واشنطن/ متابعات: قال بن برادلي، الصحفي الأمريكي الذي يتمتع بشهرة دولية، إن الصحف اليومية المطبوعة تعتبر حيوية للجمهور وستظل تنشر بالرغم مما يقوله المعلقون المتشائمون الذين يتكهنون بأفولها وإغلاقها نهائيا في غضون الأعوام العشرين المقبلة. وأبلغ برادلي، الذي اشتهر بالإشراف والارشاد على-- التحقيقات الصحفية ليومية «واشنطن بوست» في فضيحة ووترجيت في أوائل عقد السبعينات، موقع “أمريكا دوت جوف” أن المقولات التي تتكهّن بنهاية الصحف هي أقوال “سخيفة».ويشغل برادلي حاليا منصب نائب “رئيس متجول” للصحيفة فيما كان رئيس تحريرها التنفيذي في الفترة من 1968 إلى 1991. وقال برادلي في حديثه إن الصحف توفر للقراء معطيات يعتبرونها بالغة القيمة وهي معلومات تشمل الكثير مما يهمهم من مثل “من كسب مباراة رياضية ما، أو فاز بكأس الملاكمة..ومن فاز بالانتخابات.وكيف كان أداء أسهم البورصة.» وتوفر أشكال أخرى من وسائل الإعلام، بما فيها التلفزيون والإنترنت، نفس المعلومات والبيانات، كما أشار برادلي، “إلا أن الجهة التي تكون سباقة في تزويد المعلومات لا تكون دائما هي الجهة التي تعرضها على أفضل نحو.»واستطرد قائلا: “إن فكرة أن أي مجتمع، وعلى وجه خاص المجتمع الأمريكي، يمكن أن يعمل من دون مصدر يوفر له التحديثات الإخبارية اليومية بشكل أو بآخر فكرة لا يصدقها العقل.»وقد أفضت قيادة برادلي في صحيفة الواشنطن بوست في الكشف عن فضيحة ووترجيت إلى منح صحيفة واشنطن بوست جائزة بوليتزر لعام 1973 واعتزال الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون سدّة الرئاسة في العام التالي. وقد وضع برادلي مؤلّف: “الحياة الرغيدة: العمل الصحفي وغيره من مغامرات.»وقال برادلي: “لا يوجد أي شك في ذهني انه وبالرغم من انحسار عدد الصحف وبالرغم من تراجع مشاهدي ما تعرضه شبكات التلفزة الكبرى فإن الأميركيين “باتوا أفضل إطلاعا” من أي وقت آخر في السابق بسبب الأنواع المختلفة لوسائل الإعلام المتاحة للجمهور.وأضاف برادلي البالغ من العمر 86 عاما، انه يوافق على أن عددا اقل من أفراد شبيبة اليوم (أي دون سن الثلاثين) يطالعون الصحف المكتوبة مقارنة بأفراد جيله الأكبر سنا كون صغار السن والأحداث يستقون أخبارهم من وسائل إعلام جديدة مثل الإنترنت. لكنه أردف قائلا انه في طفولته تعلّم القراءة بتصفح باب الرياضة بعد أن يكون والده قد فرغ من مطالعة ذلك القسم في الصحيفة.وبخصوص انخفاض عدد الصحف اليومية أوضح برادلي انه مدرك لحقيقة أن بعض المراقبين يعتقدون أن الولايات المتحدة سيكون لديها أربع صحف فقط في نهاية المطاف تتظاهر بأنها صحف قومية أو دولية.لكن برادلي لفت إلى أن الأنباء المحلية ستبقى الصحف نشرات يلزم مطالعتها، مشيرا على سبيل المثال إلى أن سكان مدن أمريكية مثل فرانكفورت بولاية كنتاكي، وبيتسفيلد بولاية مساشوستس سوف يتطلعون إلى صحيفة تحتوي على الكثير من الأحداث والوقائع المحلية.»