منبر التراث
حي الخساف حي من أحياء عدن القديمة ، يعرفه الداني القريب والقاصي البعيد وإذا سألت عن تاريخه لا أحد يستطيع أن يجيبك , وإذا ما قلبت مصادر التراث , والروايات التاريخية فإنها تعطيك أخبار قصيرة و متناثرة عن ذلك الحي لا تطفأ ظمأ المتعطش لمعرفة تاريخ أحياء عدن الشعبية القديمة المختلفة والمتنوعة . فالروايات التاريخية تقول أن جبل الخساف المعروف حالياً كان يسمىَ جبل التعكر ، وجبل التعكر هذا هو اسم لجبل التعكر في جبلة بأب . وأن تسمية ذلك الجبل جاءت إلى عدن من خلال الدولة الصليحية أو على وجه الدقة في عهد بني زريع ولاة الصليحيين الذين حكموا عدن قرابة أكثر من خمسين عاماً وذلك تيمناً بجبل التعكر في جبلة .[c1]جبل الخساف[/c]ويعرف مؤرخ عدن عبد الله محيرز ( نقلا ) عن تاج العروس جبل الخساف في كتابه (( العقبة )) ، قائلاً : " جبل من جبال عدن على يسار من يخرج من الباب إلى البر " . ويقصد من يخرج من باب العقبة إلىَ داخل عدن . ويضيف قائلا : " وهذا ينطبق على ما يطلق عليه الآن جبل الخساف". ويذكر المؤرخ عمارة المتوفى سنة ( 569هـ / 1174م ) بأن الداعي سبأ الزريعي قد دفن في سفح التعكر ( الخساف ) من داخل البلد " تمييزا له عن جانبه الآخر المشرف على المعلا ".[c1]ضريح الشيخ العراقي[/c]وتذكر المصادر التاريخية أن أحد الفقهاء الصوفية المشهورين في عدن وهو الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف العراقي توفى سنة ( 861هـ / 1457م ) . ودفن تحت حصن التعكر ( الخساف ) حالياً مما يلي البر . وتذكر الروايات التاريخية بأن ذلك الضريح موجوداً في سفح جبل الخساف ويحمل اسم الشيخ المذكور . وهذا ما يؤكد أن جبل الخساف هو الاسم الحالي لجبل التعكر .[c1]جرام الشوك[/c]وتروي المصادر أن الخساف كان يسمىَ قديماً ( جرام الشوك ) , ويعلق عبد الله محيرز على ذلك الاسم ما نصه : " عرف بها الخساف قبل عهد بامخرمة بقرنين على الأقل " . ويشرح عبد الله محيرز نقلا عن بامخرمة معنى كلمة ( جرام ) , قائلا : " أنها كملة هندية تعني ( القطعة من الأرض ) . وفي نفس السياق كان بامخرمة يطلق على الخساف حاليا ب ( الخصاف ) . وتقول الروايات التاريخية أنه يوجد ضريحاً في ( جرام الشوك ) أي الخساف لأحد الصوفية الفقهاء الصلحاء وأسمه عبد الله بن أبي بكر السعدي وهو " من قرية الطرية من أعمال أبين . أستوطن عدناً , واتخذ مسجداً يتعبد ، ويدرس منه سمي باسمه ... " . ويحدد عبد الله محيرز حدود الخساف قائلا : " والخساف واد فسيح ، يشمل في أقصى حدوده المساحة الواقعة شمال معسكر 20يونيو إلى باب عدن ، وفي أضيقها ما بين الباب وسفح جبل التعكر ( جبل الخساف ) " .[c1]الآبار العذبة[/c]ويذكر المؤرخ محيرز ، بأن الخساف كان يحتوي على الكثير من الآبار العذبة , والأشجار البرية الكثيفة. ويشير إلىَ أن عدد الآبار العذبة بلغت في الخساف في سنة 1843 إلى 27بئراً " أي ربع مجموع ما هو موجود في المدينة ( مدينة عدن) كلها . وأصبح مصدراً رئيسياً وهاماً للماء . وعلقت سلطات الاحتلال آمالاً كبرة لتموين قواتها به . وحوى عدداً من الصهاريج والقنوات المائية شبيهة بما هو موجود في وادي الطويلة " بكريتر .[c1]الخساف والصوفية[/c]ويبدو أن الخساف كانت في العصور الوسطى الإسلامية وعلى وجه التحديد في عهد الدول المركزية اليمنية التي تعاقبت على حكم اليمن ومنها عدن كالدولة الصليحية ، وبني زريع الذين كانوا امتدادا لهم في عدن أي حكاماً لهم فيها . وعندما ضعفت شوكة الصليحيين , وذهب ريحهم استبدوا بحكم عدن ــــ كما قلنا سابقاً ــــ مليئة الصوفية وبنوا فيها زواياهم الخاصة بهم وذلك بعيداً عن ضجيج المدينة الصاخبة بالحياة والحركة التجارية . وهذا ما أكده المؤرخ محيرز بأن منطقة أو حي الخساف كان مليئاً بالزوايا ، والأضرحة . ويذكر محيرز أيضاً معلومات قيمة ومثيرة وهي أن حي الخساف أحتل مكانة هامة " ... عندما صار مقراً للكابتن هينز ، قصر السلطان العبدلي هناك ، والذي مازال موجودا ضمن مجمع وزارة العمل والخدمة المدينة ... "