موقع صحيفة السلام
د.علوي عبدالله طاهر - جامعة عدن :عندما نتحدث عن أدبيات الحركة الوطنية اليمنية فإننا نعني بذلك كل الإنتاج الثقافي والفكري الذي أسهم به المثقفون اليمنيون وغيرهم في مسار الحركة الوطنية اليمنية،سواءً كان شعراً أم نثراً،واستطاعوا به ومن خلاله التأثير في الجماهير اليمنية، عبر الوسائل المختلفة للاتصال، سواءً بالخطابة،أو الوعظ و الإرشاد،أو المقالة،أو القصيدة،أو نحوها،وليس من الممكن الحديث عن ذلك في ورقة متواضعة كهذه،غير أن أبرز ملامح أدبيات الحركة الوطنية اليمنية تمثل في المقالات والخطب والقصائد والبيانات والتصريحات التي كانت تنشرها الصحف لقادة الحركة ورجالات المعارضة،إلى جانب تلك الكتيبات والنشرات والمنشورات التي كان يتم توزيعها أو بيعها بين الحين والأخر،لغرض توعية الناس بما كانت عليه أوضاع اليمن،والبحث عن حلول ومخارج للإصلاح والتغيير.ويجدر بنا أن نتحدث بإيجاز شديد عن الدور التنويري لبعض الصحف التي نشرت أدبيات الحركة الوطنية اليمنية،قبل حركة 17مارس عام 1948م الانقلابية،تمهيداً للحديث عن موقع صحيفة السلام من تلك الأدبيات،وذلك لأن موقع صحيفة السلام سيتحدد من خلال إبراز أدوار الأبيات الأخرى للحركة الوطنية.[c1]أولاً: دور مَجلة الحكمة:[/c]إن أول ما تستوقفنا من تلك الأدبيات هي مجلة الحكمة اليمانية،التي صدرت في صنعاء في ديسمبر 1938م،وهي مجلة علمية جامعة شهرية،كما عرفت به نفسها،وكان رئيس تحريرها أحمد عبد الوهاب الوريث،وتطبع في مطبعة المعارف بصنعاء،وتحوي 32صفحة،وقد برزت على صفحاتها أسماء عدد من رواد الحركة الوطنية اليمنية أمثال المطاع والعزب،والحورش،والبراق والمروني وغيرهم،وقد بذل هؤلاء وغيرهم جهوداً شاقة في تحريرها ونشر الوعي بين الناس في ظل ظروف سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية في غاية التخلف،فقد صدرت بعد هزيمتين للإمام يحيى الأولى هزيمته أمام زحف القوات الانجليزية على بعض أنحاء مملكته،واضطراره للاعتراف بالوجود الانجليزي في الجزء المحتل من اليمن(عدن والمحميات)والهزيمة الأخرى أمام الغزو السعودي واقتطاع عسير ونجران وجيزان،وقد أظهرت الهزيمتان ضعف الإمام يحيى وتناقص هيبته التي ارتكزت على الوهم والشعوذة،فانطلقت الألسنة من عقالها لنقد الوضع القائم،والدعوة لإصلاح الجهاز الحكومي الفاسد،وأحدثت بلبلة في مجلة الحكمة متنفساً للتعبير عن مطالبها في الإصلاح،من خلال المقالات التي تتحدث عن السلف الصالح بهدف الاقتداء بهم،في السلوك والممارسة،كالعدل والشجاعة والاهتمام بالرعايا،وتفقد أحوال الأمة،ومقالات أخرى تحث على الجهاد ومواصلة الكفاح من أجل استعادة الأجزاء المحتلة من اليمن،إلى جانب المقالات التي تدعوا إلى تحسين الأوضاع في الجيش وتطويره،وغيرها م المقالات التي فتحت ذهنية الناس على كثير من الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بحياتهم،فاستطاعت في زمن قصير جداً أن تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في التوعية والتوجيه نحو الإصلاح،ونقد بعض الظواهر الاجتماعية،وساعدت على تكتل بعض المتعلمين والعلماء المتنورين ممن شكلوا نواة الحركة الوطنية اليمنية.