نبيل حاجي نائففجأة أصبحت كلمة الغلاء «وبالذات غلاء المواد الغذائية» تتردد على كل شفة ولسان في طول العالم وعرضه. فماذا حدث؟ حتى وقت قصير كانت منظمة الأغذية والزراعة العالمية تقول إن الإنتاج العالمي من المواد الغذائية يزيد بنسبة عشرة في المئة على الأقل عن نسبة الاستهلاك. وبموجب معادلات الاقتصاد الحر، فإن الأسعار تنخفض عندما يكون الإنتاج - أو العرض- أكثر من الاستهلاك أو الطلب.أما اليوم فإن الوضع انقلب رأساً على عقب. فالطلب على المواد الغذائية تجاوز الإنتاج - أو هكذا تبدو الصورة- الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسب لم يسبق لها مثيل من قبل، حتى أن فقراء العالم أصبحوا ينفقون 80 في المئة من دخلهم على المواد الغذائية. إن ارتفاع الأسعار بشكل غير طبيعي يمكن يحدث كل فترة من الزمن، فتحدث قفزات واسعة فى أسعار المواد والسلع، نتيجة أوضاع اقتصادية أو طبيعية أو سياسية هامة وأساسية، مثل الحروب أو عوامل مناخية سيئة، أو غلاء مادة أساسية وهامة جداً، مثل البترول، كما هو حادث الآن.والذي جعل الوضع الآن على هذه الصورة، وجود فروق في الموارد والقدرات الاقتصادية والحضارية والإدارية والمعرفية بين الدول، ووجود دول صغيرة ضعيفة ومحدودة الإمكانات والموارد، ودول فاشلة في سياساتها وأنظمتها، أو تابعة لغيرها من الدول القوية. لا تستطيع التعامل مع هذا الوضع دون مساعدة الدول الغنية والقوية، وبالتالي يتعرض أفراد هذه الدول لأوضاع معيشية سيئة نتيجة غلاء المواد الغذائية نسبة لدخلهم المتواضع.أن استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يسبب كارثة جوع وسوء تغذية غير مسبوقة مع كل ما قد تؤدى هذه الكارثة أليه من اضطرابات مجتمعية. يذكر أن ثلثي الفقراء في العالم يعيشون في القارة الآسيوية، حيث لا يتقاضى 1,7 مليارا من الآسيويين أكثر من دولارين في اليوم.عوامل أسباب الجوعهذا ويقدر برنامج الغذاء العالمي أن عدد الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم الآن يتجاوز المئة مليون.وهناك من يقول إن التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع الدولي على المدى الطويل يتمثل بكيفية تحقيق التوازن ما بين تحقيق التنمية المستدامة والتصدي للتغيير المناخي والحفاظ على إنتاج ما يكفى من مواد غذائية.كان جان زيغلر، المقرر الأممي السابق حول الحق في الغذاء، أول من قرع جرس الإنذار العام الماضي باحتمال حدوث أزمة غذائية في عالم لا ينتج ما يكفى لتغذية ضعف سكانه، بسبب عدم التكافؤ في التوزيع، ونتيجة للجوء الكبير إلى استخدام منتوج الذرة وقصب السكر والصويا في إنتاج الوقود البيولوجي.ومن أهم عوامل وأسباب الجوع إذا كانت المجاعات التي عرفها العالم خلال فترات محددة تتمثل في نقص في الغذاء، إما بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية، فإن خصوصية الأزمة التي تعانى منها بعض البلدان اليوم تتمثل في توفر الغذاء بكثرة ولكن بأسعار لا يقدر على دفعها عدد كبير من الناس. وهذا ما دفع الناطقة باسم برنامج الغذاء العالمي في جنيف كريستيان بيرتيوم إلى القول «إن المجاعة اليوم اتخذت وجها آخر».ويوما بعد يوم، تثير الأزمة الناجمة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي قادت إلى اندلاع انتفاضات الجوع في العديد من الدول قلق المنظمات الأممية التي بدأت تستعد تحسبا لتفاقم الأوضاع عندما كان الإنسان صياداً وباحثا عن الثمار، كان يجوع عند قلّة الطرائد أو عندما يفشل في صيدها وعندما تقل وتندر الثمار، وكان يجوع أيضاً عندما يسلبه «أو ينافسه « الآخرون في صيده وغذاءهوعندما أصبح مزارعاً، كان يجوع عندما تكون المواسم سيئة لسبب من الأسباب، وأيضاً عندما يسلبه الآخرون غذاؤه أو أرضه، أو عندما كانت الظروف الطبيعية والكوارث تحرمه من غذائه أو تجعله شحيحاً.وفى الحالتين كانت التأثيرات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، محدودة وبسيطة. وكان تأثير تزايد السكان بدرجة تفوق توفر الموارد الغذائية أحد الأسباب..
الأوضاع الاقتصادية وغلاء المواد الغذائية
أخبار متعلقة