حفلت الصحف اليمنية خلال الشهر الماضي بالعديد من التهانئ ومقالات الترحيب بتعيين الدكتور يحي الشعيبي وزيرا للدولة وامينا للعاصمة والاستاذ احمد الكحلاني محافظا لمحافظة عدن بموجب قرارات جمهورية اصدرها فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية. اللافت للنظر ان انتقال كل من الشعيبي والكحلاني من والى أمانة العاصمة صنعاء ، والعاصمة الاقتصادية والتجارية عدن، جاء على خلفية رصيد كبير من نجاحات مشهودة ــ لا ينكرها الا جاحد ــ حققها الرجلان اثناء تحملهما مهامهما السابقة ، الأمر الذي انعش الآمال بأن تتواصل ــ بأكبر قدر من الفعالية والتميز ــ مسيرة الانجازات التي يتطلع اليها سكان امانة العاصمة ( صنعاء ) وسكان العاصمة الاقتصادية والتجارية عدن ، بيد ان الترحيب بتعيين الأستاذ احمد الكحلاني محافظا لعدن انطوى على شعور ما بالأمل في الخلاص مما تعانيه مدينة عدن العريقة من صعوباتٍ وهموم أثقلت حياة الدكتور يحيى الشعيبي اثناء تحمله مهام عمله بكل تفان واخلاص ، مثلما أثقلت حياة سكانها الذين يتطلعون إلى أن تكون عدن ميناءً حراً ، وعاصمة اقتصادية وتجارية تليق بتاريخها وقدراتها ومزايا موقعها الإستراتيجي الفريد . حسناً فعل كل من الشعيبي والكحلاني في صنعاء وعدن عندما دشنا عملهما الجديد بمواقف التكريم والتوديع ، مثلما فعل الشعيبي عندما تسلم مهام عمله كمحافظ لعدن في مايو 2003 حيث قام بتكريم وتوديع المحافظ السابق الأستاذ/ طه أحمد غانم الذي ترك ــ بدوره ــ في مدينة عدن بصمات ايجابية لا تُنكر خلال الفترة الماضية ، تشهد عليها النهضة العمرانية والصناعية والتجارية التي شهدتها هذه المدينة ، بعد توقف طويل للعمران والاستثمار بسبب سياسات اقتصادية خاطئة قبل الوحدة ، عطلت مفاعيل النمو والتجدد التي تختزنها هذه المدينة. بيد أنّ هذه المفاعيل واجهت عوامل كبح من نوعٍ آخر بعد الوحدة ، وكان للصحافة ولا يزال دور بارز في تناولها ونقدها ، وهو ما يهمني ــ على وجه التحديد ــ في هذا المقال الذي أتمنى ان يقرأه الأستاذ احمد الكحلاني محافظ عدن الجديد .مشكلة مدينة عدن أنّها كانت حقل تجارب للأوهام التي نزعت إلى تجريد المكان في هذه المدينة الرائعة من عناصر قوته التي تمنح الإنسان قدرة حيوية على التجدد ، وتحيل الجغرافيا إلى إطار للتفاعل الحي بين الزمان بما هو عصر متجدد ومتغير بإيقاع تاريخي متسارع، والمكان بما هو البيئة التي يتجدد فيها الإنسان ، ويكتسب منها شروط انتمائه إلى عصره وعالمه الواقعي .بسبب هذه الأوهام تمّ إجبار عدن على العيش خارج مفاعيل العصر قبل الوحدة.. وبسبب طبعة متخلفة أخرى من هذه الأوهام وجدت عدن نفسها بعد حرب صيف 1994م تواجه نزعات متطرفة ــ باتجاه معاكس ــ سعت إلى إجبارها على الإقامة في ماضٍ مظلمٍ وبعيد عن عصرها ، وإخراجها من زمنها الوحدوي الجديد وحرمانها من مفاعيله وآفاقه!