كتاب
تأليف / لوسيل فيغرييه عرض / إصلاح العبد كتاب "أحداث عشتها في اليمن" تأليف لوسيل فيغرييه، وترجمة / خالد طه الخالد ، صدر عن دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة ، الطبعة العربية الأولى . المؤلفة هي من الشخصيات التي عرفت اليمن عن قرب فجاء كتابها واقعاً وأحداثاً عاشتها المؤلفة لوسيل التي ولدت في إقليم " تورين" الفرنسي ، في أسرة طبية ، فجدها لوسان فيغرييه كان طبيباً عقيداً، وأخو جدها شارل فيغرييه كان طبيباً فريقاً ، ووالدها بييرفيغر كان طبيباً أيضاً .كان والدها يعمل في المغرب حتى عام 1946م انتهت فترة عمله في مناجم "جردة" في المغرب، حينها عرضت وزارة العلاقات الثقافية الفرنسية على والدها إدارة المستشفى الفرنسي في صنعاء باليمن حيث كان نداء الشرق الأوسط يثير الجميع .بدأت رحلة / لوسيل مع والديها وأخويها من طنجة إلى مرسيليا ، قناة السويس ، جيبوتي ، عدن ، تعز ، الحديدة ، وأخيراً صنعاء .. حيث عمل الدكتور بيير فيغرييه وتعرف على الامام (يحيى) الذي أصبح أحد مرضاه لاحقاً .يحتوي الكتاب على 223 صفحة من الورق الفاخر بالحجم المتوسط، فصوله ويتألف من مقدمة وعشرين فصلاً حيث قسمت فصلاً على النحو التالي :1 - طنجة - قناة السويس - جيبوتي - عدن .2 - السفر من عدن - الإقامة في تعز - زيارة الحريم .3 - الرحلة بين تعز والحديدة - تهامة .4 - الوصول إلى الحديدة - السفر إلى صنعاء .5 - الوصول والإقامة في صنعاء .6 - حياتنا في صنعاء - التعرف على الضواحي .7 - الأسرة الملكية - أخلاق وعادات اليمنيين .8 - عمل والدي في المستشفى - مرضه - موته .9 - عيد الميلاد في صنعاء .10 - اغتيال الإمام يحيى .11 - الثورة - نهاية حصار صنعاء - نهب المدينة .12 - استمرار حياتنا رغم كل شيء .13 - مغادرة صنعاء - الوصول إلى الحديدة .14 - الإقامة في الحديدة - في الطريق إلى عدن - الإقامة في عدن .15 - مغادرة عدن - جيبوتي - مصوع - بور سعيد .16 - البحر المتوسط - مرسيليا - العودة إلى باريس .17 - أبريل 1981م : العودة إلى صنعاء - اكتشاف اليمن الحديث .18 - عودة هائجة المشاعر .19 - إب - جبلة - تعز .20 - الفصل الأخير - مفاتيح الصور .هذا الكتاب يختلف عن باقي الكتب التي تناولت الاحداث التي عاشتها اليمن "صنعاء" في تلك الفترة، فعلاوة على أن المؤلفة تستعيد ذكرياتها والأحداث التي عاشتها في اليمن بأسلوب ممتع مثل سرد حكايات ألف ليلة وليلة، إلاّ أن الكتاب يعتبر توثيقاً لفترة مهمة من تاريخ اليمن، خصوصاً أن الكاتبة عايشتها وهي تنقل للقارىء خلاصة ما حدث بعد هذا العمر الطويل وما استوعبته واستفادته من دروس من الحياة لتكون عبرة وذات نفع للأجيال القادمة .. الجميل ان الكاتبة نقلت انطباعاتها بكل صدق سواء كانت الايجابية أو السلبية، فحتى العادات السيئة لم تتحرج في ذكرها .كما أن الكتاب يعتبر ترويجاً للسياحة في اليمن، حيث أشارت إلى أن "اليمن بلد سياحي خلاب وهادىء يمكن زيارته بكل اطمئنان خصوصاً إذا احترمت عاداته وتقاليده فانهم سيحترمونك" .الكتاب استعراض لتاريخ فترة زمنية معينة من منظور انسانة مرهفة وملتزمة عايشت تلك الحقبة من الزمن .الجدير بالاشارة هنا إلى أن المؤلفة لوسيل قدمت في كتابها عرضاً تاريخياً وسياسياً وأخلاقياً، فجاءت الاحداث والوقائع غاية في القوة والاقناع .