تشهد العاصمة صنعاء هذه الأيام أول مهرجان للصيف ، وهو مشروع اقتصادي ذو أبعاد سياحية وثقافية. والحال أنّ ثمّة جهودٍاً متضامنة بذلتها ولا زالت تبذلها مختلف الجهات والقطاعات الاقتصادية والتجارية من أجل تفعيل البُعد الاقتصادي لمهرجان صيف صنعاء ، لكن مشهد حفل الافتتاح في باب اليمن انطوى على أبعادٍ ثقافية وسياحية في بيئة متواضعة وبعيدة جداً عن شروط الالتحاق بعصر تكنولوجيا المعلومات ، وتعاني في الوقت نفسه من قصور واضح في الاستجابة لتحدياته في ميدان صناعة الثقافة ، حيث أصبح العلم عاملاً حاسماً في تكوين ثقافة المستقبل فيما بدأت الثقافة تكتسب مفهوماً جديدا بوصفها علم المستقبل ، على نحوٍ يجعل من كليهما ــ أي العلم والثقافة ــ إطاراً بنيوياً متكاملاً لفروع معرفية مختلفة.يدرك المثقفون في بلادنا تواضع اهتمامات ومشروعات البنية الثقافية التحتية للنشاط الابداعي في مختلف المجالات قياساً إلى نوع وحجم هذه التحديات ، ومع ذلك فهم مهمومون بمواجهة المصاعب التي تحول دون توفير الأموال اللازمة لبلوغ هذا السقف المتواضع. وبوسعنا القول إنّ العديد من المؤسسات الثقافية نجحت حتى الآن في توفير كلفة بعض المشاريع الثقافية بواسطة الضغط على بنود خاصة بمصروفات ومكافآت كان يفترض أن يذهب بعضها إلى جيوب (المبدعين)، في بلدٍ يُعاني من شحة وضحالة ( الإبداع ) الذي هبط معظمه إلى درك الإسفاف ( العرعرة ) و(الورورة) بعد أن أصبح معيار الحرية والحداثة الإبداعيتين هو إهانة واحتقار المرأة عند بعض الحداثيين المزيفين الذين يتقاطعون في اعمالهم وطرائق تفكيرهم مع الاصوليين المتزمتين عند نقطة مشتركة تتمثل في الإصرارعلى تعاطي المفاهيم الرجعية التي تزعم بعدم أهلية المرأة للمساواة والمشاركة الندية مع الرجل في ميادين العلم والعمل والحقوق المدنية ، وذلك من خلال الإفراط في استخدام الخيال المريض لتقديم المرأة في مشاهد عارية تبدو فيها بدون أية مؤهلات أو قدرات حقيقية تساويها بالرجل ، سوى قدراتها الفطرية على الإثارة والمشاركة في العملية الجنسية فقط!مما له دلالة أنّ كل المسؤولين والعاملين عن الأجهزة المعنية بالنشاط الثقافي يشكون ضعف الحيلة أمام تحديات الداخل الثقافي وتحديات الخارج الثقافي وتحديات إعداد المثقف نفسه .. والحال أنّ معظم المؤسسات الثقافية ان لم تكن كلها ، لا تُعاني وحدها من ضعف الحيلة إزاء متطلبات تأسيس بُنية تحتية متكاملة ومتطورة للثقافة ، في ظل نقص الموارد وعدم وجود المخصصات المالية لإنجاز هذه المهمة الكبيرة.. فالمشهد الثقافي اليمني كله ضعيف الحيلة والقدرة إزاء تحديات اللحاق بالعصر.من نافل القول انه لا توجد في بلادنا دور فاعلة للعروض السينمائية ناهيك عن صناعة السينما ، وكذلك الحال بالنسبة للمسرح والإنتاج الفني والموسيقى والدراما ، فيما تراجعت على نحوٍ مريع الأغنية والفنون التشكيلية والإبداعية وما يترتب على ذلك من فقرٍ معرفي شديد يحول دون اكتساب المهارات التي تؤهل المثقفين اليمنيين للمساهمة الفاعلة في إقامة صناعة ثقافية عربية جديدة على قاعدة تكنولوجيا المعلومات التي تميز الحقبة الراهنة من عصرنا !يزيد من خطورة المشهد الثقافي الملتبس في بلادنا استمرار مظاهر إهدار العقل التي يجسدها تزايد الأمية وانتشار الظواهر المرتبطة بالخرافات والشعوذة ، إلى جانب شيوع الأفكار السلفية التي تفتعل الخصومة بين الدين والعصر، وتنشر في أوساط الشباب ثقافة الإقامة المطلقة والدائمة في الماضي!!يحلو للبعض بين وقتٍ وآخر تجريح بعض المسؤولين عن الأجهزة والمؤسسات الثقافية بواسطة تدبيج البيانات والمقالات التي تطالب بإقالتهم حتى يبدو لمن يتابعها أنّ إصلاح أو إفساد حال الثقافة في هذه البلاد ، مرهون بمن يجلس على كرسي هذه الوزارة أو المؤسسة . وما من شكٍ في أن تصور المشكلة الثقافية بهذه الطريقة ، يعكس جانباً من أزمة الإدعاء باحتكار سلطة المعرفة عند بعض المثقفين ، وهي أزمة لا تخلو من رواسب الأيديولوجيا الشمولية في الوعي الثقافي لدى كل من يفكر على هذا النحو، حيث يتم النظر إلى قضايا ومشاكل الثقافة من منظور شمولي يرى أنّ الأيديولوجيا هي التي تعيد بناء الثقافة وتعيد تشكيل الوعي الثقافي ، فيما يتم اختزال الشروط المطلوبة لإعادة بناء الثقافة - وفق هذا المنظور - بواسطة إحلال المثقف خادم الأيديولوجيا وحارسها الأمين؟!! يقيناً أنّ هذا المنظور كان عبئاً على الثقافة وتطورها في العديد من الأنظمة التي ارتبط إفلاسها وانهيارها بسقوط ثقافي مريع، ناهيك عن أنّ منظوراً جامداً كهذا لم يُعد قادراً على الاستجابة لتحديات ثقافة عصر المعلومات التي تتشكل في عالمٍ جديد، وتتطلب بالضرورة منظوراً ثقافياً جديداً وأدوات معرفية جديدة ومناهج إبداعية جديدة أيضاً !! ________* نقلاً عن صحيفة "26 سبتمبر"
صيف صنعاء
أخبار متعلقة