صنعاء / سبأ :ظاهرة حمل السلاح والأخطاء التي يقع فيها حاملوه حتى وإن حظوا بنصيب وافر من التعليم ، تنتج عنها الكثير من قصص الحوادث المأساوية التي تحفل بها الكثير من المناطق اليمنية، وحصيلتها ألاف القتلى والمقعدين والمصابين بعاهات دائمة وجراح غائرة في قلوب مئات الأسر، بل إن كثيرا من هذه الحوادث تحولت إلى حرب ثأرية مستمرة بين قبيلة وأخرى، ولا يزال أفرادها يدفعون ثمنا غاليا لحمل احد أفرادها السلاح واستخدامه بطريقة خاطئة في لحظة زهو وتباه.وبرغم أن الإنسان اليمني عبر أجيال وحقب طويلة يرى أن تمنطقه بالسلاح جزء لا يتجزأ من شخصيته ورجولته وفق العادات والتقاليد التي نشأ وترعرع عليها منذ القدم إلا أن الوقت حان ليدرك فيه أن حمل السلاح وظهوره الدائم به يمثل ظاهرة سلبية مزعجة وغير حضارية تنم عن التخلف والعنجهية ، فضلا عن أن انتشار السلاح بصورة فوضوية كما كان حاصل قبل حملة منعه يسيء إلى الإنسان اليمني وتاريخه الحضاري المشرف، كما أن البعض يعتبر أن حمل السلاح والتجول به ينم عن ضعف في شخصية حامله وتخاذل في أعماقه .وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) حاولت من خلال التحقيق الصحفي التالي أن تستكشف مدى تأثير حمل السلاح وتفشي هذه الظاهرة في المجتمع عموما وبين الشباب على وجه الخصوص , وسألت عن الوسائل الكفيلة للقضاء على هذه الظاهرة والنتائج المرجوة جراء القضاء عليها ودور الجهات المعنية في محاربتها ورأي الاسلام في هذه الظاهرة.[c1]ضحايا بالآلاف لحمل السلاح:[/c]كشف تقرير لوزارة الداخلية قدُم في يوليو الماضي الى مجلس النواب أن الحوادث غير الجنائية الناتجة عن حوادث إطلاق نار عشوائية بلغت خلال الثلاث السنوات الماضية 24 ألف و623 حادثة بما نسبته 78 بالمائة من إجمالي الجرائم غير الجنائية الواصلة في ذات الفترة , فيما بلغت الحوادث التي تسببت فيها أدوات غير نارية نحو سبعة آلاف حادثة.وأوضح التقرير أن 23 ألف و500 فرد ذهبوا ضحية الجرائم غير الجنائية بأسلحة نارية منها 5 ألف حالة وفاة والباقي إصابات متفاوتة في حين أن ضحايا الحوادث بأدوات أخرى ( سلاح ابيض, مواد سامة, شنق, وغيرها ) لم تتجاوز أربعة ألاف و250 حالة بين وفيات وإصابات .إلى ذلك كشفت دراسة حديثة " غير رسمية " أن اليمن تكبدت خسائر فادحة بسبب سوء استخدام الأسلحة الخفيفة قدرت بـ 18مليار دولار خلال العشرين عاما الماضية، وقالت الدراسة انه تم تسجيل أكثر من 77 ألف حادثة بالسلاح والجريمة خلال 3 سنوات منها 25 بالمائة بسبب سوء استخدام الأسلحة وإطلاق الأعيرة النارية في المناسبات بشكل عشوائي خصوصا في الأعراس والمناسبات المختلفة كالأعياد وغيرها، وكانت إحصائية رسمية قد كشفت عن وقوع ما يقارب 45الف جريمة خلال أربع سنوات سبقت عام 2006م المنصرم 50 بالمائة منها بسبب سوء استخدام السلاح.