عبد الإله سلام الأصبحيالقصة القصيرة في اليمن لها مدلولها الخاص ونكهتها الدافئة وخاصة بين أنثى السرد وزهرة رحمة الله من بين القاصات القلائل اللاتي يضعن البسمة على الشفاه رغم الحزن في القلوب . يقول د . محمد نجم عن القصة القصيرة: القصة القصيرة مجموعة من الأحداث يرويها الكاتب وهي تتناول حادثة أو أحداثاً عدة تتعلق بشخصيات إنسانية مختلفة تتباين أساليب عيشها وتصرفاتها في الحياة على غرار ما تتباين في حياة الناس على وجه الأرض ويكون نصيبها في القصة متفاوتا من حيث التأثر والتأثير .وزهرة رحمة الله من هذا النوع الذي يأتي من القلب إلى القلب ليضع أموراً بائنة .. والقصة القصيرة لها مدلولها الخاص بها حيث يمتد الزمن بها وهي قرار فردي لها طعمها الخاص بها وبشخوصها وهي كجنس أدبي له خصوصيته المميزة .في الواقع المعاش . لقد تميزت زهرة بهذا النوع من إنتاجها الأدبي في الماضي والحاضر .زهرة رحمة الله أصدر لها نادي القصة ( المقة ) ومركز عبادي مجموعة ..(لا للرجال ) التي تحتوي على عشر قصص في سبع وسبعين صفحة .. زهرة .. لا تحتاج للتعريف فهي قاصة لها باع في مجال القصة القصيرة تكتب القصة بتمكن وبرزانة ودراية عالية تجمع بين الواقع والخيال تكتب ليقرأ وقد كتبت في بعض المجلات العربية .فلو لامسنا الواقع بكل مافيه نجد أن القاصة زهرة هي القادرة على تخطي المسافات والحواجز في زمن يعجز الإنسان عن تصور واقعه .. لكنها أقلت في الآونة الأخيرة من الكتابة .. ومجموعتها التي بين أيدينا تجعلنا نقف قليلا لنقرأ أفكار زهرة في الزمن الماضي والحاضر ومن خلال مجموعتها لا للرجال نجد أسلوبها البياني المتدفق السلس لواقع محاصر من كل الاتجاهات من حقد وحسد وأنانية وحب قليل جدا .ولقد أتحفت زهرة كماهي زهرة المكتبة السردية بهذه المجموعة القصصية . زهرة تختلس الواقع بكل مافيه وتتلمس حياة الناس من داخلهم المعاش وتصور شخوصا وكأنك تعيش بينهم تعيش همومهم وواقعهم او همومنا نحن . فكل قصة لها أبعادها . فالقصة الأولى من مجموعتها وهي التي تحمل اسم المجموعة (لا للرجال) تقول زهرة : (انه الباقي يقول ابنها ويضع في يدها حفنته من الشلنات الرطبة وعيناه تتماوجان بانفعالات الخوف والحيرة .. والقلق تتسلقان وجهها وتقف على شفتيها يتوقع الانفجار المفاجئ او الكارثة وهي تحاول ان تغتال صرخة احتجاج غاضبة .. ساخنة تمزق حنجرتها تحاصرها بين أسنانها من الانزلاق ..) هكذا تبدو القصة عند زهرة .. الخوف والحيرة والقلق تحاول إن تصرخ .. لاتستطيع .. حنجرتها تحاصرها بين أسنانها.بعد هذا الصراخ والغضب تمتد أناملها إلى قطعة القماش تتشبث يده بها ( إنها قطعة رخيصة).تتأمل النقود بين يديها تنظر إليها قالت: لقد انتهى الراتب كراسات الأولاد لم تشتر بعد .. فواتير النور لم تدفع بعد .. تضرب كفا بكف .. تشعر بتورم ينمو في نفسها يبلغ حنجرتها.. ) لقد قدرت الحياة التي بين يديها .. لتجدها لاتساوي حتى قيمة النقود التي بين يديها .يقول ابنها إنها ارخص قطعة فيها يتهدج صوته ويكتسي الحزن والوقار .. تنظر إليه بدهشة تشعر بانها لم تكشف حزن عالمه الصغير القاسي ).هذه هي زهرة لم تخرج من عالمها المحسوس لتعيش في واقع كله الم انه نوع من الوفاء تخرج صوره كرصاص كاشف يتدفق من مشكاة واحدة .إن القصة القصيرة عند زهرة واضحة المعالم ليس بها زيف او خداع فالليل عند زهرة نهار واضح لقد صدقت في قولها : (وحين تستيقظ في الصباح تجد المرارة ترفع شجرتها في نفسها وتجد صرخة مكتومة من القلب . تدق صدرها بعنف بأنها امرأة مطحونة بالتقاليد وباسم الواجب ).زهرة ترى الواقع بمرارة. حتى الصرخة التي تأتي من النفس تظل مكتومة ) قصص زهرة تتلمس الواقع بكل مافيه من حزن وبريق فلا يستطيع الإنسان الفرار منه وفي زمن صعب يختلط فيه كثير من الأمور فيه تتحمل الواقع لتهشمه على صخرة الواقع نفسه لتكتشف سراديب الليل البهيم لتصنع فلاش بك على واقع يحتم علينا اصطيافه فنحن نجهل كثيرا من الأمور فالأنثى في نظرها مطحونة اوخبز يؤكل .