د. عبده يحيى الدباني :(عدن في عيون الشعراء ) كتاب صدر عن دار جامعة عدن في 2005م بإشراف وتحرير الدكتور/ أحمد علي الهمداني ، وكان الكتاب قد أعد وصدر بناء على قرار محافظ عدن السابق الدكتور/ يحيى محمد الشعيبي إذ شكل لجنة لهذا الغرض. ينقسم الكتاب إلى قسمين : الأول خاص ببعض القضايا الأدبية والنقدية المرتبطة بعدن ودورها الأدبي، والثاني خاص بالشعر الذي كان موضوعه مدينة(عدن) أو جرى فيه ذكر (عدن)، ونحن هنا لسنا بصدد قراءة نقدية تحليلية للكتاب بقدر ما نحاول الوقوف وقفة سريعة تعريفية انطباعية أمام قصائد قصيرة قيلت في عدن سمى (عدنيات) لا تزيد أبياتها على العشرة فضلاً عن اتفاقها في الوزن والقافية والروي ونأمل أن تكون لنا وقفات أخرمع سائر الشعر الذي قيل عن عدن قديماً وحديثاً. هذه العدنيات الهائية لم تأت صدفة من خلال تجارب منفردة مستقلة ولكن استدعت منها القصيدة أختها وأثار الشاعر الآخر من باب المطارحات أو المساجلات الشعرية في إطار الموضوع الواحد والوزن الواحد، وعي لا تخلو من احتفائية واحتفالية وغنائية ولكنها مع ذلك كله جسدت فنياً جوانب أصيلة من حياة عدن المدينة ولامست العمق مثلماً لامست الظاهر ، فضلاً عن التنوع الفني الذي تمتعت به على من الوزن الواحد الذي جاءت خلاله.
ذ. / احمد الهمداني
فكما قيل عن الشعر أنه التاريخ الفني للعالم فبإمكاننا أن نقول إنه كذلك الجغرافيا الفنية للعالم والاجتماع الفني للعالم وليس بعيداً عن هذا قول إحدى الناقدات في الغرب الذي مفاده أن (الشعر غناء فلسفي) . هذه اللوحات العدنية صورت تفرد عدن وتميزها عن سائر المدن وجسدت جمالها ومحاسن أهلها ووصفت بحرها وسواحلها وأبرزت أثرها في من حل فيها ووفاءها وتعلق محبيها بها. فهذا الشاعر عبد الصاحب مهدي على وأظنه من الأشقاء العرب نجده بصف أهل عدن على هذا النحو: والطيبون المفعمون بشاشــة [c1] *** [/c] من أهل عدن شيخها وفتاها الزارعون الحب في حدقاتهــم [c1] *** [/c] فتـرى صفاء الود حين تراهاالباسطون كما السواحل أذرعاً [c1] *** [/c] عند اللقــاء فيا لطيب لقاهـا أما الشاعر المرحوم بإذن الله تعالى – سالم محمد عبدالعزيز فقد طرق حقيقة عدنية مفادها الأثر الذي تتركه عدن في نفس من زارها أو عاش فيها زمناً حيث يقول :من رامها أضحى أسير دروبها [c1] *** [/c] أنى توجــه لا يــــــرى إلاهاإما تغيبــهــا الأحبــة غفـلـــة [c1] *** [/c] عـادوا سراعاً يلثمون ثراهـا لو زارهــا مــراً حبيــب عابــر [c1] *** [/c] حط الرحال بها وعاف سواهاأما الشاعر الجميل الشاب كريم سالم الحنكي ابن عدن فقد صور فيما صور وفاء عدن مع محبيها ومع من فارقها ورحل عنها فلا تبرح تتذكره عبر الأيام والسنين إذ يقول : يا عاشقاً عدن الحفية إن تكن [c1] *** [/c] شطت بك الأيام عن دنياها وثنت عنانك دون قلبك أربـع [c1] *** [/c] أخرى سوى قاعاتها وسواها فلأنت منها وسط حبة قلبهـا [c1] *** [/c] كالحـب تملأ صبحا ومساها
ذ./ مبارك الخليفه
