د. عبد الحسين شعبان :إذا كان المتهم الأساسي الذي أدين في مؤتمر ديربن العالمي حول العنصرية أغسطس ـ سبتمبر العام 2001، هو «السياسة العنصرية» لإسرائيل، فإن وجهة الاتهام تحولت إلى «العرب والمسلمين»، حين ظهر انتماء من نفذوا العمليات الإرهابية في 11 (سبتمبر)، إليهم. ورغم مرور 6 سنوات فإن الأضواء التي تم سرقتها عن مؤتمر ديربن لا تزال تُسلّط على أحداث سبتمبر. ولم يشفع للعرب والمسلمين إدانتهم الشديدة لتلك الإعمال الإرهابية وتعاونهم من اجل استئصال شأفة الإرهاب، كما لم يغفر لهم أنهم كانوا ضحية الإرهاب على مدى يقارب عن ستة عقود من الزمان، سواء الإرهاب الموّجه من الخارج ضدهم، أو الإرهاب الداخلي الذي اشتد في الربع الأخير من القرن الماضي على يد جماعات متطرفة ومنغلقة وتدعي امتلاك الحقيقة، وهنا لابد من الإشارة إلى ان بعض هذه الجماعات المتطرفة كانت تحظى بتأييد ودعم من «الغرب» بصورة معلنة أو مستترة، بل أن بعضها جرت محاولات لتصنيعه، وتلك إحدى مفارقات الصراع في منطقتنا. المعركة حاليا لا تدور بالجيوش وحدها، وسيلة للصراع، وليس الاقتصاد والايدولوجيا وحدهما علامات أساسية لهذا الصراع، بل امتد الصراع وشمل على نحو أوسع وأعمق تأثيراً الحقل الثقافي. وليس عبثا أن يعبّر الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في حفل افتتاح اليونسكو الـ 33 في (أكتوبر) 2001 عن ذلك حين قال «ان القرن التاسع عشر شهد صراعات القوميات والقرن العشرين شهد صراع الإيديولوجيات، أما القرن الحادي والعشرون فقد شهد صراع الثقافات». لقد جعلت «العولمة» العالم كله «قرية كونية» وان كنت من الذين ينددون بالعولمة ويلحظون سلبياتها الكثيرة، إلا ان للعولمة ايجابياتها غير القليلة أيضا، وعلى النخب الفكرية والثقافية العربية والإسلامية والعالمثالثية ومعها نخب أوروبية وغربية متنوّرة، أن تسعى لعولمة حقوق الإنسان والمعرفة وثقافة التسامح والعدل والاستفادة من المنجز العلمي ـ التقني على المستوى العالمي لما فيه خير البشرية وسلامها وتقدمها ورفاهها. وإذا كان رد الفعل شديداً وسريعاً إزاء ما نشرته صحيفة دانماركية وعدد من الصحف الأوروبية من صور مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أو من ما جاء في محاضرة البابا بنديكتوس السادس عشر، فإن ردود الفعل العربية والإسلامية إزاء ما صدر من قوانين لمكافحة الإرهاب رغم انها كانت مفصّلة عليهم أو إزاء ما يجري في سجن غوانتانامو لم تكن بالمستوى المطلوب. ثمة وجهتا نظر خاطئتان في رؤية كل من الغرب إلى العرب والمسلمين وفي رؤية العرب والمسلمين إلى الغرب بشكل عام، وان كنت لا أنفي التمايز في المواقف لكلا للفريقين، إلا أن هذا ما زال هو السائد، بل واليومي والذي يحدد علاقة السياسة بالثقافة أحيانا وبالعكس. فالمسلمون يؤلفون نحو مليار وأربعمئة مليون أو ما يقارب ذلك، وهم متوّزعون على أكثر من 60 بلدا بينهم 57 دولة إسلامية (عضو في المؤتمر الإسلامي) إضافة إلى بلدان يشكّل المسلمون جزءا كبيراً من سكانها (أقلية عددية كبيرة) مثل الهند وأثيوبيا، كما أن هناك 16 مليون مسلم في روسيا وحدها، وبهذا المعنى فإن سكان العالم الإسلامي يؤلفون نحو خمس سكان العالم، كما تؤلف البلدان الإسلامية نحو ثلث دول العالم البالغة 192 دولة، ولذلك يخطأ الغرب حين يأخذ كل هذا التنوّع بجريرة ارتكاب أو ذنب ليسوا مسؤولين عنه. لقد ظل الفهم قاصراً في النظر إلى المسلمين باعتبارهم «كتلة واحدة» «والإسلام شيء واحد»، بل هناك إدغام وتشوّش أحياناً في توصيف الجماعات الإسلامية والإسلام أو بين المسلمين والإسلاميين والاسلامويين، وذلك في حمّى الحديث عن «التهديد الإسلامي» و«الخطر الإسلامي»، وباستعادة لغة الحرب أحيانا عند الحديث عن الإسلام باعتباره «عدواً» وليس المكوّن الثقافي لمئات الملايين من البشر. وحسب وجهة النظر هذه تكاد تكون غالبية المسلمين «مجبولة» على الإرهاب وعلى «العدوانية» التي تدمغهم دون تمييز أو تمحيص أو محاولة للفهم بأصول الدين وبالقانون والأنظمة السائدة وبالسياسة المتبعة وبالعلاقات الدولية، ناهيكم عن التنوع والاختلاف التي تمتاز به المجتمعات الإسلامية مثل غيرها من المجتمعات. فللإسلاميين وللمسلمين بشكل عام آراء مختلفة في السياسة والمجتمع والعلاقات تبعاً لاختلاف المصالح والأهداف والتصورات. والإسلام ليس كله ولا حتى