مجلة (فتاة شمسان)
نجمي عبدالمجيدفي تاريخ 1 يناير 1960م يوم الجمعة صدر العدد الأول من مجلة (فتاة شمسان) وهي أول مجلة نسائية تصدر على مستوى الجزيرة العربية، ورئيسة تحريرها السيدة ماهية نجيب (21 نوفمبر 1926 - 28 يوليو 1982م) وهي شقيقة الشخصية الوطنية والصحفية الأستاذ الراحل عبدالرحمن جرجرة، الذي أصدر صحيفة يومية في عدن عام 1956م هي (اليقظة)، كما أصدر بتاريخ 24 - 11 - 1949م صحيفة أسبوعية هي (النهضة)، أما الاسم الكامل لصاحبة مجلة شمسان، فهو ماهية محمد عمر جرجرة.نشرت في هذه المجلة منذ صدورها حتى إغلاقها عام 1966م الكثير من القصص القصيرة التي أسهمت في كتابتها فتيات من عدن، وكان هذا الجانب جزءاً من الرسالة الصحفية التي سعت هذه المجلة في توصيلها إلى الناس، وتقديم الجانب الإبداعي عند المرأة في هذه المدينة، فهل كان ما نشر من قصص قصيرة بأقلام نسائية، هو البدايات للمرأة العدنية في هذا الجانب؟ أم أن هناك إسهامات ومحاولات للفتاة العدنية سبقت هذا التاريخ!ذلك جانب مايزال مجال البحث فيه يطول، حتى يتم الكشف عن دور الأقلام النسائية في الإسهام في جوانب متعددة من مسيرة الثقافة ليس على مستوى عدن، بل الجزيرة العربية، وفي هذه المادة نقدم بعضاً من تلك القصص محاولة منا حفظ هذا الاتجاه من ذاكرة عدن الثقافية ومكانتها الرائدة في التحرر والإبداع.[c1]القدر[/c]القصة الفائزة بالجائزة الإولى بقلم الآنسة هند علي بريك نشرت هذه القصة في مجلة (فتاة شمسان) العدد 7 يوم الجمعة 1 يوليو 1960م، السنة الأولى.وكان الليل الرطب يغلفه سكون موحش.. ولا يكاد يسمع إلا نباح كلب.. أو حفيف من الأشجار التي تحيط البيت الصغير، وكان ضوء باهت يتسلل من النافذة إلى الطريق فيتموج... ومن حين الآخر تبدو أشباح مضطربة لثلاثة داخل البيت... واضطرابهم كان لمرض أبيهم ورئيس بيتهم ومضى الليل ثقيلا موحشاً فيه رائحة الموت وفيه أنات مكبوتة، تحاول أن تستغيث بالله وبالناس وبكل الكائنات.كان هناك صراع متكافئ بين قوى الحياة والموت... وقد اقتطع هذا الصراع من عمر البيت ستة أشهر كاملة كان خلالها الجميع يتناوبون السهر ليقاوموا قضاء كان لابد أنه يحدث.. كان الصراع رهيباً.فعندما وقعت الواقعة وأحس ممدوح « وقد كان أسم المريض» أن الألم الذي في جسمه لم يعد يحتمل الإهمال، قرر أن يعرض نفسه على طبيب الشركة... ولولا انه يستشعر خطراً على حياته، لما عرض بنفسه أن يتوقف عن عمله، وهو المورد الوحيد يقتات منه هو وأولاده الثلاثة وزوجته..ولقد فكر كثيراً قبل أن يعرض نفسه على الطبيب.. فكر في (500) شلن التي يتقاضاها كل شهر وفكر في أجر الساعات الإضافية عن عمله طوال الليل في المخزن.. وفكر في صفاء ومحسن وثريا، أولاده.. وفي العيد الذي على البواب.. وفي فتحية زوجته التي وعدها بقرط على العيد.فكر في هذا قبل أن يعرض نفسه على الطبيب... كان يكتم آلام جسده ليمر عليهم العيد في بهجة وسراويلهم الجديدة وفساتين بناته الحلوة الجملية. لم يكن يريد أن يفسد عليهم عيدهم. فلقد أفسده أكثر من مرة.أفسده في العام الماضي عندما أشترك في إضراب العمال في الشركة.. وأفسده في العام الذي سبقه عندما استغنوا عنه مع (التوفير) في شركة الطيران.ولكن.. عندما بصق لأول مرة دماً أحس بالحقيقة الرهيبة وبدت أطياف أولاده تضطرب في يأس.. ضارعة إليه أن ينقذهم.. كان يحس في بداية المرض بصداع أخذ يزداد مع الأيام ويلازمه بصفة دائمة.. وكان يستعين عليه بالمسكنات دون جدوى.. فلقد كان لابد له أن يسهر الليل في المخزن، ويمكث طوال النهار في المكتب.. كان دائماً في حاجة إلى النقود.. ليشبع البطون التي تتلهف على مقدمه، ثم أحس أن بصره يضعف وأنه لم يعد كما كان من قبل وكان يزدري كل هذه الآلام.