- الإخوة.. الأخوات.. الحاضرون الكرام..إن استمرار عقد هذه الندوات تحت شعار (واحدية الثورة في مقاومة الاحتلال ونيل الاستقلال) يظل بادرة طيبة تحمل في طياتها بارقة أمل تحدو بنا نحو مستقبل مشرق بالوعي، مقرون بالتحدي لاسيما وعقد مثل هذه الندوة يأتي ووطننا الغالي يمر بظروف بالغة الصعوبة وتحيط به أجواء بالغة السوء، وتعترض سيره نحو المستقبل سلسلة من العقبات الكأداء، وتقف دون نهوضه جملة من المعادلات شديد التعقيد.ويسعدني ـ أيها الحضور الكرام- أن أشارك بورقة العمل هذه استجابة للدعوة الكريمة من الإخوة في دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة وصحيفة “26 سبتمبر”. وأن تكون الذكرى اليوبيلية الأربعين لثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة فرصة للحديث عن دور قطاع المرأة اليمنية في مواجهة الاستعمار.شاكرة لكم إتاحة مثل هذه الفرصة لي ولإخواني المناضلين في المشاركة في توثيق نضالات مختلف قطاعات الشعب إبان تلك الحقبة التاريخية من نضال شعبنا.الحضور الكرام..إن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن كهمزة وصل بين بلدان البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر والمحيط الهندي جعلها هدفاً لحملات التوسع والاحتلال من قبل الدول الاستعمارية الأوروبية الكبرى كالبرتغال وهولندا وإيطاليا وتركيا وبريطانيا.ونجحت بريطانيا في احتلال جزيرة بريم اليمنية في مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر وذلك في ابريل من عام 1799م، وذلك لحماية مستعمراتها في الهند من التهديدات الفرنسية بعد الحملة العسكرية الفرنسية على مصر عام 1798م والتي فشلت واضطرت بعدها الى الخروج من مصر عام 1801م.غير ان البريطانيين قاموا باحتلال جزيرة سقطرى في العام 1824م وكان الهدف هو احتلال عدن التي احتلوها بالقوة عام 1839م وأجبروا سلطان لحج حينذاك على توقيع اتفاقية إذعان توالى بعدها توقيع عدد من الاتفاقيات والمعاهدات مع سلاطين وأمراء باقي المحميات لتوسيع السيطرة الكاملة على ما كان يسمى بالمحميات أي الجنوب اليمني كله.واستمرت السياسة الاستعمارية البريطانية بعد ذلك في تقسيم وتجزئة البلاد الى أكثر من 25 ولاية صغيرة عبر شبكات من الاتفاقيات والمعاهدات حيث تم تسميتها لاحقاً بالمحميات الغربية وتضم خمس ولايات والمحميات الشرقية وتضم 19 ولاية، والحقت جميع المحميات بالحكومة الهندية حتى العام 1937م ثم الحقتها تحت حكم إدارة لندن مباشرة.ومع هزيمة الفاشية من قبل الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وما أفرزته من موازين قوى جديدة في مراكز القوى العالمية وتصاعد المد الثوري التحرري لحركات التحرر الوطني في المستعمرات والبلدان التابعة لها.. أضطر المستعمرون الانجليز من أجل إبقاء النظام الاستعماري في عدن والمحميات الى إجراء بعض التغييرات في الانظمة السياسية لهذه المنطقة موهمين الناس أنهم يدفعون بالمنطقة نحو الاستقلال فأنشأوا عام 1947م مجلساً تشريعياً في عدن تابعاً للمندوب السامي البريطاني يؤدي دور الإدارة التشريعية المحلية في تنفيذ السياسة البريطانية وقامت عدة محالاوت لطمس عروبة عدن بشكل عام ويمننتها بشكل خاص، فقوانين الجنسية والمواطنة جعلت الجنسية وبتسهيلات كبيرة لرعايا بريطانيا أولاً، ولأبناء الكومنولث ثانياً، وللمقيمين في عدن من اليمنيين والجاليات الأجنبية ثالثاً، وفي المقابل منعت الجنسية على اليمنيين القادمين من شمال الوطن او القادمين من المحميات من جنوب الوطن، ولكن هذه السياسة اصطدمت بمقاومة باسلة والزمت بريطانيا عبر مجلسها التشريعي ان تعترف باللغة العربية كلغة رسمية وذلك في العام 1955م.