المسلمين كلهم أو معظمهم أو حتى جزء مؤثر منهم يؤيدون تنظيم القاعدة أو رؤية حكومة طالبان الأفغانية أو نموذج أسامة بن لادن او قطع الرقاب وجزّ الأعناق وتفجير السيارات المفخخة التي تقوم به الجماعات التكفيرية والإرهابية. ولعلهم لا يرحبون بقيام دولة دينية لما أفرزته التجربة المريرة في أفغانستان وغيرها من «الأنظمة الإسلامية»، بل ان قسماً كبيراً وحاسماً من الإسلاميين ناهيكم عن المسلمين لم يؤيدوا إجراءات حكومة طالبان وتعصب تنظيم القاعدة والتوجهات الإرهابية التي اعتمدها، بما فيها تحطيم التماثيل البوذية في باميان باعتبارها «غير إسلامية» وهو موقف فيه الكثير من انعدام الذوق والحس الجمالي ناهيكم عن كونه تفريطا بثروة تاريخية عالمية ذات قيمة لا تقدر بثمن، وكذلك الموقف من المرأة وقضايا التقدم الاجتماعي والمجتمع المدني والتفاعل مع الحضارة الإنسانية. المجتمعات العربية والإسلامية مثل غيرها من المجتمعات الإنسانية تمثل حضارة وتاريخاً وقيماً وتوّجهات فكرية وقومية وثقافية واختلافات سياسية ومدارس نظرية بخصوص التنمية والتطور، وهي تتأثر بالعالم وبكل ما يجري حولها من تقدم وعلوم وتكنولوجيا وأفكار ومتغيرات . ومع أن هويتها العامة هي الإسلام، فهو ليس دينا فحسب، بل هو في نهاية المطاف حضارة لأمم وشعوب وتكوينات عرقية واثنية ولغوية وأصول متنوعة، ساهم الإسلام في حياتها دون أن يضع حاجزاً أمام انخراطها في الركب الحضاري نحو الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وهو ما يتم التطلع نحوه بشكل كبير وهو ما يجري الصراع حوله بشكل أكبر بين التيار التقليدي والتيار الحداثوي. وإذا كانت نظرة «الغرب» إلى الإسلام قاصرة، وإنْ كانت بالطبع نظرة غير موحدة بحكم وجود تيارات وتوجهات فكرية وثقافية مختلفة، إلا أن هذه هي نظرة الغرب السياسي، وبخاصة إزاء التيارات الاسلاموية التي قد تشمل أحياناً الإسلام ككل لأسباب سياسية. فإن النظرة السائدة في العالم العربي والإسلامي إلى «الغرب» هي الأخرى نظرة «كلانية» او كلية، أي شمولية مستندة إلى التاريخ أحيانا بل تلجأ إلى استحضاره بشأن الصراع بين «الغرب» و«الإسلام» كلما وجدت حاجة إلى دعم وجهات نظرها الراهنة، فهو صراع تاريخي، حتمي منذ «حروب الفرنجة» ولا أقول الحروب الصليبية وقبلها في الفتوحات الإسلامية، بل إنها حرب «صليبية جديدة» كما يذهب البعض. الصراع إذن حسب وجهة نظر بعض المتطرفين والمتعصبين في العالمين العربي والإسلامي مثلما هو رأي المتطرفين اليمينيين في «الغرب» هو صراع متوارث، قيمي وديني وأخلاقي، لا سبيل للتلاقي أو التعايش معه، لأن الحضارة الغربية هي حضارة مسيحية - يهودية، ويتم دمغها أحيانا «بالكافرة» وحسب هذا المفهوم فهو صراع تناحري لا سبيل إلى حلّه سلماً أو اعترافاً بالآخر، وذلك دون النظر إلى المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة والمشتركات الإنسانية. وإذا كانت السياسة في المحصلة تعبيراً عن صراع واتفاق المصالح وليس اختلافات عقائدية فحسب، فإن الثقافة هي جسر التواصل بين البشر والكيانات بحثاً عن المشتركات الإنسانية وفي إطار حقول المعرفة. والثقافة في نهاية المطاف معرفة، والمعرفة سلطة على حد تعبير الفيلسوف البريطاني فرانسيس بيكون. وعلى العرب والمسلمين تنمية سلطتهم بالمعرفة . وكانت تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة قد كشفت حجم النقص الفادح في المعرفة والحريات التي تعتبر من أهم معوقات التنمية في البلدان العالمثالثية ومنها البلدان العربية والإسلامية، إضافة إلى تهميش دور المرأة وعدم الإقرار بحقوق الأقليات. المداولة والشراكة والحوار وسيلة للتواصل الحضاري ولتعزيز وتطوير جسر الثقافة، الذي يمكن استخدامه سلبا أو إيجابا، «فالغرب» ليس وحده مسؤولاً وان كانت مسؤوليته أساسية ولا يمكن تخفيفها تحت أي مبرر كان، في الإجابة عن بعض الأسئلة التي تضعها تحديات العولمة في إطار الثقافة الكونية متعددة المشارب والأصول والتكوينات، ومن هنا يتعاظم القلق المشروع لدى مئات الملايين من المسلمين حين تنتشر وتستشري بعض النزعات العنصرية في الغرب ليس على الصعيد السياسي فحسب بل على الصعيد الثقافي أيضاً» تلك التي تستخف بمقدسات المسلمين وتسيء إلى معتقداتهم !! [c1]* نقلا عن/ صحيفة (البيان) الاتحادية[/c]
ثقافة العولمة أم عولمة الثقافة..؟
أخبار متعلقة