انتفاضة 14 أكتوبر في ردفان
اتسم بأهمية كبيرة بالنسبة لقادة الجبهة القومية تأييد جمال عبدالناصر لفكرة الكفاح المسلح. فقد عبر عبدالناصر (عن استعداده لتقديم السلاح للجبهة القومية من خلال وجود القوات المصرية المرابطة في صنعاء وتعز). وقد ساعد على اتخاذ قرار عبدالناصر مثل هذا الموقف، بلا شك، أن الانجليز والحكام العملاء للدويلات في جنوب الجزيرة العربية كانوا يساندون الملكيين في الشطر الشمالي من اليمن الذين كانوا يحاربون ضد القوات المصرية.لقد عنى موقف عبدالناصر بالنسبة للجبهة القومية تأييداً كاملاً من قبل قيادة الجمهورية العربية اليمنية، وأخيراً افتتح في تعز مكتب الجبهة القومية، واتيحت للجبهة إمكانية بث برامج إذاعية موجهة إلى الجنوب.وعلى أراضي الجمهورية العربية اليمنية انشئت معسكرات لاجل التدريب العسكري لانصار الجبهة القومية، وأخذ الوطنيون يرسلون الاسلحة سراًَ إلى الجنوب.وبعد مرور وقت قليل استطاعت الجبهة القومية المباشرة بتحقيق استراتيحيتها وكان بين اليمنيين الجنوبيين الذين حاربوا في الشطر الشمالي في الحرس الوطني عدد كبير من أبناء قبائل منطقة ردفان الجبلية الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من جنوب اليمن على مقربة من حدود الجمهورية العربية اليمنية، اثر وقف اطلاق النار في الشمال وحدوث فوضى في نشاط الحرس الوطني عاد هؤلاء إلى ديارهم مع أسلحتهم. وإذ تخوف الانجليز من المجموعة المسلحة لأبناء ردفان أمروا الجميع بتسليم الاسلحة، ونقلوا ردفان، التي كانت قبائلها من قبل مستقلة، إلى تحت إدارة أمير الضالع شعفل وهو أحد أكثر أعوان الاستعمار ضمانة. وأثار ذلك استياء شديداً لدى قبائل ردفان التي رفضت رفضاً باتاً الاذعان للأمر، وفي 14 تشرين الأول «أكتوبر» 1963م قام أبناء ردفان برئاسة الشيخ راجح بن غالب لبوزة بانتفاضة مسلحة ضد المستعمرين وهذا اليوم دخل تاريخ شعب الجنوب اليمني كبداية للثورة المسلحة.قدر جوليان يايجيبت، الذي كان يرأس جهاز الأمن لدى المندوب السامي البريطاني آنذاك عدد أعضاء قبائل ردفان الخمس الرئيسية بـ (35 ـ 40 ألف شخص) بينهم (6 ـ 7) آلاف شخص قادرين على القتال، رغم أنه يوجد ثمة أساس لاعتبار هذا الرقم مبالغاً فيه، وهو يعترف بأن أعضاء القبائل الردفانية كانوا مقاتلين أشداء في حرب العصابات، لقد كانوا مفطورين على القتال منذ نعومة أظافرهم، وكانوا معتادين على اعتبار حمل السلاح دلالة على بلوغ سن الرشد، وكانوا كقاعدة، قناصين بالغريزة مع مقدرة رائعة على المتابعة. وإذ كانوا معتادين على القيام بغارات وغزوات خاطفة كانوا يغيرون أماكنهم في الجبال بسرعة وفي مسافات طويلة، ونتيجة لذلك كان يصعب القبض عليهم. كما كانوا يمتازون بشجاعة بالغة، وهذا ما أبدوه إبان قتالهم تحت قصف المدفعية الثقيلة والطائرات.ولقاء الشجاعة المتناهية في المعارك أطلق الانجليز على أبناء ردفان لقب (ذئاب ردفان الحمر).فور بدء الانتفاضة المسلحة لجأت السلطات الاستعمارية إلى القيام بعمليات تنكيلية بحق الردفانيين لم تتكلل بالنجاح، وخططت السلطات البريطانية للقيام في عيد الميلاد عشية عام 1964م الجديد، بحملة عسكرية واسعة تحت تسمية (ناتكريكر) (كسارة اللوز).