كان العرب قبل الإسلام قوماً لا تربطهم فكرة ولا يجمع بينهم نظام اجتماعي متكامل وإنما كانوا قبائل متفرقة مختلفة في طبائعها وعاداتها ونظمها فلما جاءت الدعوة الاسلامية جعلت من العرب المختلفين أمة عربية لها نظام واحدة وفكرة واحدة ونهضت بالمجتمع العربي من جماعة تمسك بأطرافه وتحوطه بسياج من القوة والمنعة وهي العناصر التي تقوم بالمجتمع وتنهض به .ولقد حقق الاسلام ما كان يتطلبه من قيام مجتمع يقوم على أسس ثابتة وأوضاع مستقرة ومن هنا أمكن للاسلام أن يحمل كثيراً من المشكلات بتشريعاته الجديدة للمجتمع الجديد وفتح الله للعرب بالاسلام صفحة جديدة في تاريخ الحضارة الانسانية وجعل منهم أمة هبت من سباتها لتبني جضارة جديدة قوامها الإخاء الانساني والتوحيد لله تحمل في يدها أفكاراً ناهضة وتشريعات جديدة وتنظيماً متطوراً وكان من الصعب على بعضهم فهم هذا التجديد وفقهه .وإذا تتبعنا مسار الاسلام عبر التاريخ فإن أول ما يستوقفنا ويستدعي إنتباهنا هو إمتداده وإنتشاره السريع في العالم ويرجع ذلك الى التسامح الاسلامي مع الشعوب الاخرى على اختلاف عقائدها وأديانها فمن أخص مزايا الامة الاسلامية أنها أمة متسامحة وأنها مفتوحة الابواب ومتعاونة فقد لقي الاسلام عبر التاريخ حضارات مختلفة وثقافات قديمة متعددة مختلفة الألوان والأشكال وصادف أمماً وأقواماً ذوي عادات وأفكار متباعدة فتعايش مع كل ذلك وأستطاع أن يهضم كل الثقافات وملاءمة كل هذه الافكار والعادات وتأقلم مع الزمان والمكان..وكان لهذا التسامح أثره في تمكين الاسلام من الامتداد الى أمم وشعوب , وحضارات مختلفة , والبقاء حياً الى الوقت الحاضر .وإذا كان هناك ركود ملحوظ في التطور الاسلامي في العصور المتأخرة فإن ذلك يرجع السبب فيه الى تبلد العقلية الدينية وتحجرها عند بعض الناس حتى غدت نزعة التزمت غير المستنيرة من أبرز خصائص عصر الركود والانحطاط ولم يكن الركود والتوقف كاملاً بل جزيئاً كما لم يكن التضاؤل ضعفاً في الروح أو قصوراً في مجاراة الحياة بل في عدم التعاطي مع فقه التجديد بمنهج ملائم .وليس بخاف أن المجتمع الاسلامي الآن قد أخذ يتغير تغيراً كبيراً فأنتقل من مجتمع زراعي الى مجتمع صناعي كمصر ومن مجتمع رعوي الى مجتمع تجاري كالسعودية وهكذا سائر المجتمعات الاسلامية وقد استتبع ذلك تغييراً جوهرياً في النظم القانونية والعلاقات الاجتماعية وكل هذا يستدعي استعداداً لمجابهة ما يستلزمه هذا التغيير من وضع فقه جديد يستوعب هذه التغيرات .لقد أصبحت المجتمعات الاسلامية في عصرنا هذا تجابه مشكلات صناعية واجتماعية واقتصادية خاصة بعد الطفرة البترولية في بعض البلدان العربية وما رافق ذلك من تصنيع وحراك اجتماعي فبدأ الصناع والعمال يهجرون القرى الريفية وينتقلون الى المدن للعمل في المصانع وبعد أن كانت الاسرة هي المركز الاجتماعي أخذت هذه الرابطة تضمحل شيئاً فشيئاً وحلت محلها النقابات والاتحادات والاحزاب ونحوها .وكان لا بد من اتخاذ خطوات سريعة لمجابهة هذا التطور المفاجئ من خلال دراسة المشكلات المعاصرة على ضوء المنهج الاسلامي إذ أن قوة هذه المتغيرات التي نفذت الى المجتمعات الاسلامية شكلت ظواهر جدية استوجبت إمعان التفكير فيها والبحث في موقف الاسلام منها ودراسة هذه الحقول المستحدثة التي استخدمها العلم والتكنولوجيا والنظريات الجديدة في مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع فتولد عن ذلك فقه جديد يسمى فقه الواقع .وصار الفقه الاسلامي يربط مظاهر الحياة بقوته وسلطانه وهو أساس سلوك الفرد والمجتمع وصار يعطينا صورة ذهنية كاملة عن مفهوم الحياة ومن أجل ذلك كان لابد من وضع أسس جديدة للفقه الاسلامي يتم على ضوئها دراسة مناهجه ودراسة الأسس الفقهية القديمة وتطويرها لتغذية المجتمعات الاسلامية المعاصرة بفقه جديد متطور حتى لا تكون مجرد قوانين جامدة .ولذلك فإن الحاجة تقتضي نفض الجمود عن الفقه وتنظيم الاجتهاد تنظيماً علمياً بما يتفق مع روح الاسلام ومناهج القرآن الكريم لأن عدم التعاطي مع فقه جديد متطور من شأنه أن يبقى على الجمود في الفكر وتظل العقلية الدينية متبلدة ترفض التعاطي مع كل ما هو مستجد في عالمنا المعاصر وتكفر كل فعل لا يتفق مع ما علق في ذهنها من أفكار فتلجأ الى إتباع أساليب غير مشروعة للتعبير عن رفضها للتطور كإختطاف السياح أو قتلهم أو الاساءة إليهم عندما تراهم يزورون أثراً من آثار الماضيين لأن عقليتها المتبلدة توحي لها بأن ذلك نوع من عبادة الاصنام وهو ما يستوجب إيقافه من وجهة نظرها الخاطئة ولو استخدمت في ذلك العنف كما حصل يوم الاثنين 4/7/2007م حين أقدمت جماعة مارقة على تفجير سيارة مفخخة بجوار معبد أوام في مأرب أدت الى قتل عدد من السياح الأجانب في عمل إجرامي لا يقبله عقل ولا دين بل يتنافى مع شريعتنا الاسلامية السمحاء .
|
آراء حرة
عندما تتبلد العقلية الدينية
أخبار متعلقة