مع الأحداث
القانون هو مجموع القواعد العامة والمجردة التي تحكم سلوك الأفراد وتنظم علاقاتهم في المجتمع.وبهذا فوظيفة القانون هي:إقامة نظام في المجتمع من شأنه أن يصون حريات الأفراد ويحقق مصالحهم ويحفظ كيان المجتمع ويكفل تقدمه ورقيه.وتنتظر اليمن خلال الأشهر الأولى من العام القادم 2009م حدثاً هاماً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقانون؛ ألا وهو الانتخابات النيابية، وكعادة الأحزاب فإن هذا الحدث بالنسبة لها يعد موسماً لقياس مدى القبول الجماهيري لها ومدى فاعليتها في المجتمع ، ولذا فإنها بلا شك قد بدأت تشمر عن ساعد الجد استعداداً لهذه المعركة المشروعة التي يكون فيها الفائز الحقيقي أو الخاسر هو القانون والبلاد لا الأحزاب، لأن مجلس النواب - في الأساس - هو الجهة المخولة بالتشريع وصياغة القوانين .. وتطور البلاد وتنميتها مرهون في الدرجة الأولى بتشريعاتها؛ فإن كان تشريعاً جامداً أو ذا أفق محدود وضيق ولا يلبي احتياجات التنمية ولا يوفر الحماية القانونية اللازمة للحقوق والحريات العامة؛ فإن البلاد بلا شك ستظل ترتكس في غياهب التخلف.. وعلى العكس من ذلك إن كان التشريع مرناً متطوراً يلبي احتياجات التنمية ويسبغ الحماية اللائقة واللازمة للحقوق والحريات وينظم العلاقات بين أفراد المجتمع ومؤسساته وشخصياته بما من شأنه إيجاد بيئة نظيفة وملائمة للتنمية في كل النواحي الاقتصادية والبشرية ؛ فإن البلاد حتماً ستشق طريقها في مسيرة التطور والرقي نحو مستقبل أفضل..ولذا فإن الانتخابات النيابية هي نقطة تحول في حياة المجتمعات والدول، وبذا يكون من الضرورة اختيار المرشحين وفق أسس ومعايير جادة علمية وعملية بعيداً عن تأثير المجاملات والمحاباة لأن عضوية مجلس النواب ليس منصباً سياسياً إنما هو منصب تشريعي بتكليف شعبي .. وإذا كان الدستور اليمني من ضمن ما اشترطه في المرشح لعضوية مجلس النواب أن يجيد القراءة والكتابة (م64) ثم جاء قانون الانتخابات ليقرر طريقة التأكد من توفر هذا الشرط بأنه: تعبأ استمارة طلب الترشيح بخط المرشح نفسه أمام اللجنة الأصلية ويوثق ذلك بمحضر يوقع من قبل اللجنة (م 57ف2) فإن ذلك يعكس مدى الضرورة اللازمة لتصحيح القوانين، ومن بينها هذه المادة بالذات ليكون مفهوم إجادة القراءة الكتابة مرهوناً بحصول المرشح على مستوى علمي معين أو خبرات عملية، لا مجرد المقدرة على تعبئة استمارة أو كتابة كلمات معينة، ولكن للأسف فإنه من المستحيل تعديل هذه المادة طالما وأن كثيراً من المترشحين لمجلس النواب بالكاد ينطبق عليهم هذا الشرط، إضافة إلى أن رصيد بعضهم وخبراته في العمل الوطني والسياسي صفر ..!!!!وإذا كان بعض الفائزين بعضوية مجلس النواب في مستوى محدود جداً من العلم والعمل الوطني؛ فهل ياترى سيشرعون قواعد قانونية تنحيهم جانباً وتتيح المجال لغيرهم من المتخصصين والمؤهلين علمياً وأصحاب الخبرات العملية ؟؟ ( لا أظن ذلك) !!! إلا في حالة غلبوا مصلحة البلاد على مصالحهم الشخصية ..وأظن أننا بدون هذا سنظل نرفل في أتون التخلف القانوني ، وسنظل نراوح مكاننا والعالم يسير وربما يعدو أو لربما يطير نحو التقدم في شتى المجالات..!!إن عضو مجلس النواب وظيفته الأساسية تشريعية، وليست وظيفة خدمية -كما يظن البعض - .. بل وظيفته بشكل أدق: صياغة مبادئ وقواعد وأحكام قانونية، لا تقديم خدمات وتوفير احتياجات المديريات، فهذه الوظيفة الأخيرة هي بعض وظيفة المجالس المحلية.. بيد أنه للأسف جرت العادة على استخفاف بعض المترشحين بعقول الناخبين لا سيما في مديريات الأرياف من خلال ما يصدر عنهم من وعود بتوفير الخدمات والمشاريع و....