شخصيات خالدة
فرجينيا وولف أديبة وروائية بريطانية (1882 - 1941) تعتبر من أهم أدباء بريطانيا ورائدة في حركة التحديث في الأدب وساهمت بشكل هام في تغيير شكل الرواية الإنجليزية، إذ نجح حسها التجريبي في تطوير الأسلوب الشعري في السرد القصصي والروائي حيث اعتمدت تقنيتها الروائية ما يعرف نقديا بتيار الوعي، حيث تستشف حياة شخصياتها من خلال الغور داخل أفكارهم و استدعاء خواطرهم بما يسمي باستثارة حالات الذهن الإدراكية، حسيا ونفسيا، والتي تشكل نماذج وتداعيات الوعي البشري. ولدت فرجينيا ستيفن عام 1882 لأسرة محافظة لأب يعمل مؤرخا وناقدا أدبيا هو ليزلي ستيفن وأمها جوليا جاكسون داكوورث من نسل عائلة داكوررث التي اشتهرت بالطباعة والنشر. تلقت فرجينيا وشقيقتها فينيسا (التي ستغدو الرسامة فينيسيا بيل فيما بعد) تعليمهما في المنزل وفق عادة تلك الأيام فيما انضم شقيقيها إلي التعليم النظامي في المدارس والجامعات حيث اعتمدت وأختها على مكتبة أبيهما لتحصيل الثقافة، الأمر الذي دفع فرجينيا للاستياء من عدم المساواة في معاملة الولد والبنت. ظلل الحزن حياة فرجينيا بسبب الصدمات التي تعرضت لها في طفولتها،أول تلك الصدمات كانت التحرش الجنسي من قِبل أخيها غير الشقيق، وعندما بلغت 12 عاما توفيت والدتها في العام 1894. لتحل أختها غير الشقيقة محل والدتها لكنها ماتت أيضا بعد أقلِ من عامين، وأصيب والدها بمرض السرطان ليتوفي في العام 1904 وبعد عامين من وفاة والدها توفي أخيها في الغربة مع بداية إصابتها بالانهيار النفسي والعقلي المزمن الذي لازمها طوال حياتها ، وبعد زواج أختها وانتقالها لمدينة أخرى بدأت تشعر بالوحدة لتجد متنفسها الوحيد في كتابة يومياتها. وفي العام 1906 أصيبت بانهيار عصبي استدعى دخولها إلى المصحة العقلية، وهناك انتخبت ملكة جمال للمجنونات في المستشفى. وحين خرجت أصر عليها طبيبها على أن تعيش بهدوء كامل بعيدا عن ضجيج المدن وناسها ما أمكن ذلك لهذا ذهبت لتعيش في كامبريدج فترة من الزمن عند عمتها، ولم تتركها إلا بعد أن سمح لها طبيبها. بعد عودتها إلى لندن عملت في التدريس لمدة سنتين إلا أنها اعتبرت تجربتها تلك غير مجدية،الا أن صحتها استقرت وأستأنفت حياتها بشطل طبيعي بالرغم من انها كانت صاحبة شخصية قلقة، وتخاف جدا من الغرباء والأصدقاء الجدد، تحبذ عدم الاختلاط بأحد، ولذلك بدت طوال حياتها تقريبا إنسانة منهكة متعبة، لديها نوبات قنوط ويأس واكتئاب ذات أعراض واضحة جدا ، ما دفعها إلى رفض الزواج باعتبار أن مؤسسة الزواج تحد من حرية المرأة، إلا أنها وفي الثلاثين من عمرها تعرفت على شاب يهودي يدعى ليونارد وولف كان يعمل في المجال السياسي في سيلان يكتب تقارير دورية عن سيلان (سيريلانكا) و كان له دور مهم في تشجيعها على الكتابة والنشر، وفي فترة الحرب العالمية الأولى اشترت فرجينيا وزوجها مطبعة هوغارث. وباندلاع الحرب العالمية العالمية الثانية عادت فرجينيا الى الصحافة كتعبير عن موقف وطني، ومع تطورات الحرب ، بدأت فرجينا تشعر أنها تعيش في كابوس حقيقي راح يمزقها، ويدمر نفسيتها، وراحت تنظر إلى وجودها في الواقع كأنه وجود مزعج للبشرية كلها وليس لزوجها وأصدقائها فقط، وعاشت طوال شهور عديدة تعاني من صراع نفسي حاد ومزاج شخصي سيء. ساهمت تلك العوامل مجتمعة في زيادة تشويش عقل فرجينا وولف فعادت تشعر بالصداع الشديد، وراحت تتردد على الأطباء بكثرة ، فأرادت التخلص من كل معاناتها بأن ملأت جيوبها بالحجارة وألقت نفسها في نهر أوز في العام 1941.بدات فرجينيا بكتابة المقالات في العام 1905 في ملحق صحيفة التايمز الأدبي حيث نشرت خلال حياتها نحو 500 مقالة وقد اتسمت مقالاتها بالطابع الحواري والتساؤلي الذي يجعل من القارئ مخاطبا و مطالبا بالإدلاء برأيه. نشرت فرجينيا اول رواياتها في العام 1915 وكانت بعنوان رحلة إلى الخارج، وقد ألفت طوال حياتها 21 كتابا. دفع فرجينيا وولف دعم السماح لها بدخول المدرسة على غرار إخوتها الذكور للاحتجاج على ما تنطوي عليه تلك التفرقة من تدني نظرة المجتمع لفكر المرأة وجدارتها الذهنية للتعلم كما ساءها استكانة المرأة وقبولها الأمر على هذا النحو السلبي ، انضمت فرجينيا في مطلع شبابها إلى منظمات اجتماعية عديدة تدعو إلى المزيد من حرية المرأة. يعتقد العديد من النقاد أن فرجينا وولف آمنت بفكرة تحطيم الذات وعملت عليها حين أرادت طوال فترة شبابها استنزاف طاقات الجسد والعقل معا في تلبية الرغبات والنزوات، وزجر الذات التي تريد الإخلاد للراحة أو الهدوء، هذا ناهيك عن عدم التزامها بالقيود الاجتماعية وكانت طوال شبابها كثيرة السفر والسهر وفريسة للانهيارات العصبية والاضطرابات النفسية، كثيرة التردد على المستشفيات للعلاج والمراقبة.