أضواء
بإعلان القائمة الثالثة من المطلوبين الارهابيين في السعودية، تكون الصورة أكثر وضوحا من ذي قبل، شق أمني لن يتوقف عن الملاحقة مهما كانت انتصاراته على الأرض،وآخر فكري يبدو أنه يعاني من التراخي. ففي بداية المواجهة كسبت الحكومة المعركة الثقافية، وسقطت مقولات تبرير القتل سريعا، وأدى الإعلام دورا اساسيا في سلبهم التأييد فحوصروا شعبيا. الآن بات واضحا ان هناك جولة جديدة مقبلة، وان المصانع الفكرية للتفريخ الإرهابي لم تتوقف عن مد تنظيماتها بالإمكانيات البشرية واللوجستية، وصارت المعركة أمنية فقط.وكلنا نعلم ان مشكلة الإرهاب أساسا فكرية لا أمنية، فأنت تستطيع ان تقضي على شبكات كاملة من المسلحين، لكن متى ما وجد مناخ يسمح لها بالترويج الفكري يسهل عليها توليد شبكات جديدة، او كما شبهها أحدهم بأنها مثل محاربة الملاريا بإبادة البعوض الناقل للمرض، في حين يفترض الذهاب الى اصل المشكلة، أي المستنقعات، حيث يوجد، ولا بد من تطهيرها برشها او حتى ردمها.ومن خلال قراءة الفترة الماضية بدا واضحا انها حاربت البعوض بنجاح. معسكر التطرف عندما وجد نفسه محاصرا لجأ الى عملية فصل، من اجل ان يعيش حرا نشطا لا يخشى التضييق والإغلاق. اعتبر الارهاب هو ذلك الذي يعلن عن القتل ويدعو إليه، وما عداه من تطرف اعتبره جزءا من الحوار «الطبيعي». وهنا بقيت المستنقعات ببقاء فكر التكفير ، وتصنيف المجتمع بين ذاهب الى الجنة وخالد في النار. وبالتالي سهل الفصل على جناحي العمل، فواحد ينظر وآخر ينظم.ستكون مهمة صعبة على الأمن ان يواجه بعد كل موسم حصاد موسم حصاد آخر، في لعبة لا تنتهي.فالدعوة للتطرف مستمرة لأنها تمارس في الهواء الطلق. وخلال معركة السنتين الماضيتين لم يكن صعبا التشويش على مجتمع متدين، كالمجتمع السعودي، بالخلط بين التدين والتطرف. منظرو التطرف تجنبوا ابان أزمة الملاحقات مساندة «المجاهدين» الملاحقين دوليا، من دون أن يتخلوا عن مساندة طروحاتهم السياسية والاجتماعية. بل انهم في الوقت الذي صفيت فيه قيادات التطرف العسكرية في الساحة السعودية، والكويتية والمغربية ، عززوا وجودهم بإقناع الجميع بأنهم يمثلون البديل الصالح ، الذي لا يؤمن بحمل السلاح. فالمشكلة العظمى ليست في السلاح بل في العقل.والتسلح خطوة أخيرة ، فالذي يوصل المرء الى ان يركب سيارة محملة بالمتفجرات ، ويستسهل قتل الناس بهذه البسالة ، هو الذي يشكل الخطر الحقيقي. لكل من شاء الحق في ان يتشدد ويتطرف ، طالما انه لا يروج له ، فالمجتمع يعج بالانطوائيين الذين يختارون الانعزال عن مجتمعاتهم واجبا يمارسون به حق الرفض الطبيعي، اما فرق التجنيد العقلية فتعتبر التغيير واجبا بالكلام والفعل ، فتوصل الفرد الى الرفض وتوصيه بالقتال أخيرا.عن صحيفة “ الشرق الأوسط” اللندنية