اشتركت في العملية في البدء 3 كتائب من الجيش النظامي الاتحادي، وسرية آلية اتحادية، وفصيلة «خيالة» (على دبابات من طراز «سنتوريون»). وبطارية من مدفعية الحراسة الملكية، وفصيلتان من السرية الميدانية للمهندسين الملكيين، هذا ما مجموعة حوالي 3 ـ 4 آلاف عسكري، وبالإضافة إلى ذلك كانت القوات الجوية الملكية في خورمكسر ترسل الطائرات من أجل قصف أراضي ردفان.ووضعت القوات البحرية الملكية تحت تصرف قواد العملية ست طائرات عمودية من طراز (فيسيكس).لكن القساوة التي حاولت بها السلطات الاستعمارية سحق الانتفاضة لم تؤد إلى النصر، بل على العكس، قوت تصميم المنتفضين على مواصلة الكفاح. ولم ينفع لا تهديم القرى ولا اتلاف مزروعات الفلاحين ولامصرع الشيخ راجح لبوزة الذي اصبح بطلاً وطنياً لليمنيين.وباتت ردفان بالنسبة للشعب اليمني الجنوبي رمزاً للشغف بالحرية والكرامة الوطنية والبطولة.اثار استخدام المستعمرين الدبابات والمدفعية والطيران في ضرب المنتفضين عاصفة من الاستياء وسط سكان المنطقة وفي سائر البلدان العربية، وساعد على انتشار الكفاح المسلح إلى مناطق أخرى في الجنوب.وحتى محمد حسن عوبلي (6) اعترف بأن طيران الانجليز ودباباتهم كانت عاجزة شأنها شأن القوات الخاصة التي حلت محلها.ولم يؤيد تعسف المنكلين سوى عملاء الانجليز من الارستقراطية الاقطاعية ـ القبلية. فلقاء «المآثر» في جبل ردفان قام أمير الضالع بمنح البريغادير لانت الذي قاد العملية سيفاً حفرت عليه عبارة (إلى بطل ردفان).وصمود أهالي ردفان استحث قيادة الجمهورية العربية اليمنية على تقديم مساعدة عاجلة لهم.وفي بداية عام 1964م أخذت تصل إلى ردفان القوافل الأولى من الأسلحة وفي نفس الوقت نشطت الاذاعتان اليمنيتان الشماليتان في صنعاء وتعز وإذاعات مصر حملتها الدعائية في التنديد بإرهاب المحتلين مهيبة بسكان اليمن الجنوبية للنهوض إلى الكفاح.على الرغم من ان ملهمي العملية التنكيلية حاولوا التظاهر بأن هذه الحملة انتهت ربيع عام 1964م بنجاح عسكري إلا أنهم اضطروا للاعتراف بأن المنتفضين استولوا مجدداً على الأرض فور مغادرة الجيش النظامي الاتحادي لها.الانتفاضة في ردفان اعتبرها قادة الجبهة القومية بداية للثورة التحريرية المسلحة وأعلنوا أنهم يتحملون مسؤوليتها، وشرعوا بتقديم مساعدة مباشرة للانتفاضة وأرسلت الجبهة القومية إلى ردفان اعضاءها الذين اجتازوا تدريباً قتالياً في المعسكرات، وساعدت المنتفضين بالأسلحة.وهكذا، فقد قدمت الجبهة القومية مساعدة مادية ومعنوية للانتفاضة مشعلة من شرارة المقاومة لهيباً سرعان ما أمتد إلى سائر مناطق الجنوب.بمصرع الشيخ راجح لبوزة نشأ بين قبائل ردفان نزاع حول مسألة قيادة المقاومة المسلحة، عندئذ أرسلت الجبهة القومية ممثلها الشيخ/ عبدالله المجعلي لترؤس جبهة ردفان، واعترفت قبائل ردفان بممثل الجبهة القومية قائداً لها، فكان ذلك ظاهرة جديدة: التخلي عن التقاليد القبلية إكراماً لثورة التحرر.