بمناسبة الذكرى الثالثة للحرب التي شنتها القوات الاميركية والبريطانية على العراق نشر فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية "نهاية التاريخ" الشهيرة مقالا مهما في العدد الأخبر من مجلة ((نيويورك تايمز ماغازين )) تناول فيه من مواقع ليبرالية يمينية محافظة المرحلة الراهنة من التدخل الأمريكي في العراق وتداعياته على اوضاع الشرق الأوسط لجهة التحولات على طريق الديمقراطية بما هي احد الأهداف الرئيسية المعلنة لهذه الحرب.و يقدم فرنسيس فوكو ياما في هذا المقال تحليلا معمقا يسلط الأضواء من خلاله على الأبعاد السياسية والفكرية للمأزق الاميركي الراهن في العراق ، ومأزق برنامج نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط الذي تموله وترعاه الولايات المتحدة الاميركية، مؤكدا على ان الديمقراطية والاصلاحات يجب ان تكون مطلبا محليا بعيدا عن تدخلات من وصفهم بـ (( الأغراب )) .ونظرا ً لأهمية هذا المقال يسر مركز المعلومات في صحيفة ( 14 اكتوبر ) ان يقدم للقراء الكرام ترجمة له باللغة العربية تعميما للفائدة .بحلول الذكرى الثالثة لبداية حرب العراق، يبدو من غير المرجح أن يقيم التاريخ التدخل نفسه أو الأفكار التي أثارته بشكل مؤات. لقد خلقت إدارة بوش، بغزو العراق، نبوءة حققتها بنفسها: حل العراق الآن مكان أفغانستان كمغناطيس و أصبح أرضا للتدريب وقاعدة جهاد للجهاديين الإرهابيين، بوجود الكثير من الأهداف الأميركية لإطلاق النار عليها. لا يزال أمام الولايات المتحدة فرصة لخلق ديموقراطية يهيمن عليها الشيعة في العراق، لكن الحكومة الجديدة ستكون ضعيفة جدا لسنوات مقبلة. سيشجع فراغ السلطة الذي سينتج عن ذلك، التدخل الخارجي من كافة الدول المجاورة للعراق، وبينها إيران طبقا ً لمنظور المحافظين الجدد في الادارة الأميركية. حقق الشعب العراقي فوائد واضحة من إسقاط دكتاتورية صدام حسين، وربما هناك تأثيرات إيجابية فائضة في لبنان وسوريا. لكن من الصعب رؤية كيف أن هذه التطورات تبرر بنفسها الدماء التي أراقتها الولايات المتحدة والثروات التي أنفقتها على المشروع حتى هذه اللحظة. أصبح الآن ما يسمى مذهب بوش، الذي أرسى الإطار الايديولوجي بالنسبة للولاية الأولى للإدارة، في حالة ارتباك كلي. يفيد المذهب (الذي طور، بين أماكن أخرى، في استراتيجية الأمن القومي الأميركي للعام 2002) بأن أميركا، على اثر هجمات 11 سبتمبر، ستشن حروبا وقائية بشكل دوري كي تدافع عن نفسها ضد الدول المارقة والإرهابيين الذين يملكون أسلحة دمار شامل، وبأنها ستقوم بذلك منفردة، إذا اقتضى الأمر، وبأنها ستعمل على دمقرطة الشرق الأوسط الكبير كحل طويل الأمد لمشكلة الإرهاب. لكن وقاية ناجحة تعتمد على القدرة على التنبؤ بالمستقبل على نحو دقيق، وعلى استخبارات جيدة، لم تكن في المتناول، في وقت أدت أحادية أميركا المرتقبة إلى عزلها على نحو غير مسبوق. ليس مفاجئا أن الإدارة، في ولايتها الثانية، تبعد نفسها عن هذه السياسات، وهي في طور إعادة صياغة وثيقة استراتيجية الأمن القومي. لكن استخدام القوة الأميركية لتعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان في الخارج يعتبر جهدا مثاليا قد يصاب بالنكسات الكبرى. أعاد الفشل المستشرف في العراق وزن السياسة الخارجية((الواقعية)) الموجودة في تعاليم هنري كيسنجر. هناك بالفعل كمّ وفير من الكتب والمقالات التي تنتقد الولسونية الأميركية الساذجة وتهاجم مفهوم محاولة دمرقطة العالم. أدت جهود الإدارة في ولايتها الثانية الهادفة لإرساء ديموقراطية شرق أوسطية أوسع، والتي أدخلها بوش في خطاب تنصيبه للولاية الثانية، إلى نتائج مثيرة جدا للجدل. قامت جماعة الإخوان المسلمين بعرض قوي في الانتخابات المصرية التي جرت في نوفمبر وديسمبر 2005 ، وفيما كان مجرد إجراء