وفي عام 1958م جرت بعض التغييرات الطفيفة بإعطاء السكان حق انتخاب 12 عضواً في المجلس التشريعي من مجموع 23 عضواً، 15 أعضاء بحكم مناصبهم (ضابط أعلى من موظفي القائد، السكرتير العام المدعي العام، السكرتير المالي، وموظف حكومي) 6 أعضاء معينين من قبل الحاكم البريطاني.وعندما شعرت بريطانيا بتصاعد الرفض الشعبي لسياساتها عمدت في النصف الأخير من خمسينيات القرن الماضي الى الدعوة لإقامة الاتحاد الفيدرالي ورفعت العصا الغليظة لتحقيق مشروعها الجديد، وعبر القمع والتسريح الجماعي واجهت مظاهرات واضطرابات أكتوبر 1958م ضد مشروع الاتحاد الفيدرالي وانتخابات المجلس التشريعي وفرضت جملة من القوانين مثل: حالة الطوارئ على الصحافة وقانون منع الاضراب ومنع التبرعات.. الخ.وفي الاعوام 59 ـ 1963م عملت بريطانيا على إنشاء دولة اتحاد الجنوب العربي، وذلك بعد ضم عدن مع بقية الكيانات الأخرى، وأجبر الحكام على الانضمام الى هذا الاتحاد تحت قيادة الحاكم العسكري الانجليزي.لقد ولد هذا المشروع ميتاً كما ولد قبله المجلس التشريعي أمام تصاعد النضال الوطني في عدن ضد كل هذه المخططات الاستعمارية وتوصلت أجزاء من الحركة الوطنية اليمنية في الجنوب الى ان النضال السلمي والاقتصادي للعمال والطلاب والنساء وبقية فئات الشعب من أجل تحسين ظروفهم لن يتحقق إلا بانتهاج أسلوب الكفاح المسلح ضد الاستعمار وعملائه، وقد كان للدعم المادي والسياسي والعسكري والثقافي الذي قدمته مصر بزعامة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر أثره الايجابي في تعزيز صمود القوى الوطنية اليمنية في الدفاع عن ثورتي 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م المجيدتين.[c1]المسار التاريخي وتطور الحركة النسائية:[/c]عانت المرأة اليمنية كغيرها من نساء العالم في كل الأنظمة الاجتماعية المختلفة من اضطهاد مزدوج، اضطهاد ضمن إطار المجتمع واضطهاد ضمن إطار الأسرة.ضمن إطار المجتمع عانت كغيرها من قطاعات الشعب المختلفة من عسف الأنظمة الاجتماعية العبودية والاقطاعية وشبه الاقطاعية والاستعمارية ومن استغلال العلاقات الاجتماعية وما تفرزه من تشريعات وقوانين فلم تستطع المرأة ان تعبر عن رأيها في كافة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهي لم تحرم من حقها في المشاركة في الشأن العام وحسب، وانما حرمت وتحرم باستمرار من طرح رأيها فيما يتخذ من قرارات على مستوى الأسرة أيضاً وذلك بسبب جهلها أو بسبب القيود الاجتماعية التي فرضت عليها، وأسقطت عنها كثير من الحقوق كحقها في التعليم والعمل والتملك أو اختيار شريك حياتها، ولم يكن لها من حق سوى حق واحد وهو ان تنجب الأطفال وبشرط ان يكون هؤلاء الأطفال ذكوراً لأن الإناث غير مرغوب فيهن.وجدت المرأة بسبب هذا التمييز أنواعاً مختلفة من الظلم والاضطهاد فكان لابد من النضال للخلاص من كل ذلك ومن كل القيود التي تعيق حركتها.