أضواء
يخيل لي أن بعض برامجنا تبث الرعب في المجتمع وتجعله يخاف ويرتاب، فيصبح الفرد في هذا المجتمع متهما وعليه إثبات براءته .أحد هذه البرامج ما تم بثه في برنامج 99 عن «الابتزاز»، وكان كما يقال إنه يبث الوعي، ويوضح الصورة، وهذا صحيح أو سيكون صحيحا لو عمل كدراسة، ليجيب على السؤال الذي يجعل المجتمع يتعامل مع القضية بشكل طبيعي، هذا السؤال مفاده: «هل المبتزون ـ شباب أو بنات ـ أقلية في المجتمع أم هم الغالبية»؟لأن الإجابة على مثل هذا السؤال ستجعل المجتمع يتعامل مع القضية بطريقة طبيعية، فإن كان الغالبية مبتزين، فيصبح الأمر طبيعيا أن يرتاب المجتمع بكل الشباب والفتيات، ويصبح من الطبيعي أن نرتاب بالفرد إلى أن يثبت براءته، أما إن كانوا أقلية، فسيعرف الفرد أنه لا يعيش بغابة وعليه أن يشك بالجميع، لأن الغالبية فاسدة .وبما أن البرنامج لم يطرح هذا السؤال، ولا هو أجاب عليه، بدا الأمر مرعبا ومخيفا، وأننا نعيش في غابة مليئة بالمبتزين، ومع هذا هل يمكن لي أن أسأل لماذا أصبح الوضع كذلك؟في البرنامج أحد أئمة المساجد نصح النساء بالحذر من التجمعات النسائية، وأن هناك من النساء من يصورن بعض النساء ويرسلن صورهن، فيتلقفها مبتز، لهذا عليهن أن يكن حذرات أو يتجنبن التجمعات.أليس أمرا مرعبا أن يصل المجتمع للفصل بين الجنس الواحد؟ثم هل يعقل أن يتم تصوير امرأة في تجمع نسائي، ليتم ابتزازها ما لم يكن هذا المجتمع يرى أن صورة المرأة في أي ظرف وفي أي مكان هي فضيحة يمكن لأي شخص أن يبتزها؟الأمر الأكثر غرابة في هذا البرنامج أنه استقبل اتصالا من هكرز كان يسرق صور الفتيات من كمبيوتراتهن، ويشارك في الابتزاز، ثم قرر أن يتوب، ويقدم النصائح للبعض .فجاء الثناء عليه وعلى توبته، وشكر لدرجة أن مذيع البرنامج أوصاه بأن يستغل موهبته في تخريب المواقع التي تسيء للوطن والإسلام، وأن هذا أمر جيد ومستحب .ومكمن هذه الغرابة أن القانون يجرم هذا الأمر، لكن لا أحد من الموجودين طالب بتوقيع العقوبة على هذا الهكرز الذي خدم توجه البرنامج، وأعني هنا بث الرعب في المجتمع .أعرف أن البعض لدينا وبحكم التعود يخلط بين هذه الحياة والحياة الأخرى، فهذا الهكرز تاب، وأتمنى أن يغفر له الله عز وجل في الحياة الأخرى، لكن ماذا عن هذه الحياة، هل يعقل أن يسرق شخص ما ثم يقول إنه تاب، فلا يطارده القانون؟الأمر المحزن أن الدكتورين اللذين كانا يناقشان القضية أو الظاهرة أو المشكلة ـ لأن لا أحد حدد نسبة المبتزين ـ كانا يناقشان نتائج الابتزاز وما الذي سيترتب عليه من مشاكل، ولم يناقشا الأسباب؟أعني لم يناقشا ما الدوافع التي تؤدي بالشخص أن يتحول إلى مبتز، سوى أن الشيطان هو من دفع هؤلاء لهذا العمل؟ويخيل لي أنه لا يمكن لنا حل أي مشكلة طالما لا نستطيع إقناع الشيطان بأن يكف عن هذا، بيد أننا إن عرفنا أن المبتز أو المجرم كان في طفولته ضحية قبل أن يصبح جلادا .سنعرف ما الذي يجعل الإنسان مبتزا، وكيف نوعي الأسرة حتى لا تنتج للمجتمع مبتزا أو مجرما؟أما بهذه الطريقة فنحن نرعب أفراد المجتمع، ونجعل الأفراد يخافون بعضهم البعض، وأكاد أجزم أن أي إنسان يخاف إنسانا سيكرهه، لهذا الرعب لا يصنع إلا الكراهية، والكراهية تدمر المجتمعات.[c1]*عن / صحيفة «عكاظ» السعودية[/c]