الكتاب غاية في الجمال والفائدة، خصوصاً أن المؤلفة ذكرت في مقدمتها "ان اليمن تطور كثيراً ، وفقاً للامكانات المتاحة بعد ما يقُرب من عشرين عاماً من حرب العصابات ، وان الجمهورية أعلنت في شمال اليمن بعد القضاء على حكم الامامة ، وأن رئيسها يعمل على تشجيع مناخ الاستقرار والسلام ، وكنت أردد الكلام لا شعورياً عن اليمن وماضيه إلى درجة أني كنت أسمع أقاربي أحياناً يصرخون في وجهي "كفى أنت ويمنك" ! " .كما أعطت لوسيل في مقدمتها لمحة تاريخية عن اليمن، حيث أوضحت أن اليمن كان ينقسم إلى شطرين هما جنوب اليمن الذي كانت تعرف بمحمية عدن التي كانت مستعمرة بريطانية وضمن محميات الجنوب العربي في 1939م ، والتي أصبحت مستقلة في عام 1967م، والشطر الثاني هو شمال اليمن وعاصمته صنعاء ، وقد أحتله الأتراك ، وبفضل الرئيس الحالي علي عبدالله صالح تم توحيد شطري اليمن، أصبح اليمن الموحد الذي نعرفه في الوقت الراهن .كما أوضحت أن الحكم الامامي كان يسود شمال اليمن التي تولاها منذ عام 1904م الامام يحيى ، بعد حرب قادها ضد الاتراك لمدة 14 عاماً حتى أجبرهم على الرحيل في 1918م ، ثم أمر باغلاق شبه كلي للحدود ، تحاشياً للتأثيرات الخارجية وبهدف الحفاظ على استقلاله الاقتصادي، مؤكدة نجاحه في حكم البلاد بحزم كبير ، وأحياناً بشكل صارم جداً حيث أجبر قبائل كبيرة في الشمال على الصيرورة إلى هدوء نسبي، واستخدم في سبيل هذا استراتيجية خاصة نوعاً ما ، من خلال أخذه رهينة من كل قبيلة من بين وجهائها وجعلها قيد الاقامة الجبرية في قلعة صعدة ، في شمال البلاد، ويضمن هؤلاء بحياتهم هدوء قبائلهم ، كما عمل الامام يحيى على تزويج عدد من أبنائه بنساء من هذه القبائل .وتضيف المؤلفة أن هناك أربعة عشر شرطاً مطلوب توافرها لمن يريد ترشيح نفسه للامامة، وأن من وضع هذه الشروط مؤسس المذهب الزيدي الامام زيد بن علي زين العابدين بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حفيد النبي .وعلى الرغم من ذلك فقد جعل الامام يحيى تعيين الامام وراثياً ، عندما عين أبنه الأكبر سيف الاسلام أحمد ولياً للعهد .وذكرت لوسيل في آخر مقدمتها للكتاب تواريخ مهمة منها :- 1926م موت الامام أحمد وإعلان جمهورية اليمن "الجمهورية العربية اليمنية" .- 1968م نهاية تواجد القوات المصرية في اليمن .- 1970م مؤتمر جدة الذي وضع حداً لخلافات اليمنيين .. وكان تأسيس إتحاد الجنوب العربي في عام 1962م .- وفي عام 1967م رحيل القوات البريطانية عن محمية عدن - حضرموت "محميات الجنوب العربي" ، ووصول الجبهة القومية إلى السلطة والتي اختارت أسم "اليمن الجنوبي" الذي أصبح الدولة الماركسية الوحيدة في العالم العربي، وأوضح أن النظام كان ماركسياً أما الشعب فكان عربياً مسلماً .كما ذكرت الكاتبة أنه في عام 1990م تم توحيد اليمنين وشكلا الجمهورية اليمنية التي صار يحكمها برلمان واحد ، وانه في 1994م تم انتخاب علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية اليمنية .[c1]العربية السعيدة [/c]تحدثت الكاتبة في الفصل الأول عن حياتهم في المغرب حيث كان يعمل والدها هناك، حينها علم الدكتور بيير أن هناك عرضاً بمهمة لمدة عامين إلى اليمن ، حيث تقدم الدكتور بيير بطلب ترشيحه من وزارة العلاقات الثقافية بباريس للذهاب إلى اليمن، الذي تقول عنه الكاتبة "انه البلد الذي كان يُشاع عنه بأنه مغلق جداً ، الا انه منذ زمن طويل يلقب بـ "العربية السعيدة" تقاقز أخواي الاثنان وأنا أيضاً فرحين بفكرة زيارة واكتشاف بلد الأساطير والحكايات" .