لم يكن الاستعمار حريصاً على نشر التعليم وخاصة تعليم البنت كما كان تعليم البنين لا يهدف الا الى تخريج عدد من الموظفين ليشغلوا وظائف إدارية بسيطة في أجهزة الدولة، ويعتبر عام 1935م معلماً بارزاً في تاريخ المرأة اليمنية إذ بدأ الآباء يقبلون تدريجياً على إرسال بناتهم الى المدارس.وكان لاستقلال عدد من البلدان العربية عقب الحرب العالمية الثانية وما تبع ذلك من اتصالات بين الدول العربية أثره الطيب والمثمر في توسيع نظرة المجتمع نحو التعليم بصورة عامة ومن حينها بدأت الدعوات المطالبة بتعليم المرأة تأخذ طريقها الى الصحافة اليمنية وقد تصدرت صحيفة “فتاة الجزيرة” ورئيس تحريرها الأستاذ محمد علي لقمان في نهاية الاربعينيات من القرن الماضي الدعوة لتعليم المرأة وإعطائها فرص التعليم مثل أخيها الرجل، وخصصت عدد من المقالات لمعالجة هذه القضية لتوعية الناس وحثهم على أهمية وضرورة ادخال بناتهم المدارس وتشجيعهم على ذلك واستمرار مواصلة تعليمهن حتى المراحل المتقدمة.لقيت هذه الدعوات استجابة وزادت جهود الأفراد لتعليم بناتهم وفتح البعض منازلهم لذلك كما افتتحت عدد من المدارس الخاصة بالبنات، فنشأ من ذلك تخرج جيل من الرعيل الأول من الفتيات اللاتي حصلن على قدر معين من التعليم اتاح لهن فرصة العمل في بعض المهن كالتدريس والتمريض وأعمال الطباعة والسكرتارية.كان التعليم إبان الاحتلال محدوداً وفي مناطق معينة حيث تمركزت مصالح الاستعمار الاقتصادية والسياسية وكان ينمو بذات المستوى الذي أخذت فيه المشاريع الاستعمارية في التوسع وقامت في حضرموت مبادرات أهلية لتعليم البنات حيث بادر الشيخ عبدالله الناخبي بفتح داره لتعليم المرأة وكانت زوجته وابنته تقومان بهذه المهمة النبيلة.ومنذ العام 1937 ظهرت بعض الجمعيات النسوية العاملة في الحقل الاجتماعي .. في مجال التخفيف من ويلات المصابين في الحوادث والكوارث عن طريق توزيع الأغذية والملابس للمنكوبين وتضميد جراح المصابين من الحوادث.وفي مجال الأمومة والطفولة كانت تقوم بالتوعية العلمية للنساء في الأحياء الفقيرة وتقدم الألبان للحوامل وتخيط الملابس للأطفال وتقدم لهن الارشادات والنصيحة في مجال تربية الأبناء، كما عملت المرأة في مجال الحركة الكشفية في الهلال الاحمر وبمحو الأمية في صفوف المرأة وفي مجالات متعددة من الخدمة الاجتماعية التطوعية.. كما كانت المرأة اليمنية تتجاوب مع القضايا العربية سواءً عن طريق التعبير عن آرائها عن طريق نشر المقالات او إقامة الندوات وإرسال المساعدات الاجتماعية النقدية والعينية الى الجهات المتضررة.وعلى الرغم من خروج الفتيات من الرعيل الأول الى ميدان العمل إلا أنهن لم يكن قادرات على أداء أدوارهن بفعالية بسبب القيود الاجتماعية المقيدة لحركتهن فظهرت بعض النداءات في الصحف للمطالبة بإعطاء المرأة نوعاً من الحرية وبرزت على صفحات الجرائد العديد من المقالات والحوارات التي تناقش مسألة الحجاب، وحق المرأة في العمل والمساواة مع أخيها الرجل، في القانون والمجتمع وحقها في تشكيل تنظيم نسائي خاص بها، كما أقيمت الندوات والمحاضرات تطالب المرأة بالتحرر من القيود الاجتماعية المعيقة، وقد شاركت بعض الفتيات في إبداء آرائهن حول كل ذلك والتي كانت مثار اهتمام الرأي العام حينه ولم ينحصر نضال المرأة اليمنية في المطالبة بفك القيود الاجتماعية التي كبلت بها لتعيق حركتها وانطلاقها نحو المساواة الحقيقية مع أخيها الرجل، وانما تجاوزت كل ذلك الى الفعل، حيث بادرت بعض الفتيات وخرجن سافرات في شوارع عدن وقمن بزيارة رؤساء تحرير الصحف حينها شارحات لهم وجهات نظرهن متحديات بذلك بعض المناوئين لخروج المرأة الى النشاط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي العام.