فجعتني صحيفة معلقة بداخل مسجد في أمانة العاصمة معنونة بـ ( هكذا كانوا فلنكن مثلهم ) تزعم بأن أبا عبيدة عامر بن الجراح ( استبسل فقتل أباه ) هكذا بالنص !! أتدرون لماذا ؟ لأن معلقها يدعونا إلى أن نمتلك الإرادة فنحافظ على صلاة الفجر ، كما امتلكها أبو عبيدة فقتل أباه ، أي مقارنة هذه ؟! وأي استدلال هذا ؟! وما العلاقة بين المحافظة على صلاة الفجر ، وبين القتل ، ومع أن هذه الرواية التي وردت في بعض التفاسير لقوله تعالى: }لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ ..{ المجادلة22. إلا أن المحققين ومنهم ( ابن حجر والبيهقي والهيثمي ) وصفوا هذه الرواية بأنها ( مبهم / معضل / منقطع) ، وأنكرها آخرون بحجة أن والد أبي عبيدة مات قبل الإسلام ، وقال آخرون : نزلت هذه الآيات في عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول , سمع أباه يسب رسول الله فغضب وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وقال: يا رسول الله ! أما أذنت لي في قتل أبي ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : بل ترفق به وتحسن إليه. ( هذا هو رسول الله يا دعاة القتل ومروجي ثقافته المدمرة ) كما أن الذين أوردوها بعضهم قال: إن عبيدة هو الذي حرص على قتل ابنه ، وأبو عبيدة يتحاشاه ( ويحيد عنه فلما أكثر قصده قتله ) دفاعاً عن نفسه ، ولم ( يستبسل ) في قتله ، والكلام يطول في تضعيف هذه الرواية المشهورة. ومن ناحية أخرى، وعندما يغيب التحقيق والتدقيق للروايات، ويتنحى منهج عرض الروايات على القرآن الكريم ومقاصد الدين، تروج هذه الرواية لقتل مَنْ ؟! قتل الأب !! الذي أوجب الله طاعته والإحسان إليه ، وحرَّم كلمة ( أف) له ، حتى إن كان على غير الإسلام ، وحين يجاهد هذا الوالد ابنه ليشرك بالله ، أوصى الله الولد بقوله:وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ...{ لقمان15.وتعرض السيرة النبوية ، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، لنا ولأولادنا ولشبابنا على أنها ملاحم وغزوات وقتال فقط ، أين سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء دولة العدل والحب والتسامح والشورى والعلم والرفق والهداية والرحمة ، لِمَ غابت من السيرة التي تدرس لنا سيرة الرسول الإنسان الذي شجع على الزراعة والصناعة والتجارة والنهوض والتنمية ، وأوجد مجتمع التعايش والحوار .. !!وتسمع خطيباً أو واعظاً يحشر مصطلحات القتل والذبح والسيف والكفر والنفاق والنار و.. على أتفه خلاف بينه وبين أهل رأي آخر ويستدل بآيات نزلت في أبي جهل وأمثاله الذين اعتدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ولن أنسى ذاك الخطيب الذي صاح في خطبة الجمعة وكنت حاضرها: (ليحولوا بيننا وبين هذا المنافق وسنقطعه إرباً إربا). وكان يتحدث في قضية الأخ الصحافي (سمير اليوسفي ) المشهورة قبل سنين .. هكذا سيقطعه وسيجعل منه كوارع (أما اللحم فلا أعتقد أنه سيجد ما يشبعه فيه)!! ملحوظة: كنت أحد هؤلاء لولا أن الله هداني بالإسلام وبثقافة حقوق الإنسان.إن مجتمعنا لا ينقصه القتل والطعن والاختطاف وأخواتها ، فقد بلغ عدد القتلى اليمنيين الذين قتلوا على يد اليمنيين في السنوات الأخيرة 5500 قتيل ، فاجعة تفوق فواجع الأراضي المحتلة والبلدان التي ترزح تحت نير الاحتلال والعدوان مجتمعة ، وقد قالها أحد الإخوة الصوماليين عندما سمع دعاءً بحقن دماء أهلنا في الصومال ، ضحك وقال: والله إن القتل الذي عندكم يحتاج إلى دعاء أكثر مما عندنا ! .. ثم يأتي من يحثنا على القتل وكأننا بأرض المعركة والعدو الذي يحتل أرضنا ويدنس مقدساتنا على بعد أمتار ، أو يأتي من يشجع اليمنيين على حمل السلاح ويصفه بالرجولة والبطولة ، بينما هو ـ ورب السماء ـ سبب من أسباب زيادة القتل ونهب الأراضي والتقطع والبلطجة على خلق الله والاستعراض على الضعفاء والمساكين. وللتذكير: أنا أتحدث عن ( حمل) السلاح، وليس عن ( حيازة ) السلاح.. والفارق بينهما واضح.
|
الناس
أوقفوا الترويج لثقافة القتل!!
أخبار متعلقة