واعتبر برادلي أن الصحف أفضل بكثير من سواها “في تقصّي الأخبار أو كتابة تقارير تستند إلى تحقيقات وهو ما يجري حينما يتحفز مراسل أو محرر صحفي ويقرر أن يتفحص شيئا ما بشكل ثاقب.» وبسبب تقليص الموازنات أو خفض أعداد العاملين في الصحف قال برادلي إن استخدام التحقيقات الصحفية “ربما” سينحسر في بعض الصحف لكن هذه لن تتراجع في يومية واشنطن بوست.إلى ذلك ردّد لاري كيلمن، مدير الاتصالات في الإتحاد العالمي للصحف الذي يمثل صناعة الصحف، ما ذكره برادلي عن ردّ فعله بشأن أن الصحف المكتوبة آيلة إلى الزوال.وقال لموقع “أمريكا دوت جوف” من مقر الإتحاد العام بباريس: “أعتقد أن هذا هراء مطلق».وأضاف كيلمن: “السوق الاستهلاكية ما تزال تشير إلى أن عددا هائلا من الناس ما زالوا يفضلون الصحف وسيظلون كذلك لسنوات وسنوات في المستقبل.»وأقرّ كيلمن بأن عددا اقل من الناس ممن دون سن 30 يطالعون الصحف المكتوبة منهم ربما في أجيال سابقة “إلا أني أعتقد انه من التبسيط المفرط أن يقول المرء إن صغار السن لا يطالعون الصحف المكتوبة.»وأضاف أن صحيفة توزّع مجانا في قطارات الأنفاق وحافلات النقل العام في أكثر من 100 مدينة في العالم أجمع، ويطلق عليها اسم “مترو”، تستقطب قراء جددا وهذا يثبت أن الناس يحبون الصحافة المطبوعة.وأشار إلى أن أداء صحيفة “مترو” جيّد في المدن ذات شبكات النقل العام الجيدة ولهذا السبب يجري تداول هذه الصحيفة على نطاق أوسع في أوروبا أكثر منه في الولايات المتحدة لأن شبكات النقل العام في الأخيرة لا تحظى بالشعبية نفسها أو أنها ليست متاحة.وتتحمّل نفقات الكثير من صحف مترو شركات كبريات الصحف نفسها لأنها تجد أن هذه الصحف المجانية لا تنال من توزيعها بل أنها تزيد وصول المستهلكين إلى الصحافة.وقال كيلمن إن الصحف ما فتئت ثاني أكبر وسيلة للإعلانات في العالم- بعد التلفزيون.وقال إن تقارير صحفيي الإنترنت تريد أن يعتقد العالم أن شبكة الإنترنت بدأت تقضي على الصحف بنشرها كميات هائلة من الإعلانات. ورغم انه من الصحيح أن الإنترنت رفعت معدل نمو إعلاناتها بأكثر من 10 في المائة، إذا ما قيست قيمتها بالدولار، فان هذه الكمية ما هي إلا نسبة طفيفة مما تولدها الصحافة المطبوعة من إعلانات وهذا الحال لن يتبدّل في أي وقت قريب.»واستطرد كيلمن قائلا: “إن يقول المرء أن الصحف ماتت أو أنها تحتضر أصبح حكمة مألوفة لكنها تستند إلى لا أكثر من خرافة.» بينما قال عدد من الخبراء في أمور الصحافة لموقع “يو إس إنفو” إن غالبية الصحف اليومية في كبريات المدن الأمريكية ستختفي في غضون السنوات العشرين القادمة، وأنه سيعاد ابتكارها على شبكة الإنترنت وغيرها من “وسائل الإعلام الجديدة.»فقد قال الكاتب والمستشار الإعلامي بول جيلين، المتخصص بمواضيع تكنولوجيا المعلومات، إنه لا يتوقع استمرار أكثر من أربع أو خمس صحف كبرى لا غير، من ضمنها واشنطن بوست، ونيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، ويو إس إيه توداي.