[c1]اليمن الثانية عالميا من حيث عدد الأسلحةً:[/c]والملفت للنظر أن اليمن احتلت المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد الأسلحة بالنسبة لعدد الأفراد بنسبة 61 سلاحا ناريا لكل 100 مواطن تلتها فنلندا ثم سويسرا حسب ما أفادت به دراسات دولية بثتها وكالات الأنباء العالمية الشهر الماضي[c1]آثار ظاهرة حمل السلاح:[/c] تبين الدكتورة أميمه جبران معدة البرامج بإذاعة صنعاء أن الكثير من الجرائم التي تحدث في المجتمع سببها الرئيسي حمل السلاح ومرتكزها القتل الخطأ حيث يذهب ضحيتها كثير من الشباب، وقالت:"كثير من الأطفال يلقوا حتفهم نتيجة لتوفر السلاح في المنازل".ويؤكد الدكتور نبيل محمد رسام الطبيب بالمستشفى العسكري بصنعاء أن حمل السلاح مصدر رئيسي لكل فتنة في البلد أبرزها الثأر , مشيرا إلى أن المستشفى يتلقى باستمرار حالات عديدة سببها الرئيسي حمل السلاح.لماذا تنتشر الظاهرة بين الشباب؟وعن أسباب تفشي ظاهرة حمل السلاح بين الشباب يرى الشاب احمد الحكمي من العاصمة صنعاء أن كثيرا من الشباب يحملون السلاح للتباهي به أثناء حفلات الأعراس والبعض منهم لا يعرف كيفية استخدامه مما يؤدي الى كوارث لا يحمد عقباها .كما يؤكد الشاب احمد حسن الجرموزي من محافظة عدن أن بعض الشباب يحملون السلاح تقليدا أعمى للآخرين , وهي ظاهرة تستحق التدخل للحد منها.
مجموعه من الأسلحه (كلاشنكوف)
ويرى الشيخ احمد الكينعي أحد مشائخ مديرية الحيمة الداخلية , وجود قصور في توعية الناس بمخاطر حمل السلاح سواء عبر الإعلام الرسمي أو الأهلي أو الحزبي , مؤكدا أن قضايا الثأر تزيد من انتشار الظاهرة , كما أن حمل السلاح يفاقم ويزيد هذه القضايا .. مشيرا الى أن كثير ممن يحملون السلاح يضطرون إليه خوفا على أنفسهم من القتل أو بحثا عن غرمائهم لقتلهم.وترى دراسات عديدة في علم النفس أن اقتناء الأطفال ألعاب على شكل أسلحة نارية أو طماش (قريح) له أثر سلبي في نشأتهم عندما يصبحون شبابا ويحاولون اقتناء وحمل الأسلحة التي كانوا يلعبون بها صغارا , كما أن مشاهدة الأطفال لأفلام يستخدم فيها الأسلحة النارية له تأثيرا قويا حيث يحاول الطفل محاكاة أبطال الفيلم وتقليدهم فيما يقومون به.[c1]رأي الإسلام تجاه حمل السلاح:[/c]وعن رأي الدين الإسلامي في ظاهرة حمل السلاح يقول الدكتور حسين الباكري أستاذ علوم الحديث بقسم الدراسات الإسلامية في كلية الآداب جامعة صنعاء:"تعليم الشباب الرماية أمر مطلوب ومهم لقول عمر بن الخطاب (علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل) , ليكون الشاب قادرا على حمل السلاح والدفاع عن وطنه وعقيدته عند الحاجة، إلا أن هذه الظاهرة أصبحت تمثل مشكلة كبيرة أدت الى كوارث خاصة مع وجود شباب متهور يواجه مصاعب الحياة المتعددة ومشاكله اليومية بالسلاح".ويؤكد الدكتور الباكري أن أضرار حمل السلاح امتدت في بعض الحالات لتصبح حرب مستمرة بين قبيلة وأخرى , مشيرا الى أن هذه الظاهرة لا ينبغي أن تنتشر في مجتمع به شباب متعلم ومؤمن.[c1] طرق معالجة الظاهرة :[/c]وعن المعالجات لهذه الظاهرة يطرح الدكتور الباكري وسيلتين للقضاء عليها ,: الأولى وتتمثل في تنفيذ الحكومة لقانون تنظيم حمل السلاح وهذا ماتقوم به حاليا من خلال الحملات الميدانية , وبالمقابل يجب على المواطنين التجاوب مع هذا القانون الذي وضعته الدولة لحمايتهم , "لأن الأمور خرجت عن اطارها وتخطت الاسرة والقبيلة".