باستثناء الاتحاد الشعبي الديمقراطي اتخذت جميع الأحزاب السياسية في اليمن الجنوبية موقفاً عدائياً من الثورة المسلحة.فقد رفض زعماء رابطة أبناء الجنوب العربي وحزب الشعب الاشتراكي والمؤتمر العمالي الاشتراك في الكفاح المسلح ومساندته معتبرين الانتفاضة إهراق دماء لا فائدة منه، واتخذ البعثيون موقفاً مماثلاً، غير أن نجاح انتفاضة ردفان قوى مواقع الجبهة القومية في نزاعها مع رابطة أبناء الجنوب العربي وحزب الشعب الاشتراكي والمؤتمر العمالي وبعض الوزراء والقادة المسؤولين في الجمهورية العربية اليمنية المرتبطين بهذه التنظيمات، وزعماء بعض القبائل وفضح الماركسيون اليمنيون الجنوبيون بطلان الأساليب الإصلاحية والتوفيقية لهذه التنظيمات التي وقفت ضد الثورة المسلحة وأعربوا، حسب قول عبدالله باذيب عن الاستعداد للانضمام إلى الجبهة القومية (متخلين عن التحيز الحزبي وبدون أية تحفظات كانت).غير إن ذلك لم يتسن تحقيقه بسبب عدة عوامل موضوعية وذاتية، لعبت دوراً غير قليل الأهمية بينها معتقدات معادية للشيوعية لدى القادة التقليديين لحركة القوميين العرب، ومع ذلك فقد شارك العديدون من أعضاء الاتحاد الشعبي الديمقراطي مشاركة مباشرة في الكفاح، ولقى بعض قادة التنظيم مصرعهم وبينهم عبدالله عبدالمجيد السلفي، وأحد قادة الاتحاد الشعبي الديمقراطي الأمين العام لنقابة موظفي المصارف، والأمين العام للمنظمة الموحدة للشباب اليمني التي كانت توجد تحت تأثير الاتحاد الشعبي الديمقراطي (فيما بعد اصبحت تدعى منظمة السلفي للشبيبة اليمنية الديمقراطية). ولعبت دوراً مهماً في الدعاية لنضال التحرر جريدة «الأمل» الأسبوعية التي كان يصدرها عبدالله باذيب.بعد إحراز الانتصارات الأولى أخذت ثورة التحرر بقيادة الجبهة القومية تزداد شيئاً فشيئاً.[c1]فترة الكفاح الأولى[/c]تحت قيادة الجبهة القومية (1963 ـ 1964)العمليات العسكرية في ردفان الانتفاضة المسلحة في ردفان، التي أصبحت تقودها الجبهة القومية التي كانت تقدم لها مساعدة منتظمة بالأسلحة والمقاتلين المدربين، أخذت تشتد بالتدريج، وبمقدار ما كانت السلطات الاستعمارية تنشط حملتها التنكيلية ضد المنتفضين كانت تتزايد في البلاد مشاعر العداوة للإنجليز، بينما كانت الانتفاضة نفسها تحظى بالتعاطف لا لدى شعب اليمن فحسب بل وفي الخارج أيضاً.وأثار استنكاراً عاصفاً لدى الرأي العام العربي والعالمي قصف الانجليز الجوي والصاروخي لمدينة حريب الحدودية في اليمن الشمالية، وتبريراً لهذا العمل استندت السلطات البريطانية إلى إن حكومة اتحاد الجنوب العربي وجهت إلى بريطانيا في 19 آذار «مارس» 1964م طلباً تدعوها فيه إلى «تنفيذ تعهداتها بموجب معاهدة الدفاع) وإلى (حماية) اتحاد الجنوب العربي من الجمهورية العربية اليمنية التي لم تعرقل غارات المنتفضين على الأراضي اليمنية الجنوبية، وأثار هذا العمل ردة فعل عدائية في الصحافة البريطانية.غير أن عمليات القصف الوحشي لم تؤد إلى النتيجة المرجوة فقد واصلت الجمهورية العربية اليمنية ومصر، سواء بسواء، تقديم المساعدة للمنتفضين، وكان مقاتلو الجبهة القومية، بعد أن يجتازوا فترة تدريب في المعسكرات القائمة على أراضي الجمهورية العربية اليمنية، ينضمون إلى صفوف الردفانيين ويكافحون بنشاط ضد المستعمرين.