كل يوم من أيام الارهاب ، يضيف نقاطاً سوداء جديدة إلى سجل الموروث الثقافي المؤسس للعنف والمنظّر له ، هذا الموروث الذي لا يعرف الإبداع في أي شئون الحياة إلا في الحديث عن جسد المرأة ، وحجابها ، وصوتها ، وحكم جرس الهاتف والدار ، وحكم الفنون جميعاً ومنها الرسم والتصوير والنحت والأناشيد والأغاني والموسيقى والطبل والعود والمزمار ... !! وحكم خروج المرأة الى العمل أو الشارع ، أو قيادتها للسيارة ، أو شغلها لوظيفة عامة .. !! أو مقدار ديتها الأقل من الرجل الى النصف أو حكم قصاصها اذا قتلت ..! وكذا حكم تحريم حلق اللحية ، ووجوب تقصير الثوب ، وغير ذلك أكثر فأكثر . !! واذا دخل هذا الموروث الثقافي السلفي البائس في أمور السياسة ، دخل يبحث بجنون كفر المجالس النيابية والديمقراطية والاذاعة والتلفاز والصحافة والانتخابات !!! ويتوسع هذا الموروث في كل الميادين الى الحد الذي لم يسلم عنده المسلمون من تكفير ولعن بعضهم لبعض ! واستباحة بعضهم دماء وأموال البعض الآخر بطريق الفتاوى السريعة في هدم الشريعة ( ! ) ، ثم بأيدي المنفذين لها من القتلة والسفاحين الغارقين في التخلف والجهل والمرض والظلمات باسم الجهاد من أجل تطبيق حكم الله ( ! ) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ! ويصدق فيهم قول الله تعالى من أوائل سورة البقرة : (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )) . وعند هذا المستوى من التدهور ، لا يخلو الزمان من العقلاء الذين رفضوا دعوات إلغاء العقل واعتباره رجساً من عمل الشيطان ( ! ) بل يؤمنون بتحكيم وسيادة لغة الحضارة والبناء والعطاء ! ويؤمنون أن المستقبل مع الحياة والأمن والسلام والعلم ! المستقبل الذي لن يرحم هؤلاء ولن يسعفهم ، ولن يكون معهم ولا كرامة ! ان الربط بين مخرجات الفكر السلفي الوهابي المتخلف ، وبين نتائجه الارهابية لا تخفى على الناظر الحصيف المتأمل والمطلع على جميع مؤلفات وكتب القوم ودعوتهم وخطبهم وأشرطتهم ونشاط جمعياتهم المشبوهة المترامية في أنحاء العالم الاسلامي وهي تبث الحقد والكراهية والعداوة بين المسلمين أنفسهم بحجة هذا صوفي وهذا أشعري ، وهذا معتزلي ، وهذا مرجئ ، وهذا شيعي ، وهذا قبوري ، بل وصل الأمر الى داخل التكوينات السلفية نفسها فهذا حسني ، وهذا حجوري ، وهذا ربيعي ( أتباع ربيع المدخلي ) وهذا سروري ، وهذا جمعاوي ...!!! الى ما لا نهاية ولا حد له من التوصيفات التي أفرزت أحقاداً وأقواماً يهجر ابناء بعضها ابناء البعض الآخر ! كما تبث الحقد والعداوة ودعوات القتال باسم الجهاد في المجتمعات المختلطة الأديان والمذاهب والأعراق والنحل ، وما يجري في العراق من ذبح للابرياء والاطفال في المساجد والاسواق بل والاعراس وحتى مجالس العزاء أمرٌ يندى له جبين الانسانية ! بواسطة الأحزمة الناسفة وبدعة القتل الانتحاري الذي يصنعه أطفال مغرر بهم أو كبار مهووسون بأكذوبة اللحاق بالحور العين في جنات النعيم !! مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشهد بالجنة لأحد بعمله لا لشهيد ولا لصديق وانما وعدها الله تعالى المؤمنين عموما والشهداء خصوصاً وهم الذين قاتلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع مشاهده مع الكفار . ولكن أعلن تحريمها على قاتل نفسه حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( من تردى من جبل فقتل نفسه ، فهو في نار جهنم يتردى خالداً مخلداً فيها أبدا ! ومن احتسى سماً فقتل نفسه ، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم ، خالداً مخلداً فيها أبدا )) . وفي الحديث القدسي يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ان الله يقول فيمن قتل نفسه : بادرني عبدي بنفسه فقد حرمت عليه الجنة ! . وهي أحاديث صحيحة لو استقصيت مقام بسطها لطال الموضوع ، .. ان طبيعة الارهاب مع طبيعة الثقافة والدعوة الوهابية السلفية متلازمتان ، فأسلحة التكفير والتفسيق والتبديع وهجر المخالف وتأديب العاصي باسم التعزير وتعزير محلات الدخان والاستريوهات ومحلات التصوير الفوتوغرافي وتعزير حالقي اللحى وغير ذلك من لوازم الدعوة السلفية الوهابية لا تختلف عند احتشاد الهمم ، وتنامي الغرور عن الطبيعة الارهابية في تصفية الخصوم في الرأي والمذهب والعقيدة والدين ! وكم يعجبني كلام العلامة الراحل الكبير الشيخ المحدث / محمد زاهد الكوثري وهو يصف هؤلاء في مقدمة كتاب (( تبديد كذب المفتري )) مطلقاً عليهم اسم الحشوية تأسياً باسم السلف في تسميتهم فيقول رحمه الله : (( والحشوية « أي السلفية الوهابية » أسقطها الجهل والجمود .. ترتئي آراء جاهلية ! وراجت عليهم تمويهات المموهين ! .. لهم تقشف يخدعون به العامة ،؟ وجهالات لا يتصورها عاقل ! .. وهم غلاظ الطباع ، قساة جفاة ، يتحيّنون الفرص لإحداث القلاقل ! .. لا يظهر لهم قول الا عند ضعف الاسلام ! .. ويستفحل أمر الإلحاد مع ظهور قولهم ، هكذا في جميع أدوار التاريخ ! .. خصومتهم متوجهة نحو العقل والعلوم النظرية وكل فرقة قائمة !! )) أ.هـ . هذا كلام نوراني من المحدث الكوثري - رحمه الله - وقد توفي سنة 1371هـ فلو أسقطناه على واقع هؤلاء الغلاة ترى كل جملة من جمله لا تغادر منهم أحداً !! فإلى جميع علماء الاسلام ! والى دعاة التنوير الأفاضل ! والى كل فئات الاسلام ومذاهبه ونحله ! راجعوا الأفكار ! ومحصوا المناهج ! وسيروا على طريق المستقبل دون تردد ! فإن المنابت الخصيبة للارهاب وأهله وأفعاله لن تجف دون ارادة اسلامية وانسانية موحدة تجعل من حق البقاء والامن والتنمية للجميع احدى تحديات ولوج المستقبل !! . أما المشي بجانب جدار الإنكار للارهاب التي تسير عليه أكثر السلطات الحاكمة في العالم الاسلامي لن يفيد شيئاً فقد أثبت الارهاب انه لن يرحم أحداً ! .. ولن يترك أحداً ! وان الجميع في قائمة الانتظار للذبح حتى يحكموا بما أنزل الله على تفكير وعقل تنظيم القاعدة المتخلف الارعن !! والله من وراء القصد .
أخبار متعلقة