أضواء
عبد الله المطيري :في صلاة الجمعة دعا الإمام بإهلاك الكفار فهم لا يعجزون الله وأمّن المصلون بخشوع. تخيلت هلاك أكثر من خمسة مليارات إنسان فأصابني الاكتئاب. تفزعنا يوميا الأخبار اليومية التي تتحدث عن هلاك العشرات أو المئات من الأشخاص، تتحرك الكثير من الجهات للنجدة وتعلن حالات الطوارئ ويستاء المشهد، فكيف بنا نطلب هلاك المليارات من البشر في وقت واحد!!.وفيما كنا نناقش ذات يوم أسباب ارتفاع معدلات السرقة في البلد وطرق الحد منها قال أحد الطلاب، مكررا ما سمعته مرارا من آباء، إن انتشار السرقة إنما هو بسبب « حقوق الإنسان « بمعنى أنه بعد ما أتت منظمات حقوق الإنسان لم نعد نستطيع تطبيق القوانين الرادعة والصارمة ضد الجرائم. اليوم، في العالم كله، وفي الدول العربية حديث كثير عن حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة والمواطنة ومفاهيم الدولة الحديثة كلها، تثير هذا الحديث منظمات حقوقية وجمعيات ذات اهتمام ومثقفون مؤمنون بالقضية، يطالبون الدول ويبذلون الكثير من أجل مناصرة القضايا الحقوقية في كل مكان يتعاونون فيما بينهم بقدر ما يستطيعون وبقدرات محدودة من أجل تحسين ما يمكن تحسينه. يعمل هؤلاء في أجواء خانقة من أكثر من جهة فمن الجهات الرسمية ينظر لهم في كثير من الدول العربية نظرات مريبة فهم أصحاب أهداف تهدد الأمن القومي والوحدة الوطنية ولذا تجد أن الاعتقالات والإيقافات مستمرة وكثيفة، أما من جهة المشاركين في العمل السياسي والثقافي من الأطياف الأخرى من التوجهات السياسية والثقافية فهي أيضا تنظر لهذه الجمعيات والأفراد نظرات مريبة بوصفهم عملاء لأمريكا والغرب وأنهم جزء لا يتجزأ من المشروع الغربي والصهيوني على المنطقة. لا نحتاج كثيرا للاستشهاد على هذه النظرة يكفي أن نفتح القنوات الفضائية ونستمع للكثير من الشعارات في هذا السياق فهي شعارات عنيفة وتخوينية وخطيرة جدا. أما التيارات الدينية فهي تمسك بعصا مزدوجة فإضافة إلى اتهام المشتغلين بالحريات وحقوق الإنسان بالعمالة للغرب فهي تضيف لهم تهمة العداء للإسلام والعمل من أجل تحويل المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات غربية وفصل الناس عن دينهم وعقائدهم. وبالتالي فهم يتهمون هذه الحركات بالكفر والزندقة ويحذرون منها باستمرار ويقفون ضد أفكارها في كل الأحوال. ومن هنا نجد أن ممثلي هذه التيارات، يقفون في البرلمانات ومجالس الشورى موقفا صلبا ضد التوسع في حريات التعبير والمرأة وغيرها من القضايا. كل هذا يجري في وضع هو بمقياس حقوق الإنسان من أسوأ الأوضاع في العالم. الأرقام والأحداث تقول إن الإنسان العربي لا يزال من أقل البشر تمتعا بحقوقه الإنسانية على كافة المستويات، التعليم، الصحة، المساواة، العدل، المشاركة السياسية، التعبير ...إلخ من الحقوق الإنسانية الأساسية. ومن المقدمة لا يبدو هذا الواقع غريبا بل هو طبيعي وطبيعي جدا. السؤال هنا هو عن المسافة التي تفصلنا عن وضع مقبول لحقوق الإنسان، وضع يقترب من الأوضاع التي تعيشها الكثير من شعوب الأرض اليوم في الغرب والشرق والشمال والجنوب. إنها مسافة شاسعة ولكنها ليست مقطوعة أيضا، المشكلة مركبة ومعقدة ولكنها ليست ميئوساً منها وهنا سأركز على جانب أساسي من المشكلة برأيي أنه لا يمكن تحقيق نجاح دون مواجهته.