وفي قصتها المذنبة تقول زهرة: ( لقد جئتكم ياسادتي احمل حقيبتي .. أعود إلى حجرتي كعذراء .. تعود الى غابات أحلامها العذبة الموحشة .. لكنني فقدت براءتي .. وفقد وجهي لونه .. أسمحوا لي هل أذنبت حقا حين أحببت فتى أحلامي .. حين رسمت قلوبا واسهما على ورقي ويدي وحيطان مدرستي وركبت معه زورق النور).. هذه هي الأنثى المذنبة عند زهرة .. وفي آخر القصة تقول : قسماتكم .. تسقطون في .. وهدة الصمت تتمايلون في مقاعدكم تتحركون تذهبون ولكن أجيبوني .. هل أذنبت ؟ ) هذا هو زمن زهرة زمن صعب مخلوط بالحزن في قلب الأنثى .. إن القصة عند زهرة واقع جديد يرمي خيوطه كسلك طويل داخل اسطوانة تكاد أن تنفجر . ففي قصتها (دخان الحقد) تفتح لنا نوافذ إلى مانعيشه وبين جدرانه . فلقد قسمت هذه القصة إلى أجزاء جعلت لكل جزء مدلولا خاصا وربطته في مابينها . في سلسلة لا يكاد ينفصل جزء عن أخر وجعلت زهرة ذلك الحقد الدفين يولد مبكرا لدى بعض الناس الذين لايعرفون طعم الحياة فالرجل إما أو إم :فالمر لديهم حلو المذاق , فالأيام تكشف مدى قدرة الإنسان على تخطي الحواجز المرة ويضع قدرته على تحمل المسؤولية للنظر إلى الواقع.زهرة لا تنظر إلى الأعلى لتقع في الهاوية إنما تنظر إلى ماهو أدنى منها لقد صورت ذلك الواقع ذا الحقد الدفين من خلال الأجزاء التي حملتها مجموعتها : فالسرد عند زهرة شعاع يضيء كثيراً من الجوانب الإيجابية ليعرف الإنسان أين يضع قدمه “فالنار لأتحرق إلا رجل واطيها” إن القصة القصيرة عند زهرة رحمة الله واقع واحد ليس له بديل فهي تعيش المسافة بخيط رفيع ليس له سور ولكن له عالمه السردي حيث يبلغ زمانه القادم .إن زهرة قد أوغلت بالواقع أنها تريد قلع ذلك الفساد المستشري في بلادنا حقيقة نقولها أن القصة القصيرة عندما تخرج من النفس لها قدرتها على العطاء وترسم شعاعا يضيء معالم كثيرة قد يجعل بعض الناس أو أكثرهم يتخبط في ذلك الشعاع فلا يراه فهو كالأعمى يدق بعصاه ويسمع من حوله لأنه لايفرق بين الليل والنهار.. لقصص زهرة رحمة الله أبعاد تجعل المرء يحس بالعجز والتغيير الذي يراه في واقعه. تقول زهرة : في قصة دخان الحقد « سيارة صغيرة تخترق فجراً شتويا رماديا كثيفاً تمزق الضباب الناعم وتقف عند بوابة المطار.. تنزلق منها فتاة مسرعة تتعثر بعباءتها « من بداية قصتها هناك شيء يوحي أن هناك شيئاً يطارد الزمن القدم ويمحي زمنا فات.. المطار عبارة عن ذهاب وإياب كما هي الحياة فالفتاة القادمة إلى المطار بخفتها يتبعها أبوها العجوز يلهث وراءها وكأنها ترمي بالماضي لتحصل على مستقبل جديد.»وفي قصتها رجل الظل تقول القاصة زهرة : ( فالرجال كالأشجار لا تلين كان حظك عاثراً رصدت دروبك وأغنيات حزينة لقد خذلك الحظ مرات ومرات وصفعك مرة من الخلف حين يسقط اسمك من كشف الترقيات وأنت تهدر لؤلؤة عرقك بدون جدوى كنت ستسقط ولكنك تماسكت بحبال سمعت الزمن والمكتوب وصعقت حين علمت أن ماسح الأحذية على الناصية عنده عمارة وأن جرسوناً في مقهى ما غدا مدير أمن للمنطقة ويومك عدت للغرفة كجراذ مذعور ودفنت رأسك بالأرض) ..هذه هي زهرة رحمة الله وواقعها المعاش الملموس فالذي يقرأ قصص زهرة رحمة الله يجد لها طعما خاصا يأتي للزمن البعيد ليعود إلينا بقالب له نكهته الخاصة.يقول الناقد شوقي بدر يوسف : تتميز القصة القصيرة كجنس أدبي له خصوصيته بأنها لا تستطيع إلا أن تختار لحظة مأساوية في حياة الإنسان يتحول إما داخلياً أو داخلياً تحولا ذاتياً عميقاً في مناخ يبني فيه تصوراته وأحلامه ويشاهد فيه لحظات آلامه وتأزماته ويؤسس الأفكار وراءه وهذا ماتعيشه القاصة زهرة رحمة الله لتجعل من الجنس الأدبي له خصوصيته تبني لتصل إلى واقع يشار إليه بالبنان إذاً فالقصة القصيرة هي البريق الذي يأتي لينير معالم طريق المعرفة لا كما يكتب بعض الشباب بالمنظور الضيق الذي ليس له طعم ولا حلاوة ويتلاعبون بالكلمات .. فما أحوجنا إلى أن نكتب ليقرأ الآخرون وأن نرى الواقع ونصوره بصورة حقيقية دون زيف .[c1] مدير عام الصالون الأدبيأديب وقاص[/c]
أخبار متعلقة