وكان بين هؤلاء المناضلات رضية إحسان الله، نورا وصافيناز خليفة، نجاة محمد حسن خليفة، نفيسة عبدالله منذوق وغيرهن.وقد أثار فعلهن ذلك اهتمام الصحافة وتجاوبت مع مطالبهن صحيفة “العامل” التي كان يرأس تحريرها المناضل عبده خليل سليمان حيث نشرت في عددها رقم (10) الصادر في 27 سبتمبر 1959م خبراً قالت فيها:(خرجت ست فتيات من فتيات الشعب العربي في عدن خرجن سافرات وسرن في شوارع عدن، فكن موضع استغراب البعض واعجاب البعض الآخر، ودرن على مكاتب رؤساء تحرير الصحف ليعلن أن المرأة قد قررت ان تتخلص من الشيذر “الحجاب” وانها خرجت بالفعل ولن يثنيها عن طريقها كائن من كان.)وأضافت الصحيفة قائلة: “وتقول الأخبار ان الأيام القليلة المقبلة ربما شهدت ثورة اجتماعية تصنعها نساء بلادنا، فلا تستغرب إذا رأيت بعد اليوم نساء بلا خنة ولا شيذر”.ومن المقالات التي نشرت حول الموضوع مقال المناضلة نفيسة عبدالله مندوب “إحدى المشاركات في التظاهرات” في كتاب ثورة المرأة على الحجاب في جنوب في جنوب الجزيرة العربية الذي قدم له علي محمد لقمان تحت عنوان حرروا المرأة أولاً.قالت نفيسة: إن الرجعيين في بلادنا لا يريدون ان يفهموا ما تعنيه الدعوة الى السفور تلك الدعوة الشريفة التي تخدم الانسانية والتي تعمل على رقي المجتمع وتطوره، ولقد بدأت بعض الفتيات في السفور وعارضهن رجال الدين الذين حملوا عليهن حملة شعواء”.وأضافت قائلة: “إنني شخصياً قد طويت الحجاب الى الابد واقتحمت معترك الحياة سافرة الوجه قوية الإيمان أكسب الرزق الحلال وأساهم مساهمة فعالة في بناء مجتمع سليم فماذا كانت نتيجة سفوري؟! لم تحدث ضجة ولا دوي انفجار في أوساط المتزمتين كما يتوهم بعض الرجال والنساء.. لقد سارت الأمور طبيعية كما كنت اتوقع، واستفدت كثيراً من سفوري، توسعت آفاق تجاربي في الحياة، أطللت على الحياة بوجهي وقلبي وفكري بعد ان كنت لا اعرف منها سوى فضاء خانق بين جدران أربعة ووجدت ان الكفاح الشريف لذة وللكسب الحلال متعة، وللخدمة الاجتماعية رسالة نبيلة، احترمني الرجال واحترمتهم، شعرت بانني مخلوق حي بكل معاني الحياة.. لي كرامة الحرية التي كنت مسلوبة منها وانني استطيع ان أكون عضواً عاملاً في بناء المجتمع السليم”.لقد حُرم المرأة والرجل معاً قبل الاستقلال من المشاركة في الحياة السياسية.. ومع هذا ظل للمرأة دور كبير في دعم المشاركة المفتوحة للرجل في النشاطات السياسية المختلفة مما عكس وعي المرأة السياسي المتقدم.واستمر الحال حتى الخمسينات من القرن الماضي عندما انطلقت الحركة القومية العربية والانسانية لتفرض نفسها على واقع الحياة السياسية التي شارك فيها الرجل والمرأة معاً، وهبت المرأة بقوة تؤيد القضية الفلسطينية والثورة الجزائرية والثورة المصرية فخرجت الى الشوارع تجمع التبرعات، وكان أكثر ابتهاجاً هو احتفالها بجلاء القوات البريطانية عن قناة السويس عام 1956م.واتحدت مع الرجل في العمل الوطني اليمني في المطالبة بجلاء القوات البريطانية عن الجنوب.