الانتخابات في العراق في ديسمبر الماضي انجازا بحد ذاته، إلا أن التصويت أدى إلى صعود الكتلة الشيعية ذات العلاقات الوثيقة مع إيران ( عقب انتخاب المحافظ محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران في يونيو 2005). لكن الأمر الحاسم كان النصر القاطع لحماس في الانتخابات الفلسطينية الشهر الماضي، الذي أوصل إلى السلطة حركة تكرس نفسها علنا لتدمير إسرائيل. قال بوش، في خطاب تنصيبه الثاني، إن (( المصلحة الحيوية لأميركا ومعتقداتنا الأكثر عمقا أصبحت الآن واحدة))، لكن تكاليف ذلك دفعت بوتيرة متزايدة إلى حد قامت الإدارة بخطأ كبير عندما حركت الوعاء، وأن الولايات المتحدة كانت ستقوم بعمل أفضل لو أنها بقيت واقفة إلى جانب أصدقائها التقليديين الاستبداديين في الشرق الأوسط. في الواقع، لقد تعرض جهد تعزيز الديموقراطية في العالم لهجوم باعتباره نشاطا غير شرعي سواء من قبل الواقفين على اليسار مثل جيفري ساتش او من قبل المحافظين التقليديين مثل بات بوكانان. قد لا تنتهي ردة الفعل ضد إرساء الديموقراطية وضد سياسة خارجية نشطة عند هذا الحد. دعم أولئك الذين وصفهم والتر روسيل بأنهم جاكسونيون محافظون (أميركيون من الولايات الجمهورية، يقاتل أبناؤهم وبناتهم ويموتون في الشرق الأوسط) حرب العراق لأنهم اعتقدوا أن أولادهم يدافعون عن الولايات المتحدة ضد الإرهاب النووي، وليس من أجل إرساء الديموقراطية. لا يريدون التخلي عن الرئيس في خضم حرب قاسية، لكن الفشل المرتقب للتدخل في العراق قد يدفع بهم إلى تفضيل سياسة خارجية أكثر انعزالية، وهو موقف سياسي أكثر طبيعية بالنسبة إليهم. أشار استطلاع رأي حديث لمركز (( بيو )) إلى تحول في الرأي العام نحو الانعزالية؛ بلغت نسبة الأميركيين الذين يقولون إن الولايات المتحدة ((يجب أن تهتم بشؤونها الخاصة)) حدا هو الأكبر منذ نهاية حرب فيتنام. كان المحافظون الجدد، من داخل إدارة بوش وخارجها، من دفع، أكثر من أي مجموعة أخرى، باتجاه دمقرطة العراق والشرق الأوسط الكبير. نالوا الكثير من الفضل (أو تعرضوا للوم) لأنهم كانوا الأصوات الحاسمة في تشجيع تغيير النظام في العراق، ومع ذلك، سيتعرض جدول أعمالهم الأكثر مثالية لهذا للتهديد المباشر الأكبر خلال الأشهر والأعوام المقبلة. أن تنسحب الولايات المتحدة من الساحة العالمية، عقب تراجع في العراق، سيكون، من وجهة نظري، مأساة ضخمة، لأن القوة والنفوذ الأميركيين كانا حاسمين في الحفاظ على نظام منفتح وديموقراطي أكثر فأكثر حول العالم. لا تكمن مشكلة جدول أعمال المحافظين في نهاياته، وهي أميركية كفطيرة التفاح، وإنما في الوسائل المعسكرة أكثر مما ينبغي، والتي سعوا إلى تطبيقه من خلالها. ما تحتاج اليه السياسة الخارجية الأميركية ليس العودة إلى الواقعية الضيقة والمتشائمة، وإنما إلى اعادة صياغة ((الواقعية الولسونية)) التي تتلاءم فيها الوسائل مع نهاياتها. [c1]إرث النزعة المحافظة الجديدة [/c]كيف انتهى الأمر بالمحافظين الجدد إلى المغالاة إلى حد جعلهم يخاطرون بتقويض أهدافهم؟ لم تنبثق السياسة الخارجية لإدارة بوش الأولى، بشكل يتعذر تجنبه، من أفكار الجيل الأول للأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم محافظين جدداً، كون هذه الأفكار كانت معقدة وخضعت لتفسيرات مختلفة. أربعة مبادئ أو خيوط مشتركة ميزت معظم هذه الأفكار المستنبطة من خلال نهاية الحرب الباردة: اهتمام بالديموقراطية وحقوق الإنسان، وبشكل أعم، السياسات الداخلية للدول ، الاعتقاد بأنه يمكن استخدام القوة الأميركية لأهداف أخلاقية؛ التشكيك بقدرة القوانين والمؤسسات الدولية على حل المشاكل الأمنية الخطيرة؛ وأخيرا، فكرة أن هندسة اجتماعية طموحة تؤدي غالبا إلى نتائج غير متوقعة وهي تقوض بذلك نتائجها الخاصة. تكمن المشكلة في أن اثنين من هذه