علي سالمين[c1]باكثير و التوثيق[/c]كما هو الحال ، مع كتابة السيرة الذاتية ، لم يعمل باكثير على توثيق أعماله .. كانت الفوضوية و عدم الترتيب شائعة في سلوك باكثير .. الأمر الذي أسهم هو الآخر في صعوبة دراسة أعماله تاريخياً .. ( تاريخ كتابتها و ليس نشرها ) ...الحالة التي شكلت عملاً ايجابياً من جانب باكثير في العملية التوثيقية، تلك التي تتمثل في كتابه (فن المسرحية ) ، الذي يعد كتاباً توثيقياً لتجربته المسرحية حتى عام 1958م غير انه لم يستمر في تكملة حديثه في تجاربه المسرحية اللاحقة ، ما بعد ما انتهى إليه في كتابه ( فن المسرحية ) . كما أنه لم يشرع في وضع محاضرات أو مؤلفات أخرى، من مثل هذا النوع ، توثق لتجربته في ( فن الشعر ) أو في ( فن الرواية ) .كان الأديب النرويجي هنرك ابسن _ Henrieck Ibsen صاحب رائعة (بيت الدمية A Doll’s House ) يوثق لأعماله وهو حتى مازال يكتبها..يسجل ملاحظاته عن العمل الذي يكتبه ، في دفتر يوميات مستقل يقول في ( نورا ) ، بطلة مسرحيته (بيت الدمية ) : (كانت نورا تأتيني كل ليلة و أنا أكتب المسرحية .. تجلس بجانبي، على فخذ رجلي .. تملي علي قصتها و ترافبني و أنا أكتبها )..( انظر مقدمة المسرحية).. أن عدم التوثيق يضر بتاريخ الأديب ، حين يغيب الإجابات على الأسئلة الكثيرة المحيرة حوله و حول أدبه ؛ من أهمها:متى بدأ ؟ .. و كيف صار ؟ .. و متى و كيف انتهى ؟ ...فن المسرحيةإن من بين مؤلفات علي أحمد باكثير ، ( فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية ) وهو الأهم ذلك إن الكتاب (فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية ) ، أو ( فن المسرحية) ، كما يطلق عليه غالباً تجنباً للإطالة ، يلعب دوراً مهماً و حضوراً علمياً معتمداً في العملية البحثية و الدراسية .. و منذ صدور الكتاب و حتى اللحظة ، بالكاد كتاباً أو دراسة ألم أو ألمت بحياة باكثير لم يستند أو لم تستند إلى هذا الكتاب .. و ليس هناك كاتب أو مختص في باكثير لم يقرأ الكتاب .. و سيظل الاهتمام بالكتاب ضرورة مستمرة مادام هناك من يكتب في باكثير ومادامت الكتابة في باكثير و أدبه مستمرة .فالكتاب على صغر حجمه و محدودية عدد صفحاته و بساطة طباعته و نوع أوراقه و تواضع عملية و أسلوب إخراجه ، إلا انه يشكل أهمية كبيرة و مجالاً واسعاً و ضرورة علمية ، تتجاوز به حدود الحجم والبساطة و التواضع . تكمن أهمية الكتاب ، بما تجعل هذه الأهمية منه ( الكتاب الأهم ) من بين كل ما كتب باكثير و ما خلفه من ارث ، كونه :1 - الكتاب اليتيم ، الذي يضعه الأديب بنفسه عن نفسه، و لم يضعه أو يكتبه غيره . 2 - يتحدث عن بعض من تجارب باكثير الذاتية بلسان الأديب نفسه. 3 - يسجل جانباً صغيراً من سيرته الذاتية ...( في حضرموت .. الحجاز .. مصر ) . هذه القيمة التاريخية الكبيرة لهذا الكتاب الصغير كان مرجعها المشاركة الذاتية _ المباشرة _ في تسجيل جانب من جوانب تجاربه الأدبية ، بشكل رئيس ، و لمحات من سيرة حياته الذاتية .. و على محدودية أو حصرية موضوع الكتاب ، الذي اقتصر على ( فن المسرحية) ، و على قلة المعلومات حول حياته و أحداث سيرة حياته الذاتية ، تلك التي يوردها الأديب في هذا الكتاب أو (الكتيب ) ؛ كأن يذكرها الأديب في بضع كلمات أو في سطر أو في عدد من الأسطر بالكاد توفي حد عبارة متكاملة ، إلا أنها شكلت أهمية معلوماتية