تطور فن الرواية العربية في الخليج :
القاهرة: 14 اكتوبر/ السيد العيسوي - ولد الشعر العربي عملاقاً - أو هكذا وصلنا - سواء انتهي عملاقاً أم قزماً - الآن - على اختلاف في التقدير ، أما الرواية فقد ولدت جنيناً لدى العرب في العصر الحديث، وسرعان مانضجت ، وتشكلت ملامحها باستحضار تقنياتها الغربية وبذورها العربية الشرقية القديمة، وماتولد عن هذين من مزيج فني خاص ، لنصبح أمام مصطلح( الرواية ) كمصطلح فارق في تاريخ الأجناس الفنيةلدي العرب، له أسسه ودعائمه الفنية وأسلوبه وتقنياته المتميزة. لكن كيف نما هذا الفن عندنا ؟ وماسمات مرحلته الجنينية؟ وهل يمكن التفرقة- بناء على أساس فني - بين مصطلحين : ( بنية الرواية) و( بنية ما قبل الرواية ) أو ( نسيج الرواية ) و( نسيج ما قبل الرواية ) للإشارة إلى قسمات هذه المرحلة الجنينية وما بعدها ، سعياً لتأسيس فن روائي جاد له قيمته الفنية الخالصة؟هذا هو المحور الأساسي الذي يقوم عليه كتاب(تجارب روائية من الخليج والجزيرة العربية ) للروائي والكاتب عبد الله خليفة ·· الصادر عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة في طبعته الأولى ، والذي نجد في ثنايا سطوره إجابة عن هذا السؤال. تقوم فكرة الكتاب علي دراسة المرحلة الجنينية للرواية لكن عبر منطقة خاصة يحددها الكاتب هي منطقة( الخليج والجزيرة العربية ) لأسباب ربما تتصل بقلة الاهتمام بهذ المنطقة أو دفع الواقع الفني فيها إلى الأمام ، أو ربما للانتماء المكاني لها ) عبد الله خليفة كاتب من البحرين( والناتج-إجمالاً -هو أن يوجد وعي روائي يوازي الوعي النقدي الحديث . يدرس الكاتب مجموعة من الكتاب ممن ينتمون - وفقاً لتصنيفه - إلى هذه المرحلة السابقة دون أن يعني هذا فقدان النضج الفني في بعض عناصر الفن الروائي عندهم أو في بعض أعمالهم المتطورة ، وهم : خولة القزويني ، رجاء عالم ، فوزية شويش السالم ، غازي القصيبي ، تركي الحمد ، إسماعيل فهد إسماعيل ، محمد عبد الملك، جمال الخياط، عبده خال، فريد رمضان ، فوزية رشيد، يوسف المحيميد ، عبد القادر عقيل ، ويواصل دراسة هذا الأمر تحت عنوان آخر هو ( رواية الشباب في الخليج والجزيرة العربية ) حيث يعرج علي جوخة الحارثي ، وأحمد أبي دهمان وحمد حسن علوان ، وأسماء الزرعوني ، وعواض شاهر العصيمي ، إلى أن ينتهي في مبحث أخير إلى ( السرد الروائي في تجربة جمال الخياط). [c1]بداية التأريخ[/c]لا ينسى الكاتب في غمار ذلك تحديد البداية الفنية لانطلاق فن الرواية ، ففي السعودية - مثلاً - تعتبر رواية (ثمن التضحية) لحامد الدمنهوري ( 1922-1956) التي صدرت سنة 9591 أول رواية فنية على حد وصف الباحثين الذين يرون أنها أول رواية سعودية احتوت معظم إن لم يكن كل العناصر الفنية للرواية ، يليه الكاتب ابراهيم الناصر ( 1933) في روايته ( ثقب في رداء الليل) والذي يعد الروائي الثاني الذي استطاع بانتاجه أن يحول وجه الرواية السعودية من رواية تعليمية إرشادية إلي رواية حديثة تقوم علي أسس الفن الروائي الحديث، كما يري الباحثون أيضاً ، ولكن الكاتب يعيب على طائفة من الباحثين أنهم لا يتحدثون عن العناصر الفنية ، ولا يبحثون عن الأسس الفنية وكيف تشكلت في هذه الرواية أو تلك ،ومن ثم يبحث هو عن وعي نقدي يؤسس لدراسة الأعمال الروائية ، ويضعها علي المحك العملي من خلال دراسة هذه ( التجارب) الروائية لدى من شكلوا بدايات الرواية ، أو شكلوا مرحلة هي بين القصة والرواية أو هي مرحلة قص ما قبل الرواية ، وهي مصطلحات دالة علي السياق التاريخي والفني الذي توضع في إطاره هذه الأعمال ، وهي جميعاً تعبر عن مرحلة عدم الرضا النقدي لدى الكاتب ، وإن كشفت عن ومضات فنية وانبثاقات هنا وهناك. [c1]عيوب أولية[/c]لن نستطيع أن نتتبع الكاتب وهو يدرس أعمال الكتاب السابقين عملاً عملاً ، ولن يجدي هذا كثيراً ، وربما كان الأجدي - لصنع وعي روائي ناضج وآلية نقدية واعية أيضاً- التوقف أمام بعض العيوب المتكررة أو التي فرضت نفسها على هذه الأعمال الأولى ، ومن الممكن أن تفرض نفسها على كل تجربة روائية جديدة ، فهناك دائماً جملة من أخطاء البدايات يجب أن يتخلص منها الأديب وإلا استفحل أمرها معه وصارت وباءً يدمر عمله ، كما أن الكاتب الجاد هو الذي يطور دائما ً من تقنياته وأسلوبه، ولا يتعالي علي الاستفادة من الوعي بأخطائه أو أخطاء الآخرين . فمن عيوب الرواية الوقوع في الإسلوب الإنشائي المفرغ من الفنية الغنية ، وكذلك هلهلة النسيج القصصي نظراً لأشياء كثيرة ، من بينها الشكل الشبحي الواهي للأحداث الرئيسة ، والظهور المفاجئ لبعض الشخصيات الذي يقطع سيولة الأحداث ، والذي يقود الرواية إلى انعطافة غير متوقعة وغير مخدومة ، بالإضافة إلى سلسلة من الأحداث والمصادفات، والمفاجآت التي تنهمر علي السرد، وتؤثر علي النسيج القصصي.كذلك أن ينساب العمل الروائي في سرد تفصيلي طويل ، قد يبدو شاعرياً ، إلا أنه بطئ في تشكيل المعمار القصصي ، فلا يتشكل تصادم يفعل الجزئيات ويشعلها ، الأمر الذي يجعل التناقض الروائي لا يكبر ، ومن ثم تظل المحاور الشخوصية الحديثة متجاورة متراصة وغير متداخلة ، وقد غرقت في وصف تفصيلي طويل. وكذلك تحول لغة العمل الروائي إلى تسجيل ، أو لوحات تسجيلية ، وكأن القصة مجرد مشجب لوصف عالم قديم ، وفي هذا العالم نجد الشخصيات قد ضاعت في كم الأشياء المنهمرة، حيث تنداح ولاتتشكل لها سمات معينة من عملها أو موقعها ، فهي لا تتشابك مع الواقع أو المتخيل ، وربما إذا ظهرت ثانية تكتسب صفات مضادة لصفاتها الأولي ، فالشخصية هنا هي اللاشخصية ، كذلك فإن الواقع- بهذا المنطق السردي - قد يصبح مجرد أشياء ، فهو أدوات متعددة وليس بنية اجتماعية ، فلا يمتلك هو الآخر شخصية. كذلك أن تعتمد الرواية على ما يمثل مجموعات كبيرة جداً من الخواطر ولا يغدو الطابع القصصي هو المهيمن وقد يؤدي هذا إلى إشكال البناء الفضفاض ، و كذلك الديكتاتورية في العرض القصصي الذي يلغي موضوعية الشخوص والأحداث وجذورها الاجتماعية ، ومن هنا يصبح العمل الفني تابعاً تبعية شديدة للمؤلف ، يتحرك علي هواه ، وليس وفقاً لمنطق داخلي فني يستنفر مفرداته، ومن هنا تتحطم العناصر الموضوعية للعمل الروائي. أيضاً وجود الشخوص والأحداث والأمكنة والأزمنة دون هيكل عضوي فني يجمع هذه الفسيفساء في حفر كتابي روائي ، فتتحول هذه العناصر إلى تكوينات هلامية تفتقد النوع القصصي الذي يحيلها إلى رواية ويصنع الهيكل المعماري الحدثي المتنامي الذي يحفر في الواقع مستكشفاً إياه برؤية فنية ، تعطيه شخصية إبداعية. وأيضاً الفراغ الفني للشخصية الروائية والذات اللافنية التي يتكئ عليها العمل يفرغ الشخصيات من النمو المتبادل فيما بينها، ومن ثم لا يقود هذا إلى النمو النفسي والفكري للشخصيات ، وكذلك تغليب الغرض النفعي للكاتب على الغرض الفني الذي قد يؤدى إلى إثقال العمل بما لا يحتاجه ، كما قد يسجن الأحداث في قناة صغيرة ، ويحول الأزمنة إلى رؤوس دبابيس، وتغدو الحبكة ضيقة. كذلك انعدام موقف نقدي عميق من الحياة، حيث تتحول العناصر الروائية، خاصة الشخوص، إلى مادة خام فاقدة للفاعلية كذلك الاعتماد الخارجي على لغة شعرية أشبه بالحلية الخارجية في صورة أخيلة شفافة وصور بلاغية ، ولكنها منفصلة عن البناء العضوي الروائي أو البنية الروائية التي تبني أو تقوض الأسلوب أساساً ·كذلك ضياع الخيوط الفكرية من يد الراوي لغياب علاقاته وتحليله . كذلك ألا تكون هناك قوانين نفسية أو اجتماعية تكون الشخصيات وتكُون وراء ظهورها أو اختفائها . كذلك تراكم الصور في انفصال فيستمر القص في تدفق دون أن تنمو بنيته ، وكذلك غموضها مما يجعل الرواية عبارة عن تضاريس غامضة ، ذات مناطق ضبابية غير متراكمة عضوياً. كل هذه العيوب تجعل القارئ يتساءل عن مدى هيمنة الفنان على عمله الفني ومدى حضور أدواته ووعيه الفني والنقدي . [c1]- اسم الكتاب: تجارب روائية من الخليج والجزيرة العربية- الكاتب: عبد الله خليفة- الناشر: وكالة الصحافة العربية - القاهرة- الطبعة: 2008- عدد الصفحات: 124 من القطع المتوسط[/c]