[c1]ثانياً:دور صحيفة فتاة الجزيرة:[/c]صدر العدد الأول منها في عدن في الأول من يناير عام1940م وكانت(قناة الجزيرة)قد احتضنت رواد الحركة الوطنية وفتحت لهم صفحاتها لنشر كل ما يتعلق بقضايا الوطن،حيث أنها واكبت حركة الأحرار منذ بداياتها،وكانت تنظر إلى قضيتهم بنوع من العطف،على اعتبار أنهم يناضلون من اجل الخلاص من ظلم محدق بهم،فأفردت صفحة أسبوعية أسمتها(ركن اليمن)كانت تنشر فيها شكاوى المواطنين من رجال حكومة الإمام،كما مكنت قيادات المعارضة من نشر بياناتهم على صفحاتها،وأوصلت صوتهم إلى مملكة الإمام يحيى، وتابعت أبناء تطور أحداث حركة1948م،وتداعياتها بالتفصيل.(طاهر،1985م).وقد اهتمت بنشر العديد من القضايا المتعلقة بأمور مملكة الإمام يحيى،دعماً منها لنشاط حركة المعارضة،مثل القضاة والحكام في اليمن(العدد355،ص7)،رسالة اليمن(العدد371ص7)، تبادل المفوضيات بين مصر واليمن،(العدد384ص1)وغيرها من القضايا.[c1]ثالثاً:دور صحيفة صوت اليمن(عدن)[/c]كانت هذه الصحيفة الصوت المعبر عن حركة المعارضة اليمنية المناوئة للإمام يحيى،وهي تعتبر الصحيفة الأولى التي تصدرها حركة المعارضة،فكانت لسان حال الجمعية اليمنية الكبرى،فقد صدرت بعدن عام 1946م،ورأس تحريرها القاضي محمد محمود الزبيري،وأدارها أحمد محمد نعمان،وهي صحيفة أسبوعية،وتعتبر أول صحيفة حزبية يمنية،إذ وجهت معظم موادها ضد حكم الإمام يحيى وأعوانه ورجال حاشيته،فقد كانت في أول أمرها تركز على تعرية ولي العهد الأمير أحمد وفضح أساليبه،والمطالبة بإزاحته عن ولاية العهد،ثم اتجهت للمناداة بأجراء إصلاحات داخلية في المجالات المختلفة،واعتمدت بدرجة أساسية على المقالات التي تنتقد الأوضاع في مملكة الإمام يحيى،ومناشدة الإمام القيام بإجراء إصلاحات في البلاد،والتخلص من العابثين الفاسدين والمفسدين من رجال حاشيته والمقربين إليه،وتنبهت إلى المظالم التي كانت ترتكب بوسائل شتى،وكانت تنشر باستمرار رسائل الشكاوى التي تصلها من المواطنين،من داخل المناطق الخاضعة لحكم الإمام يحيى.فأصبحت صحيفة(صوت اليمن)مصدر إزعاج وقلق للإمام يحيى،ورجال حكمه،خاصة أنه كان من بين كتاباتها أحد أفراد الأسرة المالكة وهو الأمير إبراهيم فقد كان ينشر فيها رسائل موجهة إلى أبيه،ونداءات موجهة إلى زعماء العرب وقادتهم،وإلى الجامعة العربية،يطالب فيها تدخلهم لاقناع أبيه في إدخال إصلاحات في البلاد،إلى جانب حثه على نشر العدل والتعليم والثقافة وبناء المشاريع العمرانية والنهوض بالبلاد.