قصة قصيرة
عبدالفتاح العوديأربعة جدران صلدة .. وأرض وحصير ونافذة وقضبان وشبح إنسان متكوم في غرفة باردة وأهداب شمس حانية تخترق القضبان عند الصباح وقبل الاصيل ذلك كله عالم مستور .. شبح إنسان وتشظيات حياة كانت ومأساة قلب بيده صبىّ الزيت وجنى الرماد ..!! مستور الذي أخذ منه السكري مأخذاً كان قد إعتاد على الذهاب الى سوق القات عقب فراغه من العمل ليستعين به على داء السكري حسب مانصحه صديق له .. وليروح عن نفسه وقت الفراغ والقيلولة مع زوجته ناهد ذات المسحة الباهرة من الفتنة والجمال بصفة بيضاء .. يخطئ من حسبها في الاربعين ، وكان مستور يكبرها بسنوات عشر .. رجل ملئ بدعاية الشباب حسن المحياء فيه خفة وظرف وفي ذات يوم وهو ماض الى سوق القات .. الذي كان يطلق عليه ساخراً بالداهوفة .. صادف صديقاً قديماً كانت بينهم حميمية ذلك هو سعدان الباهوت ، تعانقا وتبادلا أطراف التحية والكرام ومعناها الى سوق القات .. كان سعدان موظفاً في شركة خاصة يتقاضى منها راتباً حسناً ، أخذ مستور رزمته من القات بعد أن أدار مع المقوتي حواراً ظريفاً .- بكم الرزمة ..؟!-حرام وطلاق إنها بألف ومائتين ريال ..- أيهما أعلى حرام .. أم طلاق ( يقصد بذلك جبلين أعتاد المقاوتة الحلف عليهما لتضليل الزبون )..؟!- آه ياخبيث خذها بثمانمائة .. ومن شأنك أنت بس بستمائة ريال ..!!أما سعدان الباهوت فقد أخذ قاته الثمين وأخذ رقم تلفون مستور وعرف عنوانه .. على أن يمضيا ساعات القيلولة معاً . مضى سعدان لحال سبيله متأبطاً قال :"مطول" ودلف الى أحد المطاعم ليتناول غذاءه ، ثم يذهب الى منزل مستور للمقيل وتناول مستور غداءه مع زوجته ناهد وكانت معتادة على تهيئة جو حميمي أنثوي خاص بالقيلولة من فرش المجلس والمتاكي وتبخير الغرفة ونشر الفل عليها ولبس عقد فل وثياب أنيقة تفوح أنوثة وورداً وعطراً ومن المشروب شراب الزنجبيل ، ثم تجلس الى جوار مستور الذي يدس في يدها بضعة غصون طرية منتقاة بحب وعناية وحين علمت من زوجها بقدوم صديقه سعدان للمقيل معه رأت أن تذهب الى جارتها .. التي تردد أن زوجها هو الآخر قد سرفها بالقات وربطها بكيفة ..- دهش سعدان عند وصوله وجلوسه على متكأ أنيق من مجلس مستور وفي نفسه حسد مستور على النعيم الذي حرم منه نتيجة طلاقه من زوجته بعد أيام خلاف وشقاق.- والله ياأخ مستور .. الدنيا عندك بخير .. متكأ وورد وفل وبخور .. وأنك ملك زمانك ..!!- يا أخي واحد يبسط نفسه .. والدنيا رايحة .. وأنت عوض حالك بثانية .. يمكن يكون فيها الخير ..وبينما هم على ذلك الحال من إنبساطه وراحة بال وثمة حسد في قلب سعدان وقيلولة القات ونشوته حتى فتح الباب فهبت نسمة فل وعطر بدخول ناهد التي أجتازت الممر بحياء أنثوي طاغ الى غرفة النوم ، وذكرت حينئذ أنها لم تعد شراب الزنجبيل المعتاد ، فأعدته بعناية فائقة ، ثم صفقت بيديها من مواربة الباب لتخبر زوجها بأنه جاهز ..- وكمان زنجبيل يامستور .. وفيت اللي بالجنة .. متكأ وورد وفل وبخور وشراباً زنجبيلاً ..!!كانت نشوة القات وطيبة مستور وجوادته قد أنسته المحضور .. فنادى ناهد أن تدخل وتقدم الشراب ..