ومع العام 1958م بدأت الحركة النسائية في التطور بشكل نسبي حيث تمكنت بعض الفتيات اليمنيات اللاتي اتيحت لهن فرصة التردد على نادي نساء عدن “الذي كانت تديره زوجة المندوب السامي البريطاني مع زوجات بعض الجنود الانجليز، حيث كانت تصطحبهن مدرساتهن الانجليزيات والهنديات الى ذلك النادي ومع مرور الزمن زاد عدد الفتيات اليمنيات في هذا النادي.وبعد تطور نضال الحركة النسائية ومن أجل احتواء نضالها سمح الاستعمار بإنشاء أول مؤسسة نقابية للمرأة في تاريخ البلاد وبذلك تأسست جمعية المرأة العدنية برئاسة المناضلة الفقيدة رقية ناصر “أم صلاح محمد علي لقمان” ومشاركة كل من المناضلات نبيهة حسن علي، عيشة بازرعة، صفية جعفر، قدرية علي جعفر، فاطمة هانم، فريال فكري وأخريات، واقتصر نشاط الجمعية على بعض الاعمال الخيرية والأنشطة الاجتماعية وتعليم اللغة الانجليزية.ومع نمو الوعي السياسي في صفوف المرأة في مدينة عدن، اتضح لها عجز قيادات “جمعية المرأة العدنية” عن تحويل الحركة النسائية من حركة النخبة الى حركة اجتماعية حيث كان العمل السياسي الوطني في هذه الفترة قد بدأ ينمو وينشط وتجسد ذلك في المظاهرة العنيفة التي قادتها الحركة النسائية في العام 1959م احتجاجاً على اساليب السلطة الاستعمارية الوحشية في قمع الجماهير.وفي الأول من يناير من العام 1960م تكونت “جمعية المرأة العربية” بقيادة المناضلات رضية إحسان الله، نورا وصافيناز خليفة وليلى جبلي حيث جاء تأسيسها كفرع تابع لحزب البعث العربي الاشتراكي في عدن.ولعل أهم انتفاضة قامت بها المرأة اليمنية هي انتفاضة طالبات كلية البنات في خورمكسر ـ مدينة عدن- وذلك في الأول من فبراير من العام 1962م ضد السياسة التعليمية البريطانية الهادفة الى مسخ الشخصية الوطنية عن طريق فرض مناهجه الاستعمارية المعيقة لانطلاق المرأة وتطويق مبادراتها المستقبلية وأعلنت الاضراب العام والخروج في مظاهرات حاشدة سرعان ما تجاوب معها الطلاب في مدارس البنين، واشتركا معاً في مظاهرات صاخبة تندد بالاستعمار ومشاريعه، جابت معظم شوارع عدن عدة أسابيع، لم تستطع القنابل المسيلة للدموع ولا التهديدات او الاعتقالات او التسفير او النفي او المحاكمات اخمادها مما دفع بالسلطة الاستعمارية الى اغلاق كلية البنات سنة كاملة ومدارس البنين عدة اسابيع عقاباً لهن على انتفاضتهن.لقد تعرضت ست طالبات للغرامة بعد المحاكمة وهن المناضلات عيشة سعيد تاليه، أنيسة سليمان، نجاة راجح، منيرة محمود منيباري، هيام معتوق، وعادلة صالح عوض، بعدها لم تجد السلطة الاستعماري سوى الرضوخ الى مطالبهن بعد سلسلة محاولات فاشلة لاجهاض الانتفاضة وتمييعها .. إلا أن التحول الحاسم الذي شهدته بلادنا منذ أكتوبر 1963م بانتهاج أسلوب النضال المسلح ضد المستعمر وعملائه في المنطقة قد دفع المرأة الى المشاركة بفعالية ووعي أكبر في النضال من أجل الحرية والسيادة والاستقلال، فخلال السنوات الأربع من الكفاح المسلح ضد الاستعمار شاركت أعداد كبيرة من النساء في عدن وفي الأرياف في هذا الكفاح فقد ساندن وانضممن الى الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل والى جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل كأعضاء قدن المظاهرات في الشوارع، وقمن بتوزيع المنشورات والبيانات الثورية، حملن الرسائل الشفوية والمكتوبة والأسلحة والذخائر عبر نقاط التفيش العسكرية البريطانية