وفي نيسان «إبريل» 1964م أعلنت المخابرات الإنجليزية إن عدد «المتمردين» في منطقة طريق الضالع المؤدي إلى الشمال قد أرتفع حتى (500) شخص وجميعهم مدربون ومسلحون ويرتدون زياً عسكرياً.إن فشل عملية (كسارة اللوز) دفع المستعمرين وصنائعهم إلى استنتاج مفاده ان (القوات الاتحادية عاجزة عن الصمود بنفسها) و(قررت الحكومة الاتحادية، بعد التشاور مع المندوب السامي، ان مواصلة العمليات العسكرية في البر أمر لابد منه).لقد كان قرار الحكومة الاتحادية ذريعة شكلية فقط اتاحت للانجليز بدء عملية جديدة مخطط لها منذ زمن بعيد، وقد صوروا الأمر وكأن الحكومة الاتحادية (طلبت المساعدة من القوات الإنجليزية بموجب معاهدة الدفاع وإنها حصلت على الموافقة هذه المرة).أغلب الظن إن الإنجليز في هذه الفترة لم يعودوا يعولون على الجيش الاتحادي بعد أن اقتنعوا بأنه غير نشط كفاية في مقارعة المنتفضين، لذا فقد شاركت في العملية الجديدة قوات إنجليزية في الأساس، وقرار إجراء عملية برية واسعة النطاق أثار التخوف حتى لدى صنائع الإنجليز الذين كانوا يتخوفون من أن هذه العملية قد تؤدي إلى انتشار الانتفاضة، فقد كانت لدى الوزيرين الاتحاديين للدفاع والأمن الداخلي اعتراضات جدية على العملية، الأمر الذي ذكره الممثل البريطاني السابق في المحمية الغربية حتى عام 1963م والمندوب السامي في عدن خلال أعوام 1963 ـ 1965م كينيدي تريفاسكس، فقد كتب يقول ان الوزيرين كانا يعتقدان بأن (العملية البرية ستكون أقل فعالية وأغلى ثمناً وربما أكثر خطراً من العملية الجوية، وإن وجود قوات بريطانية في ردفان قد يؤدي إلى معارضة أكبر بكثير مما لو استخدم الطيران، وإن الحوادث التي سوف حصل من كل بد ستثير الارتياح لدى اعدائنا وتولد الشكوك والقلق في انجلترا).شاركت في العملية التي اطلقت عليها تسمية (ردفان فورس) أو بإيجاز (ردفورس) في البدء قوات تعادل من حيث العدد لواء تقريباً: سرية فوج دبابات (عربات مصفحة)، وبطارية من فوج مدفعية الحرس الملكي (مدافع هوتزر عيار 105 ملم) وهلمجرا، بالإضافة إلى كتيبتين من الجيش النظامي الاتحادي، وقدمت القوات الجوية البريطانية مساندة جوية من خورمكسر.حددت القيادة البريطانية الهدف العسكري للعملية على الشكل التالي: (وضع حد لعمليات المتمردين في مساحة معينة).أما فيما يتعلق بالهدف السياسي فقد لخصه المستشار السياسي الملحق بقوات (ردفورس) بمرسوم صادر في 29 نيسان (إبريل) 1964م، اذ كتب يقول أنه من الضروري: (أولاً، تدارك انتشار انتفاضة القبائل، ثانياً تأكيد سلطتنا، ثالثاً إيقاف الهجمات على طريق الضالع).غير ان الأرض أخذت (تحترق) تحت أقدام المنكلين منذ الساعات الأولى لبدء العملية، ففي 25 نيسان أنفجر لغم تحت سيارة جيب تنقل ضباطاً كباراً كانوا يقودون العملية، مما اتسم بأهمية كبيرة بالنسبة لرفع معنويات المنتفضين.