الكويت / كونا :تدخل دول مجلس التعاون الخليج العربية مرحلة جديدة من المواجهة الجدية للتحديات الاقتصادية لاسيما بعد ان تم الموافقة في مؤتمر القمة الخليجي الأخير في الدوحة على إنشاء السوق الخليجية المشتركة لتنقل المنطقة بالعمل من مرحلة التنسيق والإعداد إلى مرحلة التكامل الفعلي.إن التطور الحالي يعكس إحساس ومسؤولية دول مجلس التعاون الخليج العربية بأهمية مواجهة المرحلة المقبلة التي تأتي في أطار العيش والتلاحم مع عصر التكتلات الاقتصادية التي يشهدها العالم أخيراً.وكانت دول مجلس التعاون الخليج العربية قد هيئت البيئة الاقتصادية لإنجاح هذه التجربة الرائدة لاسيما فيما يتعلق ببعض القرارات الاقتصادية الهامة والتي استندت إلى الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس التي تم التوقيع عليها في الدورة ال22 بمدينة مسقط بسلطنة عمان في ديسمبر 2001 والتي وضعت أسس العلاقات الاقتصادية بين دول المجلس وبينها وبين العالم الخارجي .كما نصت أيضاً على توحيد سياستها الاقتصادية وتشريعاتها التجارية والصناعية والأنظمة الجمركية المطبقة فيها وتعزيز اقتصادها في ضوء التطورات الاقتصادية العالمية وما تتطلبه من تكامل بين دول المجلس يقوي من موقفها التفاوضي وقدرتها التنافسية في الأسواق الدولية وذلك في ضوء الاتجاه العالمي نحو إقامة التكتلات الاقتصادية وتعزيز القائم منها ما يتطلب تبني سياسة تجارية موحدة لدول مجلس التعاون في تعاملها مع الشركاء التجاريين والتكتلات الاقتصادية الأخرى.وبالرغم من أهمية ذلك إلا أن المراقبون في الشأن الخليجي يرون ان هناك عددا من الصعوبات والمعوقات في عملية التطبيق يجب ان يتم مواجهتها من خلال تبني الآليات العملية في اتخاذ القرارات وتبني الفكر الاستراتيجي الذي يعكس التعاون المشترك والإجماع على القرارات الاقتصادية المصيرية .ولكي تحقق هذه التجربة الرائدة في المنطقة ثمارها فانه يجب ان يتم تبني أسلوب أو نهج للتعاون والشراكة مابين دول مجلس التعاون الخليجي والقطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي في أطار تحقيق المصلحة العامة لاسميا فيما يتعلق بقضايا الإصلاح الاقتصادي ومشاريع التنمية المشتركة والتي قد تساهم في تعجيل مسيرة العجلة الاقتصادية الهادفة الى خلق سوق خليجية فاعلة وقادرة على مواجهة التكتلات الاقتصادية الإقليمية والعالمية.- وكان الاجتماع الـ19 للجنة القيادات التنفيذية لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في مقر غرفة تجارة وصناعة الكويت في الثامن من الشهر الجاري قد جاء منسجما لإحساس القطاع الخاص الخليجي بمسؤولياته تجاه الصعوبات والمعوقات التي قد تواجه هذا السوق الخليجي المشترك اذ وافق في اجتماعه الأخير على إقرار تشكيل اللجنة الخليجية للسوق المشتركة من أعضاء الغرف الخليجية لمعالجة المعوقات والمشاكل التي قد تواجه صعوبة في تطبيق المواطنة الخليجية الاقتصادية الكاملة. وأوصى بضرورة أن تعمل الغرف الخليجية في مجال تطبيق متطلبات السوق الخليجية المشتركة من خلال التعاون المباشر والحثيث مع أمانة مجلس التعاون الخليجي في الرياض من أجل نقل مرئيات وآراء القطاع الخاص الخليجي حول ما اتخذه من أنظمة وتشريعات وإجراءات .كما ان عملية نجاح هذا السوق الخليجي المشترك يجب ان يأتي في اطار تذويب الفوارق بين الدول الأعضاء بغرض تهيئة السوق وفق تشريعات متجانسة تحقق أهداف السوق التنموية وترفع من مستوى معيشة المواطن وتحقق العدالة والمساواة وتقلل من سلبيات التضخم النقدي وتخفض من حجم العمالة العاطلة لاسيما وان اتفاقية السوق الخليجية الموحدة ستسمح لمواطني الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليج العربية في مزاولة أي نشاط اقتصادي في أي مكان يختارونه داخل مجلس التعاون.