وقمن بتوفير الغذاء للمناضلين في الجبهات وفي رصد تحركات الأعداء وتزويد الثوار بالمعلومات كما تصدرن الاضرابات والاعتصامات وقمن باخفاء الفدائيين في منازلهن وبتوعية النساء وتعبئتهن للوقوف الى جانب الثورة إضافة إلى القيام بحملة التبرعات للثورة، كما أسهمت المرأة في تضالات النقابات العمالية وفي تكوين النقابات الست عام 1966م والتي وقفت الى جانب الثورة.. كما كان للفتاة اليمنة دور متنامٍ في نضالات الحركة الطلابية ودورها المعروف في النضال ضد الوجود الاستعماري وبهدف انتصار ثورة 14 أكتوبر المجيدة.لقد لعبت المرأة دوراً هاماً في نجاح الكفاح المسلح وأسهمت في خوض مختلف أشكال النضال السياسي التحرري منذ اللحظات الأولى للثورة، وقد حملت السلاح وقاتلت ضد قوات الاحتلال البريطاني أذكر هنا على سبيل المثال الفقيدة المناضلة (دعرة بنت سعيد لعضب) رفيقة نضال أول شهيد للثورة الشهيد راجح بن غالب لبوزة اللذين دافعا معاً عن ثورة 26 سبتمبر المجيدة والمناضلة الفقيدة صالحة “أم الشهيد علي شايع هادي” والمناضلة الفقيدة فاطمة ناصر مثنى والمناضلة نعمة بنت سعيد والمناضلة الشهيدة خديجة الحوشبية التي كانت قائدة لكتيبة مقاتلة.كما ساهمت المرأة في تحرير المناطق اليمنية وفي حراسة هذه المناطق المحررة.إن هذه المشاركة وان كانت محدودة في إطار ظروف المنطقة حينها إلا أنها كانت ذات محتوى عظيم ومدلول كبير، فقد عبرت عن رفض المرأة اليمنية للاستعباد والاضطهاد والظلم الذي فرض عليها وعكس وعياً سياسياً وطنياً متقدماً للمرأة اليمنية، وفي خضم ذلك النضال الوطني التحرري تشكل القطاع النسائي للجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، والذي لعب دوراً بارزاً وموازياً لدور مختلف قطاعات الشعب الأخرى، واستطاع ان يسهم وبوعي في تحرير الوطن، وقد تشكلت أولى الحلقات النسائية في العام 1963م من المناضلات الفقيدة نجوى مكاوي، فتحية باسنيد، آمنة يافعي، أنيسة احمد سالم، وفي العام 1964م استطاع قطاع المرأة وبمساعدة رفاقه في التنظيم ان يبني قطاعاً نسائياً منظماً قادته المناضله الفقيدة زهرة هبة الله علي التي وصلت الى أعلى المراتب التنظيمية في مدينة عدن وهي الشعبة.لقد كانت المراتب التنظيمية للقطاع النسائي للجبهة القومية تتكون من التالي:الحلقة، الخلية القيادية، الرابطة، الشعبة.الشعبة: وكانت ترأسها زهرة هبة اللهالرابطة: وكانت تتكون من: نجوى مكاوي، فتحية باسنيد، عائدة علي سعيد، فوزية محمد جعفر، ثريا منقوش، أنيسة الصائغ، فطومة علي احمد.الخلايا القيادية:1ـ الخلية القيادية لمنطقة كريتر وخورمكسر وتكونت من: آمنة عثمان يافعي، سلوى مبارك، نسيم عبدالخالق، أنيسة احمد سالم وعيشة سعيد نالية وأخريات.2ـ الخلية القيادية لمنطقة المعلا والتواهي وتضم: رجاء احمد سعيد، وشفيقة مرشد احمد وأخريات.3ـ الخلية القيادية لمنطقة الشيخ عثمان ودار سعد وتضم: نجيبة محمد عبدالله، أسمهان عقلان، خولة شرف وأخريات.4ـ الخلية القيادية لمنطقة البريقة والحسوة وتضم: نجوى سعيد، ووفاء عبدالملك.وتأتي تحت مسؤولية هذه الخلايا القيادية العشرات من الخلايا القاعدية والانصار، أذكر منهم على سبيل الذكر:1ـ كريتر وخورمكسر: الهام سليمان بهيجي، ملكة موثي، زينب السقاف، سعاد عثمان يافعي، أنيسة عبود، الهام عيدروس، سلوى سليمان، أنيسة سليمان، مريم احمد طاهر، سهام احمد عبدالمجيد، فتحية وأسماء بديجي، أم الخير قاسم، فريال حسين، حرم الطيطي، حرم عبدالرحمن فارع، عائشة علي عيد، عائدة علوي، أنيسة ناجي، منيرة محمد جعفر وأخريات.2ـ المعلا والتواهي: فطوم عبداللطيف، آسيا مرشد، سميرة قائد محمد، شفيقة احمد طاهر، أنيسة احمد طاهر، زينب قائد نعمان، عيشة محسن، هدى عبده محمد، حياة محسن، رجاء احمد سالم، فوزية عبده عمر، سميرة عبدالكريم، نجاة عبدالله حسين، الفقيدة نجاة علي سعيد، راوية محمد حسين، هدى يوسف الحبيشي، سميرة الخطيب، فتحية الطحس، نجيبة سعيد صالح، نورية فارع، نوال قاسم سيف.3ـ الشيخ عثمان ودار سعد: شفيقة علي صالح، خديجة قاسم، شفيقة عبدالمجيد عراسي، شفيقة علي قاسم، أمون وسي، صباح احمد شرف، حمدة سيف وأخريات.4ـ البريقة والحسوة: نعمة علي احمد وحورية مشهور وأخريات.كما ضم القطاع النسائي في لحج الأخوات المناضلات التالية أسماؤهن: سعود مهدي المنتصر، زريقة احمد عبدالرحمن، قدرية احمد عبدالرحمن، بلقيس عمر الشاويش، سعود محبوب، فتحية علي عبداللطيف، خديجة شرف، حسن محمود وأخريات، ومن الطالبات عدوية ناجي، سلوى شوكرة، أفراح شاهر، أنيسة الشعبي.لقد تميزت المناضلات في القطاع النسائي التابع للجبهة القومية بصفات الولاء المبدئي للوطن اليمني ووحدته والتمسك بأهداف ومبادئ الثورة مع الانضباط الواعي للنظام الداخلي وقرارات الهيئات واحترامها والالتزام بما كانت تكلف به إضافة الى التثقيف الذاتي المستمر ومتابعة كافة التطورات السياسية.كما لعب القطاع النسائي بجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل دوراً لا يقل أهمية تحت قيادة المناضلات رضية إحسان، نعمة سلام، حياة حداد، نفيسة منذوق، بهجة عبدالله سوقي، زنوبة حميدان، نورا وصافيناز خليفة، ليلى جبلي، رضية احمد هادي، هناء حامد خان، وبنفس القدر من الحماس لعب القطاع النسائي لحزب الاتحاد الديمقراطي الشعبي دوراً لا يستهان به، ونتيجة لكل هذه الأدوار البطولية التي كانت تقوم بها المرأة فقد واجهت نفس التعسفات الاستعمارية التي لاقاها الرجل فزج بها في السجون ولاقت كل الوان التعذيب والإرهاب وسقط البعض منهن شهيدات في سبيل القضية الوطنية أمثال الشهيدة خديجة الحوشبية.وبحسب شهادة المناضلة فوزية محمد جعفر فان المناضلة الفقيدة نجوى مكاوي امتطت دبابة بريطانية بعد قتل أفرادها في انتفاضة مدينة كريتر في 20 يونيو 1967م وقادتها في جميع أحياء المدينة تدعو أصحاب المطاعم والأفران والبقالات الى فتح متاجرهم لتقديم الخدمات للشعب وتوفير الغذاء. “نشرت في صحيفة الوحدة العدد 615 بتاريخ 16/10/2002م.لقد شكل نضال المرأة اليمنية علامات مضيئة في تاريخ شعبنا الوطني التحرري، فلنواصل مهما كان الطريق وعراً.. لنحيي باجلال أولئك الابطال والقادة العظام من أبناء شعبنا اليمني الذين قاوموا الحقبة الاستعمارية طوال التاريخ .. منذ الاحتلال المباشر في العام 1839م واخص بالذكر قادة الانتفاضات المسلحة التي قام بها شعبنا في مختلف المناطق من حضرموت والمهرة شرقاً مروراً بالعوالق وأبين ويافع والضالع وردفان الصبيحة ولحج وعدن، وكل من استجاب لنداء الوطن بالدفاع عن ثورة “26 من سبتمبر” 1962م وثورة “14 أكتوبر” المظفرة وإلى الثلاثين من نوفمبر 1967م.وشكراً لإصغائكم..
دور قطاع المرأة في مواجهة الاستعمار
أخبار متعلقة