وظلت(صوت اليمن)من عدن تقارع نظام الإمام يحيى حتى حركة 17مارس 1948م،التي اغتيل فيها الامام يحيى في عملية انتحارية جريئة،نفذها علي ناصر القردعي،وعلى أثر ذلك سارعت الحركة الوطنية بتشكيل حكومة دستورية برئاسة عبدالله الوزير،الذي عين إماماً جديداً خلفاً للإمام يحيى،وأعلنت الحركة عبر صحيفة(صوت اليمن)وغيرها من الصحف،نبأ الانقلاب،ووجهت بياناً إلى الشعب اليمني تطالبه فيه الالتفاف حول حكومة الانقلاب والوقوف إلى جانبها.ونشرت(الميثاق الوطني المقدس) وبيان الانقلاب واسماء الحكومة وكذا برقيات التأييد للحركة الانقلابية فقد تابعت انباء الانقلاب أولاً بأول غير أن ظروفاً داخلية وخارجية تكالبت على حكومة الانقلاب فسقطت وهي لا تزال في مهدها ثم بسقوطها اعتلى العرش ولي العهد الأمير أحمد فقد صار ملكاً على البلاد وأعلن نفسه إماماً خلفاً لأبيه في 3 جمادي الأولى 1347م (1948م) طاهر (1985م).وبدأ الإمام الجديد عهده بسلسلة من المجازر وملاحقة الأحرار وكل عناصر المعارضة راح ضحيتها عشرات من خيرة الشباب اليمني ورجال القبائل وعدد من كبار الضباط ورمى بالمئات من المواطنين في غياهب السجون المظلمة وتشرد الآلاف وهرب منهم من هرب ثم تفرقوا في بقاع شتى من العالم .وبعد أن تمكن الإمام الجديد أحمد من الامساك بزمام الموقف على بركة من الدماء طلب من حكومة عدن منع أي نشاط سياسي معادلة ولحكومته في عدن فاستجابت بريطانيا لطلبه ومنعت رجال المعارضة من البقاء في عدن وحظرت أي نشاط سياسي لهم يمارس في المستعمرة ثم أمرت بإغلاق مكاتبهم وأوقفت إصدار صحيفة (صوت اليمن) وتوقف معها الى حين صوت المعارضة الى أن أتت صحيفة (السلام) لعبدالله علي الحكيمي لتعيد للحركة الوطنية روحها وتبعث فيها الحياة من جديد وهو ما سنتحدث عنه في الصفحات القادمة .[c1]رابعاً : موقع صحيفة السلام في أدبيات الحركة الوطنية اليمنية[/c](السلام) صحيفة أصدرها في (كارديف) في المملكة المتحدة (بر يطانيا) الشيخ عبدالله علي الحكيمي فقد صدر العدد الأول منها في 6 ديسمبر عام 1948م .في ست صفحات, قطع (46×29) وقد ظهرت في أعقاب فشل حركة 1948م التي قتل على أثرها الإمام يحيى حميد الدين حيث صدرت في أحلك الظروف وأشدها قتامة بالنسبة للشعب اليمني إذ جاء صدورها في وقت كانت القلوب قد بلغت الحناجر من جراء النكبة التي اصيبت بها الحركة الوطنية اليمنية فقد كان الإمام أحمد يحصد الصفوة المختارة من أبناء الشعب اليمني من شباب متنورين وعلماء أفاضل وشيوخ قبائل شرفاء ولذلك دب الخوف والفزع في انحاء اليمن بعد المجازر الرهيبة التي قام بها الامام يحيى وبالذات بعد مطاردته رجال الانقلاب واعتقال أكثرهم وهروب الباقين .في تلك الظروف العصيبة ظهرت صحيفة (السلام) في بريطانيا وحملتها الطائرة الى عدن وفيها المقالات القوية الملتهبة المعترضة على ممارسات الامام أحمد القمعية وكأنها تقول له ولأعوانه وهو في عنفوانه وظلمه :قف كفى تقتيلاً وتشريداً كفى ظلماً فالشعب اليمني لم يمت ولن يموت مهما سجنتم العلماء أو قتلتم الأحرار أو شردتم الرجال .