وتتيح كذلك لمواطني الدول الأعضاء تملك العقارات والشركات والأسهم التجارية والذهاب الى المدارس والاستفادة من الخدمات الصحية في كل بلد من البلدان الستة الأعضاء في مجلس التعاون. وبالرغم من هذه الايجابيات إلا أن تفاوت الحياة المعيشية بسبب تفاوت مصادر الدخل وعدد السكان من بلد إلى آخر قد يساهم في الضغط على بلد ما على حساب بلد اخر والضغط على الخدمات وعلى سوق العمل الذي يبحث حتما على الكفاءات والعمالة الفنية التي قد تندر احيانا والتي قد تجذبها ارتفاع الأجور في بعض الدول، لاسيما التي رفعت أخيرا من نسبة أجورها بسبب ارتفاع حدة التضخم في بلادها. ويرى المراقبون ان الايجابيات التي ستنصب على هذا السوق ستكون كبيرة لاسيما فيما يتعلق بالمشاريع الخليجية المشتركة والتي تقدر بالمليارات وهي كافية ان تفتح سوق عمل كبير يخلق نشاط اقتصادي يساهم في رفع كفاءة الانتاج وتقلل من مستوى الاعتماد على قطاع الواردات من الدول التي تعاني من التضخم السعري بسبب ارتفاع تكاليف الانتاج وكذلك و بسبب ارتباط معظم عملات دول الخليج بتجارتها الخارجية بعملة الدولار الضعيف .ويتعين على دول مجلس التعاون الخليج العربية ان تخضع الى ربط نفسها برؤية استراتيجية اقتصادية متكاملة من خلال انشاء مشاريع صناعية خليجية مشتركة وكذلك تطوير الطاقة الانتاجية للمشاريع الخليجية المشتركة الحالية لتساهم في تلبية الطلب المتوقع من سلع وخدمات لهذا السوق .اذ ان هذه المشاريع الخليجية المشتركة ستساهم في رفع مستوى اداء الاقتصاد الخليجي وهي قادرة مستقبلا ان تكون بديلا استراتيجيا يخفف الاثر السلبي في الاعتماد على مورد واحد وهو النفط. كما انه يقلل ايضا الاعتماد على توريد السلع من الدول المقومة بالعملات الدولية المرتفعة امام الدولار وهي سلع تجلب معها التضخم الى المنطقة وبالتالي تشكل ضعوط تضخميه على الدول الخليجية التي تعتمد في تجارتها الخارجية على الدولار الأمريكي الذي شهد تراجعا في قيمته في الآونه الأخيرة- إن الحديث عن سوق خليجية يجب ان يخضع الى فكرة ربطها باستراتيجية واضحة تخضع لمقومات الاقتصاد الانتاجي ليصبح أحد المكونات الأساسية للناتج المحلي الاجمالي في اقتصاديات دول منطقة الخليج والتي تعتمد دخولها القومية على الانتاج النفطي وهو عنصر ناضب ومرتبط بتقلبات الأسعار والظروف السياسية. كما أن يجب على المشاريع الخليجية المشتركة ان تضع باعتبارها دورا اساسيا للقطاع الخاص في هذه المشاريع والذي يمكنه ان يدخل كشريك استراتيجي في ادارة رؤوس امواله في هذه المشاريع الحيوية التي تهدف الى رفع مستوى التنمية المستدامة في المنطقة .ومن القضايا الاخرى الاساسية في تطوير مستوى المشاريع هي مشاركة المواطن الخليجي في الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي من خلال السماح لمواطني مجلس التعاون في التملك في هذه المشاريع الاستراتجية. وتوفر هذه المشاريع الخليجية المشتركة ايضا فرصة انشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تستفيد من السلع الوسيطة التي تنتجها المشاريع الكبرى وبالتالي تحقق لسوق العمل فرص عمل كبيرة و تؤمن جزءاً كبيراً لحاجات السوق لبعض السلع وتقلل الاعتماد على السوق العالمية الذي يعاني من ازمة التضخم وتقلبات اسعار الصرف .ان ذلك سيحقق حتما بيئة اقتصادية صحية وقادرة على رفع مكانة السوق الخليجية المشتركة لاسيما عندما يضع في نصب عينه المصلحة العامة والمصير المشترك بين كل القاطنين في دول مجلس التعاون الخليج العربي.
دول مجلس التعاون تدخل مرحلة جديدة بعد إطلاق السوق الخليجية المشتركة
أخبار متعلقة