المبادئ كانا في حالة تصادم محتمل. افترض الموقف المشكك حيال الهندسة الاجتماعية الطموحة التي طبقت في السنوات السابقة في الغالب على سياسات محلية مثل السلوك الإيجابي والنقل بالحافلات والرفاهية مقاربة حذرة لإعادة تشكيل العالم، وإدراكا بأن للمبادرات الطموحة دائما نتائج غير متوقعة. أما الاعتقاد بالاستخدام الأخلاقي المحتمل للقوة الأميركية فهو يعني ضمنا، من جهة أخرى، أن الفعالية الأميركية يمكن أن تعيد تشكيل بنية السياسات العالمية. في زمن حرب العراق، تغلب الاعتقاد بالاستخدام التغييري للقوة على الشكوك بشأن الهندسة الاجتماعية. باستعادة الماضي، لم يكن للأمور أن تتطور على هذا النحو. تمتد جذور المحافظية الجديدة إلى مجموعة استثنائية من المثقفين، شريحة واسعة منهم من اليهود، الذين مروا بـ (( سيتي كولج أوف نيويورك)) و ((سي سي أن واي)) من منتصف وأواخر الثلاثينيات إلى أوائل أربعينيات القرن الماضي. وتتضمن هذه المجموعة ايرفين كريستول ودانيال بيل وايرفينغ هو وناثان غلازير، وفي وقت لاحق بعض الشيء، دانييل باتريك موينيهان. رويت قصة هذه المجموعة في عدد من الأماكن، كان الأكثر شهرة منها فيلما وثائقيا لجوزيف دورمان يدعى (( ارغيوينع ذي وورلد)). كان الإرث الأكثر أهمية في مجموعة (سي سي أن واي) اعتقادا مثاليا بتقدم اجتماعي وعالمية الحقوق مقرونة بمعادة شديدة للشيوعية. ليس صدفة أن العديد من مجموعة (سي سي أن واي) بدأوا كتروتسكيين. كان ليون تروتسكي نفسه، بالطبع، شيوعيا، لكن أنصاره فهموا أفضل من أكثرية الناس الكليانية المطلقة للنظام الستاليني ووحشيته. تعاطف اليسار المعادي للشيوعية، على عكس اليمين الأميركي التقليدي، مع الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للشيوعية، لكنهم بدأوا يدركون، في خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، أن ((النظام الاشتراكي القائم)) أصبح عبارة عن فظاعة من النتائج غير المقصودة التي قوضت بالكامل الأهداف المثالية التي اعتنقتها. وفي وقت لم يصبح جميع مفكري ال(سي سي أن واي) محافظين جددا، كان خطر النوايا الجيدة التي دفعت إلى نهاياتها، الفكرة الرئيسية التي ستشكل ركيزة عمل العديد من أعضاء هذه المجموعة. إذا كانت هناك فكرة رئيسية وحيدة تهيمن على انتقادات السياسة الاجتماعية المحلية، والتي صدرت عن أولئك الذين كتبوا في صحيفة المحافظين الجدد، » ذي بابليك انترست«، التي أسسها إيرفينغ كريستول وناتان غلازر ودانييل بيل في العام 1965، فهي حدود الهندسة الاجتماعية. يقول كتاب مثل غلازر وموينيهان، وفي وقت لاحق، غلين لوري، إن الجهود الطامحة لعدالة اجتماعية غالبا ما تركت المجتمعات في حال أسوأ مما كانت عليه من قبل، لأنها إما تطلبت تدخلا كبيرا من قبل الدولة عطل علاقات اجتماعية موجودة أصلا (على سبيل المثال، النقل الإجباري بالحافلات)، وإما أدت إلى نتائج غير متوقعة (مثل تزايد عدد الأهل العزاب نتيجة الرفاهية). كانت الفكرة الرئيسية من خلال الكتابات المكثفة لجيمس ويلسون حول الجريمة أنك لا تستطيع أن تخفض معدل الجريمة عبر محاولة حل المشاكل التحتية العميقة مثل الفقر والعنصرية؛ على السياسات الفعالة أن تركز على إجراءات قصيرة الأمد تعالج عوارض الخطر الاجتماعي (الاستجداء في الأنفاق والكتابة على الجدران) عوضا عن استئصال الأسباب. كيف، إذاً، قررت مجموعة لها تاريخ كهذا أن ((السبب الجوهري)) للإرهاب يكمن في نقص الديموقراطية في الشرق الأوسط، وأن الولايات المتحدة تملك الحكمة والقدرة على حل هذه المشكلة، وأن الديموقراطية ستأتي سريعا إلى العراق بلا ألم؟ ما كان المحافظون الجدد سيتخذون هذا الاتجاه لولا الطريقة الغريبة (أو الفريدة) التي انتهت بها الحرب الباردة. سخر الأشخاص رفيعو الثقافة في اليسار الأميركي وفي أوروبا من رونالد ريغان كونه وصف الاتحاد السوفياتي وحلفاءه بأنهم ((مبراطورية الشر)) وتحدى ميخائيل غورباتشيف بألا يصلح نظامه فقط وإنما (( يسقط هذا الجدار)) . اتهم نائب وزير دفاعه لسياسة الأمن الدولي، ريتشارد بيرل، بأنه (( أمير الظلام )) على هذا الموقف المتصلب والمتطرف؛ هوجم اقتراحه للصفرين في المحادثات بشأن الأسلحة النووية ذات المدى المتوسط (أي التخلص الكامل من الصواريخ متوسطة المدى) باعتباره خارج السياق بشكل ميؤوس منه، وذلك من قبل خبراء سياسة خارجية ذوي وزن من الوسط، في أماكن مثل مجلس العلاقات الخارجية ووزارة الخارجية. شعرت هذه الجماعة بأن الريغانيين كانوا مثاليين بشكل خطير في أملهم بربح الحرب الباردة حقا، كمقابل لإدارتها. ومع ذلك، فإن النصر الكامل في الحرب الباردة هو بالتحديد ما حصل في العامين 1989 و1991 . قبل غورباتشيف، ليس فقط بالصفرين، وإنما أيضا بتقليص كبير في القوات التقليدية، ومن ثم عجز عن وقف انشقاقات بولندا والمجر وألمانيا الشرقية عن الإمبراطورية. انهارت الشيوعية خلال عامين بسبب ضعفها الأخلاقي وتناقضاتها الداخلية، وتبخر تهديد حلف وارسو للغرب مع تغير الأنظمة في أوروبا الشرقية وفي الاتحاد السوفياتي السابق. حددت الطريقة التي انتهت بها الحرب الباردة تفكير أنصار حرب العراق، وبينهم المحافظون الجدد الأصغر سنا مثل وليام كريستول وروبرت كايغان، بطريقتين: الأولى، يبدو أنها خلفت اعتقادا بأن جميع الأنظمة التوتاليتارية فارغة في جوهرها وستنهار بدفعة صغيرة من الخارج. كانت رومانيا تحت حكم تشاوشيسكو النموذج عن ذلك: ما إن ماتت الساحرة الشريرة، حتى استيقظ الأقزام وبدأوا ينشدون الأغاني فرحين بتحريرهم. وكما يقول كريستول وكيغان في كتابهما (( بريزينت دانجر )) (الخطر الحالي) الصادر في العام 2000: (( كثير من الأفكار بشأن استخدام أميركا لقوتها من أجل تشجيع تغيير أنظمة في بلدان يحكمها استبداديون تملأها المثالية. لكنها، في الواقع، واقعية بشكل بارز. هناك شيء من الحماقة في إعلان استحالة إرساء التغييرات الديموقراطية في الخارج في ضوء سجل العقود الثلاثة الماضية)). يساعد التفاؤل المفرط بشأن الانتقال إلى الديموقراطية في مرحلة ما بعد الحرب في تفسير الفشل غير المفهوم لإدارة بوش في التخطيط بشكل ملائم للتمرد الذي ظهر بعد سقوط نظام الديكتاتور صدام حسين في العراق. بدا أن أنصار الحرب فكروا أن الديموقراطية كانت نوعا من الحالة المفقودة التي عادت إليها المجتمعات ما إن حصل التغيير القسري للنظام الثقيل الحمل، بدلا من عملية طويلة المدى من بناء المؤسسات والإصلاح. برغم أنهم يؤكدون الآن أنهم لطالما كانوا يعلمون أن التحول الديموقراطي للعراق سيكون طويلا وصعبا، لكنهم أخذوا على حين غرة. وفقا لآخر كتاب لجورج باكر حول العراق، (( ذي اساسينز غايت)) (بوابة الاغتيالات)، خطط البنتاغون لتقليص عدد القوات الأميركية إلى نحو 25 ألف جندي في نهاية الصيف الذي يلي الغزو. مع حلول تسعينيات القرن الماضي، جرى رفد المحافظية الجديدة بالعديد من الروافد الثقافية الأخرى. جاء أحد من هذه الروافد من تلامذة المنظّر السياسي اليهودي الألماني، لفيس شتراوس، الذي كان، على عكس الكثير من الكتابات التافهة حوله من قبل أشخاص مثل آن نورتون وشاديا دروري، قارئا جادا للنصوص الفلسفية ولم يبد آراء حول السياسات المعاصرة أو القضايا السياسية. لقد كان، على العكس، مهتما بـ ((أزمة الحداثة)) التي طرحتها نسبية نيتشيه وهايدغر، كما بواقعة أنه لا يمكن تنقية السياسات لا من إدعاءات الدين ولا من الآراء المحمّلة بعمق حول طبيعة الحياة الجيدة، كما كان يأمل مفكرو عصر التنوير الأوروبيون. أتى رافد آخر من البرت والستتر، وهو استراتيجي من مؤسسة ((راند)) كان أستاذا لريتشارد بيرل وزلماي خليل زاد (السفير