مع الأحداث
حين نشر أحد المواقع الإلكترونية الإخبارية قصة النمساوي الذي احتجز ابنته في قبو منزله وأنجب منها، ثم نشرت بعد أيام قضية فرنسي فعل الأمر نفسه مع ابنته طيلة 26 عاماً، انهالت التعليقات على الموقع حتى بلغت نحو 728 تعليقاً، اهتم نحو 407 منها، أي 56 %، بمواساة الضحايا والدعاء على المجرمين واعتبارهما وحشين بشريين أو مريضين، وبعضها شكك في أحداث القضيتين، وبعضها استنكر نشر هذه القصص، وذهبت البقية في تبادل الشتائم والنكات بين المعلقين أنفسهم. وما يهم في هذا المقام هو التعليقات التي تناولت القضية من زاوية الأنا والآخر، فنحو 8 % رفضت التعميم على الغرب وقررت أن هذه الجرائم لا علاقة لها بدين أو جنس، وأن عندنا جرائم مشابهة لكن لا يُكشف عنها لأنها مقززة ولأن الله يحب الستر، ولأن الضحايا يبلعون آلامهم بسبب نظرة المجتمع. بينما أخذ 262 من مجموع التعليقات، بنسبة 36 %، تسخر من الغرب وتشمت به وتزعم أنها “غير” عن باقي البشر.وهذا يعني أن ثلث المعلقين، أي ثلث المتعلمين العرب، يلصقون كل ما هو معيب بمئات الملايين من البشر بسبب مجرمَين اثنين، فقد “ظهر الغرب على حقيقته.. هذا نتيجة العولمة والتطور وحقوق الإنسان والديمقراطية.. “الغرب النصراني متخلف”.. هؤلاء كالأنعام بل أضلّ سبيلاً.. هؤلاء أكلة لحم الخنزير.. لا ذنب بعد الكفر.. هذا جزاء السخرية من الرسول!”. ووجد القوم الفرصة على طبق من ذهب للاستهزاء ببعض العرب وخلط الأمور وممارسة التضليل، فـ”أين أنتم يا دعاة الليبرالية؟ خذوا يا دعاة تحرير المرأة، اسمعوا يا دعاة التغريب، وهذا درس ثقافي للملحدين العرب”. وقرر هؤلاء بفص “كيبورد” أن “المسلم لا يفعلها.. ليعرفوا قيمة المرأة في الإسلام.. الحمد لله على نعمة الإسلام والعقل.. الحمد لله على نعمة تعدد الزوجات.. نحن خير أمة.. نحن أمة الوسط والشهداء على البشرية.. الحمد لله الذي عافانا وابتلى غيرنا.. الإسلام هو الحل”.لكن لسوء حظ هذا الثلث أن مباراة الانحلال الخلقي بيننا وبين الغرب انتهت بالتعادل، وفتح هؤلاء أفواههم تعجباً وهم يقرؤون عن جريمة عربي متزوج وله ثلاثة أطفال ويعمل “معلماً، كان يعتدي جنسياً على طلابه الذكور والإناث، ومن ضمنهم ابنته. وقبل أن تُمحى هذه الواقعة من ذاكرتهم ويعودوا إلى الاستهزاء بالآخرين ويصفوهم بأنهم دواب وحيوانات، نشر الموقع نفسه خبراً آخر أيقظهم من نومة العظمة وأنهم خير الأمم، فقد فضَّ عربي بكارة ابنته ذات الـ11 ربيعاً واعتدى عليها جنسياً أكثر من مرة ثم باعها مرتين لشبكات دعارة.. لكن الحل دائماً يخرج من قمقم التبرير: هذان الرجلان مجرد مجرمين يستحقان أقصى العقوبة، من دون الإشارة إلى الدين أو الجنس. بسبب هذا الثلث المعطِّل للعقل، يضطر المرء إلى التحدث في البديهيات، مثل كون الانحلال الخلقي ليس ماركة مسجلة باسم أحد دوناً عن العالمين، أو أن الجريمة لا دين ولا جنسية لها، أو أن عدم نشر فضائحنا وجرائمنا لا يعني أنها لا تحدث و”لا يفعلها المسلم”. وقد اختصر أحد المعلقين على قضية “المعلم” العربي هذه الإشكالية العقلية عند هذا الثلث بالقول متهكماً: “أكيد هذا ليس عربيا بل نمساوي، فنحن، والحمد لله على نعمه، لا توجد عندنا مثل هذه الأمور”!* عن / جريدة “الاتحاد” الإماراتية