ان العملية التي بدأت في 30 نيسان كان هدفها وضع حد (لانتفاضة القبائل) في آيار «مايو» غير أن الهزائم التي مني بها المستعمرون اجبرتهم منذ البداية على إدخال تعديلات تدريجية على الخطط الحربية وزيادة عدد القوات المشاركة في العملية. وفي 11 آيار بدأ النصف الثاني من عملية (ردفورس) الذي كان محسوباً لشهر واحد ينتهي في 11 حزيران «يونيو» 1964م، إن كثافة وامتداد العملية وكمية المعدات والأفراد كانت تشهد على المصاعب التي اصطدم بها جيش المستعمرين في ردفان.بغية جعل الجيش النظامي الاتحادي يحارب بصورة أفضل ضد المنتفضين اتخذ الانجليز عام 1964م عدة إجراءات لتطويره، فقد تم تحسين تركيبه، وزيادة رواتب أفراده، وتحسين تزويده بالسلاح، و»تعريبه): استبدل الضباط الانجليز، الذين كانوا سابقاً يقودون جميع كتائب الجيش النظامي الاتحادي، بضباط يمنيين تلقوا تحصيلهم في انجلترا.بديهي أنه بعد «التعريب» ايضاً بقيت قيادة الجيش عملياً في أيدي الانجليز، ففي ما كان يسمى بمناطق عمل الجيش النظامي الاتحادي، التي انشئت لكي لا (تتأثر قيادة القوات بعملية التعريب)، كان الانجليز يديرون الدفة، مناصب قواد الأركان ورؤساء المخابرات فقط كان يضطلع بها يمنيون، وفور بدء انتفاضة ردفان عزز الانجليز الاعداد القتالي للجيش النظامي الاتحادي، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1963م أجرت القوات الجوية البريطانية مناورات إنزال في عدن بمشاركة الجيش النظامي ولكن، لا عمليات الانجليز التنكيلية ولا أعمال الجيش الاتحادي استطاعت إيقاف حرب الانصار التي بدأها الشعب اليمني في الجنوب ضد المستعمرين وعملائهم، والأنباء التي كانت تنشر عام 1964م في جريدة (الجنبية) (لسان حال الجيش النظامي الاتحادي)، تعطي فكرة واضحة عن نشاط الوطنيين، فقد جاء في العدد الخامس (شباط ـ فبراير ـ 1964م) أنه في 17 كانون الثاني «يناير» وقعت دورية قوامها 17 شخصاً بقيادة المقدم عوذلي في كمين، فقتل نفران وجرح أربعة، وبعد وصول تعزيزات بدأت معركة مع المنتفضين تكبدت اثناءها سرية الجيش النظامي الاتحادي خسائر فادحة، وغادر المنتفضون القرية بعد قصف بالمدفعية والطائرات قام به الانجليز، وفي 24 شباط قتل في معركة مع 20 منتفضاً قائد السرية، وهلمجرا.ولم تكن وحدات الجيش الاتحادي تتجرأ على مهاجمة القرى التي تساعد المنتفضين إلا بعد تتلقى مساندة من المدفعية والطيران البريطانيين.ولم يتسن للمستعمرين وصنائعهم سحق انتفاضة ردفان: وفي مطلع عام 1964م امتد لهيب الانتفاضة إلى مناطق أخرى في جنوب الجزيرة العربية.[c1]المناورات الدستورية لبريطانيا والتطاحن بين السلاطين والساسة العدنيين[/c]في هذه الفترة قامت بريطانيا، بعد أن شعرت بالخطر الجدي على مصالحها في جنوب الجزيرة العربية، بلعبة سياسية نشيطة، فبعد ضم عدن إلى اتحاد الجنوب العربي في كانون الثاني «يناير» 1963م جرى في المستعمرة تشكيل أو الحكومة عدنية برئاسة البيومي، لقد كان الانجليز يأملون بأن ينشئوا من البرجوازية التجارية العدنية والسلاطين والشيوخ قوة من شأنها أن تضمن بقاء المصالح البريطانية، وبالدرجة الأولى القاعدة الحربية في عدن، وفي كانون