تسلم الدكتور بيير الموافقة والأمر بالمهمة وجوازات السفر وبدأ الجميع الاستعداد للسفر حيث تقول لوسيل "بالفعل تم الاستعداد وعدت العدة لهذه الرحلة الطويلة ، ورافق ذلك انقباض في الصدر من فكرة مغادرة مدينة طنجة الجميلة ، طنجة البيضاء، سافرنا نحو فرنسا على متن احدى السفن مرت ثمان وأربعون ساعة من السفر في راحة هانئة وأكلات وسهرات وترويح عن النفس" .مضت أيام معدودة على وجودهم في فرنسا ولديهم شعور عميق أنهم في محطة توقف في البلد الذي ينتمون اليه حيث تم اخبارهم بأن اليمن بلد قليل التواصل مع الخارج ، وأن الاوروبيين الموجودين فيه لا يتجاوزون العشرينات وانه ليس هناك فرص للتسلية والترفيه سوى الزيارات بين الاوروبيين، وإلى حريم الأسرة الحاكمة والوجهاء المحليين، وكذا القيام بنزهات على الأقدام أو على الخيول في ضواحي صنعاء وسيرافقهم على الدوام اثنان من العسكر لضمان أمنهم ومراقبتهم.وتعلق لوسيل قائلة : "اشترت أمي بعض منتجات التواليت والتجميل التي تبدو أنها غير موجودة في اليمن" .عُين الدكتور بيير والد لوسيل مسؤولاً عن بعثة طبية ، وتتمثل مهمته كطبيب عقيد في إدارة المستشفى الفرنسي في صنعاء .. وكان من ضمن البعثة طبيبة تدعى الدكتورة لينسوى ، غادر أعضاء البعثة مع الدكتور بيير وأفراد عائلته في بداية يونيو مرسيليا على متن إحدى السفن " فيليكس روسل" وهي سفينة تنقل الجيوش، وتنقل أيضاً المسافرين المدنيين حتى وصلوا إلى جيبوتي.وتتحدث لوسيل قائلة : "ذات صباح قبل وصولنا إلى بور سعيد أحبت بفواق استعصى ايقافه ، وأقبل كل وحد ينصح بالعلاج الذي يراه ، وكانت تلك الوصفات عبارة عن وسائل شعبية وبسيطة منها مفتاح في الظهر ، سكين في كأس ماء ، شرب كأس ماء دون أن أتنفس ، ألخ... ولكن دون جدوى ، هذا فضلاً عن محاولات والدي الذي استخدم الوسائل الكبرى وذات لحظة بينما كنت أتحدث وسط مجموعة من الشباب ، بعضهم من ضباط آخر دفعة من خريجي "سانت - سير" تقدم والدي وصفعني بقوة ! كنت مندهشة وساخطة لأني صفعت على مرأى ومسمع شباب في مثل سني ، بيد أني كنت مضطرة أن أتقبل ذلك ، فالوسيلة إلى الشفاء أسمى من كل شيء .. وأعتقد أني استفدت من ذلك في أن الجميع جاء يواسيني" .وفي مرسى بور سعيد أقبل حشد من التجار ومعهم تذكاريات وفواكه وغيرها ، حيث كان التجار يرمون إلى سطح السفينة سلات صغيرة مربوطة بخيوط طويلة ويعرضون سلعهم بحركات قوية وأصوات عالية ، يتم وضع النقود في إحدى السلات ويتم انزالها إلى التجار بواسطة خيط عبر سُلم السفينة ويتم وضع الطلب فيها - برتقالاً وبطيخاً وبعض التذكاريات - ثم يتم سحب السلة إلى سطح السفينة وهذا يعتبر عمل تقليدي .وتقول لوسيل إنه من المؤسف أن فترة توقف السفينة في مصر أقل مما نطمح ولم يُسمح لنا بالذهاب إلى موقع الاهرامات، وفي نهاية النهار أمخرت السفينة ضمن سرب السفن التي تعبر ببطء قناة السويس ، بلغنا مدخل القناة وتمتعنا في ضوء الغروب بمنظر تمثال "فيرديناند دوليسبس" الذي سُحب عقب أزمة السويس الشهيرة في 1956م .وتؤكد لوسيل انه على مرّ الأيام كانت الحرارة تتزايد ، وأصبحت شاقة في بعض اللحظات، وبعد أربعة أيام من الابحار خرجنا إلى سطح المركب لنترقب ظهور ميناء جيبوتي لم نندم على نهوضنا منذ بزوغ الفجر ، فمنظر الزرقة المنبعثة من السماء والتي تمتزج مع الازرق الغامق لخليج تاجورا فالبقع الخضراء الزمردية والنظرة للشعاب المرجانية كان منظراً خلاباً لا يُنسى .