والوسيلة الثانية وتتمثل في التوعية الجماعية عبر جميع وسائل الاعلام المختلفة والمنابر المتاحة وعلى كل المستويات ( الاسرة , القبيلة , المجتمع , وفئة الشباب على وجه الخصوص).وتضيف الشابة فوزية الحماطي من محافظة مأرب وسيلة ثالثة حين تقول : على الدولة ان توجد حلا نهائيا لقضايا الثأر لا أن تعمل صلحا لمدة سنة أو أكثر تعود عقبها المشاكل من جديد.. مشيرة الى ان بعض افراد محافظتها لم يلتزموا بقرار منع حمل السلاح كونهم لم يستوعبوه ويسيطر الخوف بينهم معتبرين السلاح لديهم شيئ مهم ودفاع عن النفس.وتؤكد على كلامها الدكتورة أميمة جبران قائلة " لابد ان يساهم جميع الأباء والمسؤلين في لمنع حمل السلاح لأنهم قدوة المجتمع إلى جانب جهود الدولة " .من جانبه يؤكد الشيخ الكينعي ان من الضروري والمهم اذا أرادت الدولة القضاء على هذه الظاهرة نهائيا تطبيق القانون على الجميع بدون استثناء لأي مسؤول أو شيخ كان كبيرا او صغيراً.. ويضيف " يجب ان تستمر الحملة بشكل دائم لا أن تقوم الحكومة بحملة مؤقته تعود الظاهرة بعد انتهاءها من جديد، فيجب ان تضع الحكومة آليات لمكافحة الظاهرة بصورة مستمرة".[c1]نتائج إيجابية وتأييد واسع لحملة منع حمل السلاح :[/c] ويؤيد المتحدثون الاجراءات الحكومية الاخيرة في تنفيذ قرار منع حمل السلاح , حيث تنفذ وزارة الداخلية بالتنسيق مع الجهاتالمعنية حملة في المدن الرئيسية بالجمهورية بدأتها في 22 يوليو الماضي بهدف منع حمل الاسلحة النارية في هذه المدن.وعن نتائج الحملة بعد مايزيد عن شهرين كشف وكيل وزارة الداخلية لقطاع الأمن اللواء محمد عبدالله القوسي المشرف على تنفيذ الحملة في تصريحات صحفية سابقة عن انخفاض الحوادث الجنائية في عواصم محافظات اليمن بنسبة 43 بالمئة خلال الشهر الأول من تاريخ بدء الحملة في الثالث والعشرين من أغسطس , التي قال إنها حققت نتائج ايجابية وأسفرت عن تلاشي ظاهرة حمل السلاح بنسبة 80 بالمئة.وأوضح الوكيل القوسي في تصريحاته الصحفية ان الحملة ضبطت ( 2301) قطعة سلاح متنوعة في عواصم المحافظات، كما تم ضبط ( 22974 ) قطعة أخرى عند مناطق الحزام الأمني ومنع دخولها إلى المحافظات منذ بداية الحملة وحتى نهاية سبتمبر الماضي .لافتا الى ان خطة الوزارة للقضاء النهائي على هذه الظاهرة تمتد لثلاث مراحل تستغرق الأولى ثلاثة أشهر فيما تستمر المرحلتين الأخيرتين حتى سبتمبر من العام المقبل 2008م.وأكد اللواء القوسي ان الحملة لن تستثني أي مسؤول مهما كان منصبه .. مجددا في هذا الصدد دعوة وزارة الداخلية لكبار موظفي الدولة والشخصيات الاعتبارية التقدم للأجهزة المختصة وتحديد من يرغبون لمرافقتهم لمنح تصاريح لهم وفقا للائحة وزارة الداخلية قبيل انتهاء المهلة المحددة بستين يوماً تنتهي بانتهاء اكتوبر الجاري.ويرجع الوكيل المساعد لوزارة الشباب والرياضة لقطاع الشباب احمد العشاري سبب حدوث بعض الاشكاليات أثناء الحملة التي تنفذها وزارة الداخلية الى سوء فهم وعدم وعي بعض الافراد للقانون ولهدف الحملة سواء من القائمين عليها أو المستهدفين منها .. لافتا الى وجود تحسن ملموس في العاصمة وعواصم محافظات الجمهورية في المظاهر المسلحة حيث تكاد هذه الظاهرة السلبية تختفي تماما , معتبرا اياها خطوة متقدمة وايجابية .