عبدالرحمن أنيس :اثارت الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لشخصية الرسول الكريم (صلى اللَّه عليه وسلم) استياء مشاعر الكثير من المسلمين لانها مستهم في أقدس شخصية عندهم شخصية محمد بن عبدالله (صلى اللَّه عليه وسلم) الذي يحتل مكانة كبيرة في قلوبنا وقلوب جميع المسلمين .الا ان هناك وجوه مفارقة بحاجة الى كثير من التأمل .. فبداية مبادرة الصحيفة الدانماركية (جيلاندز بوست) في مسابقة »من يرسم نبي المسلمين« .. تدل على شيء في النفس ووغر في الصدور وغل في القلوب لم يستطع اخفاؤها اصحاب تلك الصحيفة وعلى رأسهم / كارستن يوستي - رئيس التحرير وكذلك التأمل في الرسوم المنحطة التي تسخر من رسولنا الكريم تبين مدى الكراهية التي احكمت سيطرتها على صدور رسامي الكاريكاتير وجعلتهم يصورون اقدس شخصية عندنا بأوضاع معينة فتارة صوروه على انه اعرابي يجر حماراً واخرى صورته على شكل شيطان في ثوب زاهد واخرى صورته بشكل ارهابي قبيح وعمامته على شكل قنبلة وهذه اشارة صريحة لالصاق تهمة الارهاب بالمسلمين ، وصورة تصور فوق رأسه ( برتقالة ) على انها الوحي الذي نزل عليه وفي يده ورقة رسم بها شخص مقتول ليدللوا على انه يحمل رسالة الموت للبشرية الى غير ذلك .. مما يقشعر له البدن وتنجرح له مشاعر كل مسلم معتدلاً كان او متطرفاً .. مثقفاً او أمياً .. ملتزماً او غير ملتزم .يكذب ويغالط نفسه من يقول ان الصور او الرسوم الكاريكاتورية المنحطة والرذيلة لا تمس مشاعر المسلمين ولا عقائدهم وليس فيها تمييز عنصري .. فعندما يتم تصوير النبي الكريم على انه اعور .. هذا يمس مشاعر المسلمين ويثير استفزازهم .. وعندما يصور الوحي بأنه برتقالة سقطت على رأسه .. هذا مساس بعقائدهم وتشريعاتهم .. وكذلك عندما يصوروه وهو يصلي في وضع مهين جداً .. مساس بصلاتنا التي هي أهم ركائز ديننا الحنيف .. بيد ان تغطية هذه الجرائم تحت ستار (حرية التعبير) امر يسيء الى الصحافة والى حرية التعبير وينفر المسلمين من الاعلام ويصوره في نظرهم وحش يمسبمعتقداتهم .. ثم ان حرية التعبير اذا وصلت الى حد المساس بالاديان والمعتقدات والقيم والعادات والتقاليد .. فانها حرية الاستفزاز المجاني .. وحرية اثارة الفتن وشق الصفوف .. وليس حرية التعبير .في شريعتنا السمحة وديننا الاسلامي الحنيف اذا اقدم مسلم على الاستهزاء بأحد الانبياء سواء كان يسوع او يهوذا او موسى او غيرهم فانه كافر منبوذ من المجتمع لانها احد لوازم الايمان وقد امر اللَّه بني اسرائيل في القرآن بتوقير الانبياء وتعزيزهم كما جاء ذلك في القرآن الكريم .ردود الفعل في الشارع الاسلامي كانت غاضبة وضرب غضبها مبيعات الزبدة الدانماركية وقامت بعض الدول الاسلامية باستدعاء سفرائها في الدنمارك، الا انها افرزت تباينا في المواقف داخل الشارع الاسلامي ففي الوقت الذي تشن فيه حملة لمقاطعة البضائع الدانماركية والنرويجية مناصرة للرسول الكريم نجد بعض اتباع المنهج السلفي في اليمن - مثلا - يرفضون المقاطعة (شكلا) حتى يتم الافتاء بها من قبل مرجعياتهم العلمية زاعمين ان المقاطعة نادى بها الشعب فقط ولم تناديه بها جهة علمية .. وحينما تواجههم بالفتاوى التي تنادي للمقاطعة يردون عليك بسرعة : انهم لايرضون الا بفتاوى اهل السنة، ولاادري من هم علماء اهل السنة في نظرهم!!عودة الى موضوع حرية التعبير .. نجد ان المسلمين دائما مايُستهدفون في مواضيع النشر الاعلامية بينما لانجد اي صحيفة مسلمة تشكك في مبادئ الدين المسيحي او تسيئ اليه باي شكل، ثم ان نشر مثل تلك الصور ينسف مايسمى »حوار الحضارات« ويهيج العنصرية والطائفية والعرقية ويجعل موضوع الحوار الاسلامي المسيحي ضربا من المستحيل، وينمي الكراهية بين الاديان، وهو ماجعل الموضوع عالميا حتى وصل الى حد ادانته من الحكومة الامريكية والبريطانية والامين العام للامم المتحدة كوفي عنان.يقال والعهدة على من قال : ان مجلس الامن اصدر قرارا بان كل من يشكك في مذبحة هتلر النازية ضد اليهود فانه يعتبر معاد للسامية تجب محاكمته، فاذا ثبت ذلك فلماذا لاترفع قضية الصور الى مجلس الامن ليتخذ قرارا بشأن الاساءات المتكررة للاسلام، وهل عداء السامية يدخل ضمن حرية التعبير ام ان سب المسلمين والمساس بعقائدهم وشخصياتهم فقط يندرج ضمن حرية التعبير؟ وهل اثارة النعرات والعمل عى تغذية الخلافات ونماء الكراهية لايرقى الى مستوى معاداة السامية التي يقال بان مجلس الامن اصدر قرارا بشأنها.الموقف الاسلامي جاء غاضبا من حرية الدنماركيين المزعومة وهو مادفع (كريستيان يوستي) رئيس تلك الصحيفة الى الاعتذار والقول بانه لو كان يعلم ان هذه الضجة ستكون وراء نشر تلك الصور ابتداء من الاحتجاج الى المقاطعة لما كان اعطى موافقته على نشر تلك الرسومات قبل اربعة اشهر، ولاشك ان الغضب الاسلامي جاء رسالة على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب المسلمين وهو التخمين الذي توقعه (كريستيان يوستي) حينما توقع ان لايجرؤ احد على رسم نبي المسلمين في المستقبل.علمتنا الازمة الكثير .. منها التضامن الفريد بين الدول الاوروبية حينما قامت صحيفة (ماغازينات) النرويجية باعادة نشر الصور ثم صحيفة (فرانس سوار) الباريسية ثم تلتها عدد من الصحف الاوروبية .. ولكن الغريب ان تقوم صحيفة (شيحان) الاردنية باعادة نشر الصور ودعوة المسلمين الى التعقل، وبعدها نشر صحيفة (الحرية) اليمنية لاحدى الصور.تساؤل اخير اختم به مقالي وهو : هل لو قام توماس فريدمان او كريستيان بوستي او صحيفة (جيلاندز بوستن) او (نيويورك تايمز) او (واشنطن بوست) بالتشكيك ولو بعدد ضحايا مجزرة هتلر النازي ضد اليهود، فماذا ستكون ردة فعل (تل ابيب) والعالم اجمع؟ وهل سيعتبر ذلك من حرية التعبير؟؟ انه مجرد تساؤل .. فهل من مجيب؟!.
حرية التعبير .. بين كوبنهاجن وتل أبيب !!
أخبار متعلقة