كان لا يعنيه إلا أمر واحد.. الأولاد ولكن.. عندما بصق لأول مرة دماً.. أحس بالخطر يتهدد هؤلاء فتوجه إلى الطبيب وعندما قال له الطبيب كلمته أحس أن الدنيا تظلم ولم يعد فيها بصيص من نور.. إنه مريض بالصدر، وخطر له في ذلك اليوم أكثر من خاطر أسود وفكر كثيراً في الانتحار، ولكن الانتحار هروب وجبن على الأقل يجب أن يصمد لأجل خاطر العيال.ولكن كيف! لقد فكر في المكافأة وفي الأيام التي سيمكثها مريضاً. لم يكن أمامه إلا حل واحد جعله يقصد أخوته وهو لم يكن يريد هذا الحل. شيء واحد جعله يضغط على كبريائه.. الأولاد.كان بينه وبين أخوته أمور كثيرة يجب أن ينساها في هذه اللحظة ولم يكن متأكداً أنهم سيلتفون جميعاُ حوله يساعدونه. لقد كان البيت بينهم بعيداً.. فكيف يتقارب وعندما وقف أمام أخيه يشرح له أمره كانت غصة تخنق صوته. عندئذ أحس بكلمات والده عن الدم الذي لا يصير ماء وتعانق الشقيقان واجتمعا في بيت الأم بجانب منزل ممدوح يتدبرون أمرهم وكان باقي الأخوة قد سمعوا بالخبر وأحس كل منهم أن عليه دوراً يؤديه.كان لكل منهم بيته وأولاده. ولكنهم نسوا بيوتهم وأولادهم في المحنة وأحسوا جميعاً أنهم ينصهرون في بوتقة واحدة وكانت أمه تبكي. كانت تريد أن تفتديه ولم تكن تمتلك غير ذلك وقد بدت لها المأساة رهيبة والأمل ضئيلاً. كان ابنها مريضاً بالصدر.. وكانت تريد أن تنقلب الدنيا ليشفى ولدها، وانحصر تفكيرها في هذا متى أحست أنها تفتديه بأخوته جميعاً وبدا لها طوال هذه الفترة بصورته الجميلة التي أحبته بها دائماً. كان طيباً... كانت تبكي الأيام التي ضاعت ولا تقارب بينه وبين أخوته، ولم يكن أمامها إلا البكاء.وتصورت أولاده يتامى بلا أب وكانت تبكي فقد كانت هي الأخرى بلا أب لقد ذاقت الإحساس باليتم. وكانت تحبه وتحس به متغلغلاً مع كل نبضة في قلبها. أما أخوته فقد كان عليهم أن يتدبروا أمرهم، وكان الحال في بادئ الأمر ميسوراً عندما كانت الشركة تقوم بمصروفات العلاج.ولكن وعندما أبدت الشركة رغبتها في الانقطاع عن مواصلة هذا العلاج أحس الجميع بمشارف مأزق كبير يترصدهم ولكن عزمهم كان مجمعاً على التصميم. وعندما نفضت الشركة يدها من المريض وعرضت مكافأة لتركه الخدمة.أحس الجميع أنهم يجب أن يواصلوا العلاج وليتحملوا في سبيل ذلك فوق ما يستطيعون.ومن طبيب لآخر كانوا في كل مرة يخرجون أكثر يأساً في الشفاء إلا مرة واحدة ارتسم لهم فيها أمل كبير حتى المريض نفسه أحس أنه سليم وانطلق يضحك ويغني ويقبل أولاده ويحضنهم ففي يوم من أيام المحنة توجه الركب إلى أخصائي كبير في أمراض الصدر، وعندما أكد لهم على غير توقع إنه غير مريض بالصدر كلية وأنه يستطيع أن ينام ويأكل ويقبل أولاده أحس الجميع بانفراج الأزمة وكادوا أن يحتضنوا الطبيب وحاولوا أن يكافئوه ولكنه أبى حتى أن يتقاضى أجر الكشف وحولهم إلى طبيب زميل ليباشر العلاج، ومضت ليلة سعيدة كانت كالشهاب المضيء في ليل حالك السواد، وفي الصباح المبكر كانوا جميعاً عند الطبيب الآخر... وهناك واجهوا الحقيقة سافرة بوجهها القبيح أن أخاهم سيموت.سمعوها تدوي في آذانهم، وعاشت معهم ستة أشهر كاملة، ستة أشهر ينتظرون ساعته كان المرض شيئاُ آخر وكان من السهل أن يختلط على الأطباء.وكان المريض ميئوساً من شفائه كان حتماً سيموت... فلا داعي للعلاج. وكانت أياماً عصيبة واستولى على الجميع عناد جبار.. كانوا يريدون لشقيقهم أن يعيش وكانوا يكابرون ولكن.. كان المريض دائماً يخيب ظنهم كان يذوي ببطء وتنقطع شهيته عن الطعام ويكثر من التدخين، وكانوا لا يمنعون عنه شيئاً.. كانت كل طلباته مجابة فكان دائماً يدير رأسه حول أولاده وزوجته وعينه ملآنة بالدموع ثم يدير رأسه حول أخوته وأمه وكانوا جميعاً يصمتون وفي قلوبهم غصة بغيضة وكانت هذه هي الحقيقة لقد كان يموت ولكنها ظلت حبيسة صدور ثلاثة تمزقها.. وتبلورت المأساة وأحس الجميع أنهم يقاومون قوة خفية جبارة اسمها القدر.)