حسام الدين محمد :مات محمود درويش.اغمض عينيه الجميلتين ومشى في غمامته البيضاء.مات عاشق الحياة الكبير لأنه لم يرد ان يجلس منتظرا الموت.أعرف ان الزمان لا يحالفني مرتين قال ذات قصيدة. لكن الزمان حالفه مرتين فأراد ان يلعب النرد معه للمرة الثالثة فغلبه.هل يموت الشاعر؟ مرّرت هذا السؤال اليه بعد عمليته الاول وكنا مجتمعين في استديو الام بي سي بلندن فحدّثنا عن لون الموت الابيض والغمامة التي دخل فيها وغفى.كتب درويش عن ميتات اصدقائه كما لم يكتب احد وسألهم ان لا يموتوا وان ينتظروا سنة واحدة فقط: سنة اخرى فقط تكفي لكي اعشق عشرين امرأة وثلاثين مدينة.شهداء فلسطين الكبار كانوا احبابه وكتب اجمل قصائده فيهم من راشد حسين ال ماجد ابو شرار وعز الدين القلق ومعين بسيسو... وصولا للشهداء المجهولين. كانت القصائد ايقافا للموت وحراسة للحياة والا كيف نفهم قصيدته في الشاعر العراقي سعدي يوسف (أطال الله عمره): أعد لأرثيك عشرين عاما من الشعرب غير كونها تعويذة من شاعر لصديق له ضد الموت؟ الموت ضرب من الغدر قال مرة في رثاء له لحمادي الصيد وكونه لاعب الموت وتهرب منه مرتين فقد قال عنه: أما الموت فلا شيء يهينه كالغدر: اختصاصه المجرّب.هل طلب محمود اسنة اخر فقط في حجرة العمليات التي أقلّته ال موعده كما قال في كتابه في حضرة الغيابب: افلأذهب الى موعدي فور عثوري عل قبر لا ينازعني عليه احد من اسلافي.هل رأى ما أراد من البحرب في اهبوب النوارس عند الغروبب؟ مات كاتب الملحمة الفلسطينية الاكبر التي رافقته منذ تهجيره من قريته في شمال فلسطين وعودته اليها ثم اوديسته الطويلة بين البلدان والعواصم.مات اكثر الشعراء العرب اصالة ولا اعرف ان كان النقاد لاحظوا خط الديمومة في الشعر العربي من امرئ القيس مرورا بالمتنبي ووصولا اليه.مات شاعر الحداثة الكبير الذي كانت الحداثة بالنسبة اليه علاقة باللغة والارض والواقع والعالم ولم تكن بحثا عدميا عن اللامعنى والانقطاع في الصيرورة الأصيلة للمكان والزمان والناس: اان نكون عبثيين او لاعبين او ساخرين لا ان نرد عل اللامعن بلامعنى قال مرة في حوار معه.لعل اهم مزايا محمود درويش في اعتقادي انه استطاع ابتداع المعادلة الاعجازية لشعر عميق وعظيم ومليء بالفذاذة الفلسفية والسخرية السوداء والنحت الرائع على اللغة في الوقت الذي كان قادرا دائما على الوصول للجمهور العام للشعر. كانت امسيات محمود درويش الشعرية مناسبات عامة ترسل كما لو كانت طاقة كهربائية عالية مسّا روحيا عاليا لم تكن لتجده الا عند الشعراء ذوي القامات الكبرى في التاريخ.ولأنه شاعر كبير وذو رؤيا فقد شاهد موته في قصيدته لاعب النرد التي نشرها في االقدس العربي قبل أسبوع فقال: مَنْ أَنا لأخيِّب ظنَّ العدم ؟ مَنْ أنا ؟ مَنْ أنا ؟ لم يخيّب الشاعر فم الفناء الفاغر لكن جسده اخلى المكان لشعره الذي سيفتح الآن صفحة حياته الخاصة التي لا يمكن للعدم ان يطالها.القدس العربي كانت عل علاقة شديدة الخصوصية بالشاعر الراحل الذي اهداها الكثير من اجمل قصائده. [c1]* عن صحيفة ـ القدس العربي [/c]
أخبار متعلقة