تمضي عجلة الزمان وتدور الأيام والشهور تباعاً كبرق خاطف يطوي بين ثناياه أعز وأجمل سنين العمر فيحصد في طريقه من نحب ونهوى ونعشق، تلك هي (الحقيقة المطلقة) فالإنسان في هذه المعمورة معني بما يحدث حوله ولابد أن يستوعب قانون وكنه وطبيعة (الكون) ليستطيع (الحياة) والعيش بسكينة واطمئنان.. متسامحاً.. متصالحاً.. محباً لكل المخلوقات والكائنات في الأرض (مؤصلاً) علاقته بالخالق سبحانه وتعالى.هذه الاستهلالة جاءتني كمقدمة لما أنا بصدده في مقالي عن مشوار وتجربة أخي وزميلي عبدالقادر خضر الإعلامية الرائدة متعددة المحاور والوجهات ورحلته الصحفية الفنية، إذ إنه كان رحمه الله يدعوني إلى الكتابة عن مسيرته الإبداعية المتميزة- من وجهة نظري عن (مجايلية)- الزاخرة والحافلة بالإنجازات والعطاءات المتفردة وكنت أشعر في صوته الصادق المعبر بفيض مشاعر الاحترام والتقدير لما أقوم به من جهود متواضعة في الكتابات والدراسات النقدية (ذات الطابع المنهاجي العلمي) في مجال الموسيقى والغناء اليمني، والواقع أنني لا أكاد أصدق حتى هذه اللحظة التي أدون بها هذه السطور أن حديثي سيكون عن حبيب وأخ وصديق صدوق(غائب) رحل عن دنيانا الفانية إلى دار البقاء ولاراد واعتراض على قضاء ومشيئة الله سبحانه وتعالى.(مسارات ومحاور مهمة في حياته الإبداعية) اولاً: عبدالقادر خضر كتلة ملتهبة من الحيوية والنشاط وذكاء متقد فاعل ومؤثر في مسار حركة الغناء اليمني الحديث والمعاصر.(وواحد من صناع الكلمة الهادفة المعبرة) التي ساندت مراحل تطور وازدهار ورقي الأغنية العدنية بحبٍ وولهٍ وإخلاص من خلال مساعدتها ومتابعاتها (بالتقييم الفني المسؤول والبناء) وتمكينها من التبلور والاستمرارية والتواصل إيماناً وقناعة مدعمة بفكر واعٍ وإدراك يتكئ ويستند على (حدس إعلامي صحفي فني متفرد) سبق كل التكهنات والاحتمالات التي لازمت ولادة وظهور(الأغنية العدنية) ووقف بكل ما لديه من طاقات وإمكانات وملكات صحفية إعلامية( استثنائية) ضد التيارات التي حاولت محاربتها عبر بعض الأقلام المأجورة والأصوات المتعصبة النشاز التي وظفت لاغتيالها معنوياً وأدبياً وفنياً، وبالفعل استطاع القيام بذلك الدور الإيجابي الهام لخدمة ذلك (المشروع) حديث العهد في حينه بالمتابعة والمؤازرة والدفع به من خلال( الكتابات الفنية النقدية) الموجهة الجادة إلى فضاءات ومسارات (غنائية موسيقية) تجاوزت المساحات الكونية والحدود الجغرافية ليصبح(الغناء العدني الحديث) في يومنا هذا (حقيقة) جلية ساطعة مشرقة كوضوح الشمس في كبد السماء، فكتب له الريادة والنجاح والتألق والثبات والشموخ وكسب (الرهان الحضاري الإنساني الإبداعي الفني لصالح مدينة عدن) التي رفدت عموم الوطن اليمني والجزيرة العربية والخليج بفنها الغنائي الموسيقي الحديث الرائد والمعاصر بعد حوارات مرهقة طويلة شاقة تشعبت وتداخلت تفاصيلها بشكل قسري مفتعل بالعديد من القضايا والملابسات السياسية / الاجتماعية / الجغرافية والتاريخية.. لا يتسع المقام لذكرها في هذه العجالة والسياق، وثبت اخيراً بالمنهاج والدراسات الأكاديمية العملية مشروعية وجدارة واستحقاق ذلك الكيان الإبداعي الفني التنويري الجديد المغاير والمتطور في أسلوبه وخصائصه ومذاقه وبهويته (اليمنية) التي وشمت وبصمت أجمل وأعذب وأروع سماتها وملامحها في مسار الغناء اليمني القديم والمعاصر، وبطبيعة الحال صنفت تحت مفهوم ومسمى( الأغنية العدنية الحديثة) وكانت في حقيقة الأمر هذه (الإشكالية) أهم نقاط الالتقاء الفكري التي (جمعتني) بالراحل (الحبيب) عبدالقادر خضر (أبو مجد) مسألة العشق والانتماء والولاء(لمدينة عدن) الحب الخالد الأبدي.