الأميركي الحالي في العراق) وبول وولفوفيتز (النائب السابق لوزير الدفاع)، وآخرين. كان والستتر شديد الاهتمام بمشكلة الانتشار النووي وبواقعة أن اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية للعام 1968 تركت منافذ، في دعمها للطاقة النووية ((السلمية))، واسعة بما يكفي لبلدان، مثل العراق وإيران، لتمر عبرها. لدي ارتباطات عديدة بتيارات مختلفة تابعة لحركة المحافظين الجدد. كنت تلميذا لآلان بلوم، الذي كان يرعاه شتراوس، والذي كتب سلسلة (( ذي كلوزينغ أوف أميركيان مايند)) (انغلاق العقل الأميركي)؛ وعملت في ((اند)) ومع والستتر حول قضايا الخليج الفارسي، وعملت أيضا في مناسبتين مع وولفوفيتز. فسر العديد من الأشخاص كتابي ((نهاية التاريخ والرجل الأخير)) (1992) بأنه كتاب دعاية سياسية للمحافظية الجديدة باعتباره دافع عن الفكرة القائلة إن هناك توقا عالميا للحرية في جميع الناس سيؤدي بهم حتما إلى الديموقراطية الليبرالية، وإننا نعيش وسط حركة تحول تتزايد سرعتها لصالح الديموقراطية الليبرالية تلك. إن ذلك يشكل قراءة خاطئة للنقاش. إن ((نهاية التاريخ)) في آخر المطاف، نقاش حول الحداثة. ما هو عالمي بالأساس ليس الرغبة بديموقراطية ليبرالية، وإنما الرغبة بالعيش في مجتمع حديث أي متقدم تكنولوجيا ومزدهر والتي، إذا ما أشبعت، تميل إلى تحفيز مطالب بالمشاركة السياسية. الديموقراطية الليبرالية هي إحدى النتائج الثانوية لعملية التحديث تلك، أمر يصبح تطلعا عالميا فقط في سياق الزمن التاريخي. بعبارة أخرى، تقدم فكرة ((نهاية التاريخ)) نوعا من الحجة الماركسية لوجود عملية طويلة الأمد للتحول الاجتماعي، لكنها عملية تنتهي بالديموقراطية الليبرالية بدلا من الشيوعية. بحسب صياغة العالم كين جويت، كان موقف المحافظين الجدد، الذي أوضحه أشخاص مثل كريستول وكاغان، على العكس من ذلك، لينينيا ، اعتقدوا أنه يمكن دفع التاريخ إلى الأمام عبر الاستعمال الصائب للقوة والإرادة. كانت اللينينية مأساة في شكلها البولشيفي ، وعادت كمسرحية هزلية عندما طبقتها الولايات المتحدة. لقد تطورت الليبرالية المحافظية الجديدة، كرمز سياسي وفكر، إلى شيء لم أعد قادرا على دعمه. [c1]فشل الهيمنة الخيرة [/c]لم تسئ إدارة بوش، وأنصارها من المحافظين الجدد، فقط تقدير صعوبة الوصول إلى نتائج سياسية ملائمة في أماكن مثل العراق؛ لقد أساؤوا أيضا فهم الطريقة التي سيرد بها العالم على استخدام القوة الأميركية. كانت الحرب العالمية مفعمة، بالطبع، بأمثال عما يسميه محلل السياسة الخارجية ستيفان سيستانوفيتش ((الدفع الأميركي نحو الأقصى))، الذي قامت من خلاله واشنطن بالعمل أولا ومن ثم سعت إلى المشروعية والدعم من حلفائها فقط بعد حصول الواقعة. لكن في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، تغيرت الحالة البنيوية للسياسات العالمية بطرائق جعلت نوعا كهذا من استخدام القوة مثيرا للجدل، حتى في نظر أقرب الحلفاء. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، قال كتاب متعددون من المحافظين الجدد، مثل تشارلز كروثامر وويليام كريستول وروبرت كاغان، إن الولايات المتحدة ستستخدم هامشها من القوة لممارسة نوع من (( الهيمنة الخيرة)) على بقية العالم، وحل مشاكل مثل قضية الدول المارقة مع أسلحة الدمار الشامل وانتهاكات حقوق الإنسان والتهديدات الإرهابية التي هي في حال تصاعد. فكر كريستول وكاغان، من خلال كتاباتهم قبل حرب العراق، في ما إذا كان هذا الوضع سيحرض على مقاومة من بقية العالم، واستنتجا أنه ((بالتحديد لأن السياسة الخارجية الأميركية مشبعة بدرجة عالية، على نحو غير مألوف، بالأخلاقيات، فإن هناك القليل أمام البلدان الأخرى لتخشاه من قوتها المروعة)). من الصعب قراءة هذه السطور من دون سخرية في ضوء ردة الفعل العالمية