إعداد / داليا الصادق :فنان يستحق التقدير لأنه نجح في أن يوضح من خلال الفن بالذات أن الحياة “اليومية يجب أن تحكمها المعايير الاخلاقية “.فهو فنان أصيل استطاع أن يدبج كتاباته في أسلوب رصين يعتبر نموذجاً من الكتابات الادبية البليغة .اهتم جون رسكين بالفن فكتب عنه الكثير فكان ناقداً ممتازاً وإن كان قد تحول في أخريات أيامه الى الكتابات الاجتماعية وانشغل بالاصلاح الاجتماعي ولكنه مع هذا كان معروفاً في تاريخ الفن بكتاباته العميقة .ولم يكن جون رسكين شاعراًَ بل كان مبشراً للفن والواعظ أو المبشر يحتاج الى اللغة السليمةالبلغة الرصينة ليصل بها الى قلوب الجماهير ومن أقواله المشهورة عن الفن :” إن الفن ليس مجرد تزجية لأوقات الفراغ ولا يمكننا دراسته إذا ما شغلنا عنه بشيء آخر وعلينا أن نأخذ دراسة الفن مأخذ الجد والأوجب علينا أن نتخلى عنه فأنت لا يمكنك أن تغنى أو ترسم لتغدو شخصاً مهماً ولكن بالعكس يجب أن تكون شخصاً له أهميته حتى تصبح فناناً يغني أو يرسم وحينئذ ستقدم الألحان والألوان بإستكمال شخصيتك المرموقة فلن ينبثق أسلوب فني نبيل إلاّ من قلب مخلص حقاً”.إلاً أن حياته مع ذلك لم تكن متوازنة فعانى من الاضطرابات النفسية الكثير فقد كانت أمه شديدة التعلق به والتأثير عليه فحاولت أن تجعل من حياته جنة ولكنها مع ذلك حرمت عليه جني ثمارها فخلقت له المتاعب والعذاب .بينما كان والده الثري تاجر الخمور الناجح أكثر من والدته رحابة في تفكيره وطريقة تربيته وكان الوالد محباً للرسم يقتني اللوحات ويجوب انحاء البلاد لزيارة متاحف الفن وكان يصحب ولده الصغير معه في هذه الجولات ما غرس بذور الاهتمام بالفن في قلب الصبي الصغير .وكان يقرأ مع والده روايات القرن الثامن عشر.وكان والده يشجعه لأن يعبر عن أفكاره أما كتابة أو رسماً , وكون بذلك ثقافاته الاولى .ولما كان في الرابعة عشرة من عمره قامت العائلة بجولة واسعة في بعض مدن أوروبا وخاصة في فرنسا وسويسرا أو جبال الألبا حيث استهواه الجمال الذي كان ينشده ويعشقه في أعلى قمم الجبال .. وكان يستهويه هذا الجمال الطبيعي طوال حياته سواء في قمة الجبل أو الوادي المنبسط وكان يصف ذلك في كتاباته بأساليبه الفنية الرائعة .وفي عام 1836م ألتحق بجامعة أكسفورد حيث كانت علاقاته بزملائه والناس محدودة فقد كانت والدته ذات التأثير القوي تمنعه من الاختلاط بالكثيرين .ولكنه كان دائماً مشغولاً بزيارة المعارض الفنية وبدأ بعدها في كتابة أول جزء من كتابه المشهور “الرسامون المعاصرون” وحلل اعمالهم وبخاصة ما يتعلق بالمناظر الطبيعية في لغة تكاد تكون رسماً فنياً بدروها . وظهر كتابه هذا عام 1843م وكان قد بلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً ولاقى الكتاب نجاحاً كبيراً .وفي أبريل عام 1845م قام بمفرده برحلة الى شمال ايطاليا ارتوى فيها من مجالات الجمال واستمتع بتماثيلها الرائعة ورسم هناك بعض الاسكتشات التي تعتبر من أهم رسوماته وانطبعت هذه المناظر الأخاذة في مخيلته دائماً وشعر بالسعادة لأول مرة في حياته .وبعد أن استكمل الجزء الثاني من كتابه الذي ظهر عام 1846 بدأ يفكر في الزواج . وتشجيع من والديه تقدم لخطبة “ايفى جراي” ابنة اصدقاء العائلة وتزوجها في ابريل 1848م وكانت حينئذ في العشرين من عمرها بينما كان في التاسعة والعشرين .وفي ابريل سنة 1854 غادرت ايفى منزل الزوجية وذهبت لتقيم مع والديها وفي يوليو عام 1854 حصلت على حكم ببطلان زواجها بحجة عجز زوجها وتزوجت من أحد زعماء الحركة الجديدة في الفن وهو “ ميليه” أو “ جون أفيريت ميليه” في العام التالي .وقد كان لهذا الحادث أثره السيء العميق في حياة “ جون رسكين” ومع ذلك نجده في عام 1860 وقع في حب فتاة أرلندية صغيرة اسمها “ روز لاتوش “ وتقدم يطلب يدها وهي في السابعة عشرة ولكنها طلبت منه أن ينتظر ردها حين تصل الى سن الواحدة والعشرين .. وربما لو كتب لهما هذا الزواج لأمكنهما أن يمنعا الانهيار العقلي الذي اصابهما معاً وأظلم حياتهما .لقد أصيبت “روز” بمس من الجنون وماتت عام 1875 .. وقد كان هذا بمثابة صدمة أخرى في حياة “ جون” اجهدت اعصابه .سافر الى جنيف ولم يعد إلاّ بمناسبة وفاة والده الذي ترك له ثروة ضخمة ومجموعة كبيرة من اللوحات الفنية ولكنه كان قد فقد الصفاء الذهني والقوة البدنية فأنقطع عن الكتابة في الفن ووهب ثروته التي ورثها عن والده لأوجه الاصلاح الاجتماعي والتعليمي وبدأ يعاني نوبة عقلية حادة ظلت تفاجئه مرة بعد أخرى في السنوات التالية ولكنه مع ذلك وفي خلال هذه السنوات القاسية تمكن من أن يكتب أجمل كتبه وهو سيرته الشخصية التي أسماها “praeterita” حيث اعتمد في كتابتها على يومياته التي كان يسجلها دائماً .. ومن يقرأ كتاب رسكين عن حياته يتأكد فعلاً أنه ليس مجرد رجل أدب وفن فحسب بل هو رجل اخلاق فلقد تأثر به “ تولستوي “ كما تأثر به “ غاندي” الذي قال عنه أنه كان سبباً من أسباب تغير حياته .وفي يناير عام 1900 مات “ جون رسكين” بعد أن فقد الراحة النفسية التي كان ينشدها طوال حياته بعد أن فشل في حبه وزواجه البائس .
|
ثقافة
جون رسكين
أخبار متعلقة