لقد استطاعت صحيفة (السلام) القادمة من وراء البحار أن ترفع كلمة الحق وتصرخ في وجه الطاغية أحمد وتتصدى لظلمه فقد جعلت الضمير العالمي يتنبه لمأساة الشعب اليمني ويتعاطف مع نكبته ويتحرك من أجل مؤازرته ونجحت في لفت أنظار العالم لما يجري في اليمن من مجازر وما يقاسيه الشعب من ظلم واستبداد وقهر وتخلف .واستقبل اليمنيون في داخل الوطن وخارجه صحيفة (السلام) بترحيب حار وتهافتوا على شرائها وقرائها باهتمام ثم صاروا يراسلونها ويزودونها بالمقالات التي تشرح الاوضاع في بلادهم وبالرسائل التي يشكون فيها من الظلم والمعاناة ويصفون فيها ما يلاقيه المواطن من جور وظلم وتعسف على أيدي الامام أحمد ورجال حاشيته وأتباعه وأنصاره .وقد ركزت صحيفة (السلام) في كثير من موضوعاتها على قضايا اليمن وهموم الشعب اليمني ومعاناته الى جانب اهتمامها بالقضايا الاجتماعية التي تعني المسلمين عامة ومسلمي بريطانيا خاصة .ويمكننا القول إنها كانت تتسم بسمتين بارزتين هما :السمة الأولى: سيادة الفكر الديني فيها إذ غلب على مقالاتها ومواضيعها المنشورة فيها طابع الفكر الاسلامي من منظور الحركة الصوفية العلوية إذ كان الشيخ الحكيمي نفسه من روادها في الاربعينات والخمسينات وكانت له زاوية خاصة في الشيخ عثمان ومن وحي العقيدة الصوفية العلوية تصدت (السلام) لخصومها ومخالفي عقيدتها في أكثر أعدادها ومن الذين كانوا يحررون فيها لتعميق هذا الاتجاه بعض منتسبي الطريقة الصوفية في اليمن أمثال الشيخ الازهري وغيره ومما كتبه الشيخ الازهري مقالاً بعنوان (الشرع دليل لحدود العقل) قال فيه:“لكون العقل وحده لا يستطيع به الانسان أن يصل الى تحديد ما يجب عليه لمولاه الذي خلقه في أحسن تقويم فهو قليل الغنى لا يكاد يتوصل الى معرفة كليات الاشياء دون جزيئاتها كأن يعمل إجمالاً الحق وقول الصدق واستعمال العدل وإلتزام العفة وقبح أضدادها من غير أن يعلم ذلك في كل شيء تفصيلاً.والشرع يعرف كليات الاشياء وبين ما يجب أن يعتقد وما الذي يجب أن يفعل وما الذي يجب أن يترك تفصيلاً في كل شيء فالعقل لا يعرفنا مثلاً أن لحم الخنزير والدم والخمر والميسر محرمات لمضارها بل هذه الاشياء واشباهها لا سبيل إليها إلاّ الشرع فالشرع نظام الاعمال القويمة والاخلاق الكريمة والدال على مصالح الدنيا والآخرة ومن أنحرف عنه فقد ضل سواء السبيل “ أهـ (العدد 74,24/9/50م).والسمة الثانية: تتمثل في خطها السياسي المتمثل في تصديها لسياسة الامام أحمد القمعية وإلتزامها الواضح في الدفاع عن رجالات الحركة الوطنية اليمنية الذين تعرضوا للسجن أو للقتل أو للملاحقة فقد عزت أساليب السلطة في معاملاتها اللاإنسانية مع مدبري حركة الانقلاب والمتعاونين معهم وفضحت مجمل الملاحقات التي تعرض لها الاحرار اليمنيون عقب فشل حركة 1948م , فأكتسبت بذلك مكانة متقدمة ومتميزة في أدبيات الحركة الوطنية في تلك الفترة فقد لقي صدورها ترحيباً حسناً من حركة المعارضة التي كانت تتعرض حينها للقمع بوحشية ولم تجد