الأول «ديسمبر» 1963م كان ينبغي أن يعقد في لندن مؤتمر دستوري مزعوم أعده المستعمرون، إلا أنه قبيل سفر الوفد من عدن، عندما كان المندوب السامي بصحبة مجموعة من الاشخاص متجهاً إلى ساحة المطار نحو الطائرة، القيت عليهم من مبنى المطار قنبلة يدوية وبنتيجة الانفجار قتل جورج هندرسن نائب تريفاسكس، وأصيب 53 شخصاً بجراح بمن فيهم المندوب السامي نفسه وبعض وزراء حكومة الاتحاد، وعلى اثر الحادث أعلنت حكومة الاتحاد عن اقفال الحدود مع الجمهورية العربية اليمنية، وطرد من عدن (280 شخصاً غير مرغوب فيهم) بينهم يمنيون شماليون وبناء على الاشتباه في المشاركة في محاولة اغتيال المندوب السامي القت السلطات القبض على 75 شخصاً من أعضاء حزب الشعب الاشتراكي وأعلنت في عدن وكل الجنوب العربي حالة الطوارئ.وعلى أثر ذلك قامت الشرطة العدنية في المستعمرة بسلسلة من الاعتقالات وسط قادة حزب الشعب الاشتراكي والمؤتمر العمالي والاتحاد الشعبي الديمقراطي والبعث وحركة القوميين العرب، والقي في السجن بعبدالله الأصنج وعبدالله باذيب وقحطان الشعبي وغيرهم من الزعماء البارزين.واحتجاجاً على الاعتقالات الجماهيرية جرت في عدن اضرابات وشارك في الاضراب الذي نظمته النقابات في كانون الأول «ديسمبر» 1963م قرابة 7 آلاف شخص وجواباً على الاضراب من ثلاثة أيام الذي اجراه التلامذة والطلاب العدنيون اغلقت السلطات الاستعمارية في كانون الثاني «يناير» 1964م المدارس والكليات تاريخ 1964/1/5م.المؤتمر الدستوري الذي اطلق عليه وطنيو الجبهة القومية تسمية (المؤتمر اللادستوري)، عقد فقط في حزيران (يونيو) 1964م برئاسة وزير المستعمرات البريطاني ساندس، وحضره حكام ولايات جنوب الجزيرة العربية ووفد عدن برئاسة رئيس وزراء الحكومة العدنية والتاجر العدني الكبير زين باهارون، منذ فترة التحضير للمؤتمر ظهرت خلافات بين بريطانيا وحكام الولايات والساسة العدنيين اذ أن السلاطين وجماعة الكمبرادور العدنيين كانوا يودون أن يقتطعوا لانفسهم قطعة أفضل.والوفد العدني رفض على العموم في البدء حضور الجلسات وكان يقدم مطاليبه من خلال وسيط.لقد كانت انجلترا تسعى إلى قيام حكومة في اليمن الجنوبية من شأنها أن توقع معاهدة دفاع تضمن لها الحفاظ على قاعدتها الحربية في عدن، وكان ينبغي أن توضع في القاعدة صواريخ ذات رؤوس نووية.وطالبت الحكومة العدنية الانجليز بأن يدفعوا سنوياً إيجاراً قدره 12 مليون جنيه استرليني إلى الخزينة العدنية مباشرة، وكان حكام الولايات بدورهم يطالبون بأن تجري عملية الدفع للحكومة الاتحادية لأن وظائف الدفاع كانت من صلاحية وزير الدفاع الاتحادي.وكان حكام الولايات يعتقدون بأن انجلترا ستساعدهم وتقف من كل بد إلى جانبهم، فأبدوا عناداً وجواباً على ذلك أعلنت حكومة باهارون قائمة طويلة بالمطالب المضادة بما في ذلك حول القوات المسلحة العدنية التي كان يتوجب على انجلترا أن تنفق على تشكيلها 10 ملايين جنيه استرليني.