[c1]إنسانية[/c]بقلم: سميرة سعيد عبدالله ملهي الاسوديكلية البنات حور مكسرنشرت في مجلة فتاة شمسان العدد 7 بتاريخ 1 يوليو 1960م السنة الأولى(كانت الفتاة المسكينة الفقيرة التي تعمل خادمة في أحد المنازل تبكي بكاء مراً في الشارع العام وكانت تلبس ثياباً رثة وجهها يدل على حزن عميق.. ومر ثلاثة من الأولاد فرؤوها تبكي فتألموا لها ألماً ولا سيما وان مظهرها كان يدعو إلى الشفقة والرحمة فتوقفوا فجأة واقتربوا منها وسألوها « لماذا تبكين؟» فأجابت بأن سيدة المنزل التي تعمل به كخادمة قد أعطتها عشرة شلنات، وأنها وقعت من يدها وكانت الريح تهب بشدة فأخذت معها، ورقة العشرة شلنات.. فضاعت ولم تجدها، وظن الأولاد أنها كانت تكذب وأنها أرادت أن تسرق هذه النقود أو أنها تريد أن تثير العطف والرحمة إليها... ولكن الأولاد الصغار عرفوا أنها كانت صادقة في قولها ورؤوا دموعها وهي تنهمر كالسيل المتدفق من مآقيها. فتشاوروا وفي ما بينهم وقرروا مساعدتها.. ولكن من أين لهم بالنقود وكيف يحتالون على أهلهم لجلب عشرة شلنات لإعطائها لهذه الفتاة اليتيمة الفقيرة « الخادمة الصغيرة» المسكينة لإنقاذها من غضب سيدة المنزل فاخبروها أن تأتي معهم... وكانوا يسكنون في منازل متجاورة واخبروا أبائهم بالأمر ووجدوا المساعدة وقدموا لهذه الفتاة المسكينة النقود فأخذتها هذه الفتاة واشترت من عند البقال ما أرسلتها من أجله سيدة المنزل وعادت وهي تشكر هؤلاء الأولاد وإنسانيتهم).[c1]فتاة مظلومة من تعليمها[/c]نشرت في مجلة فتاة شمسان بتاريخ 1 يوليو 1960مالعدد 6 السنة الأولىبقلم الطالبة: شريفة عبدالله محمد - كلية البنات - عدن(هدى فتاة جميلة كانت تتلقى تعليمها في إحدى المدارس الابتدائية، وكانت مجدة في تعليمها، وكانت أخلاقها مثالية. وفي أحد الأيام بينما هي عائدة من المدرسة إلى المنزل سمعت صراخ وبكاء من بيتها وعندما تأكدت من الأمر وجدت أن والدتها قد فارقت الحياةـ فسقطت مغشياً عليها على الأرض وأجهشت بالبكاءـ فكانت تكرر والدموع تسيل من مآقيها « أمي من سيرعاني ومن سيحميني» وبقيت هدى كسيرة الفؤاد دامعة العين حزينة القلب، وبعد عدة أشهر تزوج والدها وجاء لها بخالة في المنزل وكانت هدى تذهب كل صباح إلى المدرسة وعندما تعود في الظهر تكون خالتها نائمة. فتدق الباب فتستيقظ خالتها مغضبة وتنهرها، وعندما يعود والدها تشكو ابنته إليه، وتقول له أن هدى لا تذهب إلى المدرسة بل تذهب إلى الشوارع لتلعب حتى أضطر والدها أن يخرجها من المدرسة فبكت هدى على حظها التعس وصارت تبكي كل يوم الأمر الذي جعل والدها يفكر ويطيل التفكير، هل يأخذها إلى المدرسة أم يبقيها في البيت؟ ويعيش هكذا في الجحيم. ولم ينتج له تفكيره أي شيء).هذه المحاولات القصصية تؤرخ لمرحلة من إسهامات المرأة في مدينة عدن في حقل الكتابات الأدبية. ولا نعرف أن كانت هناك محاولات أخرى في الشعر والمسرح والرواية والترجمة لفتاة عدن المثقفة، ومن هذه القص يمكن لنا رصد البدايات لدخول المرأة إلى عالم النشر الصحفي وتقديم قرارات إلى الناس من خلال هذه الأعمال لما يجري في الحياة من مفارقات وأحداث تعصف بحياة الفرد.إن هذه القصص تقدم للباحث في تاريخ القصة القصيرة في أدبنا الحديث، حلقة ربما ظلت مجهولة لسنوات عديدة وأسقطت من دراسات سابقة ولم تصل إليها يد المعرفة.