أضواء
جاء في جريدة (الحياة) على لسان أحد آباء الذين لبوا دعاة الجهاد في العراق: (أنه قطع وعدا على نفسه بمقاضاة اثنين من دعاة الفكر التكفيري، الذين روجوا لمئات من الشبان، فتاوى تحرض على الجهاد والذهاب إلى مناطق الفتن والصراعات، من دون أن يراجعوا فيها هيئة كبار العلماء في المملكة، وذلك فور تسليم نجله الموقوف في سجن سوسه إلى السلطات السعودية، وقال عبدالله البليهد في حديثه إلى (الحياة)، إن ابنه ثامر (23 عاما) اقتاده عراقي من أجل تهريبه إلى الحدود السعودية وسلمه لقوات الاحتلال في العراق في مقابل 250 دولارا أميركيا)! وأنا كأب أعي تماما الألم والحرقة التي يعاني منها والد هذا المغرر به، وأتعاطف معه غاية التعاطف. ولا أدري ما هو السبب الذي جعلنا نحجم عن تتبع كل من أصدر فتوى يؤيد فيها ما يسمى بالجهاد في العراق، أو قال رأيا، أو ألف (مؤلفا) ونشره، أو شجع على (مناصرة) الجهاد في العراق. هناك مؤلفات لمحرضين أشرار لوثتهم أيديولوجيا الصحوة، فحرضوا الشباب على التمرد على الأنظمة، وتخطي كل المحاذير، والذهاب إلى حيث يكون تورطهم، كما هو هذا الشاب الذي باعه الانتهازيون العراقيون بثمن بخس للأمريكيين. هؤلاء الدعاة، وبعضهم (خطباء مساجد)، كانوا سببا مباشرة في تورط كثير من الشباب، ومع ذلك ما زالوا (طلقاء)، لم يعترض لهم أحد، ولم يحاسبهم أحد، ولم يعتقلوا ليقدموا إلى محاكمة عادلة. ومواقع الإنترنت، ومنتديات المتطرفين فيها، ما زالت تمتلئ بمثل هذه المؤلفات التضليلية. إن مجاملة هؤلاء الأشخاص، والتسامح معهم، والتعامل مع (جرائمهم) التحريضية بتساهل، من شأنه أن يشجع آخرين لاقتراف نفس الجريمة، فمن أمن (العقاب) أساء الأدب. ومن أجل أن نجتث هذا التحريض لا بد من إيجاد صيغة نظامية حازمة، تعتمد على (فتوى) يصدرها مجلس كبار العلماء، يتم من خلالها تجريم (المحرضين) على الذهاب إلى العراق، والتعامل معهم (قضائيا) مثلما تم التعامل مع مروجي ومهربي المخدرات؛ لأنهم - أعني المحرضين - أخطر على البلاد والعباد، وبالذات الشباب، من مستوردي هذه الآفات القاتلة. كما أن صدور فتوى بهذا المضمون من هيئة كبار العلماء سيقطع دابر الاتهامات التي توجه للمملكة، والتي دائما ما يواجهها السعوديون، وبالذات المثقفون منهم، في المنتديات والمؤتمرات واللقاءات الثقافية التي تجمعهم بآخرين؛ والتي تزعم أن ثقافتنا تؤيد الإرهاب وتشجع عليه، حتى أصبحت (الوهابية) - كما يسمونها - في مخيلة كثير من هؤلاء تعني (الإرهاب). صدور مثل هذه الفتوى من أعلى مرجعية دينية في المملكة سيعطينا حجة دامغة للرد على مثل هذه الاتهامات. وليس لدي أدنى شك أن مثل هذه الفتوى التي تقيد (الجهاد) بإذن ولي الأمر، كما هو شرط الجهاد أصلا، ستعيق مهمة المحرضين الذين يجندون هؤلاء الشباب ويرسلونهم إلى الموت في العراق؛ (فالطاعة) في مثل هذه القضايا هي (حصرا) لولي الأمر صاحب البيعة، وليس لأي أحد غيره - كما يزعم بعض الصحويين - مهما كان شأنه، ومهما علا مقامه العلمي. ولا أعتقد أن هناك من أعضاء مجلس كبار العلماء من لا يتفق على أن من شروط الجهاد (الشرعية) إذن السلطة المركزية أو (ولي الأمر) كما هو التعبير الفقهي؛ فطالما أن الأمر بهذا الوضوح فلماذا لا تصدر فتوى بهذا المضمون؟ [c1]* صحيفة (الجزيرة) السعودية[/c]