وهذا عبدالله فاضل فارع شاعر عدن ورائد شعرها الرومانسي خلال الخمسينات من القرن العشرين يرسم في لوحته خصوصية عدن وتفردها حيث يقول: فخـر الزمــان بخلقهــا وتبـاهـا [c1] *** [/c] لما تبــدت في الخيــال رؤاهـا وإذا الخيال حقيقـة قد أزلفــت [c1] *** [/c] عدن غدت عدناً وليس سواهافاختالت الأرض البسيطة عزة [c1] *** [/c] وسمت تباري في السمو سماها عدن العلى والمجد حل مكانها [c1] *** [/c] فوق المواطـن كلهـا وتناهـى إلى أن يقول بهذه الروح العدنية المعتدة بنفسها : من بعدها كل المدائن والقرى [c1] *** [/c] مثل الإماء يسرن خلف خطاها مضت السنون وما أتين بمثلها [c1] *** [/c] ولقد أتت فعجـزن عن مثـلاها أما الشاعر الدكتور/ أحمد علي الهمداني ، شاعر عدن وناقدها الأدبي المسكون بهاجس البحث في كل ما يخص هذه المدينة من أدب وتراث شعبي وتاريخ وصحافة وإعلام فقد تغنى بعدن بعواطفه الشجية إذ ارتبطت حياته بحياتها ها هو يقول : قضيت أحلام الصبا في مهدهـا [c1] *** [/c] فتلقفتنــي سوحهـا ورباهــا ونحت من قمم الجبال قصائدي [c1] *** [/c] طهراً تعيد الحب في مثواها صلـيت فـي محـرابـهـا متعـبــداً [c1] *** [/c] لا أشتهي طول المـدى إلاها استلهم العشق الجميل عـلى الجـوى [c1] *** [/c] وأعيد في سمع الوجـود صداهاويأتي دور بلبل النيل المهاجر الجميل صاحب ديوان (الرحيل النبيل) الشاعر الدكتور/ مبارك حسن الخليفة السوداني اليمني (السوماني) الذي أجده يردد بين الحين والحين بيت المتنبي الشهير: مالي أكتم حباً قد برى جسدي [c1] *** [/c] وتدعي حب سيف الدولة الأممفعرفت منه أنه يقصد بهذا الترديد حبه عدن وعلاقته بها، ها هو يفيض حباً على المدينة التي بادلته حباً بحب ووفاء بوفاء مؤاخياً وبينها وبين مدينة (الخرطوم) وكأنهما توأم خرجاً من قلبه الخصب الكبير: وشوشت للخرطوم ذوب مشاعري [c1] *** [/c] فانساب في الخرطوم بوح شذاهاوحكيت للنيل الحبيب صبابتــي [c1] *** [/c] فسمعـت في الشطين لحن شداها النيــل عـودنــا وبــارك حبـــنــا [c1] *** [/c] ودعـا فــؤادي للهــوى ودعـاهـا وللمرأة الشاعرة حضور في هذه العدنيات حيث تبرز الدكتور/ الشاعرة اعتدال عمر محسن الكثيري بعدنيتها الحميمة المتماسكة وكأنها بيت واحد حيث تشف عن شاعرية فذة وصنعةلـ جميلة ، لقد رصدت عدنيتها طهر المدينة ومثاليتها حين تقول : نـــادى فــؤادى حبهــا فأتاهــا [c1] *** [/c] يهفــو لنيل وصالهــا وهواهــا وهوى يقبلها وينشق عطرهـا [c1] *** [/c] ولهـــا وبلــل بالدمــوع ثراهـا فمحت دموع الشوق وابتسمت له [c1] *** [/c] وكسته نوراً من خيـوط سناهاحورية قفزت من الأمواج فامـ [c1] *** [/c] تدت أيـادي الشـط كي تلقـاها وها نحن نحث الخطا إلى شاعر الحب والجمال أستاذي المرحوم – بإذن الله تعالى – عبدالله عبدالرحيم باوزير فقد كان كهلاً يحمل قلباً شاباً ولقد أبدع شعر الوصف والغزل وهو هنا في عدنيته مزج الوصف بالعاطفة إنه شاعر رسام ورسام شاعر كما تجده مفتوناً بالجمال أينما وجده