تحقيق مستوى مرض من الحريات وحقوق الإنسان لن يتم دون مواجهة المقولات المعارضة للحريات والحقوق في الثقافة» فالمواقف التي استعرضناها في بداية المقال هي مواقف تنطق بلسان الثقافة وليست غريبة بل هي الأساس ولها الرسوخ الأكبر وبالتالي فمواجهتها هي مواجهة للأساس الفكري الذي تقوم عليه. ومن هنا فإن السؤال الأساسي هنا هو « ما هو الإنسان ؟.قد يسخر بعض المثقفين من هذا الطرح بحجة أن هذا السؤال يعيدنا للصفر بينما أمامنا برامج عمل قائمة اليوم تحقق لنا تقدما في حقوق الإنسان دون الدخول في هذا الطرح الميتافيزيقي. وبدوري أقول إن هذا تفكير سطحي في القضية ولن يحقق نتائج ذات عمق وامتداد طويل، قد يساهم في تأسيس جمعيات ومؤسسات حقوقية ولكنها لن تلبث حتى تغرق في وحل الثقافة السائدة وتتحول إلى مؤسسات ضد أهدافها الحقيقية، ما نحن بحاجته هو عمل فكري جذري ينجز تغييرا هائلا في نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الآخرين. صحيح أن دمج الأسلوبين في العمل مهم جدا، العمل الفلسفي والعمل الميداني فالأول لتحقيق تغييرات جذرية والآخر لتحقيق أهداف آنية ولكن ما يحصل الآن هو قصور شديد في الجانب الأول بل عزوف وتهميش لدوره وهذه هي نقطة الضعف الرئيسة. نحن الآن لدينا إجابات عن أسئلة من نوع : ما هو الإنسان ؟ وما هي حقوقه ؟ وما هي حدود حرياته ؟ السائد من الإجابات على هذه الأسئلة والذي يشكل الواقع اليوم يقف ضد مفهوم حقوق الإنسان والحريات التي نطالب بها. هناك تعارض جذري بين الطرحين. وبالتالي فإن المواجهة لا بد أن تكون جذرية بنفس المستوى.لدينا في البلدان العربية إنسان في الثقافة السائدة تأتي حريته في المستويات المتأخرة مقارنة بانتمائه للجماعة والتزامه بالنسق السائد. إنسان يجب أن يخضع لعدد من السلطات التي تحدد له قيمته ومعنى حياته وبالتالي فهو يكتسب قيمته من التزامه بتوجيهات هذه السلطات. إنسان له الحق في التفكير والتعبير بحدود لا يجوز له تجاوزها. لدينا امرأة مازلنا نفتخر بأننا ما زلنا نبقيها حية تأكل وتشرب ولا تبارح بيتها، ليس لها حق الرأي ولا المشاركة، كائن خلق للبيت لا أكثر. لدينا إنسان مطلوب منه الرضا بالواقع والحمد والشكر، إنسان لا يتغير الواقع من حوله نتيجة لفعله ومبادرته بل نتيجة لتدبير لا علاقة له به. إنسان يخشى من التفكير ويهرب منه، إنسان انتقل مستقبله إلى ماضيه وأصبح يعيش ليعود إليه. هل يمكن هنا تحويل هذا الإنسان إلى إنسان الحقوق اليوم بمجرد تأسيس منظمات أو مؤسسات، برأيي أن هذا تخط وقفز على الخطوة الأولى. صحيح أن ما أطرحه هنا يحيل إلى مشروع طويل الأمد ويستغرق الكثير من الوقت والجهد، وأنه يمكن أن يتم استغلاله من قبل من يناهضون حقوق الإنسان للاستمرار على ما هي عليه. هذا صحيح ولكنه لا يعني أيضا أن نتجه تحت تأثير هذا التنافس إلى أهداف قصيرة المدى وبسيطة بينما نحن أمام قضية تغيير ثقافة وإنسان ومستقبل أوطان وأجيال. [c1]*عن/ صحيفة «الوطن» السعودية[/c]