حين رأى سهيل بن أبي سهيل التزم قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومسح فحصبه وذكر الحديث .