[c1]دور وزارة الشباب في مكافحة الظاهرة[/c]وعن جوانب توعية الشباب بأهمية القضاء على ظاهرة حمل السلاح يؤكد الوكيل العشاري أن وزارة الشباب تقوم بدورها في الجانب التوعوي والتوجيهي والإرشادي من خلال المراكز الصيفية والمخيمات الكشفية التي تنظمها وزارة الشباب بالتعاون مع الهيئات والمنظمات الشبابية .. منوها إلى أن عملية التوعية تعتبر تكاملية بين الجهات الضبطية المعنية بتطبيق القوانين والأنظمة وبين كافة مؤسسات الدولة والمجتمع.أما عن دور الإعلام في هذا الاتجاه , فيعترف نائب مدير عام الإعلام بوزارة الشباب والرياضة الزميل الصحفي عدنان مصطفى بوجود تقصير كبير من وسائل الإعلام في التوعية بمخاطر هذه الظاهرة التي استفحلت في المدن والقرى اليمنية .. مشيرا إلى عدم وجود أي تنسيق بين وزارة الشباب والرياضة وبين الوسائل الإعلامية المختلفة في محاربة هذه الظاهرة، ومؤكدا على ضرورة ان يقوم الاعلام بدوره من هذه الناحية , كما ان على الجميع من إعلام ومجتمع مدني ان يتكاتفوا لمحاربة هذه الظاهرة التي اصبحت (مقرفة) في مجتمع حضاري.ويدعو الشاب شكيب العبدلي من محافظة الضالع جميع الشباب إلى التفاعل مع توجه منع حمل السلاح والبدء بعملية التوعية من خلال إقامة الندوات التوعوية في المدارس والأندية الرياضية وأماكن التجمعات وإثناء حفلات الإعراس بالإضافة إلى إصدار عدد من النشرات التثقيفية عن مخاطر حمل السلاح.[c1]ضوابط وضعها الإسلام لحمل السلاح[/c]أما عن الضوابط التي وضعها الإسلام لحمل السلاح يقول الدكتور الباكري "حمل السلاح مندوب في أماكنه وفي مواضع حمله وليس في كل مكان كالأماكن العامة وأماكن العبادة وتجمعات الناس , فقد يؤدي ذلك الى ان تصيب أخاك المسلم بأذى وأنت مأمور بمنع الأذى عنه".ويؤكد الباكري أن الإسلام قاوم هذه الظاهرة عندما قال رسول الله (ص) "لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار"، لأنه بذلك يخيفه ويروعه وبالتالي إذا روع مسلم أخاه روعه الله عز وجل وأصابه بمصائب لا عاقبة لها.[c1]فوائد القضاء على الظاهرة[/c] وعن الفوائد المرجوة من القضاء على هذه الظاهرة تقول فوزية الحماطي "بتنفيذ قرار منع حمل السلاح سيعم الأمن والاستقرار خصوصاً في محافظتي (مأرب) التاريخية التي تمتلك موروثا هائلا من الثأر تجعل المشاكل كثيرة لاسيما مع استمرار هذه الظاهرة , لكنها تمتلك في نفس الوقت موروثا هائلا من الآثار تجعلها قبلة للسياحة وبالتالي النهوض بوضع المحافظة وأبنائها".ويضيف الشيخ احمد الكينعي أن القضاء على ظاهرة حملة السلاح سيحد من تزايد وتفاقم قضايا الثأر وسيقلل من المشاكل التي تندلع بين القبائل وسيساعد على حل كثير من هذه القضايا المستعصية التي تشكل عائقا أمام التقدم والتحضر ويذهب ضحيتها شباب في مقتبل العمر قادرين على العطاء والإنتاج.ويردف الدكتور نبيل رسام " لابد من تعاون شرائح المجتمع لدعم هذا التوجه الحضاري وهو قرار سيؤدي إلى الاستقرار وتشجيع الاستثمار" , ويضيف الشاب احمد الحكمي " القضاء على ظاهرة حمل السلاح سيساعد اليمن للنهوض بالسياحة وبالتالي إيجاد فرص عمل لكثير من الشباب".