على حرب العراق، والتي نجحت في توحيد جزء كبير من العالم في نوبة جنون ضد الأمركة. إن فكرة أن الولايات المتحدة هي مهيمن أكثر خيرا من كثر، ليست بالفكرة المنافية للعقل (أو السخيفة)، لكن كانت هناك إشارات تحذير على أن الأمور قد تغيرت في علاقة أميركا بالعالم قبل وقت طويل من بداية حرب العراق. بات اختلال التوازن البنيوي في القوة العالمية ضخما. تجاوزت أميركا بقية العالم في أبعاد القوة كلها وبهامش لا سابق له، مع إنفاق عسكري يساوي مثيله في بقية العالم مجتمعا. سبق أن أثارت الهيمنة الاقتصادية الأميركية، خلال سنوات حكم كلينتون، عداء كبيرا لمسار عولمة تهيمن عليه أميركا، وفي الغالب من جانب حلفاء ديموقراطيين مقربين منها اعتقدوا أن الولايات المتحدة تسعى إلى فرض نموذجها الاجتماعي المعادي للدولة عليهم. هناك أيضا أسباب أخرى لعدم تقبل العالم للهيمنة الأميركية الخيرة. في المقام الأول، بنيت على الاستثنائية الأميركية فكرة أنه يمكن لأميركا، على سبيل المثال، أن تستخدم قوتها عندما يعجز الآخرون لأنها أكثر استقامة أخلاقيا من البلدان الأخرى. شكلت الوقائية ضد التهديدات الإرهابية، والتي تضمنتها استراتيجية الأمن القومي للعام 2002، مذهبا لا يمكن تعميمه بشكل آمن على امتداد النظام الدولي؛ ستكون أميركا أول من يعترض في ما لو أعلنت روسيا أو الصين أو الهند أو فرنسا عن حق مشابه في التصرف الأحادي. كانت الولايات المتحدة تسعى إلى فرض رأيها على الآخرين في وقت كانت غير راغبة في أن يكون سلوكها الخاص موضع تساؤل في أماكن مثل المحكمة الجنائية الدولية. كانت المشكلة الأخرى مع الهيمنة الخيرة محلية. هناك حدود صارمة لاهتمام الشعب الأميركي بالشؤون الخارجية ولرغبته في تمويل مشاريع عبر البحار لا يكون لها فوائد واضحة على المصالح الأميركية. غيرت هجمات 11 سبتمبر هذه الحسابات بطرائق عديدة، موفرة دعما شعبيا لحربين في الشرق الأوسط وزيادة كبيرة في الإنفاق العسكري. إلا أن استمرارية هذا الدعم مشكوك فيها: برغم أن معظم الأميركيين يريدون القيام بكل ما هو ضروري لإنجاح مشروع إعادة أعمار العراق، لم تزد نتيجة الغزو الشهية الشعبية لمزيد من التدخلات المكلفة. ليس الأميركيون، بطبيعتهم، شعبا إمبرياليا. يجب حتى على المهيمنين الخيرين أن يتصرفوا، في بعض الأوقات، بلا رحمة، وهم يحتاجون إلى قوة داعمة لا يحصل عليها بسهولة الناس القانعون بعقلانية بحياتهم وبمجتمعهم. وأخيرا، تفترض الهيمنة الخيرة أن المهيمن يجب ألا تكون نواياه حسنة فقط، وإنما يجب أن يكون مؤهلا أيضا. لم يكن الكثير من انتقادات الأوروبيين وغيرهم للتدخل في العراق يستند إلى حجة معيارية بأن الولايات المتحدة لم تكن تحظى بتفويض من مجلس الأمن الدولي، وإنما إلى الاعتقاد بأنها لم تقدم حججا كافية لغزو العراق في المقام الأول وأنها لم تكن تعلم ماذا كانت تفعل في محاولة دمقرطة العراق. كانت الانتقادات، لسوء الحظ، في هذا الأمر، متبصرة. شكل الإفراط في تقدير التهديد الذي يشكله الإسلام السياسي (الراديكالي) على الولايات المتحدة، سوء التقييم الأكثر جوهرية. برغم أن الإمكانية الجديدة والمشؤومة لإرهابيين لا رادع لهم مزودين بأسلحة دمار شامل قد أوجدت نفسها بالفعل، إلا أن المدافعين عن الحرب قد خلطوا ذلك، خطأ، بالتهديد الذي مثله العراق، بالدول المارقة، ومشكلة الانتشار النووي بشكل أعم. استند سوء التقدير، جزئيا، إلى الفشل الكبير لجماعة الاستخبارات الأميركية في التقييم الصحيح لوضع برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل الحرب. لكن جماعة الاستخبارات لم تنظر أبدا إلى تهديد الإرهاب بأسلحة الدمار على أنه يثير إنذارا، كما فعل مؤيدو الحرب. ثم، استخدم التقدير المغالي لهذا التهديد لتبرير رفع الحرب الوقائية إلى مقام الاستراتيجية