- أدخلي ياناهد .. مامن أحد غريب .. سعدان أخ قديم .. ومن البيت وداخله .. عشرة عمر وأيام الصبا والشباب دخلت ناهد بعد تردد ، وصبت الشراب الزنجبيل فسقط الوشاح عن كتفيها فبانت مفاتن اردانها وانوثتها البضة البيضاء الطاغية مع مسحة حياء أنثوي آسر وخرجت فناداها مستور ..- هاه ماشفتي صاحبتك .. تعالي جنبي .. مكانك شاغر .. سعدان ماهو غريب .. تعالي ..تعالي .بعد تردد وحياء جلست بجوار مستور .. ودار حديث من ذكريات .. أيام خلت بين مستور وسعدان ، ولم يدر في خلد مستور أن ثمة ضعف إنساني من غيرة وحسد قد أنشبت أنيابها في قلب سعدان الارملي الذي فقد الحميمية والانوثة والسكن الى النفس .. فكان بين فينة وأخرى يرمق ناهد بنظرات تمليه ، وهي تتأمله بفضول أنثوي وتحصي حركاته ونظراته وزاد من ذلك تكرار ذهاب مستور الى المرحاض لما يعانيه من السكري حيث كانت تتاح خلوة دافئة يتعمد فيها سعدان فتح أبواب حديث دافئ مقتضب فيه ثناء وإعجاب بشراب الزنجبيل وذوق ناهد في ترتيب المجلس وحسن تناسقه وناهد تحمر خجلاً من إطرائه ، بدلال أنثوي .- شف ياسعدان أنا السكري سرفني وسرفت ناهد معي .. من شأن تونسني ( قال ذلك مستور بعد عودته من المرحاض) وبين الهمس والنظرات والنكات كان ثمة خيط ساخن قد بدأ يطوي مسافة بين قلبين جائعين لشيء ما ..!! غادر سعدان وبقي مستور وناهد وجذوة من فتنة تحت الرماد ..!!- بعد مضي يومين مر سعدان على مكتب عمل مستور يخبره بأن القات اليوم عليه شكر له مستور ذلك الفضل لأنه كان مشغولاً بعمل لاينجزه إلاّ بعدالثانية ظهراً . إتصل مستور بناهد يخبرها بذلك فأعدت ناهد المجلس بعناية فائقة وزادته ذوقاً وفتنة وشراب الزنجبيل وانتقت أفضل مالديها من الثياب ، وهي لاتدري لما تعمل ذلك .. وكأنها ريشة في مهب قدرة تسيرها لاتدري الى أين ..!!- عاد مستور وتناولوا الغداء ثم دخل المجلس وفي إنتظار سعدان والقات وقيلولة دافئة .. رن جرس الباب كان سعدان قد وصل مع القات وبدأت القيلولة إثنان وأنوثة طاغية بالقرب من مستور .. وقد سقط الوشاح عن كتفها فكشف عن عنق رخامي ناعم بض أبيض وصدر ناهد ودرع لم يمنع فتنة أنوثة طاغية من الظهور كان سعدان مفتوناً مبهوراً برشق ناهد بنظرات حرى ومسافة تطوى بينهما زاد من ذلك تردد مستور على المرحاض بسبب مرض السكري ومكوثه طويلاً فكانت تلك خلوة بين ناهد وسعدان ودفئ المجلس ونشوة القيلولة وهمس الجنون وأحاديث شجوى وشجون بين ناهد كاعب وأرملي جائع .. كانت الحاسة الانثوية تحس بتلك النظرات تلامس أنوثتها الطاغية فتثير وحشاً وكانت ناهد تردد على غرفتها ثم تعود ثانية الى متكاها ورغماً عنها يتكشف درعها عن ساقين رخامية بضة بيضاء عند قيامها وعينا سعدان تتملاهما بجوع غريب ..- وفي ظهيرة ذات يوم كان مستور فدعا ومن العمل لنسيانه ملف مهم كان أراد مراجعته في البيت ونسيه ، وعند وصوله فتح الباب ، وهاله وارعبه رؤية أحذية صديقه سعدان في الممر أمام باب غرفة النوم .. فأقترب متثاقلاً مصدوماً بسماعه أنفاس حرى وأطيط سرير وريحة خيانة .. فتجمدت نظراته على الباب وشيء مخيف غامض يتفجر بداخله ..كان حصاره جثتين .. وغرفة مظلمة باردة .. وقد يكون القضاء لصالحه حسب رأي محامي تذب للمحاماة عنه ، أما هو فلم يعد ذلك يهمه ، فقد صار رماداً بارداً منذ أن صب الزيت على جذوة نار تحت الرماد ...!