حدث ذلك حين توهم البعض بأنّ التغيير الذي تحتاجه عدن يمكن أن يتحقق من خلال شن معارك غير مبررة مع أهالي وأقارب الموتى الذين نبش المتطرفون قبورهم والمساجد التي هدموا قبابها .. وكذلك حين توهم اولئك المتطرفون بأنّ الحياة التي تتطلع إليها عدن ستأتي من خلال الترويج لنماذج حياة البداوة وثقافتها التي تجنح إلى التزمت والتعصب والانغلاق على نمط صحراوي للسلوك والتدين في مدينة ارتبط وجودها وتجددها بقدرتها الرائعة على أن تكون عنواناً لوطن رافض للعزلة والتخلف والتفكك والاستبداد والانغلاق ، وأن تظل نافذة مفتوحة يطل منها الوطن على عالم متغير وحضارة متجددة ومدهشة.لم تكن عدن بحاجةٍ إلى ذلك النوع من الأوهام التي سعت إلى مواصلة حرب صيف 1994م بعد فشل مشروع الانفصال ، وتحويلها إلى حربٍ أخرى مدمرة ضد الأضرحة والقباب والمزارات الدينية.. وضد نمط حياة الناس فيها.. وضد عَلاقة الإنسان بالبحر من خلال مضايقة العوائل في متنفسات وشواطئ مدينتهم الرائعة والساحرة ، وصولاً إلى مصادرة هذه الشواطئ والمتنفسات والاستيلاء عليها من قبل قوى الفساد والتنفذ التي تبادلت الأدوار مع قوى التطرف والإرهاب بهدف منع الإنسان عن التواصل مع البحر!!في السياق نفسه لم تكن عدن بحاجة إلى أوهام بعض الذين حاولوا أن يجعلوا منها حقل تجارب لاستنساخ وتنصيب "مشايخ" على أبنائها ومواطنيها، وتعيين " شـيوخ " مفترضيـــن عـــــلى " مشايخـها " المستنسخين !!؟ولأنّها واجهت هذا النوع من التحديات التي شوّهت وجه الحياة فيها لفترة من الزمن قبل أن تتمكن قوى المشروع الوحدوي الديمقراطي من محاصرة تلك الأوهام التي سعت الى سرقة ومصادرة نصر الوحدة وإفراغها من مضامينها، فقد كان طبيعياً أن تواجه مدينة عدن تشوهات طفيلية نمت على تربة الفجوات التي أحدثتها تلك الحرب المشؤومة في البيئة السياسية والأمنية للمدينة ، حيث أصبحت تلك الفجوات مصدراً للعديد من التشوّهات التي كبحت اندفاع النهضة العمرانية والاستثمارية في المدينة !هكذا يمكن فهم الأنين الذي يصدر عن سكان المدينة وسياسييها ومثقفيها وصحافييها الذين لا يخفون معاناتهم من فساد يسرق أحلامهم ، وإرهاب يعطل مفاعيل التغيير الكامنة في أعماق مدينة عدن، ويهدد بمنع انتسابها إلى العصر.يبقى القول إنّ مهمة محافظ عدن السابق الدكتور يحي الشعيبي كانت صعبة ومعقدة كما هو حال سلفه المحافظ الأسبق الأستاذ طه غانم .. وأنّ مهمة المحافظ الجديد الاستاذ احمد الكحلاني لن تكون أقل صعوبة من سلفه.. لكن الأمل في النجاح سيظل أقوى من كل الصعاب والتحديات ، طالما وأنّ الناس لم يفقدوا أملهم في المستقبل حين منحوا ثقتهم المطلقة للبرنامج الانتخابي للمؤتمر الشعبي العام ، ولن يتراجعوا عن دعم وتأييد برنامج حزب الأغلبية الذي هو برنامج محافظ عدن السابق والجديد ، على طريق تشديد المواجهة المستمرة مع الفساد والإرهاب في عدن ، ومن اجل ان تكون هذه المدينة الساحرة أكثر أمنا وجمالا وازدهارا .ــــــــنقلاً عن / "26 سبتمبر"
|
فكر
بين الشعيبي و الكحلاني .. مسار متصل و متكامل
أخبار متعلقة