وأعلن الوفد البريطاني أن وزير شؤون الكومنولث سيكون على استعداد لمناقشة الشروط الجديدة لاستئجار القاعدة والموافقة على بند يحدد موعد منح الاستقلال للمستعمرة، لكنه غير موافق على فكرة التعادل العسكري بين عدن والولايات وعلى مطالب وفد عدن بتجريد الحكام من مناصبهم والقابهم.إبان سير المؤتمر الذي دام حوالي شهر لم تستطع الأطراف التوصل إلى اتفاق بشأن مستقبل ما يسمى بدولة الجنوب العربي.زد على ذلك ان حكام الولايات انفسهم كانوا يتخاصمون فيما بينهم اذ كانوا يتخوفون من ان انجلترا ستعمد مستقبلاً إلى تنصيب أحدهم على الجميع جاعلة منه رئيساً، وكان بمثابة (قنبلة سياسية) بالنسبة للمؤتمر مغادرة وزير الإعلام للحكومة الاتحادية السلطان أحمد الفضلي بصورة مفاجئة إلى القاهرة حيث أعلن في اليوم التالي أنه انضم إلى الكفاح المسلح.ومني مؤتمر لندن بفشل ذريع واذ تخوفت حكومة المحافظين من أن يأتي إلى الحكم، في اعقاب الانتخابات التي ستجري في الخريف، جماعة حزب العمال الذين لن يعتمدوا على السلاطين والشيوخ، اتخذت قراراً بأن تعلن قبل الانتخابات عن منح جنوب الجزيرة العربية في المستقبل الاستقلال التام، وقد أعلن في الكتاب الأبيض حول مسائل الدفاع في تموز «يوليو» 1964م ان بريطانيا ستحتفظ بقاعدتها في عدن بينما سيحصل جنوب الجزيرة العربية على الاستقلال في موعد لايتعدى عام 1968م وكان المحافظون يأملون بأن هذا الوعد سيتيح لهم لاحقاً ضمان نقل السلطة في اليمن الجنوبية إلى حكومة موالية وعقد معاهدة دفاع معها مع الحفاظ على القاعدة الحربية.إلا أن الحكومة الاتحادية لم توافق على الخطة البريطانية اذ اعتبرتها تنازلاً للساسة العدنيين على حساب السلاطين واستمر التطاحن بين هؤلاء وأولئك.وفي تشرين الأول «أكتوبر» 1964م جاءت إلى الحكم في بريطانيا بنتيجة الانتخابات حكومة من حزب العمال أخذت تعتمد على البراجوازية العدنية والساسة المعتدلين أكثر من اعتمادها على حكام الولايات.غير أن السياسة الانجليزية بقيت على العموم من دون تغيير وقد أعلن ممثل حكومة العمال في منظمة الأمم المتحدة أن بريطانيا ترفض تنفيذ قرارات لجنة الأمم المتحدة الخاصة بتطبيق لائحة منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة التي طالبت بمنح الاستقلال لشعب جنوب الجزيرة العربية وتصفية القاعدة الحربية، وهذا الرفض كان يتعارض مع قرار الدورة الثامنة عشرة للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بتاريخ 11 كانون الأول «ديسمبر» 1963م الذي أكد حق سكان عدن والمحميات في الحرية وتقرير المصير.[c1]اشتداد الكفاح المسلح في الولايات [/c]اثر النجاحات الأولى لانتفاضة ردفان اندلعت بؤر المقاومة المسلحة بوجه المستعمرين وعملائهم في ولايات أخرى أيضاً، ففي العام الأول من الكفاح المسلح فتحت الجبهة القومية خمس جبهات أخرى تقع اساساً في المنطقتين الشمالية والغربية والوسطى من اليمن الجنوبية.وانتشرت العمليات العسكرية في دثينة، والعوذلي، والفضلي، والضالع، والحواشب، وعند بداية عام 1965م اصبحت تعمل في اليمن الجنوبية 11 جبهة بما في ذلك في الواحدي ويافع والعوالق عند هذا الزمن كانت الانتفاضة المسلحة بقيادة الجبهة القومية قد شملت البلاد بأسرها عملياً.