الأمنية الجديدة، كما سلسلة كاملة من الإجراءات التي انتهكت الحريات المدنية، من سياسة الاعتقال إلى التنصت الداخلي. [c1]ما العمل [/c]الآن، وقد مرت لحظة المحافظين الجدد كما يبدو، تحتاج الولايات المتحدة لأن تعيد صياغة الجهاز المفاهيمي لسياستها الخارجية بطرائق جوهرية عديدة. علينا أولا تجريد ما ندعوها الحرب العالمية على الإرهاب من طابعها العسكري والانتقال إلى نوع آخر من أدوات السياسة. إننا نخوض حربا طاحنة ضد التمرد في أفغانستان والعراق، وضد الحركة الجهادية الدولية، حروب نحتاج لأن ننتصر فيها. لكن تعبير (( حرب)) يشكل استعارة خاطئة للصراع الأوسع، كون الحروب تخاض بقوة كاملة ولها بدايات ونهايات. تعتبر مواجهة تحدي الجهاديين نوعا من (( صراع ضبابي طويل )) جوهره ليس حملة عسكرية وإنما منافسة سياسية على قلوب المسلمين العاديين، وعقولهم، حول العالم. وكما توحي الأحداث الأخيرة في فرنسا والدنمارك، ستكون أوروبا ساحة قتال مركزية في هذه الحرب. يجب على الولايات المتحدة أن تخرج بشيء أفضل من ((تحالف الراغبين)) لشرعنة تعاملها مع البلدان الأخرى. يفتقد العالم اليوم مؤسسات دولية فعالة يمكن أن تمنح الشرعية للعمل الجماعي؛ سيشكل إنشاء منظمات جديدة توازن بشكل أفضل بين المتطلبات الثنائية للشرعية والفعالية، مهمة رئيسية أمام الجيل المقبل. كنتيجة لأكثر من 200 عام من النمو السياسي، أصبح لدينا فهم جيد نسبيا لكيفية إقامة مؤسسات، فعالة بشكل عقلاني، تقيدها القواعد ويمكن الاعتماد عليها، في المخازن العمودية التي نسميها دولا. ما ينقصنا هو آليات ملائمة للمحاسبة الأفقية بين الدول. الانتقاد المحافظ للأمم المتحدة مقنع جدا، برغم أنها مفيدة لبعض عمليات حفظ السلام وبناء الدول، يعوز الأمم المتحدة الشرعية الديموقراطية والفعالية في التعامل مع القضايا الأمنية الخطيرة. لا يكمن الحل بتقوية هيئة عالمية واحدة، وإنما في تعزيز ما برح يبرز في أي حدث، أي ((عالم أكثر تعددا)) من مؤسسات دولية متوافقة، ومتنافسة أحيانا، أقيمت على أسس إقليمية أو وظيفية. شكلت كوسوفو في العام 1999 نموذجا: عندما منع الفيتو الروسي مجلس الأمن من التصرف، نقلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي مكان الدعوة ببساطة إلى الحلف حيث لا يستطيع الروس إعاقة العمل. المجال الأخير الذي يحتاج إلى إعادة تفكير، والذي سيناقش أكثر من غيره على مدى الأشهر والأعوام المقبلة، هو موقع إرساء الديموقراطية في السياسة الخارجية الأميركية. سيكون أسوأ إرث يمكن أن يتأتى من حرب العراق، ردة فعل معادية للمحافظية الجديدة تجمع انحرافا حادا باتجاه الانعزالية مع سياسة واقعية متشائمة تضع الولايات المتحدة في صف استبداديين ودودين. يعتبر الحكم الجيد، الذي لا يتضمن فقط ديموقراطية، وإنما أيضا حكم القانون والنمو الاقتصادي، حاسما للوصول إلى النتائج التي نرغب بها، من التخفيف من الفقر والتعامل مع الأوبئة إلى السيطرة على النزاعات العنيفة. بناء عليه، تعتبر سياسة ولسونية تعير انتباها لكيفية معاملة الحكام لمواطنيهم صحيحة، لكنها بحاجة لأن تعطى بعض الواقعية التي كانت غائبة عن تفكير إدارة بوش في ولايتها الأولى وعن حلفائها من المحافظين الجدد. إننا بحاجة لأن نفهم، في المقام الأول، أن إرساء الديموقراطية والتحديث في الشرق الأوسط ليسا حلا لمشكلة الإرهابيين الجهاديين؛ سيجعلان، في كل الاحتمالات، المشكلة القصيرة الأمد أكثر سوءا، كما رأينا في حالة الديمقراطية الفلسطينية التي أوصلت حماس إلى السلطة. الإسلام الراديكالي هو نتيجة ثانوية ملازمة للحداثة نفسها، ينشأ من فقدان الهوية الذي يرافق الانتقال إلى مجتمع حديث وتعددي. ليس صدفة أن العديد من الإرهابيين الحديثين، أمثال محمد عطا وقاتل المخرج الهولندي تيو فان غوغ إلى مفجري