وتضيف لوسيل انه منذ أن هبطنا على الأرض اذهلتنا جيبوتي، كان التناقض كبيراً بين نشاط الميناء وهدوء شوارع المدينة فالمنازل تحيط بها الحدائق المشجرة والمزهرة على نحو جميل ، وتحققنا في هذه المناسبة من خطأ فكرة غبية تقول إن أشجار النخيل في جيبوتي من الزنك ! بالطبع هذا غير صحيح ، باستثناء نخلتين أو ثلاث وهميات أمام إحدى المقاهي من أجل الجذب .وعند وصولهم كان الحاكم غير موجود ، واستقبلهم كبير الأطباء بالمستشفى الذي دعاهم لتناول الغداء .ومما تتذكره لوسيل عند وصولهم إلى جيبوتي وفي اليوم التالي في وقت الغداء "ما أن جلست حتى أغمى عليَّ دون أن أدري! لا أدري إن كان بسبب الحرارة أو بسبب الحسرة على هجران أصدقائنا على السفينة كما هو مفترض في بدايات المراهقة والحب ، أنا التي لم يسبق أن أغمي عليَّ اثرت هلع الجميع ، ولا سيما والدي اللذان هما سريعا التأثر ، ولا أتذكر عملية نقلي إلى المستشفى لكنني أتذكر أني افقت قبل المغرب فوق سرير وعلى رأسي قربة باردة ، ولأني لم أتناول طعام الغداء بعد ، طلبت أكلاً وسمعت حينها صوت والدي الحزين يصيح : كل شيء على ما يرام - انها جائعة ، لقد أخافتنا جداً .وتضيف لوسيل قائلة : إن نوافذ المستشفى الذي أقاموا فيه تطل على ساحل البحر .. وقد امعنا النظر كثيراً في البجع ، وغطسها للامساك بالسمك ولم نمل مطلقاً من ذلك المنظر .وبصفتنا أعضاء في مهمة طبية رسمية ، أنطلقنا على زورقين تابعين للبحرية الوطنية لعبور خليج تاجورا والوصول إلى عدن. ومن طريق ما تتذكره لوسيل عند وصولهم إلى عدن "كنا في حالة تعس ، وأبعد ما نكون عن تمثيل بعثة طبية فرنسية، فأمي التي كانت تلبس قبعة صيفية عريضة وناعمة لم يعد لديها سوى كوفية مُبعجة وباهتة ، بل وعوجاء، نزلنا السُلم ونحن نمسك بذراع والدي ، أمي على اليمين وأنا على اليسار ، غير قادرين على حفظ توازننا أخي الذي كان يبلغ من العمر 31 عاماً ، أبى أن يتخلى عن بطيخة كنا قد أخدناها لننتعشى .. وكنا في وضع بعيد عن أن نشرف فرنسا . والطريف هنا انه عند نزولنا إلى اليابسة دوت موجة من طلقات المدافع ،، واعتقدنا انها من أجل الترحيب بزوارق البحرية الفرنسية ، غير انه اتضح لنا أن الطلقات من أجل عيد ميلاد ملك انجلترا ، إذ كانت عدن محمية بريطانية" .وعلى الرصيف كان بانتظارهم وزير فرنسا ومبعوث الامام يحيى لاصطحابهم إلى أحد الفنادق واخبارهم أنهم سيغادرن عدن صباح اليوم التالي في ساعة مبكرة إلى اليمن حيث سيرافقهم وزير فرنسا مع مندوب الامام إلى تعز، وسيقابلهم هناك ولي العهد سيف الاسلام أحمد، وتوقع وزير فرنسا أن سيف الاسلام أحمد سيبقيهم في تعز لبضعة أيام للتعرف على المنطقة .كان الدكتور بيير يفضل الذهاب مباشرة إلى صنعاء لمباشرة عمله في المستشفى ، لكنه ولمعرفته بطباع العالم العربي فان عليه القبول بهذا القرار .تقول لوسيل عدن على عكس جيبوتي - فيما يتعلق بالمناظر والطقس- فعلى الرغم من حالتنا الجسدية السيئة أمعنا النظر في الصخور المحيطة بالمدينة التي تبدو مطوقة، فليس هناك أي دوران للهواء، وهو ما يفسر الحرارة التي تسودها والتي تقريباً لا تطاق ، وغادرنا عدن دونما حسرة ومعنا ذكرى ميناء لم يُرق لنا كثيراً .[c1]في الحلقة القادمة [/c]الإمام يحيى يمنع الغناء ويحظر استخدام الصور والآلات الموسيقية لانها محرّمة شرعاً ومخالفة للدين !!