قدرها الباحثون و تناقلتها مؤلفاتهم ، و سجلوها بفخر و فرح و فوز .... وهم بنفس الفخر يشيرون إلى الكتاب ، تأكيداً من قبلهم على مرجعيتهم و مصدرهم ، سوى بذكر اسم الكتاب في سياق النص شق منه ( فن المسرحية ) أو كاملاً في حاشية الاقتباس : ( علي أحمد باكثير) فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية (ص .... ، 1958 مصر) . و كذلك يفعلون ، يعيدون تسجيل المرجع مرات في أكثر من موقع من ذات مؤلفهم .. و كذلك يعيدون ذكره ، بتسجيله بتشديد و أهمية و أكثر تفصيل ، في رأس قائمة المراجع آخر مؤلفهم علي أحمد باكثير ، فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية (، 1958 مصر) .. أو غير ذلك ، بما لا يخفي غبطتهم و آية فرحهم..أن كتاب ( فن المسرحية ) في أصله ، قبل أن يخرج لاحقاً في شكل كتاب ، عبارة عن مجموعة من محاضرات ، ألقاها باكثير في مكتب الجامعة العربية بالقاهرة _ بمصر عام 1958م ، تحت مسمى ( فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية ) .. فيها تحدث باكثير عن تجربته الذاتية مع فن المسرح و الكتابة المسرحية .. بدايات التجربة و مراحل تطورها حتى عامه الذي ألقى فيها تلك المحاضرات .. جمعت تلك المحاضرات .. ثم خرجت في كتاب صغير ، أقرب إلى كتيب منه إلى كتاب في شكله و حجمه و طوله ، يحمل ذات عنوان المحاضرات : (فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية ) .يعد الكتاب ( أو المحاضرات ) عملية تتريخية تؤرخ و توثق لتجربة ذاتية و تسجل لمراحل تطورها ، و مراحل الوعي بها و تسجلها ... كما تؤرخ لتجارب و مراحل حياتية أخرى باقتضاب شديد أو بتلميحات سريعة و تسجل لها . و الكتاب بخروجه يشكل وثيقة تاريخية _ أدبية _ ذاتية ... تحمل في طياتها معلومات و أحداث و تجارب _ قلت أو كثرت _ منحها ساردها مصداقية و قيمة و صحة و سلامة و وثوفاً و أمانة علمياً و أدبياً وتاريخياً ... فقد أكسبتها المساهمة المباشرة ، و المبادرة الذاتية والحضور الشخصي و لسان الحال المباشر للأديب ، ذلك البعد العلمي و الأدبي و التاريخي و الوطني .. كما منحها صفة و مكانة الوثيقة الأكثر اعترافاً و الأجدر اعتماداً و الأولى وثوقاً .. [c1]كتاب ( فن المسرحية ) في الثمانينات [/c]كان عقد الثمانينات هو عقد باكثير الفعلي و الصادق .. ذلك أن ، عقد الثمانينات هو العقد و الزمان و التاريخ لبداية تاريخ الاهتمام بباكثير وطنياً .. و لبداية عودته إلى الوطن والى ( سيئون ) ، بعد هجرة وجفاء و غياب جاوزت الـ60 عام ، تقريباً ( منذ عام 1932 - 1985م ) .. ظهرت كتابات كثيرة و دراسات و محاضرات و ندوات و مقالات شكلت الأهم في تاريخ الاهتمام بعلي احمد باكثير ، و ميزها ، عن غيرها من الفترات السابقة أو اللاحقة _ من التي ظهر فيها من الاهتمام بالأديب .. فهي تؤرخ البداية .. تميز الحماس الذي تخللها و الغيرة وروعة التفاعل و ليس في ذلك إنكار لأي جهد لاحق صادق تجاه الأديب باكثير و أدبه . بالضرورة ، جمعيها تخدم العملية (العلمية و الأدبية و التاريخية و التوثيقية الوطنية) لإبراز أهمية و دور ومكانة الايب باكثير .. ولكن يظل عقد الثمانينات الأهم ، و الذي إليه و منه يرجع الفضل في تحقيق الاعتراف و الأنصاف التاريخي و الاجتماعي و الوطني للأديب، و استمرار فعاليات الاهتمام و الاحتفاء به حتى اليوم . في عقد الثمانينات من