مع الأحداث
برغم أن الصحوة الإسلامية قامت في الأساس على مبدأ نبيل هو مبدأ الأخوة بين المسلمين والتعاون على البر والتقوى والسعي نحو تكوين مجتمع فاضل عامل والبذل في سبيل صناعة الحياة ومواجهة التحديات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي يقف أمامها العالم الإسلامي ضعيفاً، إلا أنها انحرفت انحرافاً خطيراً فيما بعد نحو الحزبية الضيقة وبحيث أصبحت الصحوة نادياً خاصاً لا يمكن دخوله إلا ببطاقة دخول ولم تعد لكل المسلمين بل حصرت نفسها على فئة معينة منهم.لكي تحصل على بطاقة الانتماء هذه لا بد لك من أن تتقيد بشعارات معينة تم تقنينها ورسمها من قبل، لا بد أن يكون لك مظهر معين يميزك عن الآخرين، بدون تدقيق كبير تم اختيار اللحية الطويلة والثوب القصير لكي يكونا هما المظهر الرسمي المعترف به للمنتمين لحزب الصحوة والهدف من هذا هو مباينة المجتمع (الجاهلي) والاختلاف عنه بشكل سافر وواضح، مع أن هناك سنناً نبوية كثيرة يتم تجاهلها كل يوم من قبل الطرفين، أعني من المجتمع الجاهلي المزعوم ومن حزب الصحوة نفسه، بإمكاني أن أعد عشرات السنن المهملة هنا, لكن الاختيار وقع على الثوب واللحية دون غيرهما لأنهما يمثلان شعاراً ظاهراً يمكنك أن تميز به إذا كنت صحوياً أن هذا الرجل من حزبك وليس من الآخرين، أعلم أن هذا التفسير سيغضب الكثيرين لكني لم أجد أي تفسير مقنع سوى هذا التفسير. بعد هذا الإعلان عن الانتماء بالشكل الظاهري، لا بد من إعلان الانتماء بالممارسة لمشايخ الصحوة وذلك بمحبتهم ومتابعة أخبارهم وحضور دروسهم وملاحقة آخر خبر نشر عن محاضرة لأحدهم، هنا يتطور الأمر إلى أن يصبح في حياة الصحوي مصدراً تشريعياً جديداً يتولى التفكير عنه ويخبره كيف يشعر ومن يحب ومن يكره ومن يوالي ومن يعادي وكل هذا يتم بعبارة من الشيخ تشبه إلى حد كبير الأمر العسكري الذي لا يجوز عصيانه ولا حتى التفكير في صحته من خطئه. هناك تكاليف بالتأكيد لكن هذا النادي الخاص يعطي كما يأخذ فعندما يرتكب فرد منه كارثة أو حتى جريمة يعاقب عليها القانون، تجد أن الصحوة تقف معه بكل ما أوتيت من قوة وتنقذه وتستله كاستلال الشعرة من العجين برغم أنها تعلم أن هذا مخالف للإسلام ومخالف لكل الأديان والأخلاق, تفعل هذا لأنها دخلت دوامة الحزبية الضيقة، هذا من قومنا وذاك من أعادينا، وعندما يخطئ رجل من قومنا فهي زلة تزول بالتوبة والاستغفار ويجب التعامل معها بالستر والصفح، هذا إذا تم الاعتراف بها أصلا، أما إن كان الواقع في الخطأ من الأعادي فلا ستر ولا صفح ولا بد من معركة تصل لكسر العظم, وهكذا هي الحزبية.عندما يتعلق الأمر بمصلحة تتعلق بحياة الصحوي كأن يكون في حاجة إلى وظيفة، تجد أن الصحوة تسعى بكل جهدها لإيجاد هذه الوظيفة له ولو كان هذا على حساب انتزاع هذه الوظيفة من بين أظافر وأسنان شخص آخر أب لسبعة أطفال لكنه ليس من الحزب, بل لربما تم طرد أحد ما من وظيفته لكي تعطى لهذا الصحوي، برغم أن موقف الإسلام واضح تماماً في هذه الأمور وأن كل هذه الممارسات هي مخالفة صريحة له.إذن فمشروع الصحوة الإسلامية التي افترضت أن المسلمين ناموا في حقبة زمنية ما فأيقظتهم أو أنهم كفروا فأعادتهم للإسلام هو مشروع حزبي ضيق فشل فشلاً ذريعاً في حل المشكلات التي أراد أن يحلها وظهرت الفجوات الكبيرة في بنيته بحيث لم يعد أحد قادراً على ترقيع شقوق الثوب ولهذا بدا منذ زمن التشرخ السابق للسقوط وتفلت المنتمين للحزب من هذا الانتماء بسبب ما رأوه من تناقضات واضحة لا يمكن الجمع بينها. لقد أخذت الصحوة زمنها بالطول والعرض وكانت تجربة ثرية بالنسبة لنا من جيل الشباب الذي عاشها وتفاعل معها وتبناها ,كانت تجربة ثرية بكل إيجابياتها وسلبياتها، لكن جاء الوقت لكي نبحث لأنفسنا عن شيء آخر لم تتضح معالمه بعد.[c1]* صحيفة “الوطن” السعودية[/c]