لايمكن ان يتحقق التقدم إلا اذا توافرت مجموعة من الشروط من أهمها احترام حقوق الإنسان .. فالشعب الخائف الذي لايتمتع بحقوقه لايمكن ان يصنع التقدم ، ولقد كان توصل الغرب إلى صيغة العلاقة بين الانسان والدولة من أهم العوامل التي أدت إلى زيادة قوة الحضارة الغربية وتقدمها . استثمار طويل المدى واحترام حقوق الانسان هو استثمار اقتصادي وسياسي وثقافي طويل المدى ، فهو يتيح امكانيات كبيرة لاستخدام الثروة البشرية في عملية انتاج الثروة باشكالها المختلفة . ولان البشر هم الذين يصنعون التقدم ليتمتعوا بثماره ، فإنه كلما شعر الانسان بان هذا التقدم يتم لصالحه ، وانه صاحب هذا التقدم وصانعه فانه يبدع في المساهمة في تحقيقه لذلك فان الامة التي تريد ان تتقدم لابد ان تكفل لشعبها حقوقه وتحمي هذه الحقوق لتتيح لهذا الشعب ان يتفرغ للابداع والانتاج ، احترام حقوق الانسان يخرج منه افضل مميزاته ومواهبه وقدراته ، ويجعله يتطلع دائماً للمستقبل بأمل، أما الانسان الخائف الذي لاتحترم حقوقه فانه يميل دائماُ إلى ان يسير بجانب الحائط او حتى داخله ، ويخاف ان يعرض افكاره على الاخرين مهما كانت أهمية هذه الافكار ، وهكذا يحرم المجتمع من افكار جديدة جريئة يمكن ان تنقله إلى عصر جديد ،وتحقق له التنمية والتقدم .وانتهاك حقوق الانسان يحرم الدولة من انتاج الكثير من العقول الانسانية ، وبالتالي يحرمها من تحقيق النهضة والتقدم . الدولة التي تنتهك حقوق الانسان ترغم الكثير من العقول على الصمت ، ولكي يتقدم المجتمع لابد ان يتكلم الناس بحرية ،ولابد ان ينتقدوا الوضع الراهن ليتمكنوا من تغييره إلى الافضل. الانسان لابد ان يعبر عن افكاره بحرية ليساهم في تحقيق التقدم ، أما إذا اجبر على الصمت فان الامل يموت وكذلك الاحلام والافكار لايمكن ان يفكر الانسان ويبدع وساهم في تقدم المجتمع وهو يعلم ان وراءه سوط ، وامامه سجن ، ويتبع خطواته العسس كثير من العقول في أوطاننا هاجرت خارج الوطن او هاجرت داخله ، فأما الذين هاجروا فقد اعطوا للغرب ثروة ضخمة ، وساهموا في تقدمه ، وأما الذين هاجروا داخل الوطن فقد صمتوا واثروا السلامة . وفي الحالتين خسرت المجتمعات العربية الكثير من الامكانيات للتقدم والنهضة .[c1]من بدد ثرواتنا[/c]منذ بداية الخمسينات هاجر الآلاف من العلماء العرب من أوطان لم تحترم حريتهم وحقوقهم بعد أن ادركوا ان البديل هو الصمت وبذلك هبطت على الغرب ثروة بشرية تحولت إلى ثروات علمية واقتصادية وثقافية فازداد تقدم الغرب ، وفشلت خطط التنمية في أوطاننا ، وكل عام يخسر الوطن العربي مليارات الدولارات بسبب هجرة العقول ، واذا قيمنا الثروة البشرية التي فقدناها بالمال لادركنا اننا خسرنا مئات المليارات من الدولارات ، مع كل عقل يساوي وحده مئات المليارات .يوما قالوا : إن الانسان العربي يتفوق في الغرب ويبدع وينجح ، وحاول البعض ان يفسر هذه الظاهرة بأن الغرب يوفر بيئة مناسبة للنجاح والابداع والتفوق ، وانه توجد هناك المعامل والامكانيات المادية ، وقد يكون ذلك إلى حد ما صحيحاً .. لكن الحرية هي التي تشحذ عقل الإنسان وتحفز قدراته .وكان هؤلاء جميعاً من المتفوقين . لكن اوطانهم لم تحترم حقوقهم وحرياتهم فقدمتهم هدية للغرب لانها كانت تخاف من افكارهم وعقولهم ، ولاتريد للاوطان تقدماً ولانهضة .كان كل ما يهمها هو الاستقرار حتى لو كان على فقر وتخلف مئات المليارات قدمها وطننا العربي هدية للغرب ، وتقف بعض الدول العربية تمد يدها لمعونات أو ديون من ذلك الغرب الذي ساهمت آلاف العقول العربية في صنع تقدمه ، وكانت تلك احدى اخطر النتائج لممارسات السلطات العربية منذ الخمسينات وانتهاكاُ لحقوق الانسان ، وسيادة العقلية البوليسية .إذا اضفنا إلى تلك الثروة آلاف العلماء الذي خافوا وصمتوا وهاجروا داخل الوطن او تحولوا إلى شعراء مديح للسلطات العربية طمعاً في ذهبها أو خوفاً من سيوفها وسجونها وسياطها وجلاديها .. عندئذ يمكن ان نعرف بوضوح الاجابة على سؤال مهم : هو لماذا فشلت خطط التنمية في الوطن العربي منذ الخمسينات حتى الآن ،ولماذا يقلل الدخل القومي للدول العربية مجتمعة عن الدخل القومي لدولة أوروبية .ولعرفنا ايضاً اننا لن نتقدم إلا اذا احترمنا حرية الانسان وحقوقه ، واحترمنا حرمة جسده وماله وعرضه، ثقافة حقوق الانسان لكي نتقدم لابد ان نتوصل إلى ميثاق جديد لحقوق الانسان العربي ، وان نبدأ عصراً جديداً بنشر ثقافة حقوق الانسان ، وان نعلم هذه الثقافة للاجيال الجديدة في المدارس والجامعات .ثقافة حقوق الانسان هي البداية الصحيحة لمشروع حضاري عربي جديد يتحقق في ظله التقدم السياسي والاقتصادي والثقافي الحضاري ولكن كيف نبدع صياغة جديدة لحقوق الانسان ، ونشكل ثقافة عربية لهذه الحقوق ؟ كيف نحرر ثقافة حقوق الانسان من التبعية للغرب لتكون اداة لتحريرنا من الاستعمار والاستبداد والتخلف ووسيلة لتحقيق النهضة والتنمية والتقدم .إننا نحتاج إلى ارادة سياسية لنشكل عصراً عربياً جديداً تحترم فيه حقوق الانسان ، وتصان كرامته ليتمكن من صناعة النهضة . العقل العربي لابد ان يكافح داخل الوطن ليحمي حقوقه ، وليفتح امام الأمة آفاق مستقبل جديد يقوم على احترام حقوق الانسان ، وعندئذ لن يضطر العقل العربي إلى الهجرة خارج الوطن او داخله ،وسيصنع النهضة والتقدم .[c1]د. سليمان صالحعن الشرق القطرية [/c]
احترام حقوق الإنسان شرط للتقدم
أخبار متعلقة