الخ. كل ذلك في سبيل استقطاب الجماهير وكسب أصواتهم.. وما إن يصل المرشح إلى مبتغاه حتى يفقد مصداقيته وينكث بوعوده، والسبب سبق بيانه.. ولكن لا ننكر أن هناك من الجماهير من تعي بحق وظيفة مجلس النواب ، وهناك من المترشحين من يحترم عقول الناخبين فيمثلهم خير تمثيل في مجلس النواب فيساهم في صياغة القوانين التي تجلب لهم الخير وتوفر لهم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وتوفر لحقوقهم الحماية ولمجتمعهم التقدم والرقي والازدهار.. بيد أن مما يحز في النفس أننا كقانونيين نلاحظ ذلك القصور الذي يعتور بعض القوانين ، ثم نجد ذلك القصور يكرس وربما يتضاعف عند تعديل القوانين وهو الأمر الذي يتوجب معه توعية المواطن بوظيفة مجلس النواب وبأنه ينبغي أن لا يصعد إلى هذا المكان إلا الأشخاص الأكْفَاء ( بسكون الكاف وفتح الفاء مخففة) لا الأكِفّاء (بكسر الكاف وتشديد الفاء) .. والرجل الكفء غير الرجل الكفيف .. و( كلك نظر عزيزي القارئ) ..فالرجل الكفء لهذا المنصب: هو الرجل المؤهل علمياً وعملياً، الرجل الذي همه تنمية البلاد والارتقاء بها، لا مجرد تحقيق ربح ومصالح شخصية فقط.. ولهذا فإنني أتذكر الأمسية الرمضانية التي أقامتها نقابة المحامين اليمنيين فرع عدن أواخر رمضان الماضي والتي تم فيها مناقشة بعض القضايا القانونية الهامة والمتعلقة بالأراضي ومشاكلها .. ومسألة دمج السجل العقاري مع مصلحة أراضي وعقارات الدولة في كيان قانوني واحد (هيئة) .. وسلبيات هذا الإجراء ، ومصير قانونَي: السجل العقاري، وأراضي وعقارات الدولة في ظل هذا الدمج ... إلى أخره من القضايا التي أثراها الزملاء المحامون بنقاشاتهم ومداخلاتهم .. وبحضور نقيب المحاميين اليمنيين الأستاذ/عبدالله راجح وعدد لا بأس به من أعضاء السلطة القضائية..لقد شعرت وأنا استمع لمناقشات الزملاء بالأسى والألم على الوضع القانوني الذي نرزح فيه ، والذي يتطلب منا جميعاً - أفراداً وجماعات- عملاً جاداً ودؤوباً لتصحيحه، لا من أجل أشخاص، بل من أجل البلاد وتنميتها ومستقبلها، هذه البلاد المباركة التي كانت ومازالت أمّاً معطاءة كريمة، وستظل كذلك إن شاء الله، فهاهي تنتظر من أبنائها المخلصين وقفة برٍ جادة ومسئولة؛ تجلي عن طريق مستقبلها كل العوائق، وتدفع بعجلة التنمية والتطور نحو يمن جديد ومستقبل أفضل.وقبيل ختام الأمسية أثلج صدري نقيبنا في عدن الأستاذ/ طاهر منصور وهو يشخص المشكلة، ويدعو لإقامة ندوات وورش عمل لمناقشة مثل تلك القضايا، ثم تطرق لمسألة مهمة جداً وهي: مسألة الانتخابات مشيراً إلى أنه لا بد أن يكون لنقابة المحاميين في عموم محافظات الجمهورية دور بارز فيها، من خلال توعية المواطنين والدفع بهم لممارسة حقوقهم الانتخابية.. والأهم من ذلك الدفع بعدد كبير من القانونيين للترشح في هذه الانتخابات، مؤكداً أن هذا ميدانهم؛ فهم الأجدر والأقدر على إصلاح الوضع التشريعي في البلاد من خلال ما يحملونه من مؤهلات علمية وخبرات عملية لا بد أن تصب في خدمة البلاد والنظام والقانون..أثلج صدري ذلك الكلام الرائع الذي صدر من شخص رائع له خبرة وباع طويل في العمل القانوني، وقلت في نفسي: إن الدنيا بخير طالما وجد من يكون همه الوطن.. وأخيراً.. فقد آن الأوان لرجال القانون أن يتحركوا انتصاراً للقانون، وآن للأحزاب أن تركز في اختيارها للمرشحين على الكوادر المؤهلة والكفوءة (فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له) .. وآن للشعب أن يتحرر من قيود الحزبية الضيقة، فينظر إليها على أنها وسيلة وليست غاية، ويجعل اليمن ووحدتها ومستقبلها المشرق غايته وقبلته ووجهته في هذه الانتخابات التي ننتظرها بشوق وخوف في آن واحد.. وأخيرا أقول للجميع : ( أعطوا القوس باريها) ..