نجوى عبدالقار :كتاب « كليلة ودمنة » يعد من معالم الأدب العربي والأدب العالمي في وقت واحد.. وقد ارتبط هذا الكتاب باسم رائد عظيم من رواد النثر العربي هو “ عبدالله بن المقفع”.وقد انشغل الأدباء والنقاد بقضية ملحة طال الجدل حولها دهراً تدور حول نسبة الكتاب إلى الأديب العربي أو الجزم بترجمته عن اللغة السنسكريتية عبر اللغة البهلوية.كانت الرحلة مضنية لهذا الكتاب, وهي الرحلة التي تدل بذاتها على طبيعة الثقافة الشعبية وتواصلها ومرونتها على الرغم من طول التاريخ, واتساع المساحة المكانية واختلاف الأرومة بين الجماعات الإنسانية مع تبلبل لغاتها وحوافز الصراع بينها. وكانت العقبة التي يواجهها المتتبع لهذه الرحلة الشاقة والفذة هي انقطاع التسلسل بين الوثيقة العربية وهي حكايات كليلة ودمنة وبين أصولها, حتى اكتشفت وثيقة هندية, دلت بنفسها على أنها الحلقة المفقودة والمنشودة وهذه الوثيقة الهندية هي مجموعة الحكايات المعروفة باسم “ بنجاتنترا “ أو خزائن الحكمة الخمسة أو «الأسفار الخمسة »ولقد قام أستاذ الأدب العربي في جامعة القاهرة بإعداد وترجمة هذه الأسفار الخمسة عن النسخة الموثقة التي نقلها إلى الإنجليزية«فرانكلين أدجرتون » أستاذ الأدب السنسكريتي وفقه اللغة المقارن بجامعة بيل.وكما حظي كتاب كليلة ودمنة بالشهرة والانتشار فقد كان لكتاب الأسفار الخمسة الشأن العظيم في الآداب العالمية وهو من الآثار الهندية حيث ترجم إلى أكثر من خمسين لغة وبلغ هذا الأثر الأدبي جميع الأقطار الأوروبية وعرفته جميع اللغات بما فيها اليونانية واللاتينية والأسبانية والإيطالية والألمانية والإنجليزية وكذلك اللغات السلافية وعرف منذ ذلك الوقت في مشارق الأرض ومغاربها.كذلك احتل كتاب «بنجاتنترا» مكانة سامية في الهند موطنه الأصلي, ولم يكن هناك أثر أدبي يدانيه في الذيوع, فكان من الطبيعي أن يتسم بالمرونة وأن يساير أذواق الناس والشعوب وأن يلخص ويشرح, كما وجد من صاغه نظماً ونثراً فنياً ومن ينقله إلى اللغات واللهجات الشعبية والمحلية. وأكثر هذه الحكايات التي تضمنها الكتاب قد تحولت إلى مأثور شعبي, وأصبحت مادة أصلية من مواد الفلكلور الهندي.. وجمعها الدارسون بمنهج العمل الميداني في هذا العصر من أفواه الناس كأمثال سائره فظهرت وكأنها منفصلة عن أصلها في المجموعات القصصية المدونة التي سيقت على ألسنة البهائم والطير والحيوانات المختلفة.لقد كانت الغاية من تأليف البنجاتنترا أو الأسفار الخمسة غاية تعليمية كما كان يستهدف غاية عملية واعتبر من كتب المبادئ والأصول الخاصة بالحكمة الدنيوية أو فن تدبير الملك.وكما كان للكتاب هدف تعليمي عملي فإن ذلك يتجلى واضحاً من خلال نقل هذا الكتاب بين حين وآخر عبارات من كتاب مشهور باللغة السنسكريتية هو كتاب «كوطليه أرثاشاستره » الخاص بفن تدبير الملك.ويرجح العلماء المتخصصون أن البنجاتنترا في أصلها السنسكريتي كانت موجودة في القرن الخامس الميلادي, ذلك لأنها ترجمت إلى البهلوية بتحريف يسير في القرن السادس الميلادي, والبهلوية هي لغة فارسية قديمة كما يرجح علماء اللغة أن طبيباً فارسياً اسمه “ برزويه “ نقل البنجاتنترا عن النص السنسكريتي مباشرة, ومما يدل على ذلك أن ابن المقفع أورد في كتابه كليلة ودمنة اسم برزويه.وهناك ترجمة سريانية نقلت عن البهلوية عام 570م وهي أقرب إلى النص البهلوي وعني بها بعض الدارسين الأوربيين المحدثين وحققوها وترجموها إلى اللغة الألمانية..ثم جاء دور ابن المقفع الذي ترجمها إلى اللغة العربية عام 750م أي في القرن الثاني الهجري.. وقد استعار للكتاب اسم كليلة ودمنة من اسمي اثنتين من «بنات آوى» الذئاب أو الثعالب.وكان قد ورد اسمهما في الأصل السنسكريتي باسمي « كرطاكة ودمنكة »..وبهذه الترجمة الأخيرة كان ابن المقفع قد أخمل ما عداها من الترجمات.لم يستطع أحد من الباحثين في الأدب العربي أن يغفل كتاب كليلة ودمنة الذي اقترن باسم عبدالله بن المقفع.. ذلك الكتاب الذي اتسم بفضيلتين :الأولى أنه من أوائل النصوص النثرية المطولة في تاريخ الأدب العربي. والثانية أنه جنس أدبي يكاد يكون منفرداً في عصره.وهو جنس يختلف عن المألوف وقتذاك من الخطب والوصايا والرسائل. ومع التسليم بوجود الفن القصصي في الآداب العربية, فإن الأمثال التي ترتكز على ما ورد من حكايات الحيوان لم تجمع في صعيد واحد كما هو الحال في كتاب كليلة ودمنة.. ومن أجل ذلك حظي الكتاب بشهرة واسعة في العالم العربي وعن هذا الكتاب عرف الأوروبيون الجنس الأدبي الذي يستهدف التهذيب والتعليم وصقل الموهبة الأدبية.
|
ثقافة
« البنجاتنترا هي الأصل » لكتاب كليلة ودمنة
أخبار متعلقة