وسيلة لإسماع صوتها للعالم لأن صحف عدن جميعها امتنعت عن التجاوب مع المعارضة لعدة أسباب منها تعرضها لضغوطات الادارة البريطانية التي منعت أصوات المعارضة من الظهور بعد فشل حركة 1948م الى جانب محاولة بعضها التعاطي بإيجابية مع الوضع الجديد حفاظاً على مصالحها وفي الوقت نفسه لخوفها من أن تنسب إليها تهمة المشاركة في مقتل الامام يحيى أو التعاطف مع المتهمين بتدبير الانقلاب ولهذا فإن حركة المعارضة كانت في أمس الحاجة الى صحيفة تسمع بها صوتها للآخرين وتعبر من خلالها عن وجهات نظرها وقد وجدت في صحيفة (السلام) بغيبتها خاصة في مدينة عدن حيث لعبت فيها الصحيفة دوراً فعالاً في إلغاء عزلة المعارضة وإزالة الارتباك الواقع في صفوفها من جراء النكبة التي حلت بها بعد فشل الانقلاب .وربما لهذا السبب سمى الحكيمي صحيفته (السلام) فهو يريد أن يشيع نوعاً من الطمأنينة للحكام الذين توجسوا خيفة من المعارضة واستشعاراً بخطرها فبالغوا في ملاحقة رجالاتها والتنكيل بقادتها وفي الوقت ذاته أن يرفع من معنوياتها المعارضة المنكوبة . ولذلك نراه يقول في افتتاحية العدد الاول :”نحن نقدم السلام الى كل العرب وجميع المسلمين وقد أصدرنا هذه الصحيفة التي تعمل من أجل السلام وتضع نفسها في خدمة الأمة” . ذلك أن الحكيمي كان قد أدرك بحسه المرهف أن بقاء المعارضة بدون صوت سوف يضاعف من معاناة النكبة التي حلت بها خاصة بعد ما رأى أن كثيراً من الاقطار العربية رفضت لجؤ قادة المعارضة اليمنية إليها لخوفهم من انتقال عدوى الثورة الى اقطارهم فلولا وجود ذلك الخوف لدى الحكام العرب والمسلمين ما كانت ثورة الاحرار قد انتكست بل لكانت قد حظيت بدعم عربي واسلامي لما تحمل من مبادئ سامية , ذلك أن خوفهم من تأثيرات أهداف وبرامج حركة 1948م في حالة نجاحها على شعوبهم جعلهم يترددون في دعمها ويمتنعون عن إيواء الفارين من بطش الامام أحمد بعد فشلها حتى الصحف العربية وقتها تعمدت تجاهل ما يجري في اليمن من بطش وسفك دماء فكانت صحيفة (السلام) في تلك الفترة الحرجة هي الصوت الناطق باسم المغلوبين على أمرهم الذين يتعرضون للاضطهاد والقهر من قبل الامام واعوانه إذ تعتبر تلك الفترة بالنسبة للحركة الوطنية من أصعب الفترات التي واجهتها فقد كان سيف الطغيان الامامي وقتها يحصد رؤوس الصفوة المتنورة من زعماء اليمن وعلمائها وطلائع شبابها ولذلك كان لصدور صحيفة (السلام) وقعاً حسناً لدى اليمنيين في الداخل والخارج لأن قوة البطش جعلت الامام يتصور أنه قد نجح في إسكات أي صوت معارض فلم تبق في الساحة إلاّ الاصوات التي تبارك خطواته وتبرز جرائمه فإذا بصحيفة (السلام) تأتي لتعبر عن أماني الشعب وآماله في الحرية والخلاص من الاضطهاد والظلم فتقول في وجه الامامة:“إن الأمة اليمانية قد عيل صبرها ولم يبق لها متسع لتحمل أكثر من هذا الظلم الفادح الصريح والاحرار اليمنيون ينظرون الى هذا الشعب المهيض يذهب منه كل يوم قطعة بعد أخرى من أيدي سكانه واهله الاصليين وهو سائر لا محالة قطعة بعد أخرى الى أن يؤتى على آخر قطعة منه إذا دام هذا النظام قائماً في اليمن , وإذا استمر هذا الاجهاز على أمة قد عيل صبرها وحملت ما لم تحمله أي أمة من الأمم ولا شعب من شعوب العالم ولا في تاريخ العصور المظلمة “(دعوة الاحرار ص175).