مدينة الرمل والشمس الغاربة
تتوزع على طول خريطة الصحراء الافريقية الكبرى مجموعة من المدن التاريخية العربية الاسلامية التي لم تنل بعد ذلك القدر من الاهتمام في وسائل الاعلام العربية، بعض هذه المدن في المناطق الجنوبية الصحراوية من دول المغرب الكبير، والبعض الآخر في الاجزاء الشمالية من دول افريقيا كمالي والنيجر وتشاد، وهي مدن تشترك في ميزة موحدة هي ما اصطلح الباحثون على تسميته المعمار الصحراوي، وعند البعض (العمارة السودانية) التي تحمل مظاهر مشتركة بديعة من مقومات ومظاهر العمارة العربية الاسلامية وايضا مع مسحة من افريقيا جنوب الصحراء. ولعل من ابرز هذه المدن الصحراوية واكثرها الآن عرضة لخطر الاندثار المدن التاريخية الموريتانية التي اطلقت الامم المتحدة نداء دوليا لحمايتها من التصحر والانقراض، وهذه المدن هي (ولاته وتيشيت ووادان وشنقيط) وفي العرض التالي سنثير بعض الملاحظات حول تاريخ وميزات مدينة ولاته التي تقع على بعد 1200 كلم شرق نواكشوط عاصمة موريتانيا. يعود تاريخ بناء مدينة ولاته الى القرون الاولى للميلاد، وكانت في البدء تسمى (بيرو) لكنها ازدهرت مع مجيء الدين الاسلامي الحنيف, فأصبحت عقدة للتجارة الصحراوية، واصبحت القوافل تتخذها مركز انطلاق لتجارة الذهب القادم من مالي الى سواحل المتوسط . ومنذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي عرفت مدينة ولاته بداية نهضة فكرية كبيرة، واصبحت احد اهم مراكز الاشعاع الثقافي العربي الاسلامي، وهاجر اليها عدد كبير من علماء مدينة تومبوكتو التي عرفت قلاقل وفي نفس الظروف هاجر اليها علماء ومفكرون من فاس وتلمسان ومراكش، كما استقر بها بعض اهالي توات بجنوب الجزائر، وبعض العائدين من الاندلس التي سقطت نهائيا بيد الاسبان عام 1492. وتشتهر البيوت الولاتية بجماليات العمارة العربية الاسلامية خاصة منها الاندلسية والمغربية، ويبدو ذلك من طراز مواد البناء، وايضا في انواع الزخرفة مع جنوح الى البساطة بعض الشيء وميل الى استخدام الخامات المحلية من فخار وجص وجليز وحجارة ملونة عالية الجودة تضمن قوة البناء وانسجامه مع المشهد البيئي العام الذي وضع ولاته فوق مرتفعات الحوض جاثمة بجلالها لقلعة تحرس هدوء الصحراء وتتبرج بجمالها في وجه المرتفعات الشامخة. تتعرض ومدينة ولاته الان بكل تراثها الاسلامي العريق للغرق بفعل التصحر وزحف الرمال، وهذا هو سبب الحملة الدولية التي اطلقتها اليونيسكو من اجل المدن التاريخية الموريتانية الاربع. وان كانت ولاته اكثرها عرضه لواقع هجرة عدد كبير من سكانها لحد انهم لم يعودوا الان يزيدون على الالفين نسمة، وهم الذين كانوا يزيدون على العشرات من الآلاف منذ عهود سحيقة. ولعل العزاء الوحيد في بقاء هذه المدينة العربية هو نشاط المكتبات والمخطوطات المدعومة لحد ما من اليونيسكو والمعهد الموريتاني للبحث العلمي، وهذا ما سمح بتصنيف بعض مكتباتها التي تحوي آلاف المخطوطات الثمينة التي لا تقدر بثمن على ان البعض الاخر مازال عرضة للإهمال ويعيش حالة مزرية تهدد ان لم يتداركها الغيورون على ثقافة هذه الامة, بأن تنقرض وتصبح اثرا بعد عين مرة واحدة الى الابد.