وأضاف حيلين، الذي يقيم في ولاية مساشوستس، أن تلك الصحف ستتمكن من الاستمرار لأنها اتخذت قرارات تجارية حكيمة باستثمار أموال لغرض توزيع منشوراتها على صعيد قومي كي تستقطب مزيداً من القراء. وأشار جيلين، الذي يقوم بكتابة مدوّنة إلكترونية تدعى “رصد وفاة الصحف” أو بالإنكليزية Newspaper Death Watch إلى أن الصحف الأمريكية الرئيسية ما زالت تقدم أخبارا ذات قيمة. لكنه استطرد قائلا: “بيد أن النموذج التجاري المعتمد فيها سوف يختفي.فالعوامل الاقتصادية تعمل ضده.” وما كان جيلين يعنيه بذلك هو أن الصحف تواجه خسائر مالية فادحة بسبب ارتفاع النفقات المترتبة عن وجود مجموعة كبيرة من الصحفيين ومن مصممي ومنتجي وموزعي السلعة (أي الصحيفة).وأوضح أن ما يفاقم الخسائر المالية هو ما تظهره الدراسات الديموجرافية من أن الأشخاص ما دون سن الـ 30 لا يطالعون الصحف اليومية التقليدية المطبوعة، وإنما يقرؤون الأنباء في معظم الأحيان على الإنترنت. وقال جيلين إنه يتوقع “زيادة هائلة” في ما وصفه بالصحافة الصغيرة، المؤلفة من صحف مجتمع محلية يمكن للقارئ أن يطالعها (في السيارة أو الأوتوبيس أو قطار الأنفاق) أثناء انتقاله للعمل على مدى 25 إلى 30 دقيقة. وقال إن النموذج الذي يمثل هذا الاتجاه هو شركة تدعى “مترو إنترناشيونال” تصدر صحفا مجانية، في كل من بوسطن وفيلادلفيا ونيويورك ومدن أخرى حول العالم، ترمي إلى عرض الأخبار التي يقبل على قراءتها الشبان المهنيون الناجحون في أعمالهم الطامحون إلى تحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي. ويتوقع جيلين أيضا أن تستغل الشركات الكبرى الفراغ الذي سيخلفه اختفاء الصحف اليومية من خلال استخدام “أدوات إلكترونية رخيصة الكلفة لكي تصبح هي نفسها إلى ما هو أساساً مؤسسات نشر كبرى.»وقال جيلين: “إننا نشاهد الآن فعلاً صحفيين محترفين يتحولون إلى ممتلكين لقدرات ناشرين كبار،” مما يعني أن “الحاجة إلى مقدمين محترفين للأخبار والآراء ستظل مرتفعة.»كما سيكون من الضروري تدريب الصحفيين ليصبحوا مراسلين “لوسائل إعلام مختلفة”، بحيث يتعلمون كيف يصورون شريط فيديو “ميدانياً” يكون متمماً لتقريرهم.ومضى إلى القول إنه علاوة على ذلك، سيتعين على الصحفيين أن يصبحوا ما دعاه “تجميعيين،” أي أن التقرير الصحفي سيواصل توسّعه بعد نشره من خلال استخدام وسائل إعلامية جديدة مثل الفيديو والإذاعات الإلكترونية. وأردف:”سيكون لزاما علينا أن نتخلّص من فكرة أنه حالما ينشر التقرير الصحفي سيشكل ذلك نهاية العملية.” فالصحفيون سيعملون بمثابة “قمع” تضاف بواسطته التحديثات والمستجدات باستمرار، وهو الأسلوب الذي تستعمله حاليا خدمة معلومات “ويكيبيديا” الإلكترونية.