أنفاق لندن، قد أصبحوا راديكاليين في أوروبا الديموقراطية وهم متآلفون بشكل حميم مع جميع نِعَم الديموقراطية. مزيد من الديموقراطية في بيئة لم تتهيأ لجرعاتها بعد ، يعني المزيد من التغريب والتطرف ولسوء الحظ الإرهاب. إلا أن مشاركة سياسية أوسع للمجموعات الإسلامية ستحصل على الأرجح مهما فعلنا، وستكون الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها للإسلام الراديكالي أن يجد طريقه عبر القوام السياسي للجماعات المسلمة حول العالم. مضى زمن طويل منذ كان الاستبداديون الودودون قادرين على حكم شعوب سلبية وعلى إنتاج استقرار إلى ما لا نهاية. تجري تعبئة الناشطين الاجتماعيين الجدد في كل مكان، من بوليفيا وفنزويلا وجنوب إفريقيا إلى الخليج الفارسي. لا يمكن إقامة سلام إسرائيلي فلسطيني بواسطة حركة فتح الفاسدة التي لا تحظى بالمشروعية والقلقة باستمرار من حماس التي تتحدى سلطتها. يمكن أن يبرز السلام، في وقت ما خلال الطريق، من سلطة ضعيفة في فلسطين تديرها مجموعة إرهابية راديكالية سابقة أجبرت على التعامل مع حقائق الحكم. إن كنا جادين بشأن برنامج الحكم الجيد، فعلينا أن ننقل تركيزنا نحو إصلاح وإعادة تنظيم والتمويل الملائم لمؤسسات الحكومة الأميركية تلك التي تعمل حاليا على إرساء الديموقراطية والتطور وحكم القانون حول العالم، منظمات مثل وزارة الخارجية و((يو اس ايد)) والمنح الوطنية للديموقراطية ومثيلاتها. غالبا ما أدت الولايات المتحدة دورا حاسما في المساعدة في العديد من التحولات الديموقراطية، بينها ما حدث في الفيليبين في العام 1986؛ وكوريا الجنوبية وتايوان في 1987؛ وتشيلي في 1988؛ وبولندا والمجر في 1989؛ وصربيا في 2000؛ وجورجيا في 2003؛ وأوكرانيا في 20052004. لكن الدرس المهيمن الذي يبرز من خلال هذه الحالات هو أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقرر أين ومتى وكيف ستحصل الديموقراطية. من حيث المبدأ، لا يمكن للأغراب أن ((يفرضوا)) ديموقراطية على بلد لا يريدها او لم يتهيأ لها . يجب أن يكون طلب الديموقراطية والإصلاح محليا .إرساء الديموقراطية، إذاً، هو عملية طويلة المدى و (( انتهازية )) يجب أن تنتظر النضج التدريجي للظروف السياسية والاقتصادية لتكون فعالة. تبعد إدارة بوش أو في الواقع، تهرول عن إرث ولايتها الأولى، كما تبرهن المقاربة المتعددة الجوانب والحذرة التي اعتمدتها حيال البرنامجين النوويين لإيران وكوريا الشمالية. ألقت كوندليسا رايس خطابا رزينا في كانون الثاني الماضي حول ((الديموقراطية التحولية)) وقد بدأت محاولة لإعادة تنظيم الوجه غير العسكري لمؤسسة السياسة الخارجية، في وقت تتم إعادة صياغة وثيقة استراتيجية الأمن القومي. هذه كلها تغييرات مرحب بها، لكن إرث السياسة الخارجية لولاية بوش الأولى وداعميها من المحافظين الجدد كان استقطابيا إلى حد أنه سيكون من الصعب جدا إجراء نقاش منطقي بشأن كيفية موازنة المثل والمصالح الأميركية على نحو ملائم خلال السنوات المقبلة. يمكن لردة الفعل ضد سياسة خاطئة أن تكون مضرة بقدر ما هي عليه السياسة نفسها، وردة فعل كهذه هي استرسال لا يمكن تحمله، نظرا للحظة الحرجة التي وصلنا إليها في السياسات العالمية. باتت المحافظية الجديدة، أيا تكن جذورها المعقدة، مقرونة بشكل يتعذر إزالته بمفاهيم مثل التغيير القسري للأنظمة والأحادية والهيمنة الأميركية. المطلوب الآن هو أفكار جديدة، لا من المحافظية الجديدة ولا من الواقعية، حول كيف يجب أن تقيم الولايات المتحدة علاقاتها مع بقية العالم أفكار تحفظ اعتقاد المحافظية الجديدة بعالمية حقوق الإنسان، من دون أوهامها حول فعالية القوة والهيمنة الأميركيتين في إحداث هذه النتائج. * مفكر امريكي من اشهر مؤلفاته كتاب ( نهاية التاريخ ).
مابعد اليبرالية الجديدة
أخبار متعلقة