غضون
- عندما كان عدد القضايا المرفوعة على الصحف يزداد ظهرت في السنوات القليلة الماضية أصوات تطالب بمحاكم متخصصة في قضايا الصحافة، ومن تلك الأصوات أعداد كبيرة اليوم تعارض المحكمة بعد أن صار وجودها أمراً واقعاً..كانوا يقولون إن محاكمة صحيفة أمام محكمة جنائية لا يجوز وإن رفع دعاوى ضد الصحف إلى المحكمة الجزائية المتخصصة مخالف للدستور كونها محكمة أمن دولة وأيضاً هي محكمة استثنائية وقالوا أيضاً إن صحفياً يحاكم أمام محكمة متخصصة بالإرهاب بينما الصواب أن يحال إلى متخصصة بالأحوال المدنية .. وقالوا إن مهنة الصحافة مهنة ذات طبيعة خاصة ويجب أن تكون لقضاياها محاكم نوعية تحسن فهمها .. وقالوا أيضاً إن بلداناً عربية وغير عربية تتعامل مع الصحفيين تعاملاً راقياً وأوجدت لذلك مباحث صحافة ونيابات صحافة ومحاكم صحافة تحسم المنازعات دون تطويل وتطبق القانون دون لبس أو ظلم.- نعم .. لقد قالوا مثل هذا وأكثر منه .. واليوم عندما أنشأ مجلس القضاء الأعلى محكمة متخصصة بشؤون الصحافة وعين لها قاضياً محترفاً غيروا مواقفهم فقالوا إنها استثنائية وغير دستورية و”تصعيد خطير” ويعتصمون من أجل إلغائها .. بينما هي محكمة متخصصة في إطار القضاء الطبيعي كغيرها من المحاكم المتخصصة بالتجارة والمال العام وحتى الأحداث .. إن حملة الرفض هذه غير مبررة، وأصحابها يتحدثون عن مخالفات ومحاذير حول تجربة لم يخوضوها بعد، ويحذرون من “أمر خطير” لمحكمة لم تنظر في قضية واحدة بعد.- لن أزكي قرار مجلس القضاء بإنشاء هذه المحكمة ولن أجاري حماس وزير الإعلام لها، لكني أرى أن الزوبعة المثارة حول المحكمة مبالغ فيها بل لا مبرر لها، وكان على أصحاب تلك الزوبعة أن يتبنوا موقفاً آخر، مثل الدعوة إلى المشاركة في إيجاد صيغ للتعاون بين النقابة والمحامين والمحكمة تضمن تحقيق الأهداف التي من أجلها استحدثت هذه المحكمة المتخصصة بقضايا الصحافة والمطبوعات .. فجزء من المشكلة التي كانت عندنا ترجع إلى تشتيت قضايا الصحافة أمام أكثر من محكمة كما ترجع إلى قضاة يتعامل بعضهم مع جريمة النشر كما يتعامل مع جريمة القتل أو الحرابة أو السرقة، فضلاً عن أخطاء في فهم النصوص القانونية وإطالة فترة التقاضي .. فدعونا نجرب المحكمة القادمة .. وعلينا أن لا نحصر توقعاتنا في المساوئ والشرور.