[c1]ثانياً:[/c]قضى جل عمره ومعظمه راهباً في محراب الثقافة والفنون صحفياً وناقداً ومعداً ومقدماً لأبرز وأهم البرامج التلفزيونية والإذاعية التي أرشفت ووثقت بالصوت والصورة من خلال (السهرات الفنية المتنوعة) التي قدمها أجمل وأروع وأنجح الأعمال الغنائية الموسيقية للفنانين اليمنيين على سبيل المثال لا الحصر: أحمد بن أحمد قاسم / محمد سعد عبدالله/ محمد مرشد ناجي/ محمدعبده زيدي / عبدالله هادي سبيت/ أمل كعدل.. وغيرهم على امتداد حقب زمنية متعاقبة شكلت الذائقة والوجدان والمزاج الفني العام في داخل وخارج الوطن كان رحمه الله (القلم الذي عشق الفن والنغم).[c1]ثالثاً:[/c]تعتبرمجلة (الفنون/ النجوم) من أوائل الإصدارات (المتخصصة فنياً) أدارها باقتدار بحنكته وخبرته الإعلامية الصحفية المتراكمة الطويلة واهتمت بتفاصيل ومجريات الحراك الفني وما يعتمل ويحدث في المشهد الإبداعي الغناء/ الشعر/القصة/المسرح/الدراما/ الرياضة/الرقص الشعبي.. وغير ذلك من أنماط وأشكال الثقافة والفنون.[c1]رابعاً:[/c]قام بإبراز وإظهار وتبني ودعم العديد من المواهب والأصوات الشابة وكان يشكل همزة الوصل وجسر الالتقاء الفني الإبداعي بين نتاجات وعطاءات الفنانين الشباب والجماهير العريضة من خلال كتاباته وبرامجه وسهراته التلفزيونية إلى أن احتلت تلك الأصوات الشابة مكانة مرموقة في ساحة الغناء اليمني.[c1]خامساً :[/c]قام بتسجيل وتوثيق برنامج تلفزيوني في (مدينة تعز) استضاف به الاديب الشاعر والملحن عبدالله هادي سبيت تحدث عن تجربته الشعرية والفنية الابداعية ويعد هذا اللقاء النادر مرجع هام في مكتبة تلفزيون عدن (قناة يمانية) إخراج المبدع جميل علي عبيد.[c1]كلمة لابد منها[/c]دفع عبدالقادر خضر ثمناً باهظاً من حياته وصحته كإنسان ومبدع بعد أن طاله الإهمال والتغييب والتهميش بسبب مواقفه وقناعاته التي لا تقبل المساومة والخضوع بسياسة الأمر الواقع وعدم الحياد عن جادة الحق والصواب، فترك في زاوية مظلمة على الرف( خليك بالبيت) مع سبق الإصرار والترصد ليصبح فريسة وعرضة للاكتئاب والإحباط قبل أن يداهمه الموت، ذلك في واقعنا الراهن(عقاب) لمن تسول له نفسه من المبدعين الآخرين الذين لا يسمعون الكلام ولا يقومون (بتنفيذ سيناريو سياسة الثقافة الرسمية) ، كان للقرار الذي صدر بإيقاف راتبه الشهري تبعات نفسية ومعنوية سيئة للغاية كادت ان تفقده صوابه، فقمت بدور الوسيط من اجل إطلاقه، للآسف الشديد نحن نعاني كثيراً مما يحدث، نصرخ ونستغيث من تراكمات ذلك (الطوفان الجارف) بعد أن شمل بطغيانه ومفاسده كل مفاصل حياتنا على كافة الأصعدة والأطر والمستويات نسمع ونشاهد في كل لحظة العديد من الزملاء والإخوة بمختلف المجالات العملية والمهنية الإبداعية ممن يعانون وتختنق أصواتهم في حناجرهم كمداً وقهراً وهم يدفعون ضريبة مواقفهم وقناعاتهم بابتعادهم عن الانحدار والسقوط في هاوية الابتدال والإسفاف التي أَضحت تلازم مجتمعنا اليمني بشكل عام، نعم يدفعونها (ظلماً وبهتاناًً) بمعاناتهم المؤلمة الموجعة وأسرهم التي لم ترتكب أي ذنب أو جريمة سوى أنهم يحملون شهادة ميلاد تؤكد ولادتهم في (مدينة عدن).رحم الله فقيدنا عبدالقادر خضر ومبدعينا الذين يتساقطون تباعاً كأوراق الخريف، وإني لولا حقوق وواجب الصداقة والسنين التي جمعتنا لكنت فضلت وأثرت الصمت والسكوت في(زمنٍ به الأحياء أموات !!).
![](https://14october.com/uploads/content/0804/7SWPP180-NUJP4X/fnoon.jpg)