وكان جيلين قد ذكر في مدوّنة بتاريخ 14 فبراير، أنه لو كان الرئيس الأمريكي الأسبق توماس جيفرسون (حكم من 1801 إلى 1809) حيا يرزق اليوم “لكان صاحب مدونة نشيطا،” مشيرا إلى أن أساليب الإعلام الجديدة في عصرنا هذا تمثل “العملية الأكثر ديمقراطية التي طالت صناعة النشر خلال 500 عام.»ويرى ستيف بوريس، المدير المشارك لمركز تطبيق تكنولوجيا المعلومات التابع لجامعة واشنطن بمدينة سانت لويس لولاية ميسوري، أن الأخبار أخذت في التحول إلى جزء من “صناعة تسلية موحدة ضخمة، تتراوح ما بين الجدية جداً وغير المألوفة.” وأشار بوريس، الذي يحرّر مدونة تدعى “مستقبل الأخبار”، إلى أن المراسلين الصحفيين سيكونون مجمّعين للقصص الإخبارية يضيفون أرائهم وتحليلهم الخاص إلى التقرير.وقال إن هناك “خرافة” تطورت على مدى القرن الماضي تقول إنه يتعين نقل الأخبار بموضوعية أو تجرّد تام دون أن يزّج الصحفي رأيه الشخصي فيها.إلا أن اختيار المراسل للحقائق والوقائع التي يعتبرها ذات صلة بالقصة ويذكرها في تقريره تمثل بحد ذاتها رأياً هي أيضاً، إذ أوضح بوريس “أنها تمثل رأي (الصحفي) من حيث ما يعتبره مهما.» وقال بوريس إنه كان من المفترض عند تأسيس الولايات المتحدة أن تضم أناساً يعبرون عن أنفسهم بحريّة، ويناقشون القضايا. وكان التعبير عن الرأي يعتبر أمراً “مقدسا.»وأشار بوريس إلى أنه قبل حوالي 100 عام “بذلت مساع لتحويل الصحافة إلى علم والصحفيين إلى ناقلين للحقيقة. وكان ذلك نموذجا دام أكثر مما ينبغي،” مشيرا إلى أن هذا “النموذج (القديم) بدأ يتهاوى».وأوضح بوريس أن الصحف الكبرى من أمثال نيويورك تايمز وواشنطن بوست كانت تقليدياً هي التي تحدد مواضيع “المحادثة القومية” ثم تسير شبكات التلفزيون على خطاها. وأضاف: “أما الآن فتسمح شبكة الإنترنت بالعديد جداً من المحادثات ولم يعد من الضروري غربلة الأخبار عن طريق سلسلة توزيع (صغيرة).»وكتب في مدونته أنه بعد “كفاح دارويني، (حيث يكون البقاء من نصيب الأقوى)، ستكون أخبار شبكة الإنترنت وسيلة الإعلام الوحيدة التي ستبقى في الوجود.»لكن هذه التغيرات المتوقعة في ميدان الصحافة لا تسر الجميع. فقد قال مراسل صحيفة النيويورك تايمز السابق تشارلز كايزر، مثلا، أن مطالعة الصحيفة الورقية تشكل، بالنسبة له، “عملية أفضل بكثير” من مطالعتها على الإنترنت. وأضاف: “لا يوجد سبيل يمكنك من الاطلاع على عدد من القصص خلال ساعة على شبكة الإنترنت يعادل عددها حينما تتصفّح جريدة مطبوعة.” وكايزر كاتب معروف ومراسل سابق لأسبوعية نيوزويك ويومية وول ستريت جورنال.وأشار كايزر الذي يضع مدوّنة تدعى Full Court Press إلى أنّ ما يؤرقه هو أن انقراض الصحف الورقية التقليدية ستكون له تداعيات سلبية غير مقصودة.وقال إن الاحتفاظ بعدد أقل من المراسلين لاسيما أولئك الذين يتقصون الأحداث سيعني “انخفاضاً في عدد الأمور التي ستخضع للتدقيق والتمحيص اللذين يشكلان الدور الأساسي الذي تقوم به الصحافة في مجال إبقاء الديمقراطية نابضة بالحياة.»
|
اتجاهات
هل ستبقى الصحف الورقية أم ستختفي مستقبلا؟
أخبار متعلقة