ولست مجافياً الحقيقة إن قلت أن صحيفة (السلام) كان لها وقع كبير ومؤثر لدى أوساط الشعب اليمني عموماً ورجال الحركة الوطنية خصوصاً لأنها أعادت الامل الى النفوس المأزومة وبعثت روح التفاؤل لدى الاحرار المهزومين واشعرت الناس في داخل اليمن وخارجها بأن القضية الوطنية التي يناضلون من أجلها قضية عادلة لا بد من الاستمرار في التعاطي معها مهما كانت الصعوبات والمعوقات فالنصر آت بإذن الله تعالى .لقد كان صدور صحيفة (السلام) في تلك الفترة الحرجة بمثابة نقطة تحول في مسار الحركة الوطنية اليمنية فأعطتها دفعة قوية لتبدأ مسيرتها من جديد رغم النكبة التي حلت بها إذ لم تمض سوى بضعة أيام من صدور صحيفة (السلام) فإذا بالحركة الوطنية تعاود نشاطها الاعلامي من جديد بإصدار صحيفة أخرى هي (الفضول) التي صدرت بعدن في 15 ديسمبر 1948م وكان رئيس تحريرها عبدالله عبدالوهاب نعمان وقد نهجت نهج (السلام) في التصدي لطغيان الامامة وابطال مفعول الاشاعات التي كان يبثها عملاء الامام في عدن للنيل من سمعة ومكانة رموز الحركة الوطنية ذلك أن الامام واعوانه كانوا قد جندوا عملاءهم لإثارة حرب نفسية عن طريق الاشاعات والاخبار الكاذبة والحكايات المغرضة والكتابات في الصحف ضد الوطنين الى جانب رسائل التهديد والوعيد المباشرة وغير المباشرة الموجهة لمن تبقى من قيادة الحركة الوطنية لكي يتم القضاء عليها نهائياً غير أن صدور (الفضول) الى جانب (السلام) عزز من مكانة الوطنين ورفع معنوياتهم فتحولوا بصورة سريعة من موقف الدفاع الى موقف الهجوم من جديد ومن حالة اليأس والاستسلام الى حالة الثبات والصمود والتحدي فقد أخذت (الفضول) تسخر في مقالاتها من الوضع القائم على القهر والاستبداد إما بالتصريح أو بالتلميح من خلال عناوينها المثيرة فكانت هي و (السلام) مصدر إزعاج حقيقي لسلطة الامام أحمد في تلك الفترة الحرجة وبالذات فترة المطاردة والملاحقة لرجال الحركة الوطنية ثم عادت صحيفة (صوت اليمن) فيما بعد لتواصل المسيرة بعد إعادة اصدارها من القاهرة.[c1]المصادر والمراجع:1- إعداد متفرقة من صحيفة السلام .2- دعوة الاحرار للشيخ عبدالله علي الحكيمي , إصدار وزارة الاعلام والثقافة (صنعاء) 1981م.3- الصحافة اليمنية قبل ثورة 1962م. لعلوي عبدالله طاهر إصدار مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية (الكويت،1985م).4- الصحافة اليمنية نشأتها وتطورها لمحمد عبدالملك المتوكل مطابع الطوبجي التجارية القاهرة ,1983م.5- اليمن ووسائله الاعلامية , لعبدالله يحيى الزين الشركة الوطنية للنشر والتوزيع (بدون) 1985م.