القرن العشرين الماضي ، شكل كتاب (فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية ) أهزوجة العقد .. كان الاحتفال و الاحتفاء به و الركون عليه هو ما شهد عليه و فيه عقد الثمانينات ... من بين الدراسات المشهودة في عقد الثمانينات ، التي اعتمدت على ( فن المسرحية ) و شكل مرجعها و مصدرها:[c1]1 ) الدكتور عبدالله محمد الغذامي [/c] في العام 1401 هـ - 1981م ، اعتمد الدكتور عبدالله محمد الغذامي، الباحث السعودي و الأستاذ الجامعي في بحثه بعنوان (الشعر الحر و الموقف النقدي حول أراء نازك الملائكة) ، نشر لدى مجلة كلية الآداب جامعة الملك عبدالعزيز - جدة ... و الذي تطرق فيه الغذامي إلى أسبقية باكثير في إنتاج ما يسمى ( بالشعر المرسل أو الحر Blank Verse ) و ذلك قبل ادعاء نازك الملائكة - في حد تعبيره - السبق بنحو 8 أعوام .. ( انظر مقدمة كتاب الدكتور السومحي المذكور أسفل ) .[c1]2 ) الدكتور عبده بدوي في رسالته ( علي احمد باكثير .. شاعراً غنائياً )[/c]عام 1981م ، الدكتور عبده بدوي- أستاذ اللغة و الأدب العربي بكلية الآداب جامعة الكويت ، وقتها - في الرسالة السادسة من حولية كلية الآداب جامعة الكويت ، و التي تحمل عنوان ( علي احمد باكثير .. شاعراً غنائياً ) ... الرسالة تقع في نحو 64 صفحة ... ركز على الجانب الغنائي و قضية الشكل في شعر باكثير...[c1]3 ) الدكتور أحمد عبد الله السومحي وكتابه( علي (أحمد باكثير ، حياته، شعره الوطني والإسلامي) [/c] عام 1982 ، الدكتور أحمد عبد الله السومحى في كتابه ( باكثير ، حياته، شعره الوطني والإسلامي ) عن النادي الأدبي والثقافي ـ جدة - السعودية .. تعرض لحياة باكثير في مراحل مختلفة ، ميلاده .. نسبه .. ثقافته المبكرة والمتأخرة.. زواجه .. شعره الوطني والإسلامي.يعد الكتاب ، حتى الآن ، و إلى حد ما كبير، من أكثر الكتب تقريباً شمولية من بين الكتب التي اهتمت بباكثير. [c1]4 ) مهرجان باكثير الأول .. بسيئون [/c]في الفترة من 21 _ 23 ديسمبر1985م أحتفل بمدينة سيئون ولأول مرة بمهرجان باكثير الأول . حيث أقام اتحاد كتاب وأدباء اليمن مهرجاناً بمناسبة مرور 75 عام على ميلاد الأديب على أحمد باكثير.حضر المهرجان عدد كبير من رجال الدولة و الثقافة اليمنية و العربية .. القيت الكلمات والمحاضرات القيمة .. جمعت فيما بعد في كتاب يحمل عنوان ( وثائق مهرجان با كثير) .. صدر عن دار الحداثة ــ بيروت عام 1988، وهو ضمن مجموعة ( كتاب الحكمة ).[c1]5 ) الدكتور محمد أبوبكر حميد في محاضرة علي أحمد باكثير .. العطاء و الجزاء [/c]و في 30 مارس 1987م ، بمدينة سيئون ، ألقى الدكتور(محمد أبوبكر حميد) محاضرته الشهيرة الموسومة ( باكثير .. العطاء و الجزاء). محاضرة قيمة جديرة بالاهتمام و التوثيق . في هذه المحاضرة استند (حميد) في إطار حديثه عن (نبوءات باكثير) على احاديث لباكثير في كتاب (فن المسرحية).. من مثل حديث باكثير في مسرحيته (شيلوك الجديد) 1945م ، و التي تنبأ فيها باكثير بسقوط فلسطين ، قبل سقوطها بثلاثة أعوام ... و كذلك حديث الدكتور (حميد) في مسرحية باكثير (مسمار جحا) 1952.. كانت المرجعية فيها إلى كتاب (فن المسرحية). وبالمثل ، شكل كتاب ( فن المسرحية ) المرجع الأهم و الضروري للدكتور محمد ابوبكر حميد في دراسته لنيل درجة (الماجستير والدكتوراه ) في أدب علي احمد باكثير، في أمريكا.