محمد حسين بيحانيلم ازدد، مع السنين، إلا تيقنا وتأكداً من كون اللغة العربية لغة مسرحية متميزة، وأداة تعبير مبلغة، ووسيلة فعالة –وفريدة-لخلق مسرح عربي جوهراً ومظهراً لأتحده حدود إقليمية ضيقة ولاتخنقة لهجة محلية معينه، بل على العكس من ذلك يكون هو المسرح المنشود في امة العرب.ثم أن طلاوة ألفاظ اللغة العربية وغنائية تعابيرها وتراكيبها أمر يعز توفره في أية لهجة من اللهجات العربية المتعددة بتعدد أقاليم كل قطر عربي في المشرق والخليج والمغرب، تلك اللهجات التي تبدو خليطا من العامي والخيل والسوقي ولا يمكن باية حال من الاحوال ان تصلح لغة للأدب والفن ولكنني – من جهة اخرى- اذا كنت ادعو الى لغة عربية فصيحة في المسرح فليس معنى هذا اني ادعو الى لغة القدماء التي يحتاج المرء الى استشارة القاموس لفهم بعض مصطلحاتها .. لا ... ابداً، فانا من اشد الناس عداوة لتقصر والركاكة وحشر الغريب من الألفاظ في المسرح، لان المسرح ادب شعبي مباشر ولايجمل ان يكون خاصاً بطبقة دون أخرى من الجماهير فكما ان لغة الصحافة والإذاعة والتلفاز في العالم العربي اصبحت-على وجه العموم-لغة يدركها الشعب لفهم لغة واسلوباً واضح البناء تاليفاً واخراجاً على ان المشكلة هنا لاتكمن في لغة الكتابة وحدها فالمشكلة الحقيقة ترجع الى طريقة الالقاء سواء باللغة العربية المبسطة او المركبة او الدارجة فالاسلوب قد لايهمنا بقدر وضبط مخارجها، وتكوين النبرات تبلون المعاني وتنفيس النص واحترام فترات الصمت وإجادة التبليغ وما الى ذلك من قواعد الكلام وسط العموم نعم ان هناك آفات وعيوباً في منطق بعض الناس ولكنه نعم ان هناك آفات وعيوباً في منطق بعض الناس ولكنها مهما يكن من شانها تصلح بالجهد والرعاية في وقت محدود كما ان هناك اصواتاً غير صالحة تماماً في المسرح لانها ضعيفة او كريهة او ذات غنه بشعة اولا تستقيم نبراتها اطلاقاً وهذه يجب تنحيتها عن مجال التمثيل وعدم التغرير بأصحابها لأنهم كلما يدركون عيوبهم المزمنة أمام الصنف الاهم في هذا الصدد فهو صنف الممثلين ذوي الشعور الحسن والقوام الصالح والصوت المناسب والاستعداد الطبيعي في ميدان التشخيص غير انهم مسرحية شعراً أو نثراً سواء باللسان الفصيح في سائر الحالات أو باللسان الدارج كلما تعلق الأمر بالمأساة او بملهاة( الطبائع) الرصينة فهؤلاء هم الذين يشتكي منهم المسرح في مختلف بلدان العالم العري وهم الذين نعتبرهم جديرين بالاهتمام.واذا كان اللسان الدارج مشتقاً عادة من اللسان الفصيح فمن المعقول ان نركز عنايتنا في الالقاء باللغة العربية الفصحى مادامت مصدر الدارجة ومادامت هي لغة المسرحة التي ننشدها وندعو الى الاعتماد عليها.واذا كانت مسألة اجادة النطق تعتبر مما لابد من اعتباره في الالقاء المتقن فان الاساس الذي يرتكز عليه الممثل العربي هو معرفة قواعد اللغة والتدرب على استعمالها وكذا معرفة مفردات اللغة والتدرب على استخدامها.ان الثقافة المسرحية العامة- التدرب على تنمية الشعور، والحركة الجسمانية والتنقل على الخشبة- ضرورية بالنسبة للممثل لانهاتكسبه تقنية في مهنته ولكن اساس هذه الثقافة هو التمكن من اللغة ومعرفة استغلال اللغة بالالقاء الملون الدقيق والنطق الفصيح، والبيان المبلغ فان الافصاح عن الشعور الصادق لايتم الا بالقاء الصادق.ولهذا فان الموهبة وحدها لاتكفر ابداً ! وما ازلت مؤمناً ايماناً كبيراً بان الأميين وانصاف الأميين وأشباههم لامحل لهم في المسرح ولوكانوا ذوي مواهب ولم اشاهد في حياتي ممثلاً اجنبياً لايفهم لفته التي يمثل بها ولكنني مع شديد الاسف شاهدت ممثلين عرباً وما اكثرهم في مرتبة الببغاوات فلاهم يفصحون عما يقولون ولاهم يفهمون مايقولون فكيف ترجو من ممثل ان ينفعل مع احساسات لايدركها وكيف تؤمل من الجمهور ان يتاثر بكلام غير مفهوم بل قد يفتاض بعض المتفرجين ويغادرون المسرح قبل نهاية المسرحية وربما في الفصل الاول.على ان الجهل بقواعد الالقاء مسالة ليست خاصة بالممثلين فإنهاتشمل ايضاً المغنين والمترافعين في المحاكم والخطباء والمتكلمين في الاذاعة والتلفاز والسينما والمحافل العامة واذا كنت قد حصرت اشارتي في نطاق التمثيل فلان الحديث هنا عن المسرح العربي وقد كان من حظي ان اعيش مع الممثلين سنوات عديدة وقد استفدت من تجربتي الطويلة والمتواضعة في تسيير الممثلين وتعليم فن الالقاء العربي ان بعض الفنانين قد يصعب عليهم فهم قواعد الالقاء واجادتها كلما كانوا غير متوفرين على اسس جيدة في اللغة العربية ولهذا فاما ان تضاف مادة تعليم اللغة في مجالات التكوين المسرحي واما ان يشترط توفر مستوى كاف في اللغة لدى كل من يود تعلم التمثيل قبل اجتياز أي اختبار في المواهب والاستعداد الفني.وبهذه الطريقة ايضا يمكننا في المسرح العربي شرقاً وغرباً ان نضمن وفرة جيل من حماة التمثيل العربي ولانقول هذا تعصباً.
|
ثقافة
لغة المسرح والثقافة
أخبار متعلقة