يقول في عدنيته اللوحة: سقط الندى ليــلاً فقبـل فاهـا [c1] *** [/c] لمــا احتوتـــه على اللقاء يـداهــا بسطت له بسط الغرام وأسدلت [c1] *** [/c] من حولـه الأستــار في مثــواهــا وازينـت بنجــومهــا وتلفــعــت [c1] *** [/c] بغــلالـــة شفـــافــة لفتــــاهــــا والبدر يرمقهـا بمقلــة عاشــق [c1] *** [/c] من كوة في البحــر دون سواهــا حتى إذا طــرق الصباح ورنقـت [c1] *** [/c] ألوانــه خلجــانــهـــا وربـــاهـــــا نزلت إلـى شـط الغديــر فتيــة [c1] *** [/c] وبساحـــل العشــاق كـان لقاهــا ويكشف الشاعر الدكتور/ عمر علوي بن شهاب عن أن، هذه العدنيات نسجت على منوال القصيدة الأولى للشاعر الأستاذ/ عبدالصاحب مهدي علي من العراق الشقيق فهي التي أثارت الشعراء ليكتبوا هذه العدنيات رداً وتأثراً ومطارحة وتفاعلاً ولا بأس فالشعر عادة يبعث الشعر والشجي يبعث الشجي كما قيل. يقول الشاعر مخاطباً الأستاذ صاحب القصيدة الأولى : أستاذ شاقك ساحل إذ هاجنـي [c1] *** [/c] وجد إلى مغنى ربى دجلاهــا إن أنس لكن تلك أوقات مضت [c1] *** [/c] وفي بابل الفيحاء لن أنساهـا فيها لي ابتسـم الزمـان وإننـي [c1] *** [/c] لــم ألفـــه إلا يـــــردد آهــــا وإلى الآن لم يذكر أي من الشعراء جانباً مهماً في حياة هذه المدينة ألا وهو سيرتها النضالية والكفاحية، لقد استهلك السياسيون هذا المعنى فعزف عنه شعراء العدنيات ، بيد أن شاعراً واحداً فقط طرق هذا المعنى ، وهو الأستاذ الدكتور/ علوي عبدالله طاهر حيث يقول: روعت داهية الخطوب مقاومـاً [c1] *** [/c] أعداءهــا متمترســاً برباهـــا ووثبت للأمر العصيـب منفــذاً [c1] *** [/c] أمــر الإلــــه محــــرراً إياهــــا وقد أدليت أنا – العبد الفقير إلى الله – بدلوي في هذه المطارحة الشعرية ، ولكن الغريب في الأمر – ولا غرابة في عالم الشعر وقراءته – أن قراءتي لبعض مقطوعات زملائي وأساتذتي حينذاك جعلتني أنقدها شعراً وأصفها بعدم الغوص في الأعماق وبأنها أهملت معاناة المدينة وأهلها واقتصرت على الغنائية والاحتفالية، حتى كادت تكون ترفاً فنياً عاطفياً وهذا يبدو متناقضاً مع ما قلته هنا نثراً من انطباعات وتعليقات .وهذه بعض أبياتي : عدن بها اللحن الجميل تباهـى [c1] *** [/c] أهــدى إليهــا حليــة وكساهـا لكنــه لــم يستقــــر بأرضهـــا [c1] *** [/c] قـد كـان طيـراً سابحـاً بمداها وكذا : عدن الخصوبة والجمال وإنما [c1] *** [/c] ذاك الجمال هو الذي أشقاهافلـرب حسـن قـد أضر بأهلـه [c1] *** [/c] ولرب قبــح قــد أعـز جبـاهــا إلى أن قلت : أحــرى بهــا ألا تظــل غزالــة [c1] *** [/c] ما دامـت الآساـد حول رباهــا لكنمــا عـدن ستبقــى حلمنـا [c1] *** [/c] وغداً سيطلع فجرها وضحاها وكنت صادقاً في انطباعي عن القصائد شعراً ولم أتحامل كما لم أجامل أو أبالغ في ما قلته عنها نثراً لأنها في مجملها تحتمل الأمرين